حياة الدكتور مصطفي محمود ( 9 )
صفحة 1 من اصل 1
حياة الدكتور مصطفي محمود ( 9 )
الحلقه التاسعه..زواجى من ملكة جمال مصر
■ أريد لحظة انفعال، لحظة حب، لحظة دهشة، لحظة اكتشاف، لحظة معرفة.
■ أريد لحظة تجعل لحياتى معنى ، فحياتى من أجل أكل العيش لا معنى لها، لأنها مجرد استمرار للبقاء، علامات الحب وشواهده أشبه بالجلوس فى التكييف فى يوم شديد الحرارة، أشبه باستشعار الدفء فى يوم بارد.
■ الحب هو الألفة ورفع الكلفة، الحب هو أن تجد نفسك فى غير حاجة للكذب، أن تصمتا أنتما الاثنان فيحلو الصمت ويتكلم أحدكما فيحلو الإصغاء.
■ بمنتهى البساطة هذا هو الحب الذى أتمناه.
مصطفى محمود
هل أخبرتكم أن أقوى وأعظم حب فى حياتى كان لملكة جمال مصر؟ وهل أخبرتكم أننى عندما وقعت فى حبها، لم أكن أعرف أنها جميلة بالمرة، نعم، فأنا عرفت الحب، سمعت صوتها وأحببتها أول ما أحببتها عندما كنت أسمع صوتها فى التليفون، كان صوتها دليلى إلى قلبها، فأنتم تلاحظون أن الحيرة هى أكبر وصف ممكن أن يطلق على، دائما أحتار فى البحث عن شىء، عمرى كله كنت أبحث عن نفسى وفى أحيان كثيرة، وبعد كل مرحلة من حياتى أسأل نفسى: هل وجدت ما أبحث عنه؟
هكذا كان الحب ومرحلته.. الزوجة بالنسبة لى لم تكن فقط أم الأولاد، كنت أريد نصفى الآخر الذى ينقصنى، كنت أرغب فى الاستقرار النفسى، قبل الجسدى، وأريده على مقاسى بالضبط، أنا أول من أطلق أبواب الفضفضة فى الصحف والمجلات، باب اعترافات عشاق، والبسطجى فى «روزاليوسف»، وباب اعترفوا لى فى مجلة «صباح الخير»،
ولا أنكر أن الكم الهائل من الاعترافات التى فرغتها المراهقات أمامى، كان بمثابة نقطة تحول فى فكرى وإلمامى بالمرأة، لا أنكر أنه فى أحد الأيام، شدنى صوت إحدى الفتيات، «تلفنت» إلىَّ وأنا فى المجلة، تكلمنا عدة مرات، فى كل مرة تقول لى بعض الجوانب عن مشكلتها، لكنها لا تكملها قط، تتركنى وتنهى المكالمة قبل أن أفهم مشكلتها، كان من الممكن ألا أعيرها اهتمامى، ولكن نداء داخلياً دفعنى لمواصلة الرد عليها بل الاستمتاع بمكالمتها، وجاء اليوم الذى طلبت فيه مقابلتى لتعرض مشكلتها وجها لوجه، ولاقى طلبها عندى راحة والتقينا، أول ما قابلتنى صافحتنى وأخذت يدها بين يدى، ولم أتركها أبداً حتى اليوم.
«سامية» زوجتى الأولى وأم أولادى ونصفى الثانى، الذى لازمنى الجزء الأكبر من عمرى، معها بدأت علاقة الارتباط الحقيقية الأولى فى حياتى، وتكونت على أثرها الأسرة التى خططت لها منذ زمن، واعترفت لى بأنها تحبنى منذ أعوام طويلة، كانت مبهورة بكل عالم يظهر اسمه على الساحة.. فقد كانت متأثرة بصديقة طفولتها سامية مصطفى مشرفة ابنة العالم الكبير الراحل مصطفى مشرفة.. لا أنسى هذه الأيام قط ما حييت..
فبعد أن قابلتها فى المجلة لمساعدتها فى حل مشكلتها عرفت أن مشكلتها العاطفية كانت أنا، ولم أشعر إلا بعد أن انتقلت لى عدوى الحب بسرعة رهيبة، وأحببتها، فكانت جميلة جدا، وذلك رشحها، فى ذلك التوقيت، للحصول على لقب ملكة جمال مصر، بل لقد حصلت حينها على ملكة جمال قلبى، تزوجتها بعد رحلة طويلة من الحياة غير المستقرة، والغريب أنه أثناء فترة الخطوبة حدث الشىء غير المتوقع، وغير المستقر أيضا، فوجئت بأعراض مرض لعين تطاردنى، وعلمت أنى مصاب بمرض غريب لم يعرف له تشخيص وهو نوع من الإسهال غير المعروفة أسبابه، احتار الأطباء فيه، ولم يستطيعوا تحديد نوعه، وتسبب ذلك المرض اللعين فى نقصان وزنى أكثر من خمسة عشر كيلو جراما، وأصبحت مثل الهيكل العظمى.
وغرق فى موجة من الضحك وهو يقول «يعنى جلد على عضم» وكان هذا يعد شيئاً سخيفاً، فأنا مازلت فى فترة الخطوبة، وكان لابد أن تشاهدنى خطيبتى فى منظر لائق جسمانياً وصحياً، ولكن ما حدث لى كان يدعو أى إنسانة أنوى الارتباط بها لأن ترفض، قائلة «لن أتزوج لكى أمارس عمل التمريض»،
وهذا لأن كل طبيب كنت أذهب إليه كان له تشخيص مغاير ومخالف للآخر تماما، فذلك يقول إنها «بلهارسيا قديمة» وآخر يشير إلى أنها مصران غليظ، وثالث يؤكد بعد حيرة وتفكير أنه مرض نادر لم يتعرف عليه إلى الآن، وعشت مرحلة من الإحساس بالخوف والرعب لأن تشخيص معظم الأطباء كان يدور حول مرض غريب، معناه أننى لن أعيش أكثر من شهور معدودة،
وهذا ما كان يؤكده هؤلاء الأطباء، وكان لابد من أن أجنب سامية مثل هذه النتيجة، وهى أن تصبح أرملة وهى فى عنفوان شبابها بعد أيام من الزواج، فقمت فى واحدة من خروجاتنا بإخبارها بالحقيقة وقلت لها إننى أعفيها من أى ارتباط، وسقطت بين ذراعى، وتحملت النتيجة الحتمية، أن أحملها حتى المنزل وظللت بجانبها.
وقهقه الدكتور مصطفى محمود مرة أخرى وهو يتذكر، وقال: «كانت أيام»، ولكن هذه الفترة من العمر بالتحديد كشفت لى عن معدن سامية الأصيل لأنها أصرت على أن يتم الزواج، رغم أننى مهدد بالموت، ورغم إصرارها صممت أنا على الانفصال وفسخ الخطوبة، فلا أستطيع أن أظلمها معى قبل أن أجد حلاً لمرضى، ولكنها إصرت على الوقوف بجانبى، ولم تتركنى، وذهبت إلى الطبيب الكبير، حين ذاك، الدكتور أنور المفتى (أستاذى أيام الجامعة، وطبيب عبدالناصر الخاص، والذى أصبح فيما بعد صديقى، وواحداً من المتابعين لكتاباتى ومن المعجبين بأسلوبى،
ودائما ما كان يناقشنى فيما أتناوله من القضايا والموضوعات المختلفة)، فقال لابد من الكشف عليك، وبعدها قال لى سنجرى لك بعض التحليلات المختلفة للوقوف على نوعية المرض بالتحديد، وبعد خروج نتيجة التحاليل تنفست الصعداء وسجدت شكرا لله، حين عرفت أننى غير مصاب بأى مرض خطير أو غريب، ووجدت أن المرض اللعين رحل «بعد أن ترك لى بعض أحماله، وهى عادة الإسهال، التى لم تتركنى حتى الآن» والذى توقعت أن يتسبب فى موتى،
ولكن، لكى أزداد اطمئناناً وأشفى تماما، طلبت منه ما أثار حفيظته وما جعله ينظر لى باستغراب وتعجب، حين طلبت منه أن يدخلنى جناح العمليات ويشق بطنى ويعرف بالضبط تفاصيل ما بداخلى من آلام وتقلصات أشعر بها فى أحيان كثيرة، ويرى بعينيه المجردة ماذا بها «فلم تكن المناظير ظهرت حتى ذلك الوقت»، واعتبر كلامى مزحة، لكن أمام إصرارى اضطر إلى الاستماع إلى مطلبى وفعلها، والحمد لله تأكدت من عدم إصابتى بأى داء، وأن التقلصات نتيجة أن معدتى حساسة ولا تتحمل نسمة الهواء،
وكان أفضل ما قاله الدكتور المفتى لى عندما ابتسم وهو يقول تأكل كل الممنوعات التى قال لك عنها الأطباء من قبل، وكنت ممنوعاً بأمر الأطباء من أكل كل شىء إلا السمك والموز، وكنت لا أتناول يوميا إلا قطعة من السمك وموزة واحدة، وظللت على ذلك عامين كاملين، والنصيحة الثانية التى أسداها إلى وأسعدتنى عندما قال: لابد أن تغير نظام حياتك فإذا كنت «عازب» تزوج،
والحقيقة أننى اقتنعت بوجهة نظره، فما دام كل شيء فىَّ سليماً، فما هى أسباب هذه الأمراض التى تنتابنى فلابد أن هناك خطأ ما فى حياتى، وأن نفسيتى بها شىء ما خطأ لابد من تغييره، وعلى الفور اتصلت بـ«سامية» لأخبرها بأنه فى أقرب وقت يجب أن نحدد ميعاد الزواج، وتحقق ما طلبت وسط أسرتها وإخوتى، وتزوجتها فى ١٩٦١، وعشت فى السنوات الأولى أسعد أيام حياتى، وكانت هذه الفترة اليسارية، وما صاحبها من حفلات، كانوا ينظمونها داخل السفارات وغيرها، وكانوا يشربون الويسكى والشمبانيا، وفى هذه النقطة أحب أن أرد على سؤال لكم عن الخمر والمحرمات فى حياتى..
فى هذا الموضوع سأرد برد واحد (جربت ولكن لم أستفد منها، فشربت معهم على سبيل التجربة، لأننى فى ذلك الوقت كنت فى مرحلة الشك، وتجربة كل الأشياء، ولكنى أحسست أنها ليس لها طعم بالمرة، وكانت تجعل جسمى ثقيلا جداً، وكانت سامية تنهانى، وتؤكد لى أنها غير مفيدة وتفسد علاقات الناس بالآخرين،
ولهذا فلم أحب الخمور، ولم أعرف لها طعما بعد ذلك)، نعم كنت سأمتنع عنها ولأن بجوارى زوجة حنون كانت مصممة على الحفاظ علىَّ وعلى صحتى فقد انتهت هذه الفترة قبل أن تبدأ واستمر زواجى بـ«سامية» ما يقرب من عشر سنوات، وكان أكثر ما يؤرق حياتنا الزوجية طوال هذه السنوات أنها كانت غيورة جداً رغم أنها كانت تصغرنى بـ ١٥ عاما.. وقد تزايدت غيرتها تدريجيا ووصلت إلى مراحل صعبة جداً، كانت فى البداية تسألنى بعض الأسئلة وتعرف منى كل التفاصيل التى ترضيها..
وبعد مضى الوقت بدأت إجاباتى لا تشبع فضولها بالكامل فبدأت مراحل المراقبة والتليفونات، والبحث داخل الملابس عما لا يرضيها، وعلى فكرة، كل هذه التفاصيل عادية، ولكن غير العادى هو أن يصاحبها ظروف مثل التى ستقرؤها من تسجيل أخى الراحل (عبدالوهاب)، عندما كانت الفتيات تفتح باب السيارة فى إشارات المرور وترتمين علينا، أنت ككاتب وأديب ولك أفكارك التى يتابعها البعض ويتبعها البعض، من المؤكد أنك صعب أن تضرب كل من تقترب منك..
فكانت تحدث مشكلة كبيرة مع كل رقم جديد أضيفه إلى أجندة تليفوناتى، أو أى صورة فى مجلة تظهر فيها سيدة ما بجوارى، فهى معجبة، مجرد معجبة ليس إلا، ولكن طبعا بعد خناقات وبهدلة ومراقبات، تبدأ برقابة على التليفونات، وتفتح خطاباتى وتحولت حياتى إلى جحيم لا يطاق، فأنا كنت متهماً دائماً بأشياء لا أفعلها، وترتب على ذلك حكايات كبيرة ومشاكل أكبر، وكل هذا خلق جواً لا يساعد على الكتابة والإبداع، فكنت لكى أكتب لابد أن أسافر إلى أى مكان،
وأتذكر أن كل كتبى فى هذه الفترة كتبتها فى الفنادق والبلاد التى سافرت إليها، فقد سافرت أيامها إلى السودان واستغرقت فى رحلاتى إلى الصحراء الكبرى والغابات الاستوائية، وأتذكر أننى خلال رحلة إلى المغرب قرأ لى الكف عراف مغربى، وقال لى إنك متزوج من امرأة جميلة، ولكنها عصبية «عصبية حبتين»، فلم أكن أكتب فى مصر أو بالتحديد فى شقتنا فى الدقى، مطلقا، لأن حياتى تحولت إلى مشاكل لا تنتهى لأنها كانت توقظنى فى منتصف الليل، ويحدث بيننا شجار بلا أى سبب أو سابق إنذار، فأقول لها فيه إيه يا سامية،
ولماذا كل هذا الشجار اليومى، ويظهر أن كلام العراف المغربى صحيح، وأقص عليها ما قاله فتزداد ثورة، وتقول لى لقد شاهدت فى الحلم أنك كنت مع واحدة ست، فأقول لها «ما تحلمى ومن حق كل إنسان يحلم، هو لازم حلمك يبقى صحيح هو إنتى السيدة زينب ولا السيدة نفيسة»، ثم ننهمر فى الضحك، وبخفة دم تهدأ الأمور، ولكنى وجدت أننى لا أستطيع أن أعيش باقى العمر بهذه الطريقة، وخلال هذه الفترة كانت الغيرة الزوجية على أشدها، ولكن ما عدا ذلك فهى إنسانة طيبة وست بيت، وهى أم الأولاد (أمل وأدهم) والذى كان ميلادهما فرحة غير عادية بالنسبة لى،
فأتذكر أيام عودة أمل من المدرسة فى سنواتها الأولى، وهى تقول لى هناك الكثير من أصدقائى البنات معجبون بك يا بابا، ويريدون الحضور معى لرؤيتك، وكذلك المدرسون والمدرسات، وكيف أصبحت بعد ذلك عروسة ناضجة تناقشنى فى أفكارى وتقرأ كتبى، وتمدحنى أحيانا وتنقدنى فى أحيان أخرى، وأدهم ابنى الوحيد كان دائما بجوارى، وكنت أصطحبه فى بعض رحلاتى إلى الخارج، أيام إعدادى لبرنامج العلم والإيمان، وكانت أسعد أيام حياتى حين تزوجا وأنجبا لى أحفادى «محمود وأحمد ومصطفى وممدوح»، والأخير كنت أداعبه وأطلق عليه «كلبوشى» وأصبحوا أغلى الأحباب إلى قلبى، ولكن للأسف تحولت حياتنا إلى جحيم فلم أستطع أن أعيش حياتى معها، أكثر من هذا، خاصة وأنا أحتاج وبشكل دائم إلى الهدوء والاستقرار، لكى أنجز كتاباتى وأعمالى فطلقتها ١٩٧٣،
وتركت لها كل شىء وأتذكر أننى فى آخر يوم خرجت بـ«بجامتى» فقط، بعد خناقة كبيرة ولم أعد إلى شقتنا حتى الآن، وبعد ذلك كانت مرحلة صيام عن المرأة، ولكنى لا أنكر أننى كنت أحب أم الأولاد بجنون، وأحبتنى بجنون، ولكن جنون الحب كان السبب الرئيسى والأساسى فى إخفاقه، والقضاء عليه، فقد كنا صغيرين والشباب فى بواكيره، ومن الطبيعى أن تكون العواطف فى هذة الفترة غير مستقرة وحدثت الغيرة وهى أولى مراحل الانهيار الأسرى، فكانت الغيرة القاتلة لهذا الحب الجنونى، والتى كانت دائما تجرنا إلى الخلاف والخناق كل مرة،
ورغم كل هذا لا أنكر أننا قضينا مع بعض سنوات لا تنسى، وهى من أجمل سنوات العمر، كنا نذهب فيها دائمًا، أثناء حصولى على إجازة من العمل، إلى المصايف وإلى الأقصر وأسوان، ولكن كانت النهاية المتوقعة لهذه الغيرة العمياء أن يذهب كل واحد منا فى طريق، رغم أننى كنت أحبها بجنون، ولأنه انقطع فجأة بثورة عنيفة جداً، قبل أن يكتمل، ومازالت لها معزة خاصة فى نفسى وقلبى حتى الآن، فقد عاش هذا الحب فى قلبى فترة طويلة جدا،
وذلك لأن العلاقة التى تربطنى بالمرأة ليست هى الشهوة، فالشهوة وحدها لا تكفى فى نظرى، ولم تكن الشهوة هى الرباط بينى وبين سامية، أو أى إنسانة عرفتها فى حياتى، فالحب شىء أساسى وضرورى، ولذلك كانت علاقاتى العاطفية قليلة، ولذلك أيضا كنت أقول لـ(نزار قبانى شاعر الحب والنساء)، كلما تقابلنا فى حفلة من الحفلات، سواء كانت فى بيت عبدالوهاب أو غيره من أصدقائنا «إنت الوحيد اللى عرفت الستات يا نمس».
وقضيت بعد انفصالنا مدة طويلة، زاهداً فيها الحياة بعدها، ثم تزوجت الثانية وهى الزيجة التى استمرت ٤ سنوات، وانفصلت عنها هى الأخرى، لأعتزل النساء جميعا. الجميل أنه بعد كل هذا تجد سامية وهى تعيش مع ابنتنا أمل، نعيش فى منزل واحد، لكنى أعتزل فى شقتى، هل تعلمون أنى بعد نوبات الغيبوبة التى تنتابنى من عام إلى آخر، أسقط فى غياهب النسيان، وأستيقظ لأجد سامية تتناوب مع أمل السهر على ومداواتى، حتى إطعامى وإعطائى الدواء، تعلمون، رغم كبر عمرى، أننى لو عاد الزمن مره أخرى، سوف أفعل ما فعلته ثانيا سوف أحبها مرة أخرى، وأتزوجها مره أخرى، وأنجب منها أدهم وأمل مره أخرى.
■ أريد لحظة انفعال، لحظة حب، لحظة دهشة، لحظة اكتشاف، لحظة معرفة.
■ أريد لحظة تجعل لحياتى معنى ، فحياتى من أجل أكل العيش لا معنى لها، لأنها مجرد استمرار للبقاء، علامات الحب وشواهده أشبه بالجلوس فى التكييف فى يوم شديد الحرارة، أشبه باستشعار الدفء فى يوم بارد.
■ الحب هو الألفة ورفع الكلفة، الحب هو أن تجد نفسك فى غير حاجة للكذب، أن تصمتا أنتما الاثنان فيحلو الصمت ويتكلم أحدكما فيحلو الإصغاء.
■ بمنتهى البساطة هذا هو الحب الذى أتمناه.
مصطفى محمود
هل أخبرتكم أن أقوى وأعظم حب فى حياتى كان لملكة جمال مصر؟ وهل أخبرتكم أننى عندما وقعت فى حبها، لم أكن أعرف أنها جميلة بالمرة، نعم، فأنا عرفت الحب، سمعت صوتها وأحببتها أول ما أحببتها عندما كنت أسمع صوتها فى التليفون، كان صوتها دليلى إلى قلبها، فأنتم تلاحظون أن الحيرة هى أكبر وصف ممكن أن يطلق على، دائما أحتار فى البحث عن شىء، عمرى كله كنت أبحث عن نفسى وفى أحيان كثيرة، وبعد كل مرحلة من حياتى أسأل نفسى: هل وجدت ما أبحث عنه؟
هكذا كان الحب ومرحلته.. الزوجة بالنسبة لى لم تكن فقط أم الأولاد، كنت أريد نصفى الآخر الذى ينقصنى، كنت أرغب فى الاستقرار النفسى، قبل الجسدى، وأريده على مقاسى بالضبط، أنا أول من أطلق أبواب الفضفضة فى الصحف والمجلات، باب اعترافات عشاق، والبسطجى فى «روزاليوسف»، وباب اعترفوا لى فى مجلة «صباح الخير»،
ولا أنكر أن الكم الهائل من الاعترافات التى فرغتها المراهقات أمامى، كان بمثابة نقطة تحول فى فكرى وإلمامى بالمرأة، لا أنكر أنه فى أحد الأيام، شدنى صوت إحدى الفتيات، «تلفنت» إلىَّ وأنا فى المجلة، تكلمنا عدة مرات، فى كل مرة تقول لى بعض الجوانب عن مشكلتها، لكنها لا تكملها قط، تتركنى وتنهى المكالمة قبل أن أفهم مشكلتها، كان من الممكن ألا أعيرها اهتمامى، ولكن نداء داخلياً دفعنى لمواصلة الرد عليها بل الاستمتاع بمكالمتها، وجاء اليوم الذى طلبت فيه مقابلتى لتعرض مشكلتها وجها لوجه، ولاقى طلبها عندى راحة والتقينا، أول ما قابلتنى صافحتنى وأخذت يدها بين يدى، ولم أتركها أبداً حتى اليوم.
«سامية» زوجتى الأولى وأم أولادى ونصفى الثانى، الذى لازمنى الجزء الأكبر من عمرى، معها بدأت علاقة الارتباط الحقيقية الأولى فى حياتى، وتكونت على أثرها الأسرة التى خططت لها منذ زمن، واعترفت لى بأنها تحبنى منذ أعوام طويلة، كانت مبهورة بكل عالم يظهر اسمه على الساحة.. فقد كانت متأثرة بصديقة طفولتها سامية مصطفى مشرفة ابنة العالم الكبير الراحل مصطفى مشرفة.. لا أنسى هذه الأيام قط ما حييت..
فبعد أن قابلتها فى المجلة لمساعدتها فى حل مشكلتها عرفت أن مشكلتها العاطفية كانت أنا، ولم أشعر إلا بعد أن انتقلت لى عدوى الحب بسرعة رهيبة، وأحببتها، فكانت جميلة جدا، وذلك رشحها، فى ذلك التوقيت، للحصول على لقب ملكة جمال مصر، بل لقد حصلت حينها على ملكة جمال قلبى، تزوجتها بعد رحلة طويلة من الحياة غير المستقرة، والغريب أنه أثناء فترة الخطوبة حدث الشىء غير المتوقع، وغير المستقر أيضا، فوجئت بأعراض مرض لعين تطاردنى، وعلمت أنى مصاب بمرض غريب لم يعرف له تشخيص وهو نوع من الإسهال غير المعروفة أسبابه، احتار الأطباء فيه، ولم يستطيعوا تحديد نوعه، وتسبب ذلك المرض اللعين فى نقصان وزنى أكثر من خمسة عشر كيلو جراما، وأصبحت مثل الهيكل العظمى.
وغرق فى موجة من الضحك وهو يقول «يعنى جلد على عضم» وكان هذا يعد شيئاً سخيفاً، فأنا مازلت فى فترة الخطوبة، وكان لابد أن تشاهدنى خطيبتى فى منظر لائق جسمانياً وصحياً، ولكن ما حدث لى كان يدعو أى إنسانة أنوى الارتباط بها لأن ترفض، قائلة «لن أتزوج لكى أمارس عمل التمريض»،
وهذا لأن كل طبيب كنت أذهب إليه كان له تشخيص مغاير ومخالف للآخر تماما، فذلك يقول إنها «بلهارسيا قديمة» وآخر يشير إلى أنها مصران غليظ، وثالث يؤكد بعد حيرة وتفكير أنه مرض نادر لم يتعرف عليه إلى الآن، وعشت مرحلة من الإحساس بالخوف والرعب لأن تشخيص معظم الأطباء كان يدور حول مرض غريب، معناه أننى لن أعيش أكثر من شهور معدودة،
وهذا ما كان يؤكده هؤلاء الأطباء، وكان لابد من أن أجنب سامية مثل هذه النتيجة، وهى أن تصبح أرملة وهى فى عنفوان شبابها بعد أيام من الزواج، فقمت فى واحدة من خروجاتنا بإخبارها بالحقيقة وقلت لها إننى أعفيها من أى ارتباط، وسقطت بين ذراعى، وتحملت النتيجة الحتمية، أن أحملها حتى المنزل وظللت بجانبها.
وقهقه الدكتور مصطفى محمود مرة أخرى وهو يتذكر، وقال: «كانت أيام»، ولكن هذه الفترة من العمر بالتحديد كشفت لى عن معدن سامية الأصيل لأنها أصرت على أن يتم الزواج، رغم أننى مهدد بالموت، ورغم إصرارها صممت أنا على الانفصال وفسخ الخطوبة، فلا أستطيع أن أظلمها معى قبل أن أجد حلاً لمرضى، ولكنها إصرت على الوقوف بجانبى، ولم تتركنى، وذهبت إلى الطبيب الكبير، حين ذاك، الدكتور أنور المفتى (أستاذى أيام الجامعة، وطبيب عبدالناصر الخاص، والذى أصبح فيما بعد صديقى، وواحداً من المتابعين لكتاباتى ومن المعجبين بأسلوبى،
ودائما ما كان يناقشنى فيما أتناوله من القضايا والموضوعات المختلفة)، فقال لابد من الكشف عليك، وبعدها قال لى سنجرى لك بعض التحليلات المختلفة للوقوف على نوعية المرض بالتحديد، وبعد خروج نتيجة التحاليل تنفست الصعداء وسجدت شكرا لله، حين عرفت أننى غير مصاب بأى مرض خطير أو غريب، ووجدت أن المرض اللعين رحل «بعد أن ترك لى بعض أحماله، وهى عادة الإسهال، التى لم تتركنى حتى الآن» والذى توقعت أن يتسبب فى موتى،
ولكن، لكى أزداد اطمئناناً وأشفى تماما، طلبت منه ما أثار حفيظته وما جعله ينظر لى باستغراب وتعجب، حين طلبت منه أن يدخلنى جناح العمليات ويشق بطنى ويعرف بالضبط تفاصيل ما بداخلى من آلام وتقلصات أشعر بها فى أحيان كثيرة، ويرى بعينيه المجردة ماذا بها «فلم تكن المناظير ظهرت حتى ذلك الوقت»، واعتبر كلامى مزحة، لكن أمام إصرارى اضطر إلى الاستماع إلى مطلبى وفعلها، والحمد لله تأكدت من عدم إصابتى بأى داء، وأن التقلصات نتيجة أن معدتى حساسة ولا تتحمل نسمة الهواء،
وكان أفضل ما قاله الدكتور المفتى لى عندما ابتسم وهو يقول تأكل كل الممنوعات التى قال لك عنها الأطباء من قبل، وكنت ممنوعاً بأمر الأطباء من أكل كل شىء إلا السمك والموز، وكنت لا أتناول يوميا إلا قطعة من السمك وموزة واحدة، وظللت على ذلك عامين كاملين، والنصيحة الثانية التى أسداها إلى وأسعدتنى عندما قال: لابد أن تغير نظام حياتك فإذا كنت «عازب» تزوج،
والحقيقة أننى اقتنعت بوجهة نظره، فما دام كل شيء فىَّ سليماً، فما هى أسباب هذه الأمراض التى تنتابنى فلابد أن هناك خطأ ما فى حياتى، وأن نفسيتى بها شىء ما خطأ لابد من تغييره، وعلى الفور اتصلت بـ«سامية» لأخبرها بأنه فى أقرب وقت يجب أن نحدد ميعاد الزواج، وتحقق ما طلبت وسط أسرتها وإخوتى، وتزوجتها فى ١٩٦١، وعشت فى السنوات الأولى أسعد أيام حياتى، وكانت هذه الفترة اليسارية، وما صاحبها من حفلات، كانوا ينظمونها داخل السفارات وغيرها، وكانوا يشربون الويسكى والشمبانيا، وفى هذه النقطة أحب أن أرد على سؤال لكم عن الخمر والمحرمات فى حياتى..
فى هذا الموضوع سأرد برد واحد (جربت ولكن لم أستفد منها، فشربت معهم على سبيل التجربة، لأننى فى ذلك الوقت كنت فى مرحلة الشك، وتجربة كل الأشياء، ولكنى أحسست أنها ليس لها طعم بالمرة، وكانت تجعل جسمى ثقيلا جداً، وكانت سامية تنهانى، وتؤكد لى أنها غير مفيدة وتفسد علاقات الناس بالآخرين،
ولهذا فلم أحب الخمور، ولم أعرف لها طعما بعد ذلك)، نعم كنت سأمتنع عنها ولأن بجوارى زوجة حنون كانت مصممة على الحفاظ علىَّ وعلى صحتى فقد انتهت هذه الفترة قبل أن تبدأ واستمر زواجى بـ«سامية» ما يقرب من عشر سنوات، وكان أكثر ما يؤرق حياتنا الزوجية طوال هذه السنوات أنها كانت غيورة جداً رغم أنها كانت تصغرنى بـ ١٥ عاما.. وقد تزايدت غيرتها تدريجيا ووصلت إلى مراحل صعبة جداً، كانت فى البداية تسألنى بعض الأسئلة وتعرف منى كل التفاصيل التى ترضيها..
وبعد مضى الوقت بدأت إجاباتى لا تشبع فضولها بالكامل فبدأت مراحل المراقبة والتليفونات، والبحث داخل الملابس عما لا يرضيها، وعلى فكرة، كل هذه التفاصيل عادية، ولكن غير العادى هو أن يصاحبها ظروف مثل التى ستقرؤها من تسجيل أخى الراحل (عبدالوهاب)، عندما كانت الفتيات تفتح باب السيارة فى إشارات المرور وترتمين علينا، أنت ككاتب وأديب ولك أفكارك التى يتابعها البعض ويتبعها البعض، من المؤكد أنك صعب أن تضرب كل من تقترب منك..
فكانت تحدث مشكلة كبيرة مع كل رقم جديد أضيفه إلى أجندة تليفوناتى، أو أى صورة فى مجلة تظهر فيها سيدة ما بجوارى، فهى معجبة، مجرد معجبة ليس إلا، ولكن طبعا بعد خناقات وبهدلة ومراقبات، تبدأ برقابة على التليفونات، وتفتح خطاباتى وتحولت حياتى إلى جحيم لا يطاق، فأنا كنت متهماً دائماً بأشياء لا أفعلها، وترتب على ذلك حكايات كبيرة ومشاكل أكبر، وكل هذا خلق جواً لا يساعد على الكتابة والإبداع، فكنت لكى أكتب لابد أن أسافر إلى أى مكان،
وأتذكر أن كل كتبى فى هذه الفترة كتبتها فى الفنادق والبلاد التى سافرت إليها، فقد سافرت أيامها إلى السودان واستغرقت فى رحلاتى إلى الصحراء الكبرى والغابات الاستوائية، وأتذكر أننى خلال رحلة إلى المغرب قرأ لى الكف عراف مغربى، وقال لى إنك متزوج من امرأة جميلة، ولكنها عصبية «عصبية حبتين»، فلم أكن أكتب فى مصر أو بالتحديد فى شقتنا فى الدقى، مطلقا، لأن حياتى تحولت إلى مشاكل لا تنتهى لأنها كانت توقظنى فى منتصف الليل، ويحدث بيننا شجار بلا أى سبب أو سابق إنذار، فأقول لها فيه إيه يا سامية،
ولماذا كل هذا الشجار اليومى، ويظهر أن كلام العراف المغربى صحيح، وأقص عليها ما قاله فتزداد ثورة، وتقول لى لقد شاهدت فى الحلم أنك كنت مع واحدة ست، فأقول لها «ما تحلمى ومن حق كل إنسان يحلم، هو لازم حلمك يبقى صحيح هو إنتى السيدة زينب ولا السيدة نفيسة»، ثم ننهمر فى الضحك، وبخفة دم تهدأ الأمور، ولكنى وجدت أننى لا أستطيع أن أعيش باقى العمر بهذه الطريقة، وخلال هذه الفترة كانت الغيرة الزوجية على أشدها، ولكن ما عدا ذلك فهى إنسانة طيبة وست بيت، وهى أم الأولاد (أمل وأدهم) والذى كان ميلادهما فرحة غير عادية بالنسبة لى،
فأتذكر أيام عودة أمل من المدرسة فى سنواتها الأولى، وهى تقول لى هناك الكثير من أصدقائى البنات معجبون بك يا بابا، ويريدون الحضور معى لرؤيتك، وكذلك المدرسون والمدرسات، وكيف أصبحت بعد ذلك عروسة ناضجة تناقشنى فى أفكارى وتقرأ كتبى، وتمدحنى أحيانا وتنقدنى فى أحيان أخرى، وأدهم ابنى الوحيد كان دائما بجوارى، وكنت أصطحبه فى بعض رحلاتى إلى الخارج، أيام إعدادى لبرنامج العلم والإيمان، وكانت أسعد أيام حياتى حين تزوجا وأنجبا لى أحفادى «محمود وأحمد ومصطفى وممدوح»، والأخير كنت أداعبه وأطلق عليه «كلبوشى» وأصبحوا أغلى الأحباب إلى قلبى، ولكن للأسف تحولت حياتنا إلى جحيم فلم أستطع أن أعيش حياتى معها، أكثر من هذا، خاصة وأنا أحتاج وبشكل دائم إلى الهدوء والاستقرار، لكى أنجز كتاباتى وأعمالى فطلقتها ١٩٧٣،
وتركت لها كل شىء وأتذكر أننى فى آخر يوم خرجت بـ«بجامتى» فقط، بعد خناقة كبيرة ولم أعد إلى شقتنا حتى الآن، وبعد ذلك كانت مرحلة صيام عن المرأة، ولكنى لا أنكر أننى كنت أحب أم الأولاد بجنون، وأحبتنى بجنون، ولكن جنون الحب كان السبب الرئيسى والأساسى فى إخفاقه، والقضاء عليه، فقد كنا صغيرين والشباب فى بواكيره، ومن الطبيعى أن تكون العواطف فى هذة الفترة غير مستقرة وحدثت الغيرة وهى أولى مراحل الانهيار الأسرى، فكانت الغيرة القاتلة لهذا الحب الجنونى، والتى كانت دائما تجرنا إلى الخلاف والخناق كل مرة،
ورغم كل هذا لا أنكر أننا قضينا مع بعض سنوات لا تنسى، وهى من أجمل سنوات العمر، كنا نذهب فيها دائمًا، أثناء حصولى على إجازة من العمل، إلى المصايف وإلى الأقصر وأسوان، ولكن كانت النهاية المتوقعة لهذه الغيرة العمياء أن يذهب كل واحد منا فى طريق، رغم أننى كنت أحبها بجنون، ولأنه انقطع فجأة بثورة عنيفة جداً، قبل أن يكتمل، ومازالت لها معزة خاصة فى نفسى وقلبى حتى الآن، فقد عاش هذا الحب فى قلبى فترة طويلة جدا،
وذلك لأن العلاقة التى تربطنى بالمرأة ليست هى الشهوة، فالشهوة وحدها لا تكفى فى نظرى، ولم تكن الشهوة هى الرباط بينى وبين سامية، أو أى إنسانة عرفتها فى حياتى، فالحب شىء أساسى وضرورى، ولذلك كانت علاقاتى العاطفية قليلة، ولذلك أيضا كنت أقول لـ(نزار قبانى شاعر الحب والنساء)، كلما تقابلنا فى حفلة من الحفلات، سواء كانت فى بيت عبدالوهاب أو غيره من أصدقائنا «إنت الوحيد اللى عرفت الستات يا نمس».
وقضيت بعد انفصالنا مدة طويلة، زاهداً فيها الحياة بعدها، ثم تزوجت الثانية وهى الزيجة التى استمرت ٤ سنوات، وانفصلت عنها هى الأخرى، لأعتزل النساء جميعا. الجميل أنه بعد كل هذا تجد سامية وهى تعيش مع ابنتنا أمل، نعيش فى منزل واحد، لكنى أعتزل فى شقتى، هل تعلمون أنى بعد نوبات الغيبوبة التى تنتابنى من عام إلى آخر، أسقط فى غياهب النسيان، وأستيقظ لأجد سامية تتناوب مع أمل السهر على ومداواتى، حتى إطعامى وإعطائى الدواء، تعلمون، رغم كبر عمرى، أننى لو عاد الزمن مره أخرى، سوف أفعل ما فعلته ثانيا سوف أحبها مرة أخرى، وأتزوجها مره أخرى، وأنجب منها أدهم وأمل مره أخرى.
مواضيع مماثلة
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 12 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 13 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 14 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 16 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 17 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 13 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 14 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 16 )
» حياة الدكتور مصطفي محمود ( 17 )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى