بيان فرضية الحــج
بيان فرضية الحــج
بيان فرضية الحــج
كتاب الحج الكتاب يشتمل على فصلين : فصل في الحج ، وفصل في العمرة أما فصل الحج : فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان فرضية الحج وفي بيان كيفية فرضه ، وفي بيان شرائط الفرضية وفي بيان أركان الحج ، وفي بيان واجباته ، وفي بيان سننه ، وفي بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض ، والواجبات ، والسنن ، وفي بيان شرائط أركانه ، وفي بيان ما يفسده وبيان حكمه إذا فسد ، وفي بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه وفي بيان حكمه إذا فات عن عمره أصلا ، ورأسا أما الأول : فالحج فريضة ثبتت فرضيته بالكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة والمعقول . أما الكتاب : فقوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، في الآية دليل وجوب الحج من وجهين : أحدهما أنه قال { ولله على الناس حج البيت } ، وعلى : كلمة إيجاب والثاني أنه قال تعالى : { ومن كفر } قيل في التأويل : ومن كفر بوجوب الحج حتى روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : أي ومن كفر بالحج فلم ير حجه برا ، ولا تركه مأثما وقوله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام : { وأذن في الناس بالحج } أي : ادع الناس ونادهم إلى حج البيت ، وقيل : أي أعلم الناس أن الله فرض عليهم الحج ، دليله قوله تعالى : { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } وأما السنة : فقوله صلى الله عليه وسلم : { بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا } . وقوله صلى الله عليه وسلم : { اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيت ربكم ، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم } . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { من مات ولم يحج حجة الإسلام من غير أن يمنعه سلطان جائر ، أو مرض حابس ، أو عدو ظاهر ، فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا ، أو مجوسيا } . وروي أنه قال : { من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج ، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا } . وأما الإجماع : فلأن الأمة أجمعت على فرضيته . وأما المعقول : فهو أن العبادات وجبت لحق العبودية ، أو لحق شكر النعمة إذ كل ذلك لازم في المعقول وفي الحج إظهار العبودية ، وشكر النعمة ، أما إظهار العبودية ؛ فلأن إظهار العبودية هو إظهار التذلل للمعبود ، وفي الحج ذلك ؛ لأن الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ، ويرفض أسباب التزين ، والارتفاق ، ويتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه ، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ، ومرحمته إياه ، وفي حال وقوفه بعرفة بمنزلة عبد عصى مولاه فوقف بين يديه متضرعا حامدا له مثنيا عليه مستغفرا لزلاته مستقيلا لعثراته ، وبالطواف حول البيت يلازم المكان المنسوب إلى ربه بمنزلة عبد معتكف على باب مولاه لائذ بجنابه . وأما شكر النعمة ؛ فلأن العبادات بعضها بدنية ، وبعضها مالية ، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن ، والمال ؛ ولهذا لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن ، فكان فيه شكر النعمتين ، وشكر النعمة ليس إلا استعمالها في طاعة المنعم ، وشكر النعمة واجب عقلا ، وشرعا ، والله أعلم
( فصل ) : وأما كيفية فرضه فمنها : أنه فرض عين لا فرض كفاية فيجب على كل من استجمع شرائط الوجوب عينا لا يسقط بإقامة البعض عن الباقين بخلاف الجهاد فإنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؛ لأن الإيجاب تناول كل واحد من آحاد الناس عينا ، والأصل أن الإنسان لا يخرج عن عهدة ما عليه إلا بأدائه بنفسه إلا إذا حصل المقصود منه بأداء غيره ، كالجهاد ، ونحوه ، وذلك لا يتحقق في الحج . ومنها : أنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بخلاف الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، فإن الصلاة تجب في كل يوم ، وليلة خمس مرات ، والزكاة ، والصوم يجبان في كل سنة مرة واحدة ؛ لأن الأمر المطلق بالفعل لا يقتضي التكرار لما عرف في ( أصول الفقه ) ، والتكرار في باب الصلاة ، والزكاة ، والصوم ثبت بدليل زائد لا بمطلق الأمر ، ولما روي أنه { لما نزلت آية الحج سأل الأقرع بن حابس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : مرة واحدة ، وفي رواية قال : لما نزلت آية الحج ألعامنا هذا يا رسول الله أم للأبد ؟ فقال : للأبد } ، ولأنه عبادة لا تتأدى إلا بكلفة عظيمة ، ومشقة شديدة بخلاف سائر العبادات فلو ، وجب في كل عام ؛ لأدى إلى الحرج ، وأنه منفي شرعا ، ولأنه إذا لم يمكن أداؤه إلا بحرج لا يؤدى فيلحق المأثم ، والعقاب إلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم { لما سأله الأقرع بن حابس ، وقال : ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : للأبد ، ولو قلت في كل عام لوجب ، ولو وجب ثم تركتم لضللتم } . واختلف في وجوبه على الفور ، والتراخي ، ذكر الكرخي : أنه على الفور حتى يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ، وهي السنة الأولى عند استجماع شرائط الوجوب ، وذكر أبو سهل الزجاجي الخلاف في المسألة بين أبي يوسف ، ومحمد فقال في قول أبي يوسف : يجب على الفور ، وفي قول محمد : على التراخي ، وهو قول الشافعي . وروي عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف . وروي عنه مثل قول محمد ، وجه قول محمد : أن الله تعالى فرض الحج في وقت مطلقا ؛ لأن قوله تعالى { : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } مطلق عن الوقت ثم بين ، وقت الحج بقوله ( عز وجل ) : { الحج أشهر معلومات } أي : وقت الحج أشهر معلومات فصار المفروض هو الحج في أشهر الحج مطلقا من العمر فتقييده بالفور تقييد المطلق ، ولا يجوز إلا بدليل . وروي أن فتح مكة كان لسنة ثمان من الهجرة ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة العشر ، ولو كان وجوبه على الفور لما احتمل التأخير منه ، والدليل عليه : أنه لو أدى في السنة الثانية أو الثالثة يكون مؤديا لا قاضيا ، ولو كان ، واجبا على الفور . وقد فات الفور فقد فات وقته فينبغي أن يكون قاضيا لا مؤديا كما لو فاتت صلاة الظهر عن وقتها ، وصوم رمضان عن وقته . ولهما أن الأمر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور ، ويحتمل التراخي ، والحمل على الفور أحوط ؛ لأنه إذا حمل عليه يأتي بالفعل على الفور ظاهرا وغالبا خوفا من الإثم بالتأخير ، فإن أريد به الفور فقد أتى بما أمر به فأمن الضرر ، وإن أريد به التراخي لا يضره الفعل على الفور بل ينفعه ؛ لمسارعته إلى الخير ، ولو حمل على التراخي ربما لا يأتي به على الفور ، بل يؤخر إلى السنة الثانية ، والثالثة فتلحقه المضرة إن أريد به الفور ، وإن كان لا يلحقه إن أريد به التراخي ، فكان الحمل على الفور حملا على أحوط الوجهين فكان أولى ، وهذا قول إمام الهدى الشيخ أبي منصور الماتريدي في كل أمر مطلق عن الوقت أنه يحمل على الفور لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين أن المراد منه الفور أو التراخي بل يعتقد أن ما أراد الله تعالى به من الفور ، والتراخي فهو حق ، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من ملك زادا ، وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا } ألحق الوعيد بمن أخر الحج عن أول أوقات الإمكان ؛ لأنه قال : من ملك كذا فلم يحج ، والفاء للتعقيب بلا فصل أي لم يحج عقيب ملك الزاد ، والراحلة بلا فصل ، وأما طريق عامة المشايخ فإن للحج وقتا معينا من السنة يفوت عن تلك السنة بفوات ذلك الوقت ، فلو أخره عن السنة الأولى . وقد يعيش إلى السنة الثانية . وقد لا يعيش فكان التأخير عن السنة الأولى تفويتا له للحال ؛ لأنه لا يمكنه الأداء للحال إلى أن يجيء ، وقت الحج من السنة الثانية ، وفي إدراكه السنة الثانية شك ، فلا يرتفع الفوات الثابت للحال بالشك ، والتفويت حرام . وأما قوله : إن الوجوب في الوقت ثبت مطلقا عن الفور فمسلم لكن المطلق يحتمل الفور ، ويحتمل التراخي ، والحمل على الفور أولى لما بينا ، ويجوز تقييد المطلق عند قيام الدليل ، وأما تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عن أول أوقات الإمكان فقد قيل إنه كان لعذر له ، ولا كلام في حال العذر يدل على أنه لا خلاف في أن التعجيل أفضل ، والرسول صلى الله عليه وسلم : لا يترك الأفضل إلا لعذر على أن المانع من التأخير هو احتمال الفوات ، ولم يكن في تأخيره ذلك فوات لعلمه من طريق الوحي أنه يحج قبل موته قال الله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } . والثنيا للتيمن ، والتبرك أو لما أن الله تعالى خاطب الجماعة . وقد علم أن بعضهم يموت قبل الدخول ، وأما قوله لو أدى في السنة الثانية كان مؤديا لا قاضيا فإنما كان كذلك ؛ لأن أثر الوجوب على الفور عملا في احتمال الإثم بالتأخير عن أول الوقت في الإمكان لا في إخراج السنة الثانية ، والثالثة من أن يكون ، وقتا للواجب كما في باب الصلاة ، وهذا ؛ لأن وجوب التعجيل إنما كان تحرزا عن الفوات فإذا عاش إلى السنة الثانية ، والثالثة فقد زال احتمال الفوات فحصل الأداء في وقته كما في باب الصلاة ، والله أعلم .
( فصل ) : وأما شرائط فرضيته فنوعان : نوع يعم الرجال ، والنساء ونوع يخص النساء أما الذي يعم الرجال ، والنساء فمنها : البلوغ ، ومنها العقل فلا حج على الصبي ، والمجنون ؛ لأنه لا خطاب عليهما فلا يلزمهما الحج حتى لو حجا ، ثم بلغ الصبي ، وأفاق المجنون فعليهما حجة الإسلام ، وما فعله الصبي قبل البلوغ يكون تطوعا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام } .
كتاب الحج الكتاب يشتمل على فصلين : فصل في الحج ، وفصل في العمرة أما فصل الحج : فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان فرضية الحج وفي بيان كيفية فرضه ، وفي بيان شرائط الفرضية وفي بيان أركان الحج ، وفي بيان واجباته ، وفي بيان سننه ، وفي بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض ، والواجبات ، والسنن ، وفي بيان شرائط أركانه ، وفي بيان ما يفسده وبيان حكمه إذا فسد ، وفي بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه وفي بيان حكمه إذا فات عن عمره أصلا ، ورأسا أما الأول : فالحج فريضة ثبتت فرضيته بالكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة والمعقول . أما الكتاب : فقوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، في الآية دليل وجوب الحج من وجهين : أحدهما أنه قال { ولله على الناس حج البيت } ، وعلى : كلمة إيجاب والثاني أنه قال تعالى : { ومن كفر } قيل في التأويل : ومن كفر بوجوب الحج حتى روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : أي ومن كفر بالحج فلم ير حجه برا ، ولا تركه مأثما وقوله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام : { وأذن في الناس بالحج } أي : ادع الناس ونادهم إلى حج البيت ، وقيل : أي أعلم الناس أن الله فرض عليهم الحج ، دليله قوله تعالى : { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } وأما السنة : فقوله صلى الله عليه وسلم : { بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا } . وقوله صلى الله عليه وسلم : { اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيت ربكم ، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم } . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { من مات ولم يحج حجة الإسلام من غير أن يمنعه سلطان جائر ، أو مرض حابس ، أو عدو ظاهر ، فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا ، أو مجوسيا } . وروي أنه قال : { من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج ، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا } . وأما الإجماع : فلأن الأمة أجمعت على فرضيته . وأما المعقول : فهو أن العبادات وجبت لحق العبودية ، أو لحق شكر النعمة إذ كل ذلك لازم في المعقول وفي الحج إظهار العبودية ، وشكر النعمة ، أما إظهار العبودية ؛ فلأن إظهار العبودية هو إظهار التذلل للمعبود ، وفي الحج ذلك ؛ لأن الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ، ويرفض أسباب التزين ، والارتفاق ، ويتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه ، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ، ومرحمته إياه ، وفي حال وقوفه بعرفة بمنزلة عبد عصى مولاه فوقف بين يديه متضرعا حامدا له مثنيا عليه مستغفرا لزلاته مستقيلا لعثراته ، وبالطواف حول البيت يلازم المكان المنسوب إلى ربه بمنزلة عبد معتكف على باب مولاه لائذ بجنابه . وأما شكر النعمة ؛ فلأن العبادات بعضها بدنية ، وبعضها مالية ، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن ، والمال ؛ ولهذا لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن ، فكان فيه شكر النعمتين ، وشكر النعمة ليس إلا استعمالها في طاعة المنعم ، وشكر النعمة واجب عقلا ، وشرعا ، والله أعلم
( فصل ) : وأما كيفية فرضه فمنها : أنه فرض عين لا فرض كفاية فيجب على كل من استجمع شرائط الوجوب عينا لا يسقط بإقامة البعض عن الباقين بخلاف الجهاد فإنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؛ لأن الإيجاب تناول كل واحد من آحاد الناس عينا ، والأصل أن الإنسان لا يخرج عن عهدة ما عليه إلا بأدائه بنفسه إلا إذا حصل المقصود منه بأداء غيره ، كالجهاد ، ونحوه ، وذلك لا يتحقق في الحج . ومنها : أنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بخلاف الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، فإن الصلاة تجب في كل يوم ، وليلة خمس مرات ، والزكاة ، والصوم يجبان في كل سنة مرة واحدة ؛ لأن الأمر المطلق بالفعل لا يقتضي التكرار لما عرف في ( أصول الفقه ) ، والتكرار في باب الصلاة ، والزكاة ، والصوم ثبت بدليل زائد لا بمطلق الأمر ، ولما روي أنه { لما نزلت آية الحج سأل الأقرع بن حابس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : مرة واحدة ، وفي رواية قال : لما نزلت آية الحج ألعامنا هذا يا رسول الله أم للأبد ؟ فقال : للأبد } ، ولأنه عبادة لا تتأدى إلا بكلفة عظيمة ، ومشقة شديدة بخلاف سائر العبادات فلو ، وجب في كل عام ؛ لأدى إلى الحرج ، وأنه منفي شرعا ، ولأنه إذا لم يمكن أداؤه إلا بحرج لا يؤدى فيلحق المأثم ، والعقاب إلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم { لما سأله الأقرع بن حابس ، وقال : ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : للأبد ، ولو قلت في كل عام لوجب ، ولو وجب ثم تركتم لضللتم } . واختلف في وجوبه على الفور ، والتراخي ، ذكر الكرخي : أنه على الفور حتى يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ، وهي السنة الأولى عند استجماع شرائط الوجوب ، وذكر أبو سهل الزجاجي الخلاف في المسألة بين أبي يوسف ، ومحمد فقال في قول أبي يوسف : يجب على الفور ، وفي قول محمد : على التراخي ، وهو قول الشافعي . وروي عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف . وروي عنه مثل قول محمد ، وجه قول محمد : أن الله تعالى فرض الحج في وقت مطلقا ؛ لأن قوله تعالى { : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } مطلق عن الوقت ثم بين ، وقت الحج بقوله ( عز وجل ) : { الحج أشهر معلومات } أي : وقت الحج أشهر معلومات فصار المفروض هو الحج في أشهر الحج مطلقا من العمر فتقييده بالفور تقييد المطلق ، ولا يجوز إلا بدليل . وروي أن فتح مكة كان لسنة ثمان من الهجرة ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة العشر ، ولو كان وجوبه على الفور لما احتمل التأخير منه ، والدليل عليه : أنه لو أدى في السنة الثانية أو الثالثة يكون مؤديا لا قاضيا ، ولو كان ، واجبا على الفور . وقد فات الفور فقد فات وقته فينبغي أن يكون قاضيا لا مؤديا كما لو فاتت صلاة الظهر عن وقتها ، وصوم رمضان عن وقته . ولهما أن الأمر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور ، ويحتمل التراخي ، والحمل على الفور أحوط ؛ لأنه إذا حمل عليه يأتي بالفعل على الفور ظاهرا وغالبا خوفا من الإثم بالتأخير ، فإن أريد به الفور فقد أتى بما أمر به فأمن الضرر ، وإن أريد به التراخي لا يضره الفعل على الفور بل ينفعه ؛ لمسارعته إلى الخير ، ولو حمل على التراخي ربما لا يأتي به على الفور ، بل يؤخر إلى السنة الثانية ، والثالثة فتلحقه المضرة إن أريد به الفور ، وإن كان لا يلحقه إن أريد به التراخي ، فكان الحمل على الفور حملا على أحوط الوجهين فكان أولى ، وهذا قول إمام الهدى الشيخ أبي منصور الماتريدي في كل أمر مطلق عن الوقت أنه يحمل على الفور لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين أن المراد منه الفور أو التراخي بل يعتقد أن ما أراد الله تعالى به من الفور ، والتراخي فهو حق ، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من ملك زادا ، وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا } ألحق الوعيد بمن أخر الحج عن أول أوقات الإمكان ؛ لأنه قال : من ملك كذا فلم يحج ، والفاء للتعقيب بلا فصل أي لم يحج عقيب ملك الزاد ، والراحلة بلا فصل ، وأما طريق عامة المشايخ فإن للحج وقتا معينا من السنة يفوت عن تلك السنة بفوات ذلك الوقت ، فلو أخره عن السنة الأولى . وقد يعيش إلى السنة الثانية . وقد لا يعيش فكان التأخير عن السنة الأولى تفويتا له للحال ؛ لأنه لا يمكنه الأداء للحال إلى أن يجيء ، وقت الحج من السنة الثانية ، وفي إدراكه السنة الثانية شك ، فلا يرتفع الفوات الثابت للحال بالشك ، والتفويت حرام . وأما قوله : إن الوجوب في الوقت ثبت مطلقا عن الفور فمسلم لكن المطلق يحتمل الفور ، ويحتمل التراخي ، والحمل على الفور أولى لما بينا ، ويجوز تقييد المطلق عند قيام الدليل ، وأما تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عن أول أوقات الإمكان فقد قيل إنه كان لعذر له ، ولا كلام في حال العذر يدل على أنه لا خلاف في أن التعجيل أفضل ، والرسول صلى الله عليه وسلم : لا يترك الأفضل إلا لعذر على أن المانع من التأخير هو احتمال الفوات ، ولم يكن في تأخيره ذلك فوات لعلمه من طريق الوحي أنه يحج قبل موته قال الله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } . والثنيا للتيمن ، والتبرك أو لما أن الله تعالى خاطب الجماعة . وقد علم أن بعضهم يموت قبل الدخول ، وأما قوله لو أدى في السنة الثانية كان مؤديا لا قاضيا فإنما كان كذلك ؛ لأن أثر الوجوب على الفور عملا في احتمال الإثم بالتأخير عن أول الوقت في الإمكان لا في إخراج السنة الثانية ، والثالثة من أن يكون ، وقتا للواجب كما في باب الصلاة ، وهذا ؛ لأن وجوب التعجيل إنما كان تحرزا عن الفوات فإذا عاش إلى السنة الثانية ، والثالثة فقد زال احتمال الفوات فحصل الأداء في وقته كما في باب الصلاة ، والله أعلم .
( فصل ) : وأما شرائط فرضيته فنوعان : نوع يعم الرجال ، والنساء ونوع يخص النساء أما الذي يعم الرجال ، والنساء فمنها : البلوغ ، ومنها العقل فلا حج على الصبي ، والمجنون ؛ لأنه لا خطاب عليهما فلا يلزمهما الحج حتى لو حجا ، ثم بلغ الصبي ، وأفاق المجنون فعليهما حجة الإسلام ، وما فعله الصبي قبل البلوغ يكون تطوعا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام } .
مواضيع مماثلة
» كيفية فرضية الحج
» سنن الحج و بيان ترتيب في افعاله
» قراءة في مقال فرضية الخالدي: تفسير عقائدي لظاهرة الأطباق الطائرة
» بيان القوات المسلحة رقم 2
» بيان القوات المسلحة رقم 1
» سنن الحج و بيان ترتيب في افعاله
» قراءة في مقال فرضية الخالدي: تفسير عقائدي لظاهرة الأطباق الطائرة
» بيان القوات المسلحة رقم 2
» بيان القوات المسلحة رقم 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى