كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 5
صفحة 1 من اصل 1
كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 5
الفصد والحجامة في الإسلام
Venesection and Cupping in Islam
الطب والتداوي في الإسلام
المرض :
المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .
ومرض القلوب نوعان :
مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغي ، وكلاهما في القرآن . قال تعالى في مرض الشبهة : " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا " [ البقرة : 110 ] وقال تعالى : " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا " [ المدثر : 31 ] وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة ، فأبى وأعرض : " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " [ النور : 48 و 49 ] فهذا مرض الشبهات والشكوك .
وأما مرض الشهوات ، فقال تعالى : " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " [ الأحزاب : 32 ] . فهذا مرض شهوة الزنى ، والله أعلم .
وأما مرض الأبدان :
فقال تعالى : " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " [ النور : 61 ] ، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن ، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه ، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، والحمية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة ، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة .
فقال تعالي في آية الصوم : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " [ البقرة : 184 ] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض ، وللمسافر طلباً لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة ، وما يوجبه من التحليل ، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل ، فتخور القوة ، وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر حفظاً لصحته وقوته عما يضعفها .
وقال تعالي في آية الحج : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " [ البقرة : 196 ) ، فأباح للمريض ، ومن به أذى من رأسه ، من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما ، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر ، فإذا حلق رأسه ، تفتحت المسام ، فخرجت تلك الأبخرة منها ، فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه .
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة :
الدم إذا هاج والمني إذا تبيغ ( هيجان المني ) والبول والغائط والريح ، والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش .
وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه .
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها ، وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى .
وأما الحمية : فقال تعالى في آية الوضوء : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " [ النساء : 43 ) ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه ، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج ، فقد أرشد - سبحانه - عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده ، ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي .
فأما طب القلوب ، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها ، وفاطرها ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحاباته ، متجنبة لمناهيه ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوتها ، وحياة قلبه وصحته ، وقوته عن ذلك بمعزل ، ومن لم يميز بين هذا وهذا ، فليبك على حياة قلبه ، فإنه من الأموات ، وعلى نوره ، فإنه منغمس في بحار الظلمات .
طب الأبدان :
طب الأبدان نوعان :
النوع الأول : قد فطر الله عليه الحيوان ، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب ، كطب الجوع ، والعطش ، والبرد ، والتعب بأضدادها وما يزيلها , ولجوء الحيوان إلى تناول أنواع محددة من النباتات عندما يصاب بنوع محدد من الأمراض أو يتعرض للجروح , وذلك وفق غريزة وضعه الله عز وجل فيه .
والثاني : ما يحتاج إلى فكر وتأمل ، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج ( الحالة الصحية ) ، بحيث يخرج بها الجسم عن الاعتدال ، إما إلى حرارة ، أو برودة ، أو يبوسة ، أو رطوبة ، أو ما يتركب من اثنين منها ، وهي نوعان : إما مادية ، وإما كيفية ، أعني إما أن يكون بانصباب مادة ، أو بحدوث كيفية ، والفرق بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها ، فتزول موادها ، ويبقى أثرها كيفية في المزاج ( الحالة الصحية ) .
وأمراض المادة أسبابها معها تمدها ، وإذا كان سبب المرض معه ، فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولاً ، ثم في المرض ثانياً ، ثم في الدواء ثالثاً . أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته ، إما في شكل ، أو تجويف ، أو مجرى ، أو خشونة ، أو ملاسة ، أو عدد ، أو عظم ، أو وضع ، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي تألفها اتصالاً ، والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال ، أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية .
والأمراض المتشابهة : هي التي يخرج بها المزاج ( الحالة الصحية )عن الاعتدال ، وهذا الخروج يسمى مرضاً بعد أن يضر بالفعل إضراراً محسوساً .
وهي على ثمانية أضرب ( أنواع ) :
أربعة بسيطة وهي البارد ، والحار ، والرطب ، واليابس .
وأربعة مركبة وهي : الحار الرطب ، والحار اليابس ، والبارد الرطب ، والبارد اليابس .
وهي إما أن تكون بانصباب مادة ، أو بغير انصباب مادة ، وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجاً عن الاعتدال صحة .
وللبدن ثلاثة أحوال :
حال طبيعية :. بها يكون البدن صحيحاً .
وحال خارجة عن الطبيعية :بها يكون مريضاً .
وحال متوسطة بين الأمرين هي متوسطة بين الحالتين .
ذلك أن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط ، وسبب خروج البدن عن طبيعته ، إما من داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ، والرطب واليابس ، وإما من خارج ، فلأن ما يلقاه قد يكون موافقاً ، وقد يكون غير موافق ، والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال ، وقد يكون من فساد في العضو ، وقد يكون من ضعف في القوى.
والطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه ، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه ، أو ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما يضره نقصه ، فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل والشبه ، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ، ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية ، وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافياً كافياً بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته .
فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه ، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ، ولكن لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى أقرباذين ، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر صورته ، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك ، وأهل البوادي قاطبة ، وإنما عني بالمركبات الروم واليونانيون ، وأكثر طب الهند بالمفردات .
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه إلى المركب .
قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية .
قالوا : ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية ، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه ، أو كيفيته ، تشبث بالصحة ، وعبث بها . وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً ، وهم أحد فرق الطب الثلاث .
والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية ، فالأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات ، أمراضها قليلة جداً ، وطبها بالمفردات ، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة ، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة ، فالأدوية المركبة أنفع لها ، وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة ، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة ، فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية .
لكل داء دواء :
روى مسلم في صحيحه : من حديث أبى الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " .
وفي الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " .
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت الأعراب ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : " نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم " .
وفي لفظ : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .
وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه : " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله " وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : " هي من قدر الله " .
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ، وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن يكون قوله : " لكل داء دواء " ، على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا له ضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء ، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية ، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء آخر ، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ، ومتى لم يقع المداوي على الدواء ، أو لم يقع الدواء على الداء ، لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء ، لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ، أو ثم مانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولا بد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث .
والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ، ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : " تدمر كل شيء بأمر ربها " [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح أن تدمره ، ونظائره كثيرة .
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال قدرة الرب تعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ، والوحدانية ، والقهر ، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته .
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً .
وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .
ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا : " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ، و " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ، فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل .
وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم نذكره ، وهو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ، وإلا فلا ، فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله .
قيل : فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك ، وولدك ، وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ، فلا تلم من عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ، وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاً منك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يا رب ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال : فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل داء دواء" ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردت عنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية ، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذه الأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها ، فقهرت المرض ودفعته .
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه . وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلب مرضاً إلا جعل له شفاء بضده ، فإن علمه صاحب الداء واستعمله ، وصادف داء قلبه ، أبرأه بإذن الله تعالى
.
الحجامة cupping
الحجامة قديمة العهد وسنة إلهية طبقها الأنبياء الكرام وأوصوا بها الناس، وجاء الرسول العربي (ص) فأحياها بعد موت ذِكْرها وطبَّقها بأصولها وله الفضل في سنِّها للمسلمين وللعالمين أجمعين، إلاَّ أنها وبعد عصر مديد من انتقال الرسول العربي (ص) نُسِيت قوانينها نتيجة الإهمال والاستهتار والتجاوزات شيئاً فشيئاً ، حتى اندثرت هذه القوانين وضاعت إلاَّ ما ندر منها.. وهناك أيدٍ أثيمة دسَّت الكثير عليها ، فأقلع الناس عن الحجامة ونسوها.. صحيح أن قسماً قليلاً من الناس كانوا ينفذوها، لكن وللأسف ما كانوا ليستفيدوا منها الفائدة المرجوَّة أو لا يستفيدون أبداً وأقلع الناس عنها لأنهم لم يلمسوا فائدتها المرجوة.. والسبب في أنهم لم يكونوا ليستفيدوا من تنفيذها هو عدم تنفيذها ضمن القوانين المشروعة لها، فالقوانين اندثرت وضاعت، فهم ينفذوها شتاءً، صيفاً، أو بعد بذل مجهود وتعب جسمي، أو بعد الطعام وليس على الريق.
أما العلامة العربي السوري الراحل محمد أمين شيخو فلقد أحيا هذه السنة بإحيائه لقوانينها الدقيقة التي ذكرت في كتابه ، فقد جاء بقوانينها ووضعها موضع تنفيذها الصحيح من الجسم.. كما جاء بالسر العام لآلية شفائها "التخلص من الدم الفاسد". لقد أعاد هذا الفن العلاجي الطبي بذلك الشكل الفعال العلمي المفيد ونشرها بقوانينها وأصولها في كافة معارفه.. أقاربه.. أصدقائه.. وهم نشروها طبعاً في معارفهم.. أقاربهم أصدقائهم جيرانهم عامة الناس وهكذا حتى صارت ولها انتشار واسع في الكثير من البلاد والعباد، وذلك لما وجدوا وجنوا من فائدة عملية عظيمة نفسية وجسدية، وتكاثر الناس عليها جداً في السنوات الأخيرة لِمَا تحقَّق بها من معجزات شفاء لأمراض العصر المستعصية كالسرطان والشلل والقلب القاتل والناعور ( نزف الدم ) والشقيقة وغيرها كثير..
الأمراض الإمتلائية :
قال أبو عبد الله المازري : إما أن تكون دموية ، أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية . فإن كانت دموية ، فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية ، فشفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم تقدم بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد ، وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم . فإذا أعيا الدواء ، فآخر الطب الكي ، فذكره صلى الله عليه وسلم في الأدوية ، لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع الدواء المشروب . وقوله : وأنا أنهى أمتي عن الكي ، وفي الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي ، إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ، انتهى كلامه .
الأمراض المزاجية :
وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة ، أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ، أو يابسة ، أو ما تركب منها ، وهذه الكيفيات الأربع ، منها كيفيتان فاعلتان : وهما الحرارة والبرودة ، وكيفيتان منفعلتان ، وهما الرطوبة واليبوسة ، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها ، وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن ، وسائر المركبات كيفيتان : فاعلة ومنفعلة .
فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة ، فجاء كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة والباردة على طريق التمثيل ، فإن كان المرض حاراً ، عالجناه بإخراج الدم ، بالفصد كان أو بالحجامة ، لأن في ذلك استفراغاً للمادة ، وتبريداً للمزاج . وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين ، وذلك موجود في العسل ، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة ، فالعسل أيضاً يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج ، والتقطيع ، والتلطيف، والجلاء، والتليين ، فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية .
وأما الكي : فلأن كل واحد من الأمراض المادية ، إما أن يكون حاداً فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين ، فلا يحتاج إليه فيه ، وإما أن يكون مزمناً ، وأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي ، لأنه لا يكون مزمناً إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت في العضو ، وأفسدت مزاجه ، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها ، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكي تلك المادة من ذلك المكان الذي هو فيه بإفناء الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة .
فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية جميعها ، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صلى الله عليه وسلم : " إن شدة الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " .
بعض أحاديث الرسول ( ص) عن الحجـامة :
روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي ٍ الله عنهما قال : الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهي أمتي عن الكي ، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن أَجْرِ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ الْحَجَّامِ فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ وَقَالَ : إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِي .
تخريج السيوطي
مالك عن أنس.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1365 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( أمثل ما تداويتم به ) أي أنفعه وأفضله ( الحجامة ) لمن احتمل ذلك سناً ولاق به قطراً ومرضاً ( والقسط ) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب ( البحري ) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء : القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفاً بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك .
*** ( مالك ) الإمام المشهور في الموطأ ( عن أنس ) بن مالك .
ُّ. وفي رواية عن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْد ِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ .
وعن أحمد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( ص) وَهُوَ يَحْتَجِمُ بِقَرْنٍ وَيُشْرَطُ بِطَرْفِ سِكِّينٍ فَد َخَلَ رَجُلٌ مِنْ شَمْخَ فَقَالَ لَهُ : لِمَ تُمَكِّنُ ظَهْرَكَ أَوْ عُنُقَكَ مِنْ هَذَا يَفْعَلُ بِهَا مَا أَرَى فَقَالَ هَذَا الْحَجْمُ وَهُوَ مِنْ خَيْرِ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ ُ.
وفي مسند أحمد عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَسَنِ ابْنِ عَلِيِّ قَالَ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَدتَِّهِ سَلْمَى خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ , فِي مَا سَمِعْتُ أَحَدًا قَطُّ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ رَأْسِهِ إِلا قَالَ احْتَجِمْ وَلا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إِلا قَالَ أخضبهما بِالْحِنَّاءِ .
تخريج السيوطي
(الحاكم في الكنى) عن أنس.
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 227 في ضعيف الجامع.
الشـــــرح :
( اختضبوا ) بكسر الهمزة أي غيروا ألوان شعوركم ندباً ( بالحناء ) بكسر الحاء المهملة وشد النون والمد ( فإنه طيب الريح ) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث ( يسكن الروع ) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والضاب يستره يرده أن الأمر بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى الحديث ، فإن قلت : إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع ، قلت : أما نفرة الطبع السليم من ريحه فضلاً عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء النافع فتدبره فإنه نافع ، ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل تذكيره قال : فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط .
*** ( الحاكم في الكنى عن أنس ) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان .
وأخرج أحمد و والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت بملأ .من الملائكة ليلة أسري بي، إلا قالوا عليك بالحجامة وفي لفظ مر أمتك بالحجامة.
تخريج السيوطي :
عن أنس عن ابن مسعود .
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5671 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( ما مررت ليلة أسري بي بملأ ) أي جماعة ( من الملائكة إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة ) لأنهم من بين الأمم كلهم أهل يقين فإذا اشتغل نور اليقين في القلب ومعه حرارة الدم أضر بالقلب وبالطبع وقال التوربشتي : وجه مبالغة الملائكة في الحجامة سوى ماعرف منها من المنفعة العائدة على الأبدان أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى الملكوت الأعلى والوصول إلى الكشوف الروحانية وغلبته تزيد جماح النفس وصلابتها فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعاً وجموداً وليناً ورقة وبذلك تنقطع الأدخنة المنبعثة عن النفس الأمارة وتنحسم مادتها فتزداد البصيرة نور إلى نورها .
*** في الطب ( عن أنس ) بن مالك , فيه ( عن ابن مسعود ) قال الترمذي : حسن غريب وقال المناوي : حديث ابن ماجه منكر . وفيه كثير بن سليم الضبي ضعفوه كما في الميزان وعدوا من مناكيره هذا وأقول : في سند الترمذي أحمد بن بديل الكوفي قال في الكاشف : لينه ابن عدي والدارقطني ورضيه النسائي وعبد الرحمن بن إسحاق قال في الكاشف : ضعفوه .
مواضع الحجامة التي ورد أن نبينا محمد احتجمها هي فِي رَأْسِهِ وَهُوَ روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ. وعند أبي داودِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ مِنْ وَثْءٍ ( وجع يصيب العضو من غير كسر .) كَانَ بِهِ.
وعند أبي داود وابن ماجة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ احْتَجَمَ ثَلاثـا فِي الأَخْدَعَيْـنِ { عرقان في محل الحجامة من العنق والكاهل , وهو مقدم أعلي الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى , وفيه ست فقرات }وَالْكَاهــِلِ وعند أحمد فِي الأَخْدَعَيْنِ وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ الْكَتِفَيْن. وعند ابن ماجة في سننه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ عَلَى جِذْعٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ احْتَجَمَ عَلَيْهَا مِنْ وَثْءٍ .
وفي سنن النسائي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَثْءٍ ( وجع يصيب العضو من غير كسر .) كَانَ بِهِ وفي رواية عند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ .اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَثْيٍ كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ ظَهْرِهِ
أوقات الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع وأيام الشهر :
قَالَ مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ , عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ. رواه ابن ماجة في سننه
تخريج السيوطي :
(البزار أبو نعيم في الطب) عن ابن عباس.
تحقيق الألباني :
(ضعيف) انظر حديث رقم: 181 في ضعيف الجامع.
الشـــــرح :
( احتجموا ) إرشاداً لا إلزاماً ( لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين ) من الشهر العربي . قال ابن القيم : هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر ، نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى ، وقال ابن جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله ( لا تتبيغ ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن ، قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج ( بكم الدم ) يغلبكم ويقهركم ( فيقتلكم ) أي فيكون ثورانه وهيجانه سبباً لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر ( تنبيه ) قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جداً كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حاراً لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هرباً من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه ، فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال .
*** ( البزار ) في مسنده ( وأبو نعيم في ) كتاب ( الطب ) النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم ( عن ابن عباس ) قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفاً ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه .
، وفي رواية عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : يَا نَافِعُ قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ فَالْتَمِس لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا .
ويَقُولُ الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَمْثَلُ وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ. رواه ابن ماجة .
تخريج السيوطي
(ابن السني أبو نعيم) عن ابن عمر.
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3169 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( الحجامة على الريق ) أي قبل الفطر ( أمثل وفيها شفاء وبركة ) أي زيادة في الخير ( وتزيد في الحفظ وفي العقل فاحتجموا على بركة اللّه يوم الخميس ) لفظ رواية الحاكم بعد قوله وبركة وهي تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظاً فمن كان محتجماً فليحتجم يوم الخميس ( واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى اللّه فيه أيوب نبيه ( من البلاء ) الذي ابتلاه به قال الطيبي : ظاهره يخالف الحديث المار أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ ولعله أراد به يوماً مخصوصاً وهو سابع عشر الشهر كما في حديث معقل المذكور ( واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلى فيه أيوب ) أي كان ابتداء إبلائه فيه ( وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء ) في الموجز من فوائد الحجامة تنقية العضو وقلة استفراغ جوهر الروح وهي على الساقين تقارب العضد وتدر الطمث وتصفي الدم وعلى القفا لنحو رمد وبخر قلاع وصداع خاصية ما كان في مقدم الرأس لكنها تورث النسيان قال ابن القيم : وتكره على الشبع لأنها تورث أمراضاً .
*** في الطب ( وابن السني وأبو نعيم ) معاً في الطب النبوي ( عن ابن عمر ) بن الخطاب ولم يصححه الحاكم وقال الذهبي : فيه عطاف وثقه أحمد وغيره وقال أبو حاتم : ليس بذلك , انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح من جميع طرقه .
يقول موفق الدين البغدادي في الطب النبوي : هذا النهي كله إذا احتجم حال الصحة أما وقت المرض ، وعند الضرورة ، فعندها سواء كان سبع عشرة أو عشرين .، وكان أحمد بن حنبل يحتجم في أي وقت هاج عليه الدم ، وأي ساعة كان .
الحـجـامة من أعمدة الطب العربي الذي أوصى به رسول الله . عرفها العرب وتطببوا بها قديماً .. ورغم تطورات الزمن وما أستحدث فيه من علاجات لم تختفي الحجامة . ( من قاموس الطب والتداوي ) .
مشروعية التداوي بالحجامة :
التداوي بالحجامة أمر مندوب ( مدعو إليه ) إليه في الاسلام و قد حث رسول الله –
– على التداوي بها لما فيها من عظيم الفائدة الصحية و العلاجية ، تدواى بها رسول الله ـ وعنه أنه قال " خير ما تداويتم به الحجامة " وقد أمر الصحابة الكرام بالتداوي بها ، والحجامة كأمر علاجي حث عليها ملائكة الله عز وجل ولهذا استمرت وبقيت واعترف بها أهل العلم والطب قديما ً وحديثاً .
الأدلة الشرعية للعلاج بالحجامة :
قال رسول الله (ص) : ( إن أمثل ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري . ( سبق عرض تخريجه وشرحه .)
- كما قال : ( إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار توافق داء و ما أحب أن أكتوي ). أخرجه البخاري ومسلم
- وروى الترمذي و ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله : ( ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي عليك يا محمد مر أمتك بالحجامة .
- وقال ( نعم الدواء الحجامة ، تذهب الدم وتجلو البصر وتخف الصلب ) أخرجه الحاكم والترمذي وقال حديث حسن .
- كما يقول ابن القيم في كتابه الطب النبوي : إن الحجامة في الأزمنة الحارة و الأمكنة الحارة و الأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع .
ــ وعن رسول الله (ص) قوله{ خير ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري و لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة }.
تخريج السيوطي
عن أنس.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3324 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( خير ما تداويتم به الحجامة ) سيما في البلاد الحارة ( والقسط البحري ) وهو الأبيض فإنه يقطع البلغم وينفع الكبد والمعدة وحمى الربع والورد والسموم وغيرها وفي رواية بدل البحري الهندي وهو الأسود وهو يقرب منه لكن أيبس ولا تعارض لأنه وصف لكل ما يلائمه يث وصف الهندي كان الاحتجاج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي أشد حرارة وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل دود الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك الباءة ويذهب الكلف ( ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة ) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعترى الصبيان غالباً وقيل قرحة تخرج بين الأذن والحلق سميت به لأنها تخرج عند طلوع العذراء كوكب تحت الشعرى وطلوعها يكون في الحر والمعنى عالجوا العذرة بالقسط ولا تعذبوهم بالغمز وذلك أن مادة العذرة دم يغلب عليه بلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة والأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض .
ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو كذلك من حيث اللفظ أما هو في المعنى ففي الصحيحين معاً .
مواضع الحجامة التي ورد أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم احتجمها
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ ( صداع نصفي ) كَانَتْ بِهِ. وعن أبي هريرة أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ (اليافوخ : عظم مقدم الرأس) من وجع كان به ، وفي رواية أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجم فوق رأسه وهو يومئذ محرم ، وفي رواية احتجم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو محرم بلَحي جمل في وسط رأسه ، " أي ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين " .
وعند أبي داود وابن ماجة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ ثَلاثـا فِي الأَخْدَعَيْـنِ وَالْكَاهــِلِ ( الاخدع عرق جانب الرقبة والكاهل بين الكتفين ، والأَخْدَعانِ: عِرْقان خَفِيّانِ في موضع الحِجامة من العُنق، وربما وقعت الشَّرْطة على أَحدهما فيَنْزِفُ صاحبه لأَن الأَخْدَع شُعْبَةٌ مِنَ الوَرِيد ).
وعند أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الأَخْدَعَيْنِ وَبَيْنَ الْكَتِفَيْن.
وعند ابن ماجة في سننه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ عَلَى جِذْعٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَيْهَا مِنْ وَثْءٍ .
وعند أبي داودِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ. وفي سنن النسائي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ ( وجع يصيب العضو من غير كسر ).
وفي رواية عند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَثْيٍ كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ ظَهْرِهِ. وكان جابر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن .
ذكرنا أعلاه الأحاديث الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أماكن الحجامة وهي أماكن ليست بالتوقيفية لأنها من الطب وليست من الأمور التعبدية و أنه لا توجد أماكن مقيدة بالحجامة ولكنها أماكن اجتهادية يعلمها الناس بالخبرة ، و الحجامة تعمل على خطوط الطاقة ، وهي التي تستخدم في الإبر الصينية ، وقد وجد أن الحجامة تأتي بنتائج أفضل عشرة أضعاف من الإبر الصينية، وتعمل الحجامة على مواضع الأعصاب الخاصة بردود الأفعال، وتعمل الحجامة على الغدد الليمفاوية، وتقوم بتنشيطها ، وتعمل أيضًا على الأوعية الدموية وعلى الأعصاب.
أوقات الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع وأيام الشهر
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ. رواه ابن ماجة في سننه ، وفي رواية عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَا نَافِعُ قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ فَالْتَمِسْ لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ. رواه ابن ماجة
يقول موفق الدين البغدادي في الطب النبوي : هذا النهي كله إذا احتجم حال الصحة أما وقت المرض ، وعند الضرورة ، فعندها سواء كان سبع عشرة أو عشرين ، وكان أحمد بن حنبل يحتجم في أي وقت هاج عليه الدم ، وأي ساعة كان أ.هـ.
والمقصود بهيجان الدم هو التبيغ يقول صلى الله عليه وسلم (لا يَتَبَيَّغْ بأحَدكُم الدَّمُ فيقتُلَه) أي غَلَبة الدَّم على الإنسان، يقال تبَيَّغ به الدَّم إذا تَردّد فيه. تَبَيَّغَ به الدمُ: هاجَ به، وذلك حين تَظْهَرُ حُمْرَتُه في البَدَن ومنه تبيَّغَ الماء إذا تردّد وتحيَّر في مَجْراه.أي لا يَبْغي عليه الدم فيقتله، من البَغْي: مجاوزةِ الحدّ.ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه {ابْغِني خادِماً لا يكون قَحْماً فانِياً، ولا صَغيرا ضَرَعاً، فقد تَبَيَّغ بي الدَّمُ}. ومن ذلك الشعور بالصداع والامتلاء في الرأس والدوار والانفعال ، وقد تحدث اضطرابات بصرية.
أنواع الحجـامة
الحجامة أربعة أنواع : الفصد ، الحجامة الجافة ، الحجامة الرطبة ، الحجامة بدودة العلقة والذي يهمنا في هذا المبحث هو :
1-الحجامة الرطبة .
2_ الفصد .
3_ الحجامة بدودة العلقة . Blood-sucking leech .
تعريف بدودة العلق Leech :
دودة العلقة أو العلقة Leech اسم شائع لدودة من أكلات اللحم تقوم بامتصاص الدم bloodsucking , تستعمل هذه الدودة بشكل واسع من قبل الأطباء والحلاقين barbers بغرض إراقة الدم ( الإدماء ) bloodletting , ومازالت تستخدم لهذا الغرض في العديد من مناطق العالم .
في الطب الحديث لم تمارس عملية إراقة الدم لمدة طويلة , لكن ديدان العلق leeches مازالت تستخدم في إراقة الدم منذ زمن بعيد بغرض تخفيف الدم المتجمع في بعض العمليات البسيطة , حيث أن هذا الأسلوب يقلل من فرصة حدوث التلوث مقارنة بالعمليات والتقنيات techniques الأخرى .
تنتشر ديدان العلق بشكل واسع في المياه البحرية marine waters كما توجد أيضاً في المياه العذبة fresh water في المناطق الاستوائية والمعتدلة .
ديدان العلق نوع من الحيوانات مسطحة الجسم , طولها ما بين 5 ملليمتر إلى 46 سم , وهي مجهزة بقرص ماص sucking disk عند كل من النهاية الأمامية والخلفية , ويتكون جسدها من 33 حلقة segments , والحلقات الخارجية غير متطابقة مع الحلقات الداخلية , لكن هذه الحلقات تختلف في عددها باختلاف الأنواع .
تحتوي كل حلقة على ما يقرب من 5 – 6 تأليل warty أو حلمات papillae تعمل كأعضاء حس sense organs , وفي النهاية الأمامية للدودة عدد من العيون .
في بعض ديدان العلق يحتوي الفم الأمامي علي ثلاث
Venesection and Cupping in Islam
الطب والتداوي في الإسلام
المرض :
المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .
ومرض القلوب نوعان :
مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغي ، وكلاهما في القرآن . قال تعالى في مرض الشبهة : " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا " [ البقرة : 110 ] وقال تعالى : " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا " [ المدثر : 31 ] وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة ، فأبى وأعرض : " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " [ النور : 48 و 49 ] فهذا مرض الشبهات والشكوك .
وأما مرض الشهوات ، فقال تعالى : " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " [ الأحزاب : 32 ] . فهذا مرض شهوة الزنى ، والله أعلم .
وأما مرض الأبدان :
فقال تعالى : " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " [ النور : 61 ] ، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن ، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه ، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، والحمية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة ، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة .
فقال تعالي في آية الصوم : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " [ البقرة : 184 ] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض ، وللمسافر طلباً لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة ، وما يوجبه من التحليل ، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل ، فتخور القوة ، وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر حفظاً لصحته وقوته عما يضعفها .
وقال تعالي في آية الحج : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " [ البقرة : 196 ) ، فأباح للمريض ، ومن به أذى من رأسه ، من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما ، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر ، فإذا حلق رأسه ، تفتحت المسام ، فخرجت تلك الأبخرة منها ، فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه .
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة :
الدم إذا هاج والمني إذا تبيغ ( هيجان المني ) والبول والغائط والريح ، والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش .
وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه .
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها ، وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى .
وأما الحمية : فقال تعالى في آية الوضوء : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " [ النساء : 43 ) ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه ، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج ، فقد أرشد - سبحانه - عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده ، ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي .
فأما طب القلوب ، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها ، وفاطرها ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحاباته ، متجنبة لمناهيه ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوتها ، وحياة قلبه وصحته ، وقوته عن ذلك بمعزل ، ومن لم يميز بين هذا وهذا ، فليبك على حياة قلبه ، فإنه من الأموات ، وعلى نوره ، فإنه منغمس في بحار الظلمات .
طب الأبدان :
طب الأبدان نوعان :
النوع الأول : قد فطر الله عليه الحيوان ، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب ، كطب الجوع ، والعطش ، والبرد ، والتعب بأضدادها وما يزيلها , ولجوء الحيوان إلى تناول أنواع محددة من النباتات عندما يصاب بنوع محدد من الأمراض أو يتعرض للجروح , وذلك وفق غريزة وضعه الله عز وجل فيه .
والثاني : ما يحتاج إلى فكر وتأمل ، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج ( الحالة الصحية ) ، بحيث يخرج بها الجسم عن الاعتدال ، إما إلى حرارة ، أو برودة ، أو يبوسة ، أو رطوبة ، أو ما يتركب من اثنين منها ، وهي نوعان : إما مادية ، وإما كيفية ، أعني إما أن يكون بانصباب مادة ، أو بحدوث كيفية ، والفرق بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها ، فتزول موادها ، ويبقى أثرها كيفية في المزاج ( الحالة الصحية ) .
وأمراض المادة أسبابها معها تمدها ، وإذا كان سبب المرض معه ، فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولاً ، ثم في المرض ثانياً ، ثم في الدواء ثالثاً . أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته ، إما في شكل ، أو تجويف ، أو مجرى ، أو خشونة ، أو ملاسة ، أو عدد ، أو عظم ، أو وضع ، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي تألفها اتصالاً ، والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال ، أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية .
والأمراض المتشابهة : هي التي يخرج بها المزاج ( الحالة الصحية )عن الاعتدال ، وهذا الخروج يسمى مرضاً بعد أن يضر بالفعل إضراراً محسوساً .
وهي على ثمانية أضرب ( أنواع ) :
أربعة بسيطة وهي البارد ، والحار ، والرطب ، واليابس .
وأربعة مركبة وهي : الحار الرطب ، والحار اليابس ، والبارد الرطب ، والبارد اليابس .
وهي إما أن تكون بانصباب مادة ، أو بغير انصباب مادة ، وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجاً عن الاعتدال صحة .
وللبدن ثلاثة أحوال :
حال طبيعية :. بها يكون البدن صحيحاً .
وحال خارجة عن الطبيعية :بها يكون مريضاً .
وحال متوسطة بين الأمرين هي متوسطة بين الحالتين .
ذلك أن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط ، وسبب خروج البدن عن طبيعته ، إما من داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ، والرطب واليابس ، وإما من خارج ، فلأن ما يلقاه قد يكون موافقاً ، وقد يكون غير موافق ، والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال ، وقد يكون من فساد في العضو ، وقد يكون من ضعف في القوى.
والطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه ، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه ، أو ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما يضره نقصه ، فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل والشبه ، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ، ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية ، وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافياً كافياً بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته .
فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه ، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ، ولكن لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى أقرباذين ، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر صورته ، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك ، وأهل البوادي قاطبة ، وإنما عني بالمركبات الروم واليونانيون ، وأكثر طب الهند بالمفردات .
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه إلى المركب .
قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية .
قالوا : ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية ، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه ، أو كيفيته ، تشبث بالصحة ، وعبث بها . وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً ، وهم أحد فرق الطب الثلاث .
والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية ، فالأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات ، أمراضها قليلة جداً ، وطبها بالمفردات ، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة ، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة ، فالأدوية المركبة أنفع لها ، وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة ، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة ، فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية .
لكل داء دواء :
روى مسلم في صحيحه : من حديث أبى الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " .
وفي الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " .
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت الأعراب ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : " نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم " .
وفي لفظ : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .
وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه : " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله " وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : " هي من قدر الله " .
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ، وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن يكون قوله : " لكل داء دواء " ، على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا له ضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء ، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية ، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء آخر ، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ، ومتى لم يقع المداوي على الدواء ، أو لم يقع الدواء على الداء ، لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء ، لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ، أو ثم مانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولا بد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث .
والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ، ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : " تدمر كل شيء بأمر ربها " [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح أن تدمره ، ونظائره كثيرة .
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال قدرة الرب تعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ، والوحدانية ، والقهر ، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته .
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً .
وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال : هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .
ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا : " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ، و " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ، فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل .
وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم نذكره ، وهو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ، وإلا فلا ، فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله .
قيل : فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك ، وولدك ، وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ، فلا تلم من عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ، وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاً منك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يا رب ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال : فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل داء دواء" ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردت عنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية ، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذه الأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها ، فقهرت المرض ودفعته .
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه . وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلب مرضاً إلا جعل له شفاء بضده ، فإن علمه صاحب الداء واستعمله ، وصادف داء قلبه ، أبرأه بإذن الله تعالى
.
الحجامة cupping
الحجامة قديمة العهد وسنة إلهية طبقها الأنبياء الكرام وأوصوا بها الناس، وجاء الرسول العربي (ص) فأحياها بعد موت ذِكْرها وطبَّقها بأصولها وله الفضل في سنِّها للمسلمين وللعالمين أجمعين، إلاَّ أنها وبعد عصر مديد من انتقال الرسول العربي (ص) نُسِيت قوانينها نتيجة الإهمال والاستهتار والتجاوزات شيئاً فشيئاً ، حتى اندثرت هذه القوانين وضاعت إلاَّ ما ندر منها.. وهناك أيدٍ أثيمة دسَّت الكثير عليها ، فأقلع الناس عن الحجامة ونسوها.. صحيح أن قسماً قليلاً من الناس كانوا ينفذوها، لكن وللأسف ما كانوا ليستفيدوا منها الفائدة المرجوَّة أو لا يستفيدون أبداً وأقلع الناس عنها لأنهم لم يلمسوا فائدتها المرجوة.. والسبب في أنهم لم يكونوا ليستفيدوا من تنفيذها هو عدم تنفيذها ضمن القوانين المشروعة لها، فالقوانين اندثرت وضاعت، فهم ينفذوها شتاءً، صيفاً، أو بعد بذل مجهود وتعب جسمي، أو بعد الطعام وليس على الريق.
أما العلامة العربي السوري الراحل محمد أمين شيخو فلقد أحيا هذه السنة بإحيائه لقوانينها الدقيقة التي ذكرت في كتابه ، فقد جاء بقوانينها ووضعها موضع تنفيذها الصحيح من الجسم.. كما جاء بالسر العام لآلية شفائها "التخلص من الدم الفاسد". لقد أعاد هذا الفن العلاجي الطبي بذلك الشكل الفعال العلمي المفيد ونشرها بقوانينها وأصولها في كافة معارفه.. أقاربه.. أصدقائه.. وهم نشروها طبعاً في معارفهم.. أقاربهم أصدقائهم جيرانهم عامة الناس وهكذا حتى صارت ولها انتشار واسع في الكثير من البلاد والعباد، وذلك لما وجدوا وجنوا من فائدة عملية عظيمة نفسية وجسدية، وتكاثر الناس عليها جداً في السنوات الأخيرة لِمَا تحقَّق بها من معجزات شفاء لأمراض العصر المستعصية كالسرطان والشلل والقلب القاتل والناعور ( نزف الدم ) والشقيقة وغيرها كثير..
الأمراض الإمتلائية :
قال أبو عبد الله المازري : إما أن تكون دموية ، أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية . فإن كانت دموية ، فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية ، فشفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم تقدم بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد ، وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم . فإذا أعيا الدواء ، فآخر الطب الكي ، فذكره صلى الله عليه وسلم في الأدوية ، لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع الدواء المشروب . وقوله : وأنا أنهى أمتي عن الكي ، وفي الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي ، إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ، انتهى كلامه .
الأمراض المزاجية :
وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة ، أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ، أو يابسة ، أو ما تركب منها ، وهذه الكيفيات الأربع ، منها كيفيتان فاعلتان : وهما الحرارة والبرودة ، وكيفيتان منفعلتان ، وهما الرطوبة واليبوسة ، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها ، وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن ، وسائر المركبات كيفيتان : فاعلة ومنفعلة .
فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة ، فجاء كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة والباردة على طريق التمثيل ، فإن كان المرض حاراً ، عالجناه بإخراج الدم ، بالفصد كان أو بالحجامة ، لأن في ذلك استفراغاً للمادة ، وتبريداً للمزاج . وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين ، وذلك موجود في العسل ، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة ، فالعسل أيضاً يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج ، والتقطيع ، والتلطيف، والجلاء، والتليين ، فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية .
وأما الكي : فلأن كل واحد من الأمراض المادية ، إما أن يكون حاداً فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين ، فلا يحتاج إليه فيه ، وإما أن يكون مزمناً ، وأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي ، لأنه لا يكون مزمناً إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت في العضو ، وأفسدت مزاجه ، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها ، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكي تلك المادة من ذلك المكان الذي هو فيه بإفناء الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة .
فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية جميعها ، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صلى الله عليه وسلم : " إن شدة الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " .
بعض أحاديث الرسول ( ص) عن الحجـامة :
روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي ٍ الله عنهما قال : الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهي أمتي عن الكي ، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن أَجْرِ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ الْحَجَّامِ فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ وَقَالَ : إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِي .
تخريج السيوطي
مالك عن أنس.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1365 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( أمثل ما تداويتم به ) أي أنفعه وأفضله ( الحجامة ) لمن احتمل ذلك سناً ولاق به قطراً ومرضاً ( والقسط ) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب ( البحري ) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء : القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفاً بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك .
*** ( مالك ) الإمام المشهور في الموطأ ( عن أنس ) بن مالك .
ُّ. وفي رواية عن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْد ِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ .
وعن أحمد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( ص) وَهُوَ يَحْتَجِمُ بِقَرْنٍ وَيُشْرَطُ بِطَرْفِ سِكِّينٍ فَد َخَلَ رَجُلٌ مِنْ شَمْخَ فَقَالَ لَهُ : لِمَ تُمَكِّنُ ظَهْرَكَ أَوْ عُنُقَكَ مِنْ هَذَا يَفْعَلُ بِهَا مَا أَرَى فَقَالَ هَذَا الْحَجْمُ وَهُوَ مِنْ خَيْرِ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ ُ.
وفي مسند أحمد عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَسَنِ ابْنِ عَلِيِّ قَالَ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَدتَِّهِ سَلْمَى خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ , فِي مَا سَمِعْتُ أَحَدًا قَطُّ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ رَأْسِهِ إِلا قَالَ احْتَجِمْ وَلا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إِلا قَالَ أخضبهما بِالْحِنَّاءِ .
تخريج السيوطي
(الحاكم في الكنى) عن أنس.
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 227 في ضعيف الجامع.
الشـــــرح :
( اختضبوا ) بكسر الهمزة أي غيروا ألوان شعوركم ندباً ( بالحناء ) بكسر الحاء المهملة وشد النون والمد ( فإنه طيب الريح ) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث ( يسكن الروع ) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والضاب يستره يرده أن الأمر بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى الحديث ، فإن قلت : إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع ، قلت : أما نفرة الطبع السليم من ريحه فضلاً عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء النافع فتدبره فإنه نافع ، ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل تذكيره قال : فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط .
*** ( الحاكم في الكنى عن أنس ) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان .
وأخرج أحمد و والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مررت بملأ .من الملائكة ليلة أسري بي، إلا قالوا عليك بالحجامة وفي لفظ مر أمتك بالحجامة.
تخريج السيوطي :
عن أنس عن ابن مسعود .
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5671 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( ما مررت ليلة أسري بي بملأ ) أي جماعة ( من الملائكة إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة ) لأنهم من بين الأمم كلهم أهل يقين فإذا اشتغل نور اليقين في القلب ومعه حرارة الدم أضر بالقلب وبالطبع وقال التوربشتي : وجه مبالغة الملائكة في الحجامة سوى ماعرف منها من المنفعة العائدة على الأبدان أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى الملكوت الأعلى والوصول إلى الكشوف الروحانية وغلبته تزيد جماح النفس وصلابتها فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعاً وجموداً وليناً ورقة وبذلك تنقطع الأدخنة المنبعثة عن النفس الأمارة وتنحسم مادتها فتزداد البصيرة نور إلى نورها .
*** في الطب ( عن أنس ) بن مالك , فيه ( عن ابن مسعود ) قال الترمذي : حسن غريب وقال المناوي : حديث ابن ماجه منكر . وفيه كثير بن سليم الضبي ضعفوه كما في الميزان وعدوا من مناكيره هذا وأقول : في سند الترمذي أحمد بن بديل الكوفي قال في الكاشف : لينه ابن عدي والدارقطني ورضيه النسائي وعبد الرحمن بن إسحاق قال في الكاشف : ضعفوه .
مواضع الحجامة التي ورد أن نبينا محمد احتجمها هي فِي رَأْسِهِ وَهُوَ روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ. وعند أبي داودِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ مِنْ وَثْءٍ ( وجع يصيب العضو من غير كسر .) كَانَ بِهِ.
وعند أبي داود وابن ماجة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ احْتَجَمَ ثَلاثـا فِي الأَخْدَعَيْـنِ { عرقان في محل الحجامة من العنق والكاهل , وهو مقدم أعلي الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى , وفيه ست فقرات }وَالْكَاهــِلِ وعند أحمد فِي الأَخْدَعَيْنِ وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ الْكَتِفَيْن. وعند ابن ماجة في سننه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ عَلَى جِذْعٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ احْتَجَمَ عَلَيْهَا مِنْ وَثْءٍ .
وفي سنن النسائي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَثْءٍ ( وجع يصيب العضو من غير كسر .) كَانَ بِهِ وفي رواية عند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ .اللَّهِ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَثْيٍ كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ ظَهْرِهِ
أوقات الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع وأيام الشهر :
قَالَ مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ , عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ. رواه ابن ماجة في سننه
تخريج السيوطي :
(البزار أبو نعيم في الطب) عن ابن عباس.
تحقيق الألباني :
(ضعيف) انظر حديث رقم: 181 في ضعيف الجامع.
الشـــــرح :
( احتجموا ) إرشاداً لا إلزاماً ( لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين ) من الشهر العربي . قال ابن القيم : هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر ، نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى ، وقال ابن جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله ( لا تتبيغ ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن ، قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج ( بكم الدم ) يغلبكم ويقهركم ( فيقتلكم ) أي فيكون ثورانه وهيجانه سبباً لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر ( تنبيه ) قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جداً كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حاراً لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هرباً من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه ، فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال .
*** ( البزار ) في مسنده ( وأبو نعيم في ) كتاب ( الطب ) النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم ( عن ابن عباس ) قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفاً ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه .
، وفي رواية عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : يَا نَافِعُ قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ فَالْتَمِس لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا .
ويَقُولُ الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَمْثَلُ وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ. رواه ابن ماجة .
تخريج السيوطي
(ابن السني أبو نعيم) عن ابن عمر.
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3169 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( الحجامة على الريق ) أي قبل الفطر ( أمثل وفيها شفاء وبركة ) أي زيادة في الخير ( وتزيد في الحفظ وفي العقل فاحتجموا على بركة اللّه يوم الخميس ) لفظ رواية الحاكم بعد قوله وبركة وهي تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظاً فمن كان محتجماً فليحتجم يوم الخميس ( واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى اللّه فيه أيوب نبيه ( من البلاء ) الذي ابتلاه به قال الطيبي : ظاهره يخالف الحديث المار أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ ولعله أراد به يوماً مخصوصاً وهو سابع عشر الشهر كما في حديث معقل المذكور ( واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلى فيه أيوب ) أي كان ابتداء إبلائه فيه ( وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء ) في الموجز من فوائد الحجامة تنقية العضو وقلة استفراغ جوهر الروح وهي على الساقين تقارب العضد وتدر الطمث وتصفي الدم وعلى القفا لنحو رمد وبخر قلاع وصداع خاصية ما كان في مقدم الرأس لكنها تورث النسيان قال ابن القيم : وتكره على الشبع لأنها تورث أمراضاً .
*** في الطب ( وابن السني وأبو نعيم ) معاً في الطب النبوي ( عن ابن عمر ) بن الخطاب ولم يصححه الحاكم وقال الذهبي : فيه عطاف وثقه أحمد وغيره وقال أبو حاتم : ليس بذلك , انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : لا يصح من جميع طرقه .
يقول موفق الدين البغدادي في الطب النبوي : هذا النهي كله إذا احتجم حال الصحة أما وقت المرض ، وعند الضرورة ، فعندها سواء كان سبع عشرة أو عشرين .، وكان أحمد بن حنبل يحتجم في أي وقت هاج عليه الدم ، وأي ساعة كان .
الحـجـامة من أعمدة الطب العربي الذي أوصى به رسول الله . عرفها العرب وتطببوا بها قديماً .. ورغم تطورات الزمن وما أستحدث فيه من علاجات لم تختفي الحجامة . ( من قاموس الطب والتداوي ) .
مشروعية التداوي بالحجامة :
التداوي بالحجامة أمر مندوب ( مدعو إليه ) إليه في الاسلام و قد حث رسول الله –
– على التداوي بها لما فيها من عظيم الفائدة الصحية و العلاجية ، تدواى بها رسول الله ـ وعنه أنه قال " خير ما تداويتم به الحجامة " وقد أمر الصحابة الكرام بالتداوي بها ، والحجامة كأمر علاجي حث عليها ملائكة الله عز وجل ولهذا استمرت وبقيت واعترف بها أهل العلم والطب قديما ً وحديثاً .
الأدلة الشرعية للعلاج بالحجامة :
قال رسول الله (ص) : ( إن أمثل ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري . ( سبق عرض تخريجه وشرحه .)
- كما قال : ( إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار توافق داء و ما أحب أن أكتوي ). أخرجه البخاري ومسلم
- وروى الترمذي و ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله : ( ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي عليك يا محمد مر أمتك بالحجامة .
- وقال ( نعم الدواء الحجامة ، تذهب الدم وتجلو البصر وتخف الصلب ) أخرجه الحاكم والترمذي وقال حديث حسن .
- كما يقول ابن القيم في كتابه الطب النبوي : إن الحجامة في الأزمنة الحارة و الأمكنة الحارة و الأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع .
ــ وعن رسول الله (ص) قوله{ خير ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري و لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة }.
تخريج السيوطي
عن أنس.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3324 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( خير ما تداويتم به الحجامة ) سيما في البلاد الحارة ( والقسط البحري ) وهو الأبيض فإنه يقطع البلغم وينفع الكبد والمعدة وحمى الربع والورد والسموم وغيرها وفي رواية بدل البحري الهندي وهو الأسود وهو يقرب منه لكن أيبس ولا تعارض لأنه وصف لكل ما يلائمه يث وصف الهندي كان الاحتجاج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي أشد حرارة وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل دود الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك الباءة ويذهب الكلف ( ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة ) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعترى الصبيان غالباً وقيل قرحة تخرج بين الأذن والحلق سميت به لأنها تخرج عند طلوع العذراء كوكب تحت الشعرى وطلوعها يكون في الحر والمعنى عالجوا العذرة بالقسط ولا تعذبوهم بالغمز وذلك أن مادة العذرة دم يغلب عليه بلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة والأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض .
ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو كذلك من حيث اللفظ أما هو في المعنى ففي الصحيحين معاً .
مواضع الحجامة التي ورد أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم احتجمها
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ ( صداع نصفي ) كَانَتْ بِهِ. وعن أبي هريرة أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ (اليافوخ : عظم مقدم الرأس) من وجع كان به ، وفي رواية أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجم فوق رأسه وهو يومئذ محرم ، وفي رواية احتجم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو محرم بلَحي جمل في وسط رأسه ، " أي ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين " .
وعند أبي داود وابن ماجة عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ ثَلاثـا فِي الأَخْدَعَيْـنِ وَالْكَاهــِلِ ( الاخدع عرق جانب الرقبة والكاهل بين الكتفين ، والأَخْدَعانِ: عِرْقان خَفِيّانِ في موضع الحِجامة من العُنق، وربما وقعت الشَّرْطة على أَحدهما فيَنْزِفُ صاحبه لأَن الأَخْدَع شُعْبَةٌ مِنَ الوَرِيد ).
وعند أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الأَخْدَعَيْنِ وَبَيْنَ الْكَتِفَيْن.
وعند ابن ماجة في سننه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ عَلَى جِذْعٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَيْهَا مِنْ وَثْءٍ .
وعند أبي داودِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ. وفي سنن النسائي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ ( وجع يصيب العضو من غير كسر ).
وفي رواية عند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَثْيٍ كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ ظَهْرِهِ. وكان جابر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن .
ذكرنا أعلاه الأحاديث الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أماكن الحجامة وهي أماكن ليست بالتوقيفية لأنها من الطب وليست من الأمور التعبدية و أنه لا توجد أماكن مقيدة بالحجامة ولكنها أماكن اجتهادية يعلمها الناس بالخبرة ، و الحجامة تعمل على خطوط الطاقة ، وهي التي تستخدم في الإبر الصينية ، وقد وجد أن الحجامة تأتي بنتائج أفضل عشرة أضعاف من الإبر الصينية، وتعمل الحجامة على مواضع الأعصاب الخاصة بردود الأفعال، وتعمل الحجامة على الغدد الليمفاوية، وتقوم بتنشيطها ، وتعمل أيضًا على الأوعية الدموية وعلى الأعصاب.
أوقات الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع وأيام الشهر
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ. رواه ابن ماجة في سننه ، وفي رواية عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَا نَافِعُ قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ فَالْتَمِسْ لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ. رواه ابن ماجة
يقول موفق الدين البغدادي في الطب النبوي : هذا النهي كله إذا احتجم حال الصحة أما وقت المرض ، وعند الضرورة ، فعندها سواء كان سبع عشرة أو عشرين ، وكان أحمد بن حنبل يحتجم في أي وقت هاج عليه الدم ، وأي ساعة كان أ.هـ.
والمقصود بهيجان الدم هو التبيغ يقول صلى الله عليه وسلم (لا يَتَبَيَّغْ بأحَدكُم الدَّمُ فيقتُلَه) أي غَلَبة الدَّم على الإنسان، يقال تبَيَّغ به الدَّم إذا تَردّد فيه. تَبَيَّغَ به الدمُ: هاجَ به، وذلك حين تَظْهَرُ حُمْرَتُه في البَدَن ومنه تبيَّغَ الماء إذا تردّد وتحيَّر في مَجْراه.أي لا يَبْغي عليه الدم فيقتله، من البَغْي: مجاوزةِ الحدّ.ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه {ابْغِني خادِماً لا يكون قَحْماً فانِياً، ولا صَغيرا ضَرَعاً، فقد تَبَيَّغ بي الدَّمُ}. ومن ذلك الشعور بالصداع والامتلاء في الرأس والدوار والانفعال ، وقد تحدث اضطرابات بصرية.
أنواع الحجـامة
الحجامة أربعة أنواع : الفصد ، الحجامة الجافة ، الحجامة الرطبة ، الحجامة بدودة العلقة والذي يهمنا في هذا المبحث هو :
1-الحجامة الرطبة .
2_ الفصد .
3_ الحجامة بدودة العلقة . Blood-sucking leech .
تعريف بدودة العلق Leech :
دودة العلقة أو العلقة Leech اسم شائع لدودة من أكلات اللحم تقوم بامتصاص الدم bloodsucking , تستعمل هذه الدودة بشكل واسع من قبل الأطباء والحلاقين barbers بغرض إراقة الدم ( الإدماء ) bloodletting , ومازالت تستخدم لهذا الغرض في العديد من مناطق العالم .
في الطب الحديث لم تمارس عملية إراقة الدم لمدة طويلة , لكن ديدان العلق leeches مازالت تستخدم في إراقة الدم منذ زمن بعيد بغرض تخفيف الدم المتجمع في بعض العمليات البسيطة , حيث أن هذا الأسلوب يقلل من فرصة حدوث التلوث مقارنة بالعمليات والتقنيات techniques الأخرى .
تنتشر ديدان العلق بشكل واسع في المياه البحرية marine waters كما توجد أيضاً في المياه العذبة fresh water في المناطق الاستوائية والمعتدلة .
ديدان العلق نوع من الحيوانات مسطحة الجسم , طولها ما بين 5 ملليمتر إلى 46 سم , وهي مجهزة بقرص ماص sucking disk عند كل من النهاية الأمامية والخلفية , ويتكون جسدها من 33 حلقة segments , والحلقات الخارجية غير متطابقة مع الحلقات الداخلية , لكن هذه الحلقات تختلف في عددها باختلاف الأنواع .
تحتوي كل حلقة على ما يقرب من 5 – 6 تأليل warty أو حلمات papillae تعمل كأعضاء حس sense organs , وفي النهاية الأمامية للدودة عدد من العيون .
في بعض ديدان العلق يحتوي الفم الأمامي علي ثلاث
مواضيع مماثلة
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 2
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 3
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 4
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 6
» كتاب الفصد و الحجامة بين العلم والدين 1
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 3
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 4
» كتاب الفصد والحجامة بين العلم والدين 6
» كتاب الفصد و الحجامة بين العلم والدين 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى