منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين ....
نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة 101215

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين ....
نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة 101215
منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين ....
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة

اذهب الى الأسفل

نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة Empty نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة

مُساهمة من طرف صبرى محمد خليل خيرى الأحد يوليو 14, 2019 6:01 pm

نظريه الأنماط المتعددة في تفسير الظواهر الغامضة
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
الظواهر الغامضة: هناك العديد من الظواهر الغامضة " كمثلث برمودا والإطباق الطائرة ولعنه الفراعنة وتحضير الأرواح والأشباح..." ، والتي لم يتمكن العلم من التحقق من صحة الافتراضات " العلمية " التي وضعها لتفسير حركتها بالتجربة والاختبار العلميين، وبالتالي لم يتمكن من الكشف عن القانون الموضوعي الذي يضبط حركتها ، مما جعل الباحثون والمفكرون والعلماء يختلفون في كون حركتها منضبطة أو غير منضبطة بقانون موضوعي ، اى كونها خاضعة للسببية " اى تحدث بسبب مجهول " ، أو غير خاضعة للسببية " اى تحدث بدون سبب " .
تعريف نظريه الأنماط المتعددة: وتهدف هذه الدراسة إلى عرض نظريه في تفسير هذه الظواهر، مضمونها أن هناك أنماط متعددة لهذه الظواهر،وبالتالي فان هناك تفسيرات متعددة لها، تستند إلى معايير التمييز بين هذه الأنماط المتعددة.
رفض نظريات النمط الواحد: فهذه النظرية ترفض جمله من النظريات التي تحاول تفسير هذه الظواهر، استنادا إلى افتراض " خاطئ " مضمونه أن هذه الظواهر تنتمي إلى نمط واحد ، وبالتالي فان هناك تفسير واحد لها .(فهي كلها ظواهر خارقه آو فائقة أو مجهولة السبب...)
معايير التمييز بين الأنماط المتعددة:
معيار الشهادى والغيبي: طبقا لهذا المعيار فان هناك نمطين من الظواهر:
أولا: الظواهر الغيبية: اى تنتمي إلى عالم الغيب، فالتصور الاسلامى للوجود قائم على أن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادى" المادي"، بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي بشكليه :المحدود"غير القائم بذاته"(كوجود كائنات غيبيه كالملائكة والجن والشيطان)، والمطلق"القائم بذاته"( كوجود الله تعالى)، وهو وجود (غائب) عن حواس الإنسان، وبالتالي عن إدراكه وتصوره،كما انه غير خاضع للقوانين الموضوعية "السنن الالهيه" التي تضبط حركته،والسببية التي هي مضمون هذه القوانين.
معيار الخارق والفائق "المفارق": وطبقا لهذا المعيار فان هناك نمطين من الظواهر الغيبية:
ا/ الظواهر الخارقة "المعجزات":
المفهوم الاسلامى للسببية: أن المفهوم الاسلامى للسببية يفترق عن بعض مذاهب إثبات السببية، التي تنفى أمكانيه إلغاء السببية بإلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب مطلقا،كالمذاهب المادية في ألسببيه، والمذاهب المثالية القائمة على مفهوم وحده الوجود في الفلسفة الغربية،لان كلاهما يلزم منهما القول بقدم العالم، فالمفهوم الاسلامى للسببية ، قائم على انه يمكن لله تعالى إلغاء السببية بإلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب جزئيا في الحياة الدنيا كما في معجزات الأنبياء ، كما انه سيتم إلغاء السببية بإلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب كليا في الحياة الاخره، لأنه سيتم إبدال هذا الوجود الشهادى والسنن الالهيه التي تضبط حركته بوجود آخر غيبي(يوم يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات)،ذلك أن ألسببيه- طبقا لهذا التصور- هي مضمون القوانين الموضوعية "السنن الالهيه"التي تضبط حركه الوجود الشهادى، والتي هي ظهور صفاتي لذات الفعل الالهى المطلق "الربوبية".
المعجزة: فالمعجزة هي انقطاع اضطراد السنن التي تضبط حركه ظاهره معينه تنتمي للوجود الشهادى،اى إلغاء السببية التي تشكل مضمون هذه السنن ، كمحصله لظهور الفعل المطلق الذي ينفرد به لله تعالى(مضمون الربوبية) ذاتيا (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)،بخلاف اضطراد هذه السنن، واضطراد السببية التي هي مضمون هذه السنن، كمحصله لظهور الفعل المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) صفاتيا، يقول الماوردي عن المعجزة ( هي ما خرق عادة البشر من خصال لا تستطاع إلا بقدرة إلهية تدل على ان الله تعالى خصه بها تصديقا على اختصاصه برسالته , فيصير دليلا على صدقه في ادعاء نبوته إذا وصل ذلك منه في زمان التكليف)( أعلام النبوة ، ص 58 )، لذا وصف القران انقطاع اضطراد السنن التي تضبط حركه ظاهره أو ظواهر معينه، تنتمي للوجود الشهادى،وإلغاء السببية التي تشكل مضمون هذه السنن بالايه كما فى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا)، وفى ذات الوقت وصف اضطراد السنن التي تضبط حركه الظواهر التي تنتمي للوجود الشهادى،وإضطراد السببية التي تشكل مضمون هذه السنن بالايه كما فى قوله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر) . بناء على هذا يمكن القول ان الاولى " المعجزه"هى ايه خارقه ، والثانيه هى ايه مضطرده.وبناء على ماسبق فان وصف الظواهر الخارقه – فى المنظور الاسلامى للوجود- مقصور على معجزات الانبياء، وبالتالى فان لا يجوز وصف اى ظاهره بعد وفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وختم النبوه بانها ظاهره خارقه.
ب/الظواهر المفارقة - الفائقة: وهى ظواهر مفارقه لهذا الوجود الشهادى ، دون أن تكون خارقه له . فرغم أن لهذه الظواهر حضور في عالم الشهادة إلا أنها في جوهرها لا تنتمي إلى هذا العالم والسنن الالهيه التي تضبط حركته ،ولكنها تنتمي إلى درجه أخرى من درجات الوجود ، خاضعة لسنن إلهيه أخرى " الوجود الغيبي المقيد "، فهي غير خاضعة للسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى، والسببية التي تشكل مضمون هذه السنن،دون أن يعنى هذا انه تتوافر لها أمكانيه إلغاء أو إبطال هذه السببية، فعلاقة وجودها وحركتها بهذه السببية هي علاقة غيريه لا علاقة نفى ، فهي مفارقه وليست خارقه لهذه السنن والسببية التي تشكل مضمونها. يترتب على هذه الطبيعة المفارقة لهذه الظواهر ، أنها ذات طبيعة فائقة، بمعنى أنها قدرات تفوق قدره الإنسان العادي- اى الإنسان غير ذو الصلة بهذه الظواهر- دون أن تكون هذه القدرات مطلقه ، اى لا يمكنها قطع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه هذا الوجود الشهادى، وبالتالي إلغاء السببية التي تشكل مضمون هذه السنن. أمثله لظواهر مفارقه - فائقة:
ا/ الجن: الجن ذو وجود مفارق لهذا الوجود الشهادى وليس خارق له ، فهو غير خاضع للسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى والسببية التي تشكل مضمون هذه السنن،دون أن يعنى هذا انه تتوافر له أمكانيه إلغاء أو إبطال هذه السببية، وهو بوجوده المفارق هذا قد يفوق الإنسان في القدرة لكن قدرته ليست مطلقه، لذا يقرر القران أن قدره الجن – شان قدره اى كائن آخر- محدودة مقيده " تكوينيا وتكليفيا " بالقدرة الالهيه المطلقة، قال تعالى{ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بسلطان} ( الرحمن :33) يقول القرطبي:...( ...قَالَ اِبْن عَبَّاس : " لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي عَلَيْكُمْ . وَقَوْله : " فَانْفُذُوا " أَمْر تَعْجِيز) ، وكدليل على محدودية قدره الجن ، يقرر القران ان تفوق قدره الجن على قدره الإنسان ليست مطلقه، كما فى قوله تعالى(قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ* قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )(النمل: 39-40) ، اغلب المفسرين يرون أن الذي عنده علم من الكتاب ، والذي فاق العفريت من الجن ،هو من الإنس وليس من الجن ، وان هذا الإنسان نال درجه ألصديقيه ،وان فعله الذي فاق فعل الجن هو كرامه،ورد في تفسير القرطبي( قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ النَّاس أَنَّهُ رَجُل صَالِح مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِسْمه آصَف بْن برخيا ... فَمَا رَدَّ سُلَيْمَان بَصَره إِلَّا وَهُوَ عِنْده... وَقِيلَ : أَرَادَ مِقْدَار مَا يَفْتَح عَيْنه ثُمَّ يَطْرِف , وَهُوَ كَمَا تَقُول : اِفْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَة عَيْن ; وَهَذَا أَشْبَه ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْفِعْل مِنْ سُلَيْمَان فَهُوَ مُعْجِزَة , وَإِنْ كَانَ مِنْ آصَف أَوْ مِنْ غَيْره مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه فَهِيَ كَرَامَة...) . كما أن الجن بوجوده المفارق هذا قد يفوق الإنسان فى العلم لكن علمه ليس مطلق، فالقران الكريم يقرر ان الجن لا يعلم الغيب كما فى قوله تعالى( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُد مِنْهَا مَقَاعِد لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآن يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبّهمْ رَشَدًا )، والمقصود بالغيب هنا الغيب المطلق الذي ينفرد بالعلم به الله تعالى، أما الغيب النسبي (اى ما غاب عن علم الإنسان في مكان أو زمان معينين وفى ذات الوقت ينتمي إلى الوجود الشهادى المحدود بالزمان والمكان )، قد تتوافر للجن أمكانيه العلم به . بل أن القران الكريم يقرر أن الجن لا يعلم كل أحداث عالم الشهادة (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (سبا: 41).
ب/ الكرامات: اثبت أهل السنة بفرقهم المختلفة كرامات الأولياء ، غير أن هناك مذهبين في إثباتها، و بالتالي تفسيرها:
الأول:مذهب الإثبات المطلق:اى إثبات الكرامة دون تقييد مضمونها تكوينيا، فالكرامة يمكن أن تتم بانقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وإلغاء السببية ، اى إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب،وهو ما عبر عنه أصحاب هذا التفسير بتعريف الكرامة بأنها " خرق للعادة "، والمقصود بالعادة عند أصحاب هذا التفسير العادة المضطرة اى السنن الالهيه. غير أن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، لذا رفضه عدد من متأخري الأشاعرة و المتصوفة منهم ألسبكي القائل (معاذ الله أن يتحدى نبي بكرامه تكررت على ولي، بل لا بد أن يأتي النبي بما لا يوقعه الله على يد الولي، و إن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا . و لما كانت مرتبة النبي أعلى و أرفع من مرتبة الولي ، كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبي على الإعجاز و التحدي، أدبا مع النبي )( طبقات الشافعية، ج 2، ص 320 ).
الثاني:مذهب الإثبات المقيد: اى إثبات الكرامة مع تقييد مضمونها تكوينيا بالتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وبالتالي فان الكرامة هي تكريم الله تعالى لشخص صالح، فيمنحه قدره تفوق قدره تفوق قدره غيره من أشخاص عاديين، دون انقطاع باضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،ودون إلغاء السببية ، اى دون إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب- فهي ظهور صفاتي وليس ذاتي "كما في المعجزة" للفعل الالهى المطلق - يقول الاسفرائينى (إن الكرامة لا تبلغ مبلغ خرق العادة ، وإنما هي إجابة دعوة أو موافاة ماء في غير موقع المياه أو ما ضاهي ذلك، وكل ما جاز معجزة لنبي لم يجز كرامة لولي)( الموافقات، ص25) ، وهو يقارب رأى عدد من العلماء الذين فرقوا بين الكرامة والمعجزة بان ما جاز معجزه لنبي لا يجوز كرامه لولى ، يقول الإمام النووي (... قال وصار بعض أصحابنا إلي أن ما وقع معجزة للنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامه لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبان ويحي الموتى إلي غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي )( الإمام النووي، بستان العارفين، ص 30.)، ورفض أبو محمد بن أبي زيد المالكي الكرامة طبقا للتفسير الأول إلا بشرط حدوثها في المنام , وتبعه في هذا الراى عددا من العلماء منهم أبا الحسن علي القابسي ،وأبا جعفر أحمد الداودي ، وجوز الإمام ابن حزم من أهل الظاهر الكرامة طبقا للتفسير الأول في حياة الرسول أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيرى انه لا سبيل إلى شيء من هذا (الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984.)، وطبقا لهذا التفسير يجوز الأخذ بالتعريف الكرامة بأنها"خرق للعادة"، بشرط أن يكون المقصود بالعادة ما اعتاد عليه الناس لا العادة المضطردة، ورد في شرح العقيدة الطحاويه (فالمعجزة في اللغة كل أمر خارق للعادة ،وكذلك الكرامة في عرف ألائمه أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما...وجماعها الأمر الخارق للعادة...وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ،ويعلمه ما علمه الله إياه، ويستغنى عما أغناه الله ،ويقدر على ما اقدره الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المضطردة أو لعاده اغلب الناس ،فجميع المعجزات والكرامات لا تخرج عن هذه الأنواع )( شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة،ص 499.)، ونحن إذ نرجح التفسير الثاني ، فإننا نرى انه بفرض صحة التفسير الأول، فانه لا يجوز القول به بعد ختم النبوة ،ونستأنس هنا بموقف الإمام ابن حزم السابق ذكره .
ج/ السحر:
اثبت أهل السنة بفرقهم المختلفة وجود السحر، لثبوته بالقران ، وقالوا انه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تخييلى: وهو قلب الأعيان بالنسبة للمعاين لا في ذاتها" اى تغيير الإدراك الحسي للأشياء"، ومنه قوله تعالى( يحيل إليه من سحرهم أنها تسعى)( طه: 66) ،وكذلك وصف سحر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رض أنها قالت (سحر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى كان ليخيل إليه انه ياتى النساء ولم يأتهن)، يقول الجوهري(السحر الآخذة ، وكلّ ما لَطُف مأخذه ودَقّ فهو سحر . وسحره أيضا بمعنى خدعه . وقال ابن مسعود: كنّا نُسَمّي السحر في الجاهلية العِضَة. والعضة عند العرب: شدّة البَهْت وتمويه الكذب ). وهذا القسم من أقسام السحر يتم طبقا لقوانين نوعيه "هي بمثابة شرط لفاعليه القوانين الكلية" يعلمها الساحر ويجهلها غيره، اى انه يتم طبقا لأسباب يعلمها الساحر ويجهلها غيره، يقول القرطبي ( السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاتها، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة، وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون: "وجاءوا بِسِحْرٍ عظيم" (الأعراف: 116). مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالاً وعصيًا. ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم، وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانًا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك).
القسم الثاني:حقيقي: وهو قلب الأعيان في ذاتها" اى تغيير الحقيقة الموضوعية للأشياء". وإذا كان لا خلاف في تفسير السحر التخييلى فان هناك مذهبين في تفسير السحر الحقيقي :
المذهب الأول:الإثبات المطلق: اى القول بأن السحر الحقيقي هو قلب للأعيان في ذاتها "اى انه يغير الحقيقة الموضوعية للأشياء"على وجه الإطلاق ،ويعنى هذا أن القلب أو التغيير يمكن أن يتم حتى بانقطاع اطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وإلغاء السببية ، اى إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب.
المذهب الثاني:الإثبات المقيد:اى إثبات وجود السحر الحقيقي مع تقييده بعدم انقطاع اطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود، اى تفسيره بأنه قلب للأعيان في ذاتها بدون انقطاع اطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وإلغاء السببية ، اى إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب. ومثاله السحر المتحقق بالاتصال بالجن وما تملكه من قدرات فائقة – وليست خارقه – تتضمن أمكانيه قلب الأعيان بدون انقطاع اطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وإلغاء السببية ذكرنا أعلاه.
ثانيا: الظواهر الشهاديه: اى تنتمي إلى عالم الشهادة الذي تضبط حركته قوانين موضوعيه عبر عنها القران بمصطلح السنن الالهيه ( قد خلت من قبلكم سنن) (سنه الله في الذين خلو من قبل) ، و هذه القوانين أو السنن الالهيه حتمية ، ومضمون الحتمية تحقق السبب بتوافر المسبب وانتفائه بانتفاء المسبب، وقد عبر القران عن الحتمية بعدم التبدل( فلن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا)( فاطر:43). يقول ابن تيمية في معرض رده على من أنكروا كون حركة الكواكب لها أسباب حسية يجب تفسيرها بها (إنه ليس من السلف من أنكر كون حركة الكواكب قد يكون من تمام أسباب الحوادث، كما أن الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من أسباب الحوادث). وهناك العديد من معايير التمييز بين الأنماط المتعددة للظواهر الشهاديه ومنها:
1/ معيار الفائق وغير الفائق: وطبقا لهذا المعيار فان هناك نمطين من الظواهر الشهاديه:
ا/ ظواهر شهاديه- فائقة: وهى ظواهر تنتمي إلى الوجود الشهادى، وبالتالي خاضعة للسنن الالهيه التي تضبط حركته والسببية التي تشكل مضمون هذه السنن ، وفى ذات الوقت ذات طبيعة فائقة، بمعنى أنها قدرات تفوق قدره الإنسان العادي- اى الإنسان غير ذو الصلة بهذه الظواهر- دون أن تكون هذه القدرات مطلقه ، اى لا يمكنها قطع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه هذا الوجود الشهادى، وبالتالي إلغاء السببية التي تشكل مضمون هذه السنن.
الباراسيكولوجي : ومثال للظواهر الشهاديه الفائقة الظواهر التي يدرسها علم الباراسيكولوجى:
المصطلح: المصطلح مكون من كلمتي (Para ) وتعني ما وراء ، و ( psychology ) وتعنى علم النفس ،اى ما وراء علم النفس. ويبحث الباراسيكولوجي في عده ظواهر أهمها
1/ التخاطر : وهو نوع من قراءة الأفكار ، عن طريق الاتصال بين عقول الأفراد ، بعيدا عن طريق الحواس الخمسة ،أي بدون الكلام أو الكتابة أو الإشارة .
2/ الاستبصار: و تعني حدة الإدراك والقدرة على رؤية كل ما هو وراء نطاق البصر.
3/ التنبؤ: اى معرفة الأحداث قبل وقوعها .
4/ التحريك من بعد: وتعني القدرة على تحريك الأشياء أو لويها بدون لمس.
مقارنه مع الكرامات: وهنا يجب الاشاره إلى أن كلا من القدرات التي يدرسها علم الباراسيكولوجى وكرامات الأولياء في المنظور الديني "الاسلامى" ظواهر فائفه،لكن الأولى فائقة غير مفارقه" تنتمي في جوهرها إلى الوجود الشهادى"، بينما الثانية فائقة مفارقه" تنتمي في جوهرها إلى الوجود الغيبي.
ب/ الظواهر الشهاديه غير الفائقة: وهى ظواهر تنتمي إلى الوجود الشهادى، وبالتالي خاضعة للسنن الالهيه التي تضبط حركته والسببية التي تشكل مضمون هذه السنن ، وفى ذات الوقت غير فائقة، بمعنى أنها قدرات لا تفوق قدره الإنسان العادي.
2/ معيار التحقق: وطبقا لهذا المعيار نمطين من الظواهر الشهاديه:
ا/ ظواهر تم التحقق من ثبوت وجودها : وهى ظواهر تم التحقق من ثبوت وجودها بالتجربة والاختبار العلميين. وإنكار وجود هذه الظواهر يمثل نزعه علميه متطرفة، تتناقض مع العلم ذاته لأنه إنكار لما ثبت وجوده بالتجربة والاختبار العلميين، وهذه ألنزعه تستند إلى فلسفه ماديه ترى أن الوجود يقتصر على الوجود الشهادى المحدود ولا تتجاوزه إلى وجود غيبي مطلق
ب/ ظواهر لم يتم التحقق من ثبوت وجودها : وهى ظواهر لم يتم التحقق من ثبوتها بالتجربة والاختبار العلميين كالكائنات القادمة من الفضاء... والإقرار بوجود هذه الظواهر جزء من التفكير الخرافي ، القائم على قبول الفكرة المعينة دون التحقق من صحتها بالبرهان التجريبي.
3/ معيار التطور العلمي: وطبقا لهذا المعيار فان هناك نمطين من الظواهر الشهاديه: ا/ ظواهر أتاح التطور العلمي أمكانيه تفسيرها: وهي ظواهر وضعت نظريات علميه لتفسير حركتها ، تم التحقق من صحة هذه النظريات "العلمية" بالتجربة والاختبار العلميين، لان التطور العلمي في هذا العصر أتاح للعلم أمكانيه التحقق من صحة هذه النظريات، مثال لها الكثير من الظواهر التي كانت مجهولة السبب في الماضي، ولكن تمكن العلم من معرفه سببها في عصرنا.
ب/ ظواهر لم يتيح التطور العلمي أمكانيه تفسرها: وهى ظواهر وضعت نظريات "افتراضات" علميه لتفسير حركتها ،إلا انه لم يتم التحقق من صحة هذه النظريات الافتراضات "العلمية" بالتجربة والاختبار العلميين، لان التطور العلمي في هذا العصر لم يتيح للعلم أمكانيه التحقق من صحة هذه النظريات، لكن التطور العلمي في عصور مقبله سوف يتيح أمكانيه التحقق من صحتها، بعبارة أخرى فان هذه الظواهر تنتمي إلى الغيب النسبي، الذي يتضمن كل ما لم تتوافر للإنسان إمكانية معرفته في مرحلة معينة، مع توافر هذه الإمكانية في مرحلة تالية والذي لا ينهى الإسلام عن البحث العلمي و العقلي فيه، لأنه يقع أصلاً في نطاق عالم الشهادة{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )(فصلت:53،54).
معيار الموانع الذاتية والموضوعية: وطبقا لهذا المعيار فان هناك نمطين من الظواهر الشهاديه :
ظواهر الموانع الذاتية: ظواهر تحول عوامل ذاتيه دون التحقق من ثبوتها بالتجربه والاختبار العلميين ، أو الكشف عن القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها، أو أسبابها ، ومن هذه العوامل" خداع الحواس"كالخداع البصري" والإيحاء الذاتي،أو خداع تمارسه جهات معينه "حكوميه أو أهليه" لتحقيق أهداف معينه (كالخداع الذي تمارسه دوائر حكوميه سريه لصرف أنظار الراى العام عن مشاكل معينه أو لتمرير قرارات معينه تتوقع آن تجد معارضه ،أو الخداع الذي تمارسه مؤسسات إعلاميه بغرض تحقيق ربح)، وشيوع أنماط التفكير الخرافي والاسطورى ، والتي تقوم على قبول الفكرة بدون دليل حسي أو عقلي ، والتي تشجع على شيوع الإشاعات...
ظواهر الموانع الموضوعية: ظواهر تحول عوامل موضوعيه دون التحقق من ثبوتها بالتجربة والاختبار العلميين ، أو الكشف عن القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها، أو أسبابها ، ومثال لهذه العوامل الموضوعية المرحلة التي بلغها التطور العلمي في عصر معين.
الأنماط المتعددة على مستوى الظاهرة الواحدة: وإذا كان ما سبق من حديث عن أنماط متعددة على مستوى الظواهر الغامضة المتعددة،فان هذه النظرية تقرر أيضا الأنماط المتعددة على مستوى الظاهرة الواحدة،بمعنى أن هناك بعض الظواهر الغامضة التي يعتقد الناس أنها ظاهره واحده،وبالتالي فان هناك سبب واحد لحدوثها، بينما هي في واقع الأمر تتكون من ظواهر- وقائع- متعددة ، وبالتالي فان هناك أسباب متعددة لحدوثها،ومثال لهذه الظواهر ظاهره "الأطباق الطائرة" التي تتضمن ظواهر - وقائع – متعددة ، هناك أسباب متعددة لحدوثها ، كالإيحاء الذاتي والخداع البصري ،والخداع كما في حاله فيلم1995والذى ثبت زيفه، وكما في حاله عدد من الشهود الذين تقدموا بافاده برؤيتهم للأطباق الطائرة للحصول على جوائز مالية معلنه وثبت كذبهم، وفى هذا السياق يرى بعض الباحثين انها خطه حكومية لإخفاء تكنولوجيا عسكرية ، أو لصرف الأنظار عن مشاكل واقعية، أو فبركه إعلاميه لتحقيق الربح وكالتفسير الخاطئ لبعض الظواهر كما في حاله المنطاد الجوى في حادثه عام1947، وكالأسباب المجهولة، كما وضع بعض العلماء افتراضات علميه لتفسير بعض هذه الوقائع ، لكن لم يتم التحقق التام من صحتها بالتجربة الاختبار العلميين،ومن هذه الافتراضات أن هذه الوقائع عبارة عن الأشكال التي تتكون نتيجة انعكاس الاشعه الشمسية على البلورات الثلجية، أو أن مصدر هذه الظاهرة هو قوى وأحداث الطبيعة كسحب أو توترات كهر بائية في مناطق التصدع الجيولوجي وتأين الهواء استناداً لنظرية التوتر الناتج عن حركة قشرة الأرض. أيضا ظاهره " رؤية الأشباح والبيوت المسكونة " والتي تتضمن أيضا ظواهر - وقائع – متعددة ، هناك أسباب متعددة لحدوثها ،فبعض هذه الوقائع سببه ظواهر مفارقه- فائفه "الجن"، لكن هناك وقائع أخرى سببها الإيحاء الذاتي أو خداع الحواس أو الكذب أو خدعه يمارسها البعض لتحقيق غايات معينة "مثل شراء العقار رخيصا"، أو ظواهر مجهولة السبب.
الجمع بين العلم والفلسفة والدين: ونظريه الظواهر المتعددة تجمع بين العلم والفلسفة والدين في تفسيرها للظواهر الغامضة لأسباب متعددة أهمها أنها تفسر ظواهر تنتمي إلى مستويات متعددة للوجود، تفسرها احد المجالات المعرفية السابقة الذكر،فبعض هذه الظواهر ينتمي إلى الوجود الغيبي"المطلق" الذي يفسره الدين،وبعضها ينتمى إلى الوجود الشهادى"المحدود" الذي يفسره العلم،اما وجه الحاجة إلى الفلسفة فلأنها تفسر العلاقة بين المطلق والمحدود.
اتفاق الموقف الاسلامى الصحيح مع العلم وتعارضه مع ألخرافه: اتساقا مع ما سبق فان الموقف الاسلامى الصحيح من الظواهر الغامضة يتسق مع التفسير العلمي للظواهر الغامضة التي تنتمي إلى عالم الشهادة ، ويتعارض مع التفسير الخرافي لها.فهو يتفق مع التفسير العلمي لهذه الظواهر لان منهج المعرفة الاسلامى يقرر أن هناك قوانين موضوعيه تضبط حركه الوجود عبر عنها القران بمصطلح السنن الالهيه( قد خلت من قبلكم سنن) (سنه الله في الذين خلو من قبل) ، وان هذه القوانين أو السنن الالهيه حتمية ومضمون الحتمية تحقق السبب بتوافر المسبب وانتفائه بانتفاء المسبب، وقد عبر القران عن الحتمية بعدم التبدل( فلن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا)( فاطر:43).كما أن الموقف الاسلامى الصحيح من هذه الظواهر يتعارض مع التفسير الخرافي لها، لان النصوص دعت إلى اتخاذ الحواس وبالتالي التجربة والاختبار العلميين كمعيار للتحقق من صحة الأفكار التي تفسر عالم الشهادة وظواهره الجزئية العينية(ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).
المراجع والمصادر:
1. ابن حزم، الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984
2. القرطبي،التذكرة، مكتبه الصفا، القاهرة ،ط1 ، 2001.
3. سمير شيخانى،موسوعة العجائب والغرائب،المطبعة الثقافية،بيروت،2004
4. شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة، بدون تاريخ.
5. الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات

صبرى محمد خليل خيرى

لا يوجد
عدد الرسائل : 19
العمر : 59
العمل : استاذ جامعى
تاريخ التسجيل : 12/07/2014

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى