كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 6
صفحة 1 من اصل 1
كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 6
والذين تصيبهم ضربة أو سقطة فقد يفصدون احتياطاً لئلا يحدث بهم ورم ومن يكون به ورم ويخاف انفجاره قبل النضج فإنه يفتصد وإن لم يحتج إليه ولم تكن كثرة.
ويجب أن تعلم أن هذه الأمراض ما دامت مخوفة ولم يوقع فيها فإن إباحة الفصد فيها أوسع فإن وقع فيها فليترك في أوائلها الفصد أصلاً فإنه يرقّق الفضول ( الفضلات ) ويجريها في البدن ويخلطها بالدم الصحيح وربما لم يستفرغ من المحتاج إليه شيئاً وأحوج إلى معاودات مجحفة فإذا ظهر النضج وجاوز المرض الابتداء والانتهاء فحينئذ إن وجب الفصد ولم يمنع مانع فصد .
ولا يفصدن ولا يستفرغن في يوم حركة المرض فإنه يوم راحة ويوم النوم والثوران للعلة وإذا كان المرض ذا بحرانات في مدّته طول ما , فليس يجوز أن يستفرغ دماً كثيراً أصلاً بل إن أمكن أن يسكن فعل وإن لم يمكن فصد وأخرج دماً قليلاً وخلف في البدن عدة دم لفصدات إن سنحت ولحفظ القوة في مقاومة البحرانات وإذا اشتكى في الشتاء بعيد العهد بالفصد تكسيراً فليفصد وليخلف دماً للعدة.
والفصد يجذبه إلى الخلاف تحبس الطبيعة كثيراً وإذا ضعفت القوة من الفصد الكثير تولدت أخلاط كثيرة والغشي ( الإغماء )يعرض في أول الفصد لمفاجأة غير المعتاد وتقدم القيء مما يمنعه وكذلك القيء وقت حدوث الفصد .
واعلم أن الفصد مثير إلى أن يسكن والفصد والقولنج (مَرَضٌ مِعَوِيُّ مُؤْلِمٌ، يَعْسُرُ معه خُروجُ البرازِ والرِّيحِ )قلما يجتمعان والحبلى والطامث لا تفصدان إلا لضرورة عظيمة مثل الحاجة إلى حبس نفث الدم القوي إن كانت القوة متواتية والأولى والأوجب أن لا تفصد بتة إذ يموت الجنين .
ويجب أن تعلم أنه ليس كلما ظهرت علامات الامتلاء المذكورة وجب الفصد بل ربما كان الامتلاء من أخلاط نيئة ( حديثة التكوين ) وكان الفصد ضاراً جداً فإنك إن فصدت لم ينضج وخيف أن يهلك العليل وأما من يغلب عليه السوداء ( فساد الدم ) فلا بأس بأن يفصد إذا لم يستفرغ بالإسهال بعد مراعاة حال اللون على الشرط الذي سنذكره واعتبار التمدد فإن تفشي التمدّد في البدن يفيد الحدس ( التخمين ) وحده بوجوب الفصد .
وأما من يكون دمِه المحمود ( الجيد ) قليلاً وفي بدنه أخلاط رديئة كثيرة فإن الفصد يسلبه الطيب ويختلف فيه الرديء ومن كان دمه رديئاً وقليلاً أو كان مائلاً إلى عضو يعظم ضرر ميله إليه ولم يكن بد من فصد فيجب أن يؤخذ دمه قليلاً ثم يغذى بغذاء محمود ثم يفصد مرة أخرى ثم يفصد في أيام ليخرج عنه الدم الرديء ويخلف الجيّد فإن كانت الأخلاط الرديئة فيه مرارية احتيل في استفراغها أولاً بالاسهال اللطيف أو القيء أو تسكينها واجتهد في تسكين المريض وتوديعه ( تهدئته ).
وإن كانت غليظة فقد كان القدماء يكلفونهم الاستحمام والمشي في حوائجهم وربما سقوهم قبل الفصد وبعده قبل التثنية السكنجبين (اسم لشراب يقمع الصفراء ) الملطف المطبوخ بالزوفا والحاشا ( أنواع من النباتات الفارسية ) .
وإذا اضطر إلى فصد مع ضعف قوة لحمى أو لأخلاط أخرى رديئة فليفرق الفصد كما قلنا.
والفصد الضيّق ( تضيق فتحة الجرح ) أحفظ للقوة لكنه ربما أسال اللطيف الصافي وحبس الكثيف الكدر .
وأما الواسع ( توسيع فتحة الجرح ) فهو أسرع إلى الغشي وأعمل في التنقية وأبطأ اندمالاً ( التئاماً ) و التوسيع في الشتاء أولى لئلا يجمد الدم .
والتضييق في الصيف أولى إن احتيج إليه وليفصد المفصود وهو مستلق فإن ذلك أحرى أن يحفظ قوّته ولا يجلب إليه الغشي.
وأما في الحمّيات فيجب أن يجتنب الفصد في الحميات الشديدة الالتهاب وجميع الحميات غير الحادة في ابتدائها وفي أيام الدور ويقلل الفصد في الحميات التي يصحبها تشنج.
وإن كانت الحاجة إلى الفصد واقعة لأن التشنج إذا عرض ( حدث) أسهر وأعرق عرقاً كثيراً وأسقط القوة فيجب أن يبقى لذلك كثيراً من الدم وكذلك من فصد محموماً ليس حده عن عفن فيجب أن يقل فصده ليبقى لتحليل الحمى فإن لم تكن شديدة الالتهاب وكانت عفنة فانظر إلى القوانين العشرة ثم تأمل القارورة ( إناء البول ) فإن كان الماء ( البول ) غليظاً إلى الحمرة وكان أيضاً النبض عظيماً والسحنة منتفخة وليس يبادر الحمّى في حركتها فافصد على وقت خلاء من المعدة عن الطعام.
وأما إن كان الماء رقيقاً أو نارياً ( بلون النار ) أو كانت السحنة منخرطة ( واهنة )منذ ابتداء المرض فإياك والفصد .
وإن كان هناك فترات للحمّى فليكن الفصد واعتبر حال النافض ( الحمي المسببة للرعشة ) فإذا كان النافض قوياً فإياك والفصد وتأمل لون الدم الذي يخرج فإن كان رقيقاً إلى البياض فاحبس في الوقت وتوق في الجملة لئلا يجلب على المريض أحد أمرين:
تهييج الأخلاط المرارية وتهييج الأخلاط الباردة
وإذا وجب أن يفصد في الحمى فلا يلتفت إلى ما يقال أنه لا سبيل إليه بعد الرابع فسبيل إليه إن وجب ولو بعد الأربعين.
هذا رأي " جالينوس " على أن التقديم والتعجيل أولى إذا صحت الدلائل فإن قصر في ذلك فأي وقت أدركته ووجب فافصد بعد مراعاة الأمور العشرة وكثيراً ما يكون الفصد في الحميات وأن لم يكن يحتاج إليه مقوياً للطبيعة على المادة بتقليلها هذا إذا كانت السحنة والسن وغير ذلك ترخّص فيه .
وأما الحمى الدموية فلا بد فيها من استفراغ بالفصد غير مفرط في الابتداء ومفرط عند النضج ( اشتداد الحمي ) وكثيراً ما أقلعت في حال الفصد ويجب أن يحذر الفصد في المزاج الشديد البرد والبلاد الشديدة البرد وعند الوجع الشديد وبعد الاستحمام المحلل وبعقب الجماع وفي السن القاصر عن الرابع عشر ما أمكن وفي سن الشيخوخة ما أمكن اللهم إلا أن تثق بالسحنة واكتناز ( تضخم ) العضل وسعة العروق وامتلائها وحمرة الألوان فهؤلاء من المشايخ ( كبار السن ) والأحداث ( صغار السن ) نتجرأ على فصدهم .
والأحداث يدرجون قليلاً قليلاً بفصد يسير ويجب أن يحذر الفصد في الأبدان الشديدة القضافة ( قلة اللحم ) والشديدة السمن ( السمنة الشديدة ) والمتخلخلة والبيض المترهلة والصفر العديمة الدم ما أمكن وتتوقاه ( تمتنع عنه ) في أبدان طالت عليها الأمراض إلا أن يكون فساد دمها يستدير ( يتطلب ) ذلك فافصد وتأمل الدم فإن كان أسود ثخيناً ( سميكاً ) فاخرج وإن رأيته أبيض رقيقاً فسد ( أغلق الجرح ) في الحال فإن في ذلك خطراً عظيماً ويجب أن تحذر الفصد على الامتلاء من الطعام كي لا تنجذب مادّة غير نضيجة ( ضارة ) إلى العروق بدل ما تستفرغ وأن تتوقّى ( تمتنع ) ذلك أيضاً على امتلاء المعدة والمعي من الثقل المدرك أو المقارب بل تجتهد في استفراغه , أما من المعدة وما يليها فبالقيء وأما من الأمعاء السفلي فيما يمكن ولو بالحقنة وتتوقى فصد صاحب التخمة ( الممتلئة معدته بالطعام ) بل تمهله إلى أن تنهضم تخمته .
وصاحب ضعف فم المعدة يتولد المرار (أَخْلاطُ الكَيْمُوساتِ الأَربع ِ، وهي: المِرارُ الأَحمرُ والمِرارُ الأَسْودُ والدمُ والمنيّ ) فيها فإن مثله يجب أن يتوقى التهور ( التسرع ) في فصده وخصوصاً على الريق.
وصاحب ضعف فم المعدة تعرفه من ضعف شهوته وأوجاع فم معدته وصاحب قبول فم معدته للمرار والكثير تولدها فيها تعرفه من دوام غثيانه ومن قيئه المرار كل وقت ومن مرارة فمه فهؤلاء إذا فصدوا من غير سبق تعهد لفم معدتهم عرض من ذلك خطر عظيم وربما هلك منهم بعضهم فيجب أن يلقم صاحب الضعف لقماً من خبز نقي مغموسة في رُبّ ( لبن رايب ) حامض طيب الرائحة وإن كان الضعف من مزاج بارد فمغموسة في مثل ماء السكر بالإفاويه أو شراب النعناع الممسك أو الميعة ( صمغ شجر السفرجل أو التفاح )الممسكة ثم يفصد .
وأما صاحب تولد المرار فيجب أن يتقيأ بسقي ماء حار كثير مع السكنجبين ثم يطعم لقماً ويراح يسيراً ثم يفصد ويحتاج أن يتدارك بدل ما يتحلآ من الدم الجيد إن كان قوياً بالكباب على نقله فإنه إن انهضم غذى غذاء كثيراً جيداً ولكن يجب أن يكون أقل ما يكون فإن المعدة ضعيفة بسبب الفصد وقد يفصد العرق لمنع نزف الدم من الرعاف أو الرحم أو المقعدة أو الصدر أو بعض الخراجات بأن يجذب الدم إلى خلاف تلك الجهة.
وهذا علاج قوي نافع ويجب أن يكون البضع ضيقاً جداً وأن تكون المرات كثيرة لا في يوم واحد إلا أن تضطر الضرورة بل في يوم بعد يوم وكل مرة يقلّل ما أمكن.
وبالجملة فإن تكثير أعداد الفصد أوفق من تكثير مقداره والفصد الذي لم تكن إليه حاجة يهيج المرار ويعقب جفاف اللسان ونحوه فليتدارك بماء الشعير والسكر ومن أراد التثنية ( تكرار الفصد ) ولم يعرض له من الفصدة الأولى مضرة فالج ( شلل ) ونحوه فيجب أن يفصد العرق من إليه طولاً ليمنع حركة العضل عن التحامه وأن يوسع وإن خيف مع ذلك الالتحام بسرعة وضع عليه خرقة مبلولة بزيت وقليل ملح وعصب فوقها وأن دهن مبضعه عند الفصد منع سرعة الالتحام وقلل الوجع وذلك هو أن يمسح عليه الزيت ونحوه مسحاً خفيفاً أو يغمس في الزيت ثم يمسح بخرقة.
والنوم بين الفصد والتئنية يسرع التحام البضع وتذكر ما قلناه من الاستفراغ في الشتاء بالدواء أنه يجب أن يرصد له يوم جنوبي فكذلك الفصد .
واعلم أن فصد الموسومين والمجانين والذين يحتاجون إلى فصد في الليل في زمان النوم يجب أن يكون ضيقاً لئلاّ يحدث نزف الدم وكذلك كل من لا يحتاج إلى التثنية.
واعلم أن التثنية تؤخر بمقدار الضعف فإن لم يكن هناك ضعف فغايته ساعة والمراد من إرسال دمه الجذب يوماً واحداً.
والفصد المورب ( الموفر ) أوفق لمن يريد التثنية في اليوم والمعرض لمن يريد التثنية في الوقت والمطول لمن لا يريد الاقتصار على تثنية واحدة ومن عزمه أن يترشّح عدة أيام كل يوم وكلما كان الفصد أكثر وجعاً كان أبطأ التحاماً.
والاستفراغ الكثير في التثنية يجلب الغشي إلا أن يكون قد تناول المثني شيئاً.
والنوم بين الفصد والتثنية يمنع أن يندفع في الدم من الفضول ما ينجذب لانجذاب الأخلاط بالنوم إلى غور البدن.
ومن منافع التثنية حفظ قوة المفصود مع استكمال استفراغه الواجب له وخير التثنيه ما أخر يومين وثلاثة.
والنوم بقرب الفصد ربما أحدث انكساراً في الأعضاء.
والاستحمام قبل الفصد ربما عسَر الفصد بما يغلظ من الجلد ويلينه ويهيئه للزلق إلا أن يكون المفتصد شديد غلظ الدم.
والمفتصد ينبغي له أن لا يقدم على امتلاء بعده بل يتدرج في الغذاء ويستلطفه أولاً وكذلك يجب أن لا يرتاض ( يمارس المشي والرياضة ) بعده بل يميل إلى الاستلقاء وأن لا يستحم بعده استحماماً محللاً ومن افتصد وتورم عليه اليد , افتصد من اليد الآخرى مقدار الاحتمال ووضع عليه مرهم الاسفيداج ( الزنك ) وطلى حواليه بالمبردات القوية وإذا افتصد من الغالب على بدنه الأخلاط صار الفصد علة لثوران تلك الأخلاط وجريانها واختلاطها فيحوج إلى فصد متواتر والدم السوداوي يحوج إلى فصد متواتر فيخف الحال في الحال ويعقب عند الشيخوخة أمراضاً منها السكتة والفصد كثيراً ما يهيج الحميّات وتلك الحميات كثيراً ما تتحلل العفونات وكل صحيح افتصد فيجب أن يتناول ما قلناه في باب الشراب.
واعلم أن العروق المفصودة بعضها أوردة وبعضها شرايين والشرايين تفصد في الأقل ويتوقى ما يقع فيها من الخطر من نزف الدم وأقلّ أحواله أن يحدث أنورسما وذلك إذا كان الشق ضيقاً جداً إلا أنها إذا أمن نزف الدم منها كانت عظيمة النفع في أمراض خاصة تفصد هي لأجلها وأكثر نفع فصد الشريان إنما يكون إذا كان في العضو المجاور له أعراض رديئة سببها دم لطيف حاد فإذا فصد الشريان المجاور له ولم يكن مما فيه خطر كان عظيم المنفعة والعروق المفصودة من اليد أما الأوردة فستة:
القيفال والأكحل والباسليق وحبل الذراع والأسيلم والذي يخص الإبطي وهو شعبة من الباسليق وأصلها القيفال .
ويجب في جميع الثلاثة أن يفتح فوق المأبض ( باطن الركبة ) لا تحته ولا بحذائه ليخرج الدم خروجاً جيداً كما يتروق ويؤمن أفات العصب والشريان وكذلك القيفال وفصده الطويل أبطأ لالتحامه لأنه مفصلي وفي غير المفصلي الأمر بالخلاف وعرق النسا والأسيلم ( ما بين الخنصر والبنصر ) وعروق أخرى , و الأصوب أن يفصد فيها طولاً ومع ذلك ينبغي أن يتنحّى في القيفال عن رأس العضلة إلى موضع اللين ويوسع بضعه ولا يتبع بضع بضعاً فيرم وأكثر من وقع عليه الخطأ في موضع فصد القيفال لم يقع بضربة واحدة وأن عظمت بل إنما تحدث النكاية بتكرير الضربات وإبطاء فصده التحاماً هو الذي في الطول ويوسع فصده إن أريد أن يثني وإذا لم يوجد هو طلب بعض شعبه التي في وحشي الساعد والأكحل فيه خطر للعصبة التي تحته وربما وقع بين عصبتين فيجب أن يجتهد ليفصد طولاً ويعلق فصده وربما كان فوقه عصبة رقيقة مممدودة كالوتر فيجب أن يتعرف ذلك ويحتاط من أن تصيبها الضربة فيحدث خدر مزمن.
ومن كان عرقه أغلظ فهذه الشعبة فيه أبين والخطأ فيه أشد نكاية فإن وقع الغلط فأصيبت تلك العصبة فلا تلحم الفصد وضع عليه ما يمنع التحامه وعالجه بعلاج جراحات العصب .
وإياك أن تقرب منه مبرًداً من أمثال عصارة عنب الثعلب والصندل بل مرخ ( دلك ) نواحيه والبدن كله بالدهن المسخن.
وحبل الذراع أيضاً الأصوب فيه أن يفصد مورباً إلا أن يكون مراوغاً من الجانبين فيفصد طولاً.
والباسليق عظيم الخطر لوقوع الشريان تحته فاحتط في فصده فإن الشريان إذا انفتح لم يرقأ الدم أو عسر رقوه.
ومن الناس من يكتنف باسليقه شريانان فإذا أعلم على أحدهما ظن أنه قد أمن فربما أصاب الثاني فعليك أن تتعرف هذا وإذا عصب ففي أكثر الأمر يعرض هناك انتفاخ تارة من الشريان وتارة من الباسليق فكيف كان فيجب أن تحل الرباط ويمسح النفخ مسحاً برفق ثم يعاد العصب فإن عاد أعيد إليك فإن لم يغن فما عليك لو تركت الباسليق وفصدت الشعبة المسماة بالإبطية وهي التي على أنسي الساعد إلى أسفل وكثيراً ما يغلط النفخ وكثيراً ما يسكن الربط والنفخ من نبض الشريان ويعليه ويشهقه فيظن وريداً فيفصد.
وإذا ربطت أي عرق كان فحدث من الربط عليه أشباه العدس والحمص فافعل به ما قلنا في الباسليق والباسليق كلما انحططت فيفصده إلى الذراع فهو أسلم.
وليكن مسلك المبضع في خلاف جهة الشريان من العرق وليس الخطأ في الباسليق من جهة الشريان فقط بل تحته عضلة وعصبة يقع الخطأ بسببهما.
أيضاً قد خبرناك بهذا وعلامة الخطأ في الباسليق وإصابة الشريان أن يخرج دم رقيق أشقر يثب وثباً ويلين تحت المجسة وينخفض فبادر حينئذ وألقم فم المبضع شيئاً من وبر الأرنب مع شيء من دقاق الكندر frankincense ( لبان ) ودم الأخوين ( نوع من الصبار ) والصبر والمر وتضع على الموضع شيئاً من القلقطار Colotar ( أكسيد الحديد الطبيعي , وهو ضرب من الزاج عند القدماء ) الزاج وترش عليه الماء البارد ما أمكن وتشقه من فوق الفصد وتربطه ربطاً بشد حابس فإذا احتبس فلا تحل الشد ثلاثة أيام وبعد الثلاثة يجب عليك أن تحتاط أيضاً ما أمكن وضمد الناحِية بالموابض ( الأربطة ) وكثير من الناس يبتر شريانه وذلك ليتقلص العرق وينطبق عليه الدم فيِحبسه وكثير من الناس مات بسبب نزف الدم ومنهم من مات بسبب ربط العضو وشدة وجع الربط الذي أريد بشده منع دم الشريان حتى صار العضو إلى طريق الموت.
واعلم أن نزف الدم قد يقع من الأوردة أيضاً واعلم أن القيفال يستفرغ الدم أكثر من الرقبة وما فوقها وشيئاً قليلاً مما دون الرقبة ولا يجاوز حد ناحية الكبد والشراسيف (غُضْروفٌ مُعَلَّقٌ بكلِّ ضِلَع ٍ، أو مَقَطُّ الضِّلَعِ؛ وهو الطَّرَفُ المُشْرِفُ على البَطْنِ ) ولا تنقي الأسافل (جمع أسفل ) تنقية يعتدّ بها والأكحل متوسّط الحكم بين القيفال والباسليق , والباسليق يستفرغ من نواحي تنور البدن إلى أسفل التنور وجعل الذراع مشاكل للقيفال والأسيلم يذكر أنه ينفع الأيمن منه من أوجاع الكبد والأيسر من أوجاع الطحال وأنه يفصد حتى يرقأ الدم بنفسه ويحتاج أن توضع اليد من مفصوده في ماء حار لئلا يحتبس الدم وليخرج بسهولة إن كان الدم ضعيف الانحدار كما هو في الأكثر من مفصودي الأسيلم .
وأفضل فصد الأسيلم ما كان طولاً.
والإبطي حكمه حكم الباسليق.
وأما الشريان الذي يفصد من اليد اليمنى فهو الذي على ظهر الكف ما ين السبابة والإبهام وهو عجيب النفع من أوجاع الكبد والحجاب المزمنة وقد رأى جالينوس هذا في الرؤيا إذ الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوّة كأن امراً أمره به لوجع كان في كبده ففعل فعوفي وقد يفصد شريان آخر أميل منه إلى باطن الكفّ مقارب المنفعه لمنقعته.
ومن أحب فصد العرق من اليد فلم يتأت فلا يلحف في الكي والعصب الشديد وتكرير البضع بل يتركه يوماً أو يومين فإن دعت ضرورة إلى تكرير البضع ارتفع عن البضعة الأولى ولا ينخفض عنها.
والربط الشديد يجلب الورم وتبريد الرفادة وترطيبها بماء الورد أو بماء مبرد صالح موافق.
ويجب أن لا يزيل الرباط الجلد عن موضعه قبل الفصد وبعده.
والأبدان القضيفة ( الممشوقة ) يصير شذ الرباط عليها سبباً لخلاء العروق واحتباس الدم عنها والأبدان السمينة بالإفراط فإن الإرخاء لا يكاد يظهر العرق فيها ما لم يشتد وقد يتلطف بعض الفصاد في إخفاء الوجع فيحدر( يحيط ) اليد لشدة الربط وتركه ساعة ومنه من يمسح الشعرة اللينة بالدهن.
وهذا كما قلنا يخفّ وجعه ويبطىء التحامه.
وإذا لم تظهر العروق المذكورة في اليد وظهرت شعبها فلتغمز اليد على الشعبة مسحاً فإن كان الدم عند مفارقة المسح ينصب إليها بسرعة فينفخها فصدت وإلا لم تفصد وإذا أريد الغسل جذب الجلد ليستر البضع وغسل ثم رد إلى موضعه وهندمت الرفادة وخيرها الكرية وعصبت وإذا مال على وجه البضع شحم ( دهن ) فيجب أن ينحى بالرفق ولا يجوز أن يقطع وهؤلاء لا يجب أن يطمع في تثنيتهم من غير بضع ( قطع ) واعلم أن لحبس الدم وشد البضع وقتاً محدوداً وإن كان مختلفاً فمن الناس من يحتمل ولو في حماه أخذ خمسة أو ستة أرطال من الدم ومنهم من لا يحتمل في الصحة أخذ رطل لكن يجب أن تراعي في ذلك أحوالأ ثلاثاً :
إحداها حقن الدم واسترخاؤه والثانية لون الدم وربما غلط كثيراً بأن يخرج أولاً ما خرج منه رقيقاً أبيض وإذا كان هناك علامات الامتلاء وأوجب الحال الفصد فلا يغترن بذلك وقد يغلظ لون الدم في صاحب الأورام لأن الورم يجذب الدم إ نفسه والثالثة النبض يجب أن لا تفارقه فإذا خاف الحقن أن يغير لون الدم أو صغر النبض وخصوصاً إلى ضعف فاحبس وكذلك إن عرض عارض تثاؤب وفواق ( زغطة ) وغثيان فإن أسرع تغيّر اللون بل الحقن فاعتمد فيه النبض وأسرع الناس صادرة إليه الغشي هم الحارو المزاج النحاف المتخلخلو الأبدان وأبطؤهم وقوعاً في الأبدان المعتدلة المكتنزة اللحم.
قالوا: يجب أن يكون مع الفصاد مباضع كثيرة ذات شعرة وغير ذات شعرة وذات الشعرة أولى بالعروق الزوالة كالوداج وأن تكون معه كبة ( لفة )من خز ( حرير خالي من القطن ) وحرير ومقيأ من خشب أو ريش وأن يكون معه وبر الأرنب ودواء الصبر والكندر ونافجة ( وعاء ) مسك ودواء المسك وأقراص المسك حتى إذا غشي و عرض لما يخاف في الفصد وربما لم يفلح صاحبه بادر فألقمه الكبة وقيأه بالآلة وشممه النافجة وجرعه من دواء المسك أو أقراصه شيئاً فتنتعش قوته وإن حدث بثق دم بادر فحسبه بوبر الأرنب ودواء الكندر وما أقلّ ما يعرض الغشي والدم بعد في طريق الخروج بل إنما يعرض أكثره بعد الحبس إلا أن يفرط على أنّه لا يبالي من مقاربة الغشي في الحميات المطبقة ومبادىء السكتة والأرام الغليظة العظيمة المهلكة وفي الأوجاع الشديدة ولا نعمل بذلك إلا إذا كانت القوة قوية فقد اتفق علينا أن بسطنا القول بعد القول في عروق اليد بسطاً في معان أخرى ونسينا عروق الرجل وعروقاً أخرى فيجب علينا أن نصل كلامنا بها فنقول:
أما عروق الرجل فمن ذلك عرق النسا ويفصد من الجانب الوحشي عند الكعب إما تحته وإما فوقه من الورك إلى الكعب ويلف بلفافة أو بعصابة قوية فالأولى أن يستحم قبله والأصوب أن يفصد طولاً وإن خفي من شعبة ما بين الخنصر والبنصر ومنفعة فصد عرق النسا في وجع عرق النسا عظيمة.
وكذلك في النقرس وفي الدوالي وداء الفيل. وتثنية عرق النسا صعبة.
ومن ذلك أيضاً الصافن (عِرْق ينغمس في الذِّراع ) وهو على الجانب الإنسي من الكعب وهو أظهر من عرق النسا ويفصد لاستفراغ الدم من الأعضاء التي تحت الكبد ولإمالة الدم من النواحي العالية إلى السافلة ولذلك يدر الطمث بقوة ويفتح أفواه البواسير.
والقياس يوجب أن يكون عرق النسا والصافن متشابهي المنفعة ولكن التجربة ترجح تأثير الفصد في عرق النسا في وجع عرق النسا بشيء كثير وكان ذلك للمحاذاة.
وأفضل فصد الصافن أن يكون مورباً إلى العرض ومن ذلك عرق مأبض الركبة يذهب مذهب الصافن إلا أنه أقوى من الصافن في إدرار الطمث وفي أوجاع المقعدة والبواسير.
ومن ذلك العرق الذي خلف العرقوب وكأنه شعبة من الصافن ويذهب مذهبه.
وفصد عروق الرجل بالجملة نافع من الأمراض التي تكون عن مواد مائلة إلى الرأس ومن الأمراض السوداوية وتضعيفها للقوة أشدّ من تضعيف فصد عروق اليد وأما العروق المفصودة التي في وهذه العروق منها أوردة ومنها شرايين.
فالأوردة مثل عرق الجبهة وهو المنتصب ما بين الحاجبين وفصده ينفع من ثقل الرأس وخصوصاً في مؤخره وثقل العينين والصداع الدائم المزمن والعرق الذي على الهامة يفصد للشقيقة وقروح الرأس وعرقا الصدغين الملتويان على الصدغين وعرقا المأقين وفي الأغلب لا يظهران إلا بالخنق .ويجب أن لا تغور البضع فيهما فربما صار ناصوراً وإنما يسيل منها دم يسير.
ومنفعة فصدهما في الصداع والشقيقة والرمد المزمن والدمعة والغشاوة وجرب الأجفان وبثورها والعشا وثلاثة عروق صغار موضعها وراء ما يدق طرف الأذن عند الإلصاق بشعره.
وأحد الثلاثة أظهر ويفصد من ابتداء المأق وقبول الرأس لبخارات المعدة وبنفع كذلك من قروح الأذن والقفا ومرض الرأس.
وينكر " جالينوس " ما يقال: أن عرقين خلف الأذنين يفصدهما المتبتلون ( رافضي الزواج أو العذارى ) ليبطل النسل ومن هذه الأوردة الوداجان وهما إثنان يفصدان عند ابتداء الجذام والخناق الشديد وضيق النفس والربو الحاد وبحة الصوت في ذات الرئة والبهق الكائن من كثرة دم حار وعلل الطحال ون.ويجب على ما خبرنا عنه قبل أن يكون فصدهما بمبضع ذي شعرة.
وأما كيفية تقييده فيجب أن يميل فيه الرأس إلى ضدّ جانب الفصد ليثور العرق ويتأمل الجهة التي هي أشد زوالاً فيؤخذ من ضد تلك الجهة ويجب أن يكون الفصد عرضاً لا طولاً كما يفعل بالصافن وعرق النسا ومع ذلك فيجب أن يقع فصده طولاً.
ومنها العرق الذي في الأرنبة وموضع فصده هو المتشقق من طرفها الذي إذا غمز عليه بالأصبع تفرق باثنين وهناك يبضع والدم السائل منه قليل.
وينفع فصده من الكلف وكدورة اللون والبواسير والبثور التي تكون في الأنف والحكة فيه لكنه أحدث حمرة لون مزمنة تشبه السعفة ويفشو في الوجه فتكون مضرته أعظم من منفعته كثيراً.
والعروق التي تحت الخششا مما يلي النقرة نافع فصدها من السدَرِ الكائن من الدم اللطيف والأوجاع المتقادمة في الرأس ومنها الجهاررك وهي عروق أربعة على كل شقة منها زوج فينفع فصدها من قروح الفم والقلاع وأوجاع اللثة وأورامها واسترخائها أو قروحها والبواسير والشقوق فيها ومنها العرق الذي تحت اللسان على باطن الذقن ويفصد في أورام اللوزتين ومنها عرق تحت اللسان نفسه يفصد لثقل اللسان الذي يكون من الدم ويجب أن يفصد طولاً فإن فصد عرضاً صعب رقاء دمه ومنها عرق عند العنفقة (ما بين الذَّقَن وطرف الشفة السفلى، كان عليها شعر أَو لم يكن ) يفصد للبخر ومنها عرق اللثة يفصد في معالجات فم المعدة.
وأما الشرايين التي في الرأس فمنها شريان الصداغ قد يفصد وقد يبتر وقد يسل وقد يكوى ويفعل ذلك لحبس النوازل الحادة اللطيفة المنصبة إلى العينين ولابتداء الانتشار.
والشريانان اللذان خلف الأذنين ويفصدان لأنواع الرمد وابتداء الماء والغشاوة والعشا والصداع المزمن ولا يخلو فصدهما عن خطر ويبطؤ معه الالتحام.
وقد ذكر " جالينوس " أن مجروحاً في حلقه أصيب شريانه وسال منه دم بمقدار صالح فتداركه " جالينوس " بدواء الكندر ( اللبان ) والصبر ودم الأخوين والمر فاحتبس الدم وزال عنه وجع مزمن كان في ناحية
ومن العروق التي تفصد في البدن عرقان على البطن: أحدهما موضوع على الكبد والآخر موضوع على الطحال ويفصد الأيمن في الاستسقاء والأيسر في علل الطحال , واعلم أن الفصد له وقتان : وقت اختيار ووقت ضرورة .
فالوقت المختار فيه صحوة النهار بعد تمام الهضم والنفض وأما وقت الاضطرار فهو الوقت الموجب الذي لا يسوغ تأخيره ولا يلتفت فيه إلى سبب مانع.
واعلم أن المبضع الكال ( غير الحاد ) كثير المضرّة فإنه يخطئ فلا يلحق ويورم ويوجع فإذا أعملت المبضع فلا تدفعه باليد غمزاً بل برفق بالاختلاس لتوصل طرف المبضع حشو العروق وإذا أعنفت فكثيراً ما ينكسر رأس المبضع انكساراً خفياً فيصير زلقا يجرح العرق فإن ألححت بفصدك زدت شراً. ولذلك يجب أن يجرب كيفية علوق المبضع بالجلد قبل الفصد به وعند معاودة ضربه إن أردتها واجتهد أن تملأ العرق وتنفخه بالدم فحينئذ يكون الزلق والزوال أقل.
فإذا استعصى العرق ولم يظهر امتلاؤه تحت الشد فحله وشدّه مراراً وامسحه وانزل في الضغط واصعد حتى تنبهه وتظهره وتجرب ذلك بين قبض إصبعين على موضع من المواضع التي تعلم امتداد العروق فبهما تحبس وتارة تحبس بأحدهما وتسيل الدم بالآخر حتى تحسّ بالواقف فشدّه عند الإشالة ( الرفع ) وجوزه ( أتركه )عند التخلية ( عكس الاحتباس ) ويجب أن يكون لرأس المبضع مسافة ينفذ فيها غير بعيدة فيتعداها إلى شريان أو عصب وأشد ما يجب أن يملأ حيث يكون العرق أدق ّ.
وأما أخذ المبضع فينبغي أن يكون بالإبهام والوسطى وتترك السبابة للجس وأن يقع الأخذ على نصف الحديدة ( نموذج للعملة ) ولا يأخذه فوق ذلك فيكون التمكن منه مضطرباً وإذا كان العرق يزول إلى جانب واحد فقابله بالربط والضبط من ضدّ الجانب وإن كان يزول إلى جانبين سواء فاجتنب فصده طولاً. واعلم أن الشد والغمز يجب أن يكون بقدر أحوال الجلد في صلابته وغلظه وبحسب كثرة اللحم ووفوره ( زيادته ) .
والتقييد يجب أن يكون قريباً وإذا أخفى التقييد العرق فعلم عليه واحذر أن يزول عن محاذاة العلامة عرقك في التقييد ومع ذلك فعلق الفصد وإذا استعصى عليك العرق وإشهاقه فشق عنه في الأبدان القضيفة ( الممشوقة ) خاصة واستعمل السنارة ووقوع التقييد والشد عند الفصد يمنع امتلاء العرق . واعلم أن من يعرق كثيراً بسبب الامتلاء فهو محتاج إلى الفصد وكثيراً ما وقع للمحموم المصدوع المدبر في بابه بالفصد إسهال طبيعي فاستغنى عن الفصد قطعاً.
المراجع
أنت ومتاعب الكبد والمرارة – كتاب الهلال الطبي
الدم – كتاب الهلال الطبي .
أنت ومتاعب القلب وضغط الدم – كتاب الهلال لطبي .
أنت ومتاعب الجهاز الهضمي - – كتاب الهلال الطبي.
الغدد الهرمونات - – كتاب الهلال الطبي .
سلامة صدرك - – كتاب الهلال الطبي .
أنت والروماتيزم - – كتاب الهلال الطبي .
حياتك بعد الأربعين - – كتاب الهلال الطبي .
قاموس ابن سينا الطبي .- د/ أيمن الحسيني .
قاموس حتي الطبي – د/ يوسف حتي .
الدواء من فجر التاريخ إلي اليوم – د/ رياض رمضان العلمي – سلسلة عالم المعرفة .
Fleischman, Dr. Gary F. Acupuncture: Everything You Ever Wanted to Know. Barrytown, NY: Station Hill, 1998.
Williams, Tom, Ph.D. The Complete Illustrated Guide to Chinese Medicine. Rockport, MA: Element, 1996.
مواقع على الشبكة العنكبوتية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ويجب أن تعلم أن هذه الأمراض ما دامت مخوفة ولم يوقع فيها فإن إباحة الفصد فيها أوسع فإن وقع فيها فليترك في أوائلها الفصد أصلاً فإنه يرقّق الفضول ( الفضلات ) ويجريها في البدن ويخلطها بالدم الصحيح وربما لم يستفرغ من المحتاج إليه شيئاً وأحوج إلى معاودات مجحفة فإذا ظهر النضج وجاوز المرض الابتداء والانتهاء فحينئذ إن وجب الفصد ولم يمنع مانع فصد .
ولا يفصدن ولا يستفرغن في يوم حركة المرض فإنه يوم راحة ويوم النوم والثوران للعلة وإذا كان المرض ذا بحرانات في مدّته طول ما , فليس يجوز أن يستفرغ دماً كثيراً أصلاً بل إن أمكن أن يسكن فعل وإن لم يمكن فصد وأخرج دماً قليلاً وخلف في البدن عدة دم لفصدات إن سنحت ولحفظ القوة في مقاومة البحرانات وإذا اشتكى في الشتاء بعيد العهد بالفصد تكسيراً فليفصد وليخلف دماً للعدة.
والفصد يجذبه إلى الخلاف تحبس الطبيعة كثيراً وإذا ضعفت القوة من الفصد الكثير تولدت أخلاط كثيرة والغشي ( الإغماء )يعرض في أول الفصد لمفاجأة غير المعتاد وتقدم القيء مما يمنعه وكذلك القيء وقت حدوث الفصد .
واعلم أن الفصد مثير إلى أن يسكن والفصد والقولنج (مَرَضٌ مِعَوِيُّ مُؤْلِمٌ، يَعْسُرُ معه خُروجُ البرازِ والرِّيحِ )قلما يجتمعان والحبلى والطامث لا تفصدان إلا لضرورة عظيمة مثل الحاجة إلى حبس نفث الدم القوي إن كانت القوة متواتية والأولى والأوجب أن لا تفصد بتة إذ يموت الجنين .
ويجب أن تعلم أنه ليس كلما ظهرت علامات الامتلاء المذكورة وجب الفصد بل ربما كان الامتلاء من أخلاط نيئة ( حديثة التكوين ) وكان الفصد ضاراً جداً فإنك إن فصدت لم ينضج وخيف أن يهلك العليل وأما من يغلب عليه السوداء ( فساد الدم ) فلا بأس بأن يفصد إذا لم يستفرغ بالإسهال بعد مراعاة حال اللون على الشرط الذي سنذكره واعتبار التمدد فإن تفشي التمدّد في البدن يفيد الحدس ( التخمين ) وحده بوجوب الفصد .
وأما من يكون دمِه المحمود ( الجيد ) قليلاً وفي بدنه أخلاط رديئة كثيرة فإن الفصد يسلبه الطيب ويختلف فيه الرديء ومن كان دمه رديئاً وقليلاً أو كان مائلاً إلى عضو يعظم ضرر ميله إليه ولم يكن بد من فصد فيجب أن يؤخذ دمه قليلاً ثم يغذى بغذاء محمود ثم يفصد مرة أخرى ثم يفصد في أيام ليخرج عنه الدم الرديء ويخلف الجيّد فإن كانت الأخلاط الرديئة فيه مرارية احتيل في استفراغها أولاً بالاسهال اللطيف أو القيء أو تسكينها واجتهد في تسكين المريض وتوديعه ( تهدئته ).
وإن كانت غليظة فقد كان القدماء يكلفونهم الاستحمام والمشي في حوائجهم وربما سقوهم قبل الفصد وبعده قبل التثنية السكنجبين (اسم لشراب يقمع الصفراء ) الملطف المطبوخ بالزوفا والحاشا ( أنواع من النباتات الفارسية ) .
وإذا اضطر إلى فصد مع ضعف قوة لحمى أو لأخلاط أخرى رديئة فليفرق الفصد كما قلنا.
والفصد الضيّق ( تضيق فتحة الجرح ) أحفظ للقوة لكنه ربما أسال اللطيف الصافي وحبس الكثيف الكدر .
وأما الواسع ( توسيع فتحة الجرح ) فهو أسرع إلى الغشي وأعمل في التنقية وأبطأ اندمالاً ( التئاماً ) و التوسيع في الشتاء أولى لئلا يجمد الدم .
والتضييق في الصيف أولى إن احتيج إليه وليفصد المفصود وهو مستلق فإن ذلك أحرى أن يحفظ قوّته ولا يجلب إليه الغشي.
وأما في الحمّيات فيجب أن يجتنب الفصد في الحميات الشديدة الالتهاب وجميع الحميات غير الحادة في ابتدائها وفي أيام الدور ويقلل الفصد في الحميات التي يصحبها تشنج.
وإن كانت الحاجة إلى الفصد واقعة لأن التشنج إذا عرض ( حدث) أسهر وأعرق عرقاً كثيراً وأسقط القوة فيجب أن يبقى لذلك كثيراً من الدم وكذلك من فصد محموماً ليس حده عن عفن فيجب أن يقل فصده ليبقى لتحليل الحمى فإن لم تكن شديدة الالتهاب وكانت عفنة فانظر إلى القوانين العشرة ثم تأمل القارورة ( إناء البول ) فإن كان الماء ( البول ) غليظاً إلى الحمرة وكان أيضاً النبض عظيماً والسحنة منتفخة وليس يبادر الحمّى في حركتها فافصد على وقت خلاء من المعدة عن الطعام.
وأما إن كان الماء رقيقاً أو نارياً ( بلون النار ) أو كانت السحنة منخرطة ( واهنة )منذ ابتداء المرض فإياك والفصد .
وإن كان هناك فترات للحمّى فليكن الفصد واعتبر حال النافض ( الحمي المسببة للرعشة ) فإذا كان النافض قوياً فإياك والفصد وتأمل لون الدم الذي يخرج فإن كان رقيقاً إلى البياض فاحبس في الوقت وتوق في الجملة لئلا يجلب على المريض أحد أمرين:
تهييج الأخلاط المرارية وتهييج الأخلاط الباردة
وإذا وجب أن يفصد في الحمى فلا يلتفت إلى ما يقال أنه لا سبيل إليه بعد الرابع فسبيل إليه إن وجب ولو بعد الأربعين.
هذا رأي " جالينوس " على أن التقديم والتعجيل أولى إذا صحت الدلائل فإن قصر في ذلك فأي وقت أدركته ووجب فافصد بعد مراعاة الأمور العشرة وكثيراً ما يكون الفصد في الحميات وأن لم يكن يحتاج إليه مقوياً للطبيعة على المادة بتقليلها هذا إذا كانت السحنة والسن وغير ذلك ترخّص فيه .
وأما الحمى الدموية فلا بد فيها من استفراغ بالفصد غير مفرط في الابتداء ومفرط عند النضج ( اشتداد الحمي ) وكثيراً ما أقلعت في حال الفصد ويجب أن يحذر الفصد في المزاج الشديد البرد والبلاد الشديدة البرد وعند الوجع الشديد وبعد الاستحمام المحلل وبعقب الجماع وفي السن القاصر عن الرابع عشر ما أمكن وفي سن الشيخوخة ما أمكن اللهم إلا أن تثق بالسحنة واكتناز ( تضخم ) العضل وسعة العروق وامتلائها وحمرة الألوان فهؤلاء من المشايخ ( كبار السن ) والأحداث ( صغار السن ) نتجرأ على فصدهم .
والأحداث يدرجون قليلاً قليلاً بفصد يسير ويجب أن يحذر الفصد في الأبدان الشديدة القضافة ( قلة اللحم ) والشديدة السمن ( السمنة الشديدة ) والمتخلخلة والبيض المترهلة والصفر العديمة الدم ما أمكن وتتوقاه ( تمتنع عنه ) في أبدان طالت عليها الأمراض إلا أن يكون فساد دمها يستدير ( يتطلب ) ذلك فافصد وتأمل الدم فإن كان أسود ثخيناً ( سميكاً ) فاخرج وإن رأيته أبيض رقيقاً فسد ( أغلق الجرح ) في الحال فإن في ذلك خطراً عظيماً ويجب أن تحذر الفصد على الامتلاء من الطعام كي لا تنجذب مادّة غير نضيجة ( ضارة ) إلى العروق بدل ما تستفرغ وأن تتوقّى ( تمتنع ) ذلك أيضاً على امتلاء المعدة والمعي من الثقل المدرك أو المقارب بل تجتهد في استفراغه , أما من المعدة وما يليها فبالقيء وأما من الأمعاء السفلي فيما يمكن ولو بالحقنة وتتوقى فصد صاحب التخمة ( الممتلئة معدته بالطعام ) بل تمهله إلى أن تنهضم تخمته .
وصاحب ضعف فم المعدة يتولد المرار (أَخْلاطُ الكَيْمُوساتِ الأَربع ِ، وهي: المِرارُ الأَحمرُ والمِرارُ الأَسْودُ والدمُ والمنيّ ) فيها فإن مثله يجب أن يتوقى التهور ( التسرع ) في فصده وخصوصاً على الريق.
وصاحب ضعف فم المعدة تعرفه من ضعف شهوته وأوجاع فم معدته وصاحب قبول فم معدته للمرار والكثير تولدها فيها تعرفه من دوام غثيانه ومن قيئه المرار كل وقت ومن مرارة فمه فهؤلاء إذا فصدوا من غير سبق تعهد لفم معدتهم عرض من ذلك خطر عظيم وربما هلك منهم بعضهم فيجب أن يلقم صاحب الضعف لقماً من خبز نقي مغموسة في رُبّ ( لبن رايب ) حامض طيب الرائحة وإن كان الضعف من مزاج بارد فمغموسة في مثل ماء السكر بالإفاويه أو شراب النعناع الممسك أو الميعة ( صمغ شجر السفرجل أو التفاح )الممسكة ثم يفصد .
وأما صاحب تولد المرار فيجب أن يتقيأ بسقي ماء حار كثير مع السكنجبين ثم يطعم لقماً ويراح يسيراً ثم يفصد ويحتاج أن يتدارك بدل ما يتحلآ من الدم الجيد إن كان قوياً بالكباب على نقله فإنه إن انهضم غذى غذاء كثيراً جيداً ولكن يجب أن يكون أقل ما يكون فإن المعدة ضعيفة بسبب الفصد وقد يفصد العرق لمنع نزف الدم من الرعاف أو الرحم أو المقعدة أو الصدر أو بعض الخراجات بأن يجذب الدم إلى خلاف تلك الجهة.
وهذا علاج قوي نافع ويجب أن يكون البضع ضيقاً جداً وأن تكون المرات كثيرة لا في يوم واحد إلا أن تضطر الضرورة بل في يوم بعد يوم وكل مرة يقلّل ما أمكن.
وبالجملة فإن تكثير أعداد الفصد أوفق من تكثير مقداره والفصد الذي لم تكن إليه حاجة يهيج المرار ويعقب جفاف اللسان ونحوه فليتدارك بماء الشعير والسكر ومن أراد التثنية ( تكرار الفصد ) ولم يعرض له من الفصدة الأولى مضرة فالج ( شلل ) ونحوه فيجب أن يفصد العرق من إليه طولاً ليمنع حركة العضل عن التحامه وأن يوسع وإن خيف مع ذلك الالتحام بسرعة وضع عليه خرقة مبلولة بزيت وقليل ملح وعصب فوقها وأن دهن مبضعه عند الفصد منع سرعة الالتحام وقلل الوجع وذلك هو أن يمسح عليه الزيت ونحوه مسحاً خفيفاً أو يغمس في الزيت ثم يمسح بخرقة.
والنوم بين الفصد والتئنية يسرع التحام البضع وتذكر ما قلناه من الاستفراغ في الشتاء بالدواء أنه يجب أن يرصد له يوم جنوبي فكذلك الفصد .
واعلم أن فصد الموسومين والمجانين والذين يحتاجون إلى فصد في الليل في زمان النوم يجب أن يكون ضيقاً لئلاّ يحدث نزف الدم وكذلك كل من لا يحتاج إلى التثنية.
واعلم أن التثنية تؤخر بمقدار الضعف فإن لم يكن هناك ضعف فغايته ساعة والمراد من إرسال دمه الجذب يوماً واحداً.
والفصد المورب ( الموفر ) أوفق لمن يريد التثنية في اليوم والمعرض لمن يريد التثنية في الوقت والمطول لمن لا يريد الاقتصار على تثنية واحدة ومن عزمه أن يترشّح عدة أيام كل يوم وكلما كان الفصد أكثر وجعاً كان أبطأ التحاماً.
والاستفراغ الكثير في التثنية يجلب الغشي إلا أن يكون قد تناول المثني شيئاً.
والنوم بين الفصد والتثنية يمنع أن يندفع في الدم من الفضول ما ينجذب لانجذاب الأخلاط بالنوم إلى غور البدن.
ومن منافع التثنية حفظ قوة المفصود مع استكمال استفراغه الواجب له وخير التثنيه ما أخر يومين وثلاثة.
والنوم بقرب الفصد ربما أحدث انكساراً في الأعضاء.
والاستحمام قبل الفصد ربما عسَر الفصد بما يغلظ من الجلد ويلينه ويهيئه للزلق إلا أن يكون المفتصد شديد غلظ الدم.
والمفتصد ينبغي له أن لا يقدم على امتلاء بعده بل يتدرج في الغذاء ويستلطفه أولاً وكذلك يجب أن لا يرتاض ( يمارس المشي والرياضة ) بعده بل يميل إلى الاستلقاء وأن لا يستحم بعده استحماماً محللاً ومن افتصد وتورم عليه اليد , افتصد من اليد الآخرى مقدار الاحتمال ووضع عليه مرهم الاسفيداج ( الزنك ) وطلى حواليه بالمبردات القوية وإذا افتصد من الغالب على بدنه الأخلاط صار الفصد علة لثوران تلك الأخلاط وجريانها واختلاطها فيحوج إلى فصد متواتر والدم السوداوي يحوج إلى فصد متواتر فيخف الحال في الحال ويعقب عند الشيخوخة أمراضاً منها السكتة والفصد كثيراً ما يهيج الحميّات وتلك الحميات كثيراً ما تتحلل العفونات وكل صحيح افتصد فيجب أن يتناول ما قلناه في باب الشراب.
واعلم أن العروق المفصودة بعضها أوردة وبعضها شرايين والشرايين تفصد في الأقل ويتوقى ما يقع فيها من الخطر من نزف الدم وأقلّ أحواله أن يحدث أنورسما وذلك إذا كان الشق ضيقاً جداً إلا أنها إذا أمن نزف الدم منها كانت عظيمة النفع في أمراض خاصة تفصد هي لأجلها وأكثر نفع فصد الشريان إنما يكون إذا كان في العضو المجاور له أعراض رديئة سببها دم لطيف حاد فإذا فصد الشريان المجاور له ولم يكن مما فيه خطر كان عظيم المنفعة والعروق المفصودة من اليد أما الأوردة فستة:
القيفال والأكحل والباسليق وحبل الذراع والأسيلم والذي يخص الإبطي وهو شعبة من الباسليق وأصلها القيفال .
ويجب في جميع الثلاثة أن يفتح فوق المأبض ( باطن الركبة ) لا تحته ولا بحذائه ليخرج الدم خروجاً جيداً كما يتروق ويؤمن أفات العصب والشريان وكذلك القيفال وفصده الطويل أبطأ لالتحامه لأنه مفصلي وفي غير المفصلي الأمر بالخلاف وعرق النسا والأسيلم ( ما بين الخنصر والبنصر ) وعروق أخرى , و الأصوب أن يفصد فيها طولاً ومع ذلك ينبغي أن يتنحّى في القيفال عن رأس العضلة إلى موضع اللين ويوسع بضعه ولا يتبع بضع بضعاً فيرم وأكثر من وقع عليه الخطأ في موضع فصد القيفال لم يقع بضربة واحدة وأن عظمت بل إنما تحدث النكاية بتكرير الضربات وإبطاء فصده التحاماً هو الذي في الطول ويوسع فصده إن أريد أن يثني وإذا لم يوجد هو طلب بعض شعبه التي في وحشي الساعد والأكحل فيه خطر للعصبة التي تحته وربما وقع بين عصبتين فيجب أن يجتهد ليفصد طولاً ويعلق فصده وربما كان فوقه عصبة رقيقة مممدودة كالوتر فيجب أن يتعرف ذلك ويحتاط من أن تصيبها الضربة فيحدث خدر مزمن.
ومن كان عرقه أغلظ فهذه الشعبة فيه أبين والخطأ فيه أشد نكاية فإن وقع الغلط فأصيبت تلك العصبة فلا تلحم الفصد وضع عليه ما يمنع التحامه وعالجه بعلاج جراحات العصب .
وإياك أن تقرب منه مبرًداً من أمثال عصارة عنب الثعلب والصندل بل مرخ ( دلك ) نواحيه والبدن كله بالدهن المسخن.
وحبل الذراع أيضاً الأصوب فيه أن يفصد مورباً إلا أن يكون مراوغاً من الجانبين فيفصد طولاً.
والباسليق عظيم الخطر لوقوع الشريان تحته فاحتط في فصده فإن الشريان إذا انفتح لم يرقأ الدم أو عسر رقوه.
ومن الناس من يكتنف باسليقه شريانان فإذا أعلم على أحدهما ظن أنه قد أمن فربما أصاب الثاني فعليك أن تتعرف هذا وإذا عصب ففي أكثر الأمر يعرض هناك انتفاخ تارة من الشريان وتارة من الباسليق فكيف كان فيجب أن تحل الرباط ويمسح النفخ مسحاً برفق ثم يعاد العصب فإن عاد أعيد إليك فإن لم يغن فما عليك لو تركت الباسليق وفصدت الشعبة المسماة بالإبطية وهي التي على أنسي الساعد إلى أسفل وكثيراً ما يغلط النفخ وكثيراً ما يسكن الربط والنفخ من نبض الشريان ويعليه ويشهقه فيظن وريداً فيفصد.
وإذا ربطت أي عرق كان فحدث من الربط عليه أشباه العدس والحمص فافعل به ما قلنا في الباسليق والباسليق كلما انحططت فيفصده إلى الذراع فهو أسلم.
وليكن مسلك المبضع في خلاف جهة الشريان من العرق وليس الخطأ في الباسليق من جهة الشريان فقط بل تحته عضلة وعصبة يقع الخطأ بسببهما.
أيضاً قد خبرناك بهذا وعلامة الخطأ في الباسليق وإصابة الشريان أن يخرج دم رقيق أشقر يثب وثباً ويلين تحت المجسة وينخفض فبادر حينئذ وألقم فم المبضع شيئاً من وبر الأرنب مع شيء من دقاق الكندر frankincense ( لبان ) ودم الأخوين ( نوع من الصبار ) والصبر والمر وتضع على الموضع شيئاً من القلقطار Colotar ( أكسيد الحديد الطبيعي , وهو ضرب من الزاج عند القدماء ) الزاج وترش عليه الماء البارد ما أمكن وتشقه من فوق الفصد وتربطه ربطاً بشد حابس فإذا احتبس فلا تحل الشد ثلاثة أيام وبعد الثلاثة يجب عليك أن تحتاط أيضاً ما أمكن وضمد الناحِية بالموابض ( الأربطة ) وكثير من الناس يبتر شريانه وذلك ليتقلص العرق وينطبق عليه الدم فيِحبسه وكثير من الناس مات بسبب نزف الدم ومنهم من مات بسبب ربط العضو وشدة وجع الربط الذي أريد بشده منع دم الشريان حتى صار العضو إلى طريق الموت.
واعلم أن نزف الدم قد يقع من الأوردة أيضاً واعلم أن القيفال يستفرغ الدم أكثر من الرقبة وما فوقها وشيئاً قليلاً مما دون الرقبة ولا يجاوز حد ناحية الكبد والشراسيف (غُضْروفٌ مُعَلَّقٌ بكلِّ ضِلَع ٍ، أو مَقَطُّ الضِّلَعِ؛ وهو الطَّرَفُ المُشْرِفُ على البَطْنِ ) ولا تنقي الأسافل (جمع أسفل ) تنقية يعتدّ بها والأكحل متوسّط الحكم بين القيفال والباسليق , والباسليق يستفرغ من نواحي تنور البدن إلى أسفل التنور وجعل الذراع مشاكل للقيفال والأسيلم يذكر أنه ينفع الأيمن منه من أوجاع الكبد والأيسر من أوجاع الطحال وأنه يفصد حتى يرقأ الدم بنفسه ويحتاج أن توضع اليد من مفصوده في ماء حار لئلا يحتبس الدم وليخرج بسهولة إن كان الدم ضعيف الانحدار كما هو في الأكثر من مفصودي الأسيلم .
وأفضل فصد الأسيلم ما كان طولاً.
والإبطي حكمه حكم الباسليق.
وأما الشريان الذي يفصد من اليد اليمنى فهو الذي على ظهر الكف ما ين السبابة والإبهام وهو عجيب النفع من أوجاع الكبد والحجاب المزمنة وقد رأى جالينوس هذا في الرؤيا إذ الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوّة كأن امراً أمره به لوجع كان في كبده ففعل فعوفي وقد يفصد شريان آخر أميل منه إلى باطن الكفّ مقارب المنفعه لمنقعته.
ومن أحب فصد العرق من اليد فلم يتأت فلا يلحف في الكي والعصب الشديد وتكرير البضع بل يتركه يوماً أو يومين فإن دعت ضرورة إلى تكرير البضع ارتفع عن البضعة الأولى ولا ينخفض عنها.
والربط الشديد يجلب الورم وتبريد الرفادة وترطيبها بماء الورد أو بماء مبرد صالح موافق.
ويجب أن لا يزيل الرباط الجلد عن موضعه قبل الفصد وبعده.
والأبدان القضيفة ( الممشوقة ) يصير شذ الرباط عليها سبباً لخلاء العروق واحتباس الدم عنها والأبدان السمينة بالإفراط فإن الإرخاء لا يكاد يظهر العرق فيها ما لم يشتد وقد يتلطف بعض الفصاد في إخفاء الوجع فيحدر( يحيط ) اليد لشدة الربط وتركه ساعة ومنه من يمسح الشعرة اللينة بالدهن.
وهذا كما قلنا يخفّ وجعه ويبطىء التحامه.
وإذا لم تظهر العروق المذكورة في اليد وظهرت شعبها فلتغمز اليد على الشعبة مسحاً فإن كان الدم عند مفارقة المسح ينصب إليها بسرعة فينفخها فصدت وإلا لم تفصد وإذا أريد الغسل جذب الجلد ليستر البضع وغسل ثم رد إلى موضعه وهندمت الرفادة وخيرها الكرية وعصبت وإذا مال على وجه البضع شحم ( دهن ) فيجب أن ينحى بالرفق ولا يجوز أن يقطع وهؤلاء لا يجب أن يطمع في تثنيتهم من غير بضع ( قطع ) واعلم أن لحبس الدم وشد البضع وقتاً محدوداً وإن كان مختلفاً فمن الناس من يحتمل ولو في حماه أخذ خمسة أو ستة أرطال من الدم ومنهم من لا يحتمل في الصحة أخذ رطل لكن يجب أن تراعي في ذلك أحوالأ ثلاثاً :
إحداها حقن الدم واسترخاؤه والثانية لون الدم وربما غلط كثيراً بأن يخرج أولاً ما خرج منه رقيقاً أبيض وإذا كان هناك علامات الامتلاء وأوجب الحال الفصد فلا يغترن بذلك وقد يغلظ لون الدم في صاحب الأورام لأن الورم يجذب الدم إ نفسه والثالثة النبض يجب أن لا تفارقه فإذا خاف الحقن أن يغير لون الدم أو صغر النبض وخصوصاً إلى ضعف فاحبس وكذلك إن عرض عارض تثاؤب وفواق ( زغطة ) وغثيان فإن أسرع تغيّر اللون بل الحقن فاعتمد فيه النبض وأسرع الناس صادرة إليه الغشي هم الحارو المزاج النحاف المتخلخلو الأبدان وأبطؤهم وقوعاً في الأبدان المعتدلة المكتنزة اللحم.
قالوا: يجب أن يكون مع الفصاد مباضع كثيرة ذات شعرة وغير ذات شعرة وذات الشعرة أولى بالعروق الزوالة كالوداج وأن تكون معه كبة ( لفة )من خز ( حرير خالي من القطن ) وحرير ومقيأ من خشب أو ريش وأن يكون معه وبر الأرنب ودواء الصبر والكندر ونافجة ( وعاء ) مسك ودواء المسك وأقراص المسك حتى إذا غشي و عرض لما يخاف في الفصد وربما لم يفلح صاحبه بادر فألقمه الكبة وقيأه بالآلة وشممه النافجة وجرعه من دواء المسك أو أقراصه شيئاً فتنتعش قوته وإن حدث بثق دم بادر فحسبه بوبر الأرنب ودواء الكندر وما أقلّ ما يعرض الغشي والدم بعد في طريق الخروج بل إنما يعرض أكثره بعد الحبس إلا أن يفرط على أنّه لا يبالي من مقاربة الغشي في الحميات المطبقة ومبادىء السكتة والأرام الغليظة العظيمة المهلكة وفي الأوجاع الشديدة ولا نعمل بذلك إلا إذا كانت القوة قوية فقد اتفق علينا أن بسطنا القول بعد القول في عروق اليد بسطاً في معان أخرى ونسينا عروق الرجل وعروقاً أخرى فيجب علينا أن نصل كلامنا بها فنقول:
أما عروق الرجل فمن ذلك عرق النسا ويفصد من الجانب الوحشي عند الكعب إما تحته وإما فوقه من الورك إلى الكعب ويلف بلفافة أو بعصابة قوية فالأولى أن يستحم قبله والأصوب أن يفصد طولاً وإن خفي من شعبة ما بين الخنصر والبنصر ومنفعة فصد عرق النسا في وجع عرق النسا عظيمة.
وكذلك في النقرس وفي الدوالي وداء الفيل. وتثنية عرق النسا صعبة.
ومن ذلك أيضاً الصافن (عِرْق ينغمس في الذِّراع ) وهو على الجانب الإنسي من الكعب وهو أظهر من عرق النسا ويفصد لاستفراغ الدم من الأعضاء التي تحت الكبد ولإمالة الدم من النواحي العالية إلى السافلة ولذلك يدر الطمث بقوة ويفتح أفواه البواسير.
والقياس يوجب أن يكون عرق النسا والصافن متشابهي المنفعة ولكن التجربة ترجح تأثير الفصد في عرق النسا في وجع عرق النسا بشيء كثير وكان ذلك للمحاذاة.
وأفضل فصد الصافن أن يكون مورباً إلى العرض ومن ذلك عرق مأبض الركبة يذهب مذهب الصافن إلا أنه أقوى من الصافن في إدرار الطمث وفي أوجاع المقعدة والبواسير.
ومن ذلك العرق الذي خلف العرقوب وكأنه شعبة من الصافن ويذهب مذهبه.
وفصد عروق الرجل بالجملة نافع من الأمراض التي تكون عن مواد مائلة إلى الرأس ومن الأمراض السوداوية وتضعيفها للقوة أشدّ من تضعيف فصد عروق اليد وأما العروق المفصودة التي في وهذه العروق منها أوردة ومنها شرايين.
فالأوردة مثل عرق الجبهة وهو المنتصب ما بين الحاجبين وفصده ينفع من ثقل الرأس وخصوصاً في مؤخره وثقل العينين والصداع الدائم المزمن والعرق الذي على الهامة يفصد للشقيقة وقروح الرأس وعرقا الصدغين الملتويان على الصدغين وعرقا المأقين وفي الأغلب لا يظهران إلا بالخنق .ويجب أن لا تغور البضع فيهما فربما صار ناصوراً وإنما يسيل منها دم يسير.
ومنفعة فصدهما في الصداع والشقيقة والرمد المزمن والدمعة والغشاوة وجرب الأجفان وبثورها والعشا وثلاثة عروق صغار موضعها وراء ما يدق طرف الأذن عند الإلصاق بشعره.
وأحد الثلاثة أظهر ويفصد من ابتداء المأق وقبول الرأس لبخارات المعدة وبنفع كذلك من قروح الأذن والقفا ومرض الرأس.
وينكر " جالينوس " ما يقال: أن عرقين خلف الأذنين يفصدهما المتبتلون ( رافضي الزواج أو العذارى ) ليبطل النسل ومن هذه الأوردة الوداجان وهما إثنان يفصدان عند ابتداء الجذام والخناق الشديد وضيق النفس والربو الحاد وبحة الصوت في ذات الرئة والبهق الكائن من كثرة دم حار وعلل الطحال ون.ويجب على ما خبرنا عنه قبل أن يكون فصدهما بمبضع ذي شعرة.
وأما كيفية تقييده فيجب أن يميل فيه الرأس إلى ضدّ جانب الفصد ليثور العرق ويتأمل الجهة التي هي أشد زوالاً فيؤخذ من ضد تلك الجهة ويجب أن يكون الفصد عرضاً لا طولاً كما يفعل بالصافن وعرق النسا ومع ذلك فيجب أن يقع فصده طولاً.
ومنها العرق الذي في الأرنبة وموضع فصده هو المتشقق من طرفها الذي إذا غمز عليه بالأصبع تفرق باثنين وهناك يبضع والدم السائل منه قليل.
وينفع فصده من الكلف وكدورة اللون والبواسير والبثور التي تكون في الأنف والحكة فيه لكنه أحدث حمرة لون مزمنة تشبه السعفة ويفشو في الوجه فتكون مضرته أعظم من منفعته كثيراً.
والعروق التي تحت الخششا مما يلي النقرة نافع فصدها من السدَرِ الكائن من الدم اللطيف والأوجاع المتقادمة في الرأس ومنها الجهاررك وهي عروق أربعة على كل شقة منها زوج فينفع فصدها من قروح الفم والقلاع وأوجاع اللثة وأورامها واسترخائها أو قروحها والبواسير والشقوق فيها ومنها العرق الذي تحت اللسان على باطن الذقن ويفصد في أورام اللوزتين ومنها عرق تحت اللسان نفسه يفصد لثقل اللسان الذي يكون من الدم ويجب أن يفصد طولاً فإن فصد عرضاً صعب رقاء دمه ومنها عرق عند العنفقة (ما بين الذَّقَن وطرف الشفة السفلى، كان عليها شعر أَو لم يكن ) يفصد للبخر ومنها عرق اللثة يفصد في معالجات فم المعدة.
وأما الشرايين التي في الرأس فمنها شريان الصداغ قد يفصد وقد يبتر وقد يسل وقد يكوى ويفعل ذلك لحبس النوازل الحادة اللطيفة المنصبة إلى العينين ولابتداء الانتشار.
والشريانان اللذان خلف الأذنين ويفصدان لأنواع الرمد وابتداء الماء والغشاوة والعشا والصداع المزمن ولا يخلو فصدهما عن خطر ويبطؤ معه الالتحام.
وقد ذكر " جالينوس " أن مجروحاً في حلقه أصيب شريانه وسال منه دم بمقدار صالح فتداركه " جالينوس " بدواء الكندر ( اللبان ) والصبر ودم الأخوين والمر فاحتبس الدم وزال عنه وجع مزمن كان في ناحية
ومن العروق التي تفصد في البدن عرقان على البطن: أحدهما موضوع على الكبد والآخر موضوع على الطحال ويفصد الأيمن في الاستسقاء والأيسر في علل الطحال , واعلم أن الفصد له وقتان : وقت اختيار ووقت ضرورة .
فالوقت المختار فيه صحوة النهار بعد تمام الهضم والنفض وأما وقت الاضطرار فهو الوقت الموجب الذي لا يسوغ تأخيره ولا يلتفت فيه إلى سبب مانع.
واعلم أن المبضع الكال ( غير الحاد ) كثير المضرّة فإنه يخطئ فلا يلحق ويورم ويوجع فإذا أعملت المبضع فلا تدفعه باليد غمزاً بل برفق بالاختلاس لتوصل طرف المبضع حشو العروق وإذا أعنفت فكثيراً ما ينكسر رأس المبضع انكساراً خفياً فيصير زلقا يجرح العرق فإن ألححت بفصدك زدت شراً. ولذلك يجب أن يجرب كيفية علوق المبضع بالجلد قبل الفصد به وعند معاودة ضربه إن أردتها واجتهد أن تملأ العرق وتنفخه بالدم فحينئذ يكون الزلق والزوال أقل.
فإذا استعصى العرق ولم يظهر امتلاؤه تحت الشد فحله وشدّه مراراً وامسحه وانزل في الضغط واصعد حتى تنبهه وتظهره وتجرب ذلك بين قبض إصبعين على موضع من المواضع التي تعلم امتداد العروق فبهما تحبس وتارة تحبس بأحدهما وتسيل الدم بالآخر حتى تحسّ بالواقف فشدّه عند الإشالة ( الرفع ) وجوزه ( أتركه )عند التخلية ( عكس الاحتباس ) ويجب أن يكون لرأس المبضع مسافة ينفذ فيها غير بعيدة فيتعداها إلى شريان أو عصب وأشد ما يجب أن يملأ حيث يكون العرق أدق ّ.
وأما أخذ المبضع فينبغي أن يكون بالإبهام والوسطى وتترك السبابة للجس وأن يقع الأخذ على نصف الحديدة ( نموذج للعملة ) ولا يأخذه فوق ذلك فيكون التمكن منه مضطرباً وإذا كان العرق يزول إلى جانب واحد فقابله بالربط والضبط من ضدّ الجانب وإن كان يزول إلى جانبين سواء فاجتنب فصده طولاً. واعلم أن الشد والغمز يجب أن يكون بقدر أحوال الجلد في صلابته وغلظه وبحسب كثرة اللحم ووفوره ( زيادته ) .
والتقييد يجب أن يكون قريباً وإذا أخفى التقييد العرق فعلم عليه واحذر أن يزول عن محاذاة العلامة عرقك في التقييد ومع ذلك فعلق الفصد وإذا استعصى عليك العرق وإشهاقه فشق عنه في الأبدان القضيفة ( الممشوقة ) خاصة واستعمل السنارة ووقوع التقييد والشد عند الفصد يمنع امتلاء العرق . واعلم أن من يعرق كثيراً بسبب الامتلاء فهو محتاج إلى الفصد وكثيراً ما وقع للمحموم المصدوع المدبر في بابه بالفصد إسهال طبيعي فاستغنى عن الفصد قطعاً.
المراجع
أنت ومتاعب الكبد والمرارة – كتاب الهلال الطبي
الدم – كتاب الهلال الطبي .
أنت ومتاعب القلب وضغط الدم – كتاب الهلال لطبي .
أنت ومتاعب الجهاز الهضمي - – كتاب الهلال الطبي.
الغدد الهرمونات - – كتاب الهلال الطبي .
سلامة صدرك - – كتاب الهلال الطبي .
أنت والروماتيزم - – كتاب الهلال الطبي .
حياتك بعد الأربعين - – كتاب الهلال الطبي .
قاموس ابن سينا الطبي .- د/ أيمن الحسيني .
قاموس حتي الطبي – د/ يوسف حتي .
الدواء من فجر التاريخ إلي اليوم – د/ رياض رمضان العلمي – سلسلة عالم المعرفة .
Fleischman, Dr. Gary F. Acupuncture: Everything You Ever Wanted to Know. Barrytown, NY: Station Hill, 1998.
Williams, Tom, Ph.D. The Complete Illustrated Guide to Chinese Medicine. Rockport, MA: Element, 1996.
مواقع على الشبكة العنكبوتية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
مواضيع مماثلة
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 2
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 3
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 4
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 5
» كتاب الفصد و الحجامة بين العلم والدين 1
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 3
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 4
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 5
» كتاب الفصد و الحجامة بين العلم والدين 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى