قراءة فى كتاب الحياة البيتية للنبي (ص)
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب الحياة البيتية للنبي (ص)
قراءة فى كتاب الحياة البيتية للنبي (ص)
المؤلف خالد عبد الرحمن الشايع وقد استهله بالحديث عن طعام الرسول (ص) وأهل بيته فقال :
"كيف كان عيش النبي (ص)وأهل بيته؟
نستهل هذا الموضوع بما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء
نعم هكذا عاش نبينا محمد (ص) وبرغم أنه (ص)كان عنده تسع نسوة لكن كل واحدة كان يمضي عليها الشهر والشهران لا يوقد في بيتها نار، وليس ذلك منه (ص)تقتيرا على نفسه وأهله، أو أن الإسلام يعاف الطيبات ويسن للناس تركها، كلا وحاشا، فإن الله تعالى يقول{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ولكنه الزهد الحقيقي والرغبة فيما عند الله تعالى{ولسوف يعطيك ربك فترضى}
والله تعالى قد آتى نبيه (ص)مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها
وكان من دعائه (ص) اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا رواه البخاري ومسلم
وهذا منه (ص)زهد في الدنيا وإعراض عنها ورغبة فيما عند الله تعالى، قال الله جل شأنه{وللآخرة خير لك من الأولى} وقال (ص) مالي وللدنيا، إنما أنا كرجل قال تحت ظل شجرة (يعني نام في ظلها وقت الظهر) ثم راح وتركها رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما"
والروايات عن فقر النبى(ص) وأسرته طوال سنواته فى المدينة إنما هى كذب بين ففى أول الهجرة يكون هذا مقبولا فى ظل ابتلاء الله ولبقية المؤمنين بالجوع والفقر كما قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
ولكن فيما بعد تبدلت الأحوال وأصبح له سهم فى الفىء وسهم فى الغنيمة وهو ما يعطيه لكل المؤمنين بعد صبرهم كما قال تعالى :
"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"
ويركز الرجل على زهد النبى(ص) والزهد فى الإسلام محرم فيقول:
"ويبلغ زهد نبينا (ص)في هذه الدنيا مبلغا يبين حقارتها عنده وأنها في ذاتها ظل زائل روى البخاري ومسلم عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال كنت أمشي مع النبي (ص)في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقاليا أباذر، قلت لبيك يا رسول الله، فقال ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ـ إلا شيئا أرصده لدين ـ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى فقال إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم
وقوله (ص) إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة أي أن أصحاب الأموال الكثيرة هم الأقل حسنات يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا من وصفهم النبي (ص)بقوله من قال بالمال هكذا وهكذا، وهو إشارة إلى إنفاق المال في وجوهه المشروعة وعدم كنزه أو البخل به، ومن قام بهذا الحق فالمال له مستحب وهو له خير"
وهذا الكلام يتنافى مع تحريم الله الزهد بقولع :
قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
وتحدث عن أن النساء طلبيته بمزيد من نعيم الدنيا فقال :
"وفي ظلال هذه المعيشة أظهر نساء النبي (ص)في بعض الأحيان رغبتهن في تغييرها والخروج عنها، خاصة وأنهن في بيت أعظم رجل في العرب، وتتابع نساء النبي (ص)في تلك المطالبة، وأكثرن عليه، طالبات المزيد من النفقة ومتطلعات لمتاع الدنيا، فكره ذلك منهن النبي (ص) ولما زدن في تلك المطالبة وألحفن في مسألتهن وشددت هجرهن (ص) ولم يدخل على واحدة منهن لمدة شهر من الزمان، حتى شاع بين الناس أن النبي (ص)طلق نساءه كلهن ففزع أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لهذه الإشاعة رعاية لخاطر رسول الله (ص) فابنة كل منهما عند رسول الله (ص) فذهبا يستأذنان ليدخلا عليه، وليتعرفا على حقيقة الأمر، فلما دخلا على النبي (ص)سأله عمر أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال لا، فتنفس عمر الصعداء، لكنه رأى جو الحزن يخيم على المكان، فقال لأكلمن رسول الله (ص)لعله يضحك، فقاليا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد ـ يعني زوجته ـ سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي (ص)حتى بدا ناجذه، وقال هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يؤدبها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول تسألن النبي (ص)ما ليس عنده؟!
فنهى النبي (ص)الأبوين أن يصنعا ببنتيهما شيئا، وكانت نساؤه نادمات يقلن والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده
وبعد مضي شهر من هجرة النبي (ص)لنسائه، نزلت آيات التخيير من عند الله تخاطبهن جميعا أن يخترن التجرد للدار الآخرة مع رسول الله (ص)وأن يرضين بعيشه، وإما أن يلحقن بأهلهن حيث الملابس الحسنة والمآكل الدسمة وغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها، وذلكم قول ربنا{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} ، فأثرن الله ورسوله والدار الآخرة، وعشن مع النبي (ص)معينات على الحق راغبات في الثواب، عشن معه للجهاد والتهجد، والبذل والمواساة، والتواضع والخدمة، فأقر الله أعينهن بصحبة نبيه في الجنة كما صحبنه في الدنيا
بوب الإمام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه فقال باب كيف كان عيش النبي (ص)وأصحابه وتخليهم عن الدنيا؟ ثم ساق طائفة من الأحاديث المبينة لذلك ومنها:
ما روته أم المؤمنين عائشة قالما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض
ومنها ما روته عائشة قالت كان فراش رسول الله (ص)من أدم وحشوه ليف "
وتحدث عن عرض أم حبيبة أختها على النبى(ص)كى يتزوجها فقال :
"أم حبيبة تعرض على النبي (ص)الزواج بأختها
روى البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ في صحيحيهما من طريق زينب بنت أم سلمة وربيبة النبي (ص)عن أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي (ص)قالت دخل علي رسول الله (ص) فقلت له هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ فقال أفعل ماذا؟ قلت تنكحها، قال أو تحبين ذلك؟ قلت لست لك بمخلية، وأحب من شركني في الخير أختي، قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال بنت أم سلمة؟ قلتنعم، قال لو أنها لم تكن ربيبة في حجري، ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
في هذا الموقف عدد من المسائل والفوائد، منها:
أولا بيان ما كان للنبي (ص)من المحبة والإجلال والتقدير في نفوس زوجاته، فقد ملك قلوبهن وتعلقن به وقد بلغ من حب أم حبيبة وإجلالها لرسول الله (ص)ما يبينه ما أورده أهل السير من خبر أبي سفيان لما قدم المدينة النبوية في مهمة رسمية قبل إسلامه وذلك في مدة الهدنة بين قريش والمسلمين، وفي غضون ذلك، زار بنته أم حبيبة زوج النبي (ص) فلما جاءها، أراد الجلوس على فراش رسول الله (ص) فما كان منها إلا أن طوته عنه، فقال أبو سفيان يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟، قالت بل رغبة بالفراش عنك! فإنه فراش رسول الله (ص) وأنت رجل مشرك نجس، كذا أورد أهل السير ما هذا معناه..
ثانيا أخت أم المؤمنين أم حبيبة المذكورة في الحديث والتي أرادت خطبتها للنبي هي عزة بنت أبي سفيان ما نبه لهذا بعض أهل العلم
ثالثا في الموقف ما يدل على مشروعية عرض المرأة على الرجل الصالح من قبل وليها أو من ينصح لها، ومن تبويبات الإمام البخاري على هذا الحديث المذكور قوله باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير
رابعا قول النبي (ص)لأم حبيبة أو تحبين ذلك جوابا واستفهاما لعرضها عليه الزواج بأختها، فيه التعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة
لكن هذه الغيرة انمحت، وتجاوزتها أم حبيبة بمقايستها المصالح
خامسا قول أم حبيبة هذا أحب من شركني في الخير أختي قيل المراد بالخير هو صحبة رسول الله (ص)المتضمنة لسعادة الدارين..
سادسا قول أم حبيبة فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة وفي رواية قالت فإنا نحدث ، وفي رواية بلغني ، وفي رواية قالت فوالله إنا لنتحدث ، وفي رواية فو الله لقد أخبرت
رابعا ولعل سائلا يقول كيف عرضت أم حبيبة أختها ليتزوجها رسول الله (ص)مع أن من المعلوم لدى كل مسلم ومسلمة تحريم الجمع بين الأختين، هل خفي عليها ذلك أم ماذا؟
فيقل إن هذا العرض من أم حبيبة كان قبل نزول آية التحريم، وهو قوله تعالى في شأن من يحرم الزواج بهن من النساء {وأن تجمعوا بين الأختين}
وقيل بل كان بعد نزول الآية، ولكن ظنت أم حبيبة أن من خصائص النبي (ص)أن له الجمع بين الأختين، بناء على ما بلغها من عزم الرسول (ص)على الزواج ببنت زوجته درة بنت أم سلمة، وهي تعلم أن ذلك غير جائز، فكأنها قالت إن كان للرسول أن يفعل ذلك، فهي خصوصية، لأن تحريم الزواج ببنت الزوجة على التأبيد، وأما تحريم الزواج بأخت الزوجة فمحصورة في الجمع فقط، وهذا أخف وليكن من الخصائص بطريق الأولى
فأجابها النبي (ص)بأن ذلك لا يحل، وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحق، وأنها تحرم عليه من جهتين هذا معنى ما ذكره الحافظ ابن حجر
ثامنا في قول المصطفى (ص) لو أنها لم تكن ربيبة في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة المعنى لو افترض عدم كونها بنت زوجة أم سلمة، أو أن الرسول (ص)لم يتزوج أم سلمة، فإنها من جهة ثانية محرمة بالنظر لكون أبيها أخا للرسول (ص)من الرضاعة، فكان (ص) عمها بالرضاعة فكيف يتزوجها؟!..
تاسعاقول النبي (ص) إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة
نبه أهل العلم ونصوا على مراضع رسول الله (ص) فأول ما استرضع (ص) لدى ثويبة المذكورة هنا، ثم أرضعته وحضنته حليمة السعدية نحوا من أربع سنين، ويالسعادتها
أما ثويبة فقد أرضعته أياما"
وحكاية أم حبيبة لا تتفق مع كتاب الله فمن تزوجهن الرسول(ص* فى المدينة لم يكن من بينهن واحدة من بنات أبو سفيان فكلهن أينات عمه وخاله وعماته وخالاته كما قال :
"يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى"
وحتى الهجرة للجبشة روايات كاذبة فرغم اشتهار الحكايات واشتهار النجاشى فى الروايات إلا أن الله لم يذكر تلك الحوادث مع أنه ذكر حوادث أقل شأنا فى القرآن
وتحدث عن تعامل النبى (ص) مع زوجاته فقال :
"التعامل بين الزوجين
مع مقتطف بهيج من بيت النبوة، وذكر ما فيه من فوائد ودروس وعبر
ونستهله بما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة قالت دخل علي رسول الله (ص)فرأى في يدي فتخات من ورق وهي خواتم كبيرة من فضة يتختم بها النساء فقال (ص) ما هذا يا عائشة؟ فقلت صنعته أتزين لك يا رسول الله، قال أتؤدين زكاتهن؟ قلت لا، أو ما شاء الله، قال هو حسبك من النار "
الرواية ظاهرة الكذب فمن أين لعائشة أن تمتلك خواتم الورق والرجل كمل تقول الروايات الكاذبة فقير ؟
فإن كانت الخواتم مهر فلا زكاة فى المهر لأنه ملكية خاصة للمرأة يجوز لها وحدها التصرف فيها برضاها كما قال تعالى :
وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"
والرواية تخبرنا أن الزوج أخر من يعلم والعياذ بالله أن زوجته تمتلك خواتم
وقد بنى الشايع فوائد على الرواية الكاذبة فقال :
هذا الحديث فيه بيان لجانب من الحياة البيتية للنبي (ص) وقد تضمن عددا من المسائل والفوائد، ومن ذلك:
* فيه بيان ما كانت عليه أم المؤمنين عائشة من الحرص على مراعاة جانب النبي (ص) وألا يجد منها إلا كل جميل وطيب، ولذا كانت تحرص على أن تتزين لرسول الله (ص)بما جرت عادة النساء أن يتزين به
وفي هذا تنبيه للمتزوجات أن يحرصن على التزين لأزواجهن بما أباح الله، وكان من نصيحة أم المؤمنين لامرأة سألتها عن التزين للزوج أن قالت أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإذا أمرك فتطيعينه، وإذا اقسم عليك فأبري به، ولا تأذني في بيته لمن يكره رواه عبد الرزاق في المصنف وبالجملة، فالذي ينبغي على المسلم والمسلمة أن يراعيا ويعتنيا بالنظافة الشخصية والهيئة الحسنة والرائحة الطيبة
وقد يغفل بعض الناس عن هدي النبي (ص)في محبته الرائحة الحسنة الطيبة في الجسد واللباس، فقد كان (ص) يكره أن يجد منه أحد رائحة كريهة، ولذلك فإنه (ص)لما أكل عند زوجته حفصة عسلا ذا رائحة، غار بعض أزواجه وكررن عليه أنهن وجدن منه رائحة متغيرة ـ وكن يعلمن كراهته لذلك ـ ولكن حملتهن الغيرة على هذا القول، فحرم النبي (ص)العسل على نفسه لأجل قول نسائه، فأنزل الله عليه قوله تعالى{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} الآية
وهذا ثابت في صحيح البخاري وغيره
وفي صحيح مسلم عن شريح بن هانئ قال قلت لعائشة بأي شيء كان النبي (ص)يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت بالسواك
والذي ينبغي على المسلم والمسلمة العناية بهذا الأمر، حتى لا يوجد منه ما يجعل جلساءه ينفرون منه ويستقذرونه، لأن بعض الناس يمكث أياما والسواك وفرشاه الأسنان لا يعرفان لفمه طريقا فيورثه ذلك رائحة كريهة وبخرا قبيحا
والأمر كذلك بالنسبة لنظافة الشخص وهيئته ينبغي ملاحظته واختيار الحسن الجميل بلا تكلف، ومن عناية الإسلام بذلك أمره بالوضوء للصلوات، والغسل كل جمعة، ولبس الجديد أو النظيف لها
ومن أدلة العناية بذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند عن النبي (ص)أنه قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة "
والرواية باطلة حيث اجعل الرسول(ص) زير نساء رجل لايهتم من دنياه سوى بالنسوان والروائح وهو كذب محض فرجل الدعوة ورجل الجهاد ورجل القضاء ... ر وجود له الحديث يحول النبى(ص) ىلكافر وليس لمسلم
وقال الرجل :
"وفيما يتأكد على الزوجين في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} إذ قال:
أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله اهـ
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـإني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}
ذكر بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك أن امرأة ذهبت إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تطلب طلاقها من زوجها، ولما استدعاه للوقوف على سبب طلب زوجته، ولعله أن يصلح بينهما، وجده أشعث أغبر غير معتن بهندامه ولا هيئته، فعرف عمر ما كرهت زوجته منه
فأشار إلى رجل أن اذهب به وقص شعره وقلم أظافره وألبسه حسنا وائتني به، فذهب وفعل ذلك، ثم أتاه، فأومأ إليه أن خذ بيدها، فأخذ بيدها ولم تعرفه، فقالت يا عبد الله، سبحان الله، أبين يدي أمير المؤمنين تفعل هذا؟!
فما عرفته ذهبت معه، فقال عمر هكذا فاصنعوا معهن، فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن، كما تحبون أن يتزين لكم
وقال أبو الفرج ابن الجوزي منبها النساء إلى ما ينبغي عليهن في هذا الباب:
إن المرأة تحظى عند الرجل بعد تمام خلقها وكمال حسنها بأن تكن مواظبة على النظافة والزينة، عالمة بما يزيد في حسنها من أنواع الحلي واختلاف الملابس ووجوه التزين، وما يوافق الزوج ويستحسنه في ذلك كله، ولتحذر كل الحذر من أن يقع بصره على شيء يكرهه من وسخ أو رائحة مستكرهة، أو تغير من شعث وغيره
وقال بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك:
ينبغي على المرأة أن تتجمل لبعلها، وتزيد في تحسين نفسها ما أمكن ذلك، بتنظيف البشرة وتنقية المنافذ، وتزيين الألوان في البدن وما أحاط به
أما في البدن فبتبييض البشرة وتوريدها، وبتسويك الأسنان وتخليلها، وتنقية العين وتكحيلها، وتقليم الأظافر وتسويتها
وأما الثياب فبدوام نظافتها بحسب الوقت وعادة الزمان مما جرت به عادة النساء المسلمات "
والخطأ فيما سبق هو إباحة تغيير المرأة لخلقة الله بوضع ألألوان على الجلود وتبييض الجلد وتكحيل العين وهو استجابة لقول الشيطان:
" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله
وتحدث عن أن النساء حاليا تتحمل للخروج وليس للزوج فقال :
فالمرأة الفطنة الحسنة التبعل تراعي جميع ذلك وما سواه مما تتم به سعادة الزوج ومتعته، وتحرص على ألا يسبق طرف بعلها أو أنفه لحالة يذمها أو يكرهها من أجلها وخاصة في الأوقات التي يعتاد قربه منها
والناظر في أحوال كثير من النساء اليوم يجد غالب تزينهن إنما هو عندما يردن الخروج لمناسبة أو زيارة ونحو ذلك
حتى إن زوجا خاطب زوجته أن تتجمل له وتهتم به مثلما تفعل إذا أرادت الخروج، فردت عليه مندهشة أأنت غريب عني أيها الرجل؟
وفي هذا الباب يقع من كثير من المسلمات مخالفات شرعية متنوعة، وأنبه لبعض منها هنا باختصار، فمن ذلك:
أن بعضهن يلبسن الثياب الضيقة أو غير الساترة، ويخرجن بها إلى الأسواق، وربما زدن على ذلك كشف وجوههن أو بعض الوجه مع ظهور زينتها من كحل وغيره من طيب وعطر ونحو ذلك، وهذا نوع من التبرج المحرم
والعجب من بعض الأزواج وأولياء الأمور أنهم لا ينكرون ذلك، مع مخالفته للستر والحشمة
وهكذا لبس بعض النساء ملابس غير ساترة عند النساء بحيث تكشف ما جرت عادة النساء المسلمات بستره، متحججات بأنهن عند نساء مثلهن، والذي دلت عليه النصوص الشرعية أن الضيق والعاري لا يجوز لبسه حتى عند النساء، لما فيه من الفتنة، ولكونه مخالفا لما جاءت به الشريعة من الحشمة والعفاف والحياء
وهكذا تشبه بعض المسلمات في لبسهن بالكافرات، مما ينبغي على المسلمة أن تحذره، فقد جاء فيه الوعيد الشديد، ومن ذلك قوله (ص) من تشبه بقوم فهو منهم
وهذا التشبه يورث الميل إلى الكافرات ويفضي إلى محبتهن، وهذا يعرضها لأن تحشر معهن يوم القيامة، لما صح عن النبي (ص)أنه قال المرء مع من أحب
وهذا عام في الرجال والنساء، وعام في محبة أهل الإيمان والصلاح وأهل الكفر والفسوق
ومما يحزن أن تلك المظاهر تقع من بعض أخواتنا المسلمات العفيفات، اللاتي يؤمل منهن الصلاح والإصلاح، ونأمل لنا ولهن السعادة في الدنيا والآخرة
ولو أن الواحدة منهن قارنت بين تلك المظاهر المحرمة وبين لحظات تشييعها إلى قبرها حين تلبس تلك الثياب المتواضعة وتلف فيها، والقلوب من حولها خاشعة والعيون دامعة، ولا تدري على أي حال تكون في ذلك المثوى العظيم
روى البخاري وغيره عن النبي (ص)أنه قال إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها يا وليها، أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق "
والخطأ فى الحديث السابق الذى أورده الشايع أن كل شىء يسمع صوت الجنازة عدا الإنسان وهو يخالف أن الجن معزولون عن السمع بدليل قوله تعالى "وإنهم عن السمع لمعزولون "وقوله "لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا "فهنا الجن لا يسمعون الأصوات وقطعا أى الروح الميتة تصعد للملأ الأعلى ككل شىء بعد أن انتهى بدليل قوله "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة "إذا فالجن لا يسمعون شىء عن الموتى الصاعدين للسماء سواء منهم أو من غيرهم
وعاد للحديث عن التجمل فقال :
"وعودا على الزينة والتزين فإنهما محبوبان للنفس إذا كانا بما أحل الله، وعند من أحل الله له الاطلاع عليها، قال الله تعالى{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ، ثم قال سبحانه{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} إلخ الآية
وقال رسول الله (ص) إن الله جميل يحب الجمال
وخير ما يتجمل به الشخص تقوى الله وعبادته، والأخلاق الكريمة، والمعاملة الحسنة"
والتجمل الجسدى هو النظافة وعلاج التشوهات والأمراض وتحدث عن دور أمهات المؤمنين فى الدعوة فقال :
"نساء النبي (ص)وأثرهن في نقل كثير من الأحكام الشرعية للأمة:
كنا قد ذكرنا غير مرة أن لتعدد زوجات النبي (ص)حكما عديدة وعظيمة، فقط كن أمهات المؤمنين معلمات ومفتيات لنساء الأمة ورجالها في القضايا النسائية والأحكام الشرعية والآداب الزوجية والحكم النبوية
وكن قدوة صالحة في الخير والبر والإحسان، كما كان الرسول (ص)أسوة حسنة لهن في حسن الخلق والطيب العشرة
وفيما يلي سوف نستعرض ـ بعون الله ـ بعضا من اللمحات والدلائل التي تبين عظيم أثر أمهات المؤمنين في نقل جوانب عديدة من سنة المصطفى (ص)وتشريع الأحكام الشرعية وتبليغها للأمة، وخاصة مما لا يطلع عليه من قبل كل أحد
كان نساء النبي (ص)ـ أمهات المؤمنين ـ موئلا ومرجعا لكثير من القضايا التي يهتم لها المسلمون وخاصة ما له صلة بأهليهم وما يتعلق بالحياة البيتية
ومن تلك القضايا ما رواه البخاري في صحيحه أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها بعد الرحمن بن الزبير القرظي، فجاءت تشكو إلى عائشة حالها مع زوجها الآخر، قالت عائشة وعليها ـ أي تلك المرأة ـ خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها ـ تعني بسبب ضرب زوجها، فلما جاء رسول الله (ص)ـ والنساء ينصر بعضهن بعضا ـ قالت عائشة ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها إلخ الحديث
فتبين من خلال هذا الموقف أن أمهات المؤمنين كن يستمعن إلى ما يردهن من استفتاءات وشكاوى يعرضنها على النبي (ص) وأن لهن أثرا عظيما في نشر العلم والاهتمام بما ينفع المسلمين والمسلمات، وهكذا ينبغي أن تكون كل مسلمة متطلعة إلى معالي الأمور وبما يعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بالنفع الديني والدنيوي
وروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن إياس بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله (ص) لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله (ص)فقال ذئرن النساء على أزواجهن أي اجترأن ونشزن ، فرخص في ضربهن يعني إذا دعت الضرورة ولكن ضربا غير مبرح فأطاف بآل رسول الله (ص) يعني أحاط النساء بيوت رسول الله (ص)يشكون أزواجهن عند أمهات المؤمنين فقال رسول الله (ص) لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم
وهذا يدل أيضا على أثر أمهات المؤمنين في رفع المعاناة عن غيرهن
وفيه دلالة على النهي عن الجور والتعدي على الزوجة، وأن من استقصى في التغليظ على أهله فقد جانب وصف الخيرية
ومما عني أمهات المؤمنين به وبتبليغه للأمة كثير من مسائل الطهارة عموما، والمسائل النسائية خصوصا
ومن ذلكما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ كان يأمر النساء أي يفتيهن إذا اغتسلن يعني من الجنابة أن ينقضن رؤوسهن، فقالت يا عجبا لابن عمرو هذا؟! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله (ص)من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
وأكدت هذا الحكم وزيادة أم المؤمنين أم سلمة إذ قالت قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة والجنابة يعني عند الاغتسال منهما ، فقال لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
ومما نقله أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ من العلم ما رواه البخاري ومسلم عن معاذة بنت عبد الله أن امرأة قالت لعائشة أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي (ص)فلا يأمرنا به، أو قالت قلا نفعله
وفي رواية قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
وإنما نسبتها إلى حروراء لأنها مكان تجمع الخوارج ولهم آراء مبتدعة ضالة، ومنها أنهم يرون أن على الحائض قضاء الصلاة وذلك على أصلهم في رد السنة
وكان نساء الصحابة يكثرن من استفتاء أمهات المؤمنين وخاصة في مسائل الطهارة, وكن يرسلن إلى عائشة ليتبين الطهر، كما نقل ذلك البخاري في صحيحه عن عائشة
وبين أمهات المؤمنين جوانب من هديه (ص)في بيته وتعامله مع أهله، ومن ذلك ما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة قالتكنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي (ص)فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض أي تأكل اللحم من العظم بأسنانها ثم أناوله النبي (ص)فيضع فاه على موضع في
وهذا يوضح مدى تلطفه (ص)بأهله، خاصة وأن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها في البيوت
ولما بلغ اليهود هذا الهدي قالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه
وأوضحت عائشة ما يكون من رسول الله (ص)حينما يكون في بيته، وبينت قيامه الليل وصلاته وتهجده، وبينت جوانب عظيمة من تعامله (ص)
ومن ذلك ما رواه البخاري عنها أنها سئلتما كان رسول الله (ص)يصنع في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله ـ تعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إل الصلاة
قال الحافظ ابن حجر في شرحه :
وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر، وخدمة الرجل أهله
وترجم عليه المؤلف الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه فقال كيف يكون الرجل في أهله
وروي عن عائشة أنها وصفت النبي (ص)فقالت كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلا من رجالكم، إلا أنه كان بساما
إن هذه اللمحات من هديه (ص)في معاملة أهله وعيشه معهم لتبين بجلاء الأخلاق الإسلامية التي ينبغي أن يكون عليها كل مسلم
لقد عاش رسول الله (ص)مع أهله عيش المحب لهم الحريص على إدخال السرور على أنفسهم، وإيصال كل نفع وخير إليهم، فوجدوا من غبطة العيش وسروره وأنسه وفرحه ما لا يمكن وصفه على الكمال ولا الإحاطة به على التمام
وهذه دعوة لكل زوج وكل أسرة أن تتبصر في هذا الهدي الكريم، وأن تجعله نبراسا لها تسير من خلاله في دروب الحياة المتنوعة، وسيجد الناس من آثار الخير والبركة ما لا يخطر على البال ولا يحده الخيال
وصدق الله رب العالمين إذ قال{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} "
والحق أن زوجات النبى(ص) لم يكن مفتيات فلو كن مفتيات فلماذا دخلت المجادلة حجرة النبى(ص) وتحدثت عما يخصها دون أن تسمع زوجاته أى شىء منها وفى هذا قال تعالى :
" قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله"
نعم من الممكن أن يوضحن بعض الأمور التى لا تفعلها سوى النساء ولا يسمح لرجل أن يبينها عيانا بيانا لامرأة عند الفتوى
المؤلف خالد عبد الرحمن الشايع وقد استهله بالحديث عن طعام الرسول (ص) وأهل بيته فقال :
"كيف كان عيش النبي (ص)وأهل بيته؟
نستهل هذا الموضوع بما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء
نعم هكذا عاش نبينا محمد (ص) وبرغم أنه (ص)كان عنده تسع نسوة لكن كل واحدة كان يمضي عليها الشهر والشهران لا يوقد في بيتها نار، وليس ذلك منه (ص)تقتيرا على نفسه وأهله، أو أن الإسلام يعاف الطيبات ويسن للناس تركها، كلا وحاشا، فإن الله تعالى يقول{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ولكنه الزهد الحقيقي والرغبة فيما عند الله تعالى{ولسوف يعطيك ربك فترضى}
والله تعالى قد آتى نبيه (ص)مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها
وكان من دعائه (ص) اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا رواه البخاري ومسلم
وهذا منه (ص)زهد في الدنيا وإعراض عنها ورغبة فيما عند الله تعالى، قال الله جل شأنه{وللآخرة خير لك من الأولى} وقال (ص) مالي وللدنيا، إنما أنا كرجل قال تحت ظل شجرة (يعني نام في ظلها وقت الظهر) ثم راح وتركها رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما"
والروايات عن فقر النبى(ص) وأسرته طوال سنواته فى المدينة إنما هى كذب بين ففى أول الهجرة يكون هذا مقبولا فى ظل ابتلاء الله ولبقية المؤمنين بالجوع والفقر كما قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
ولكن فيما بعد تبدلت الأحوال وأصبح له سهم فى الفىء وسهم فى الغنيمة وهو ما يعطيه لكل المؤمنين بعد صبرهم كما قال تعالى :
"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"
ويركز الرجل على زهد النبى(ص) والزهد فى الإسلام محرم فيقول:
"ويبلغ زهد نبينا (ص)في هذه الدنيا مبلغا يبين حقارتها عنده وأنها في ذاتها ظل زائل روى البخاري ومسلم عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال كنت أمشي مع النبي (ص)في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقاليا أباذر، قلت لبيك يا رسول الله، فقال ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ـ إلا شيئا أرصده لدين ـ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى فقال إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم
وقوله (ص) إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة أي أن أصحاب الأموال الكثيرة هم الأقل حسنات يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا من وصفهم النبي (ص)بقوله من قال بالمال هكذا وهكذا، وهو إشارة إلى إنفاق المال في وجوهه المشروعة وعدم كنزه أو البخل به، ومن قام بهذا الحق فالمال له مستحب وهو له خير"
وهذا الكلام يتنافى مع تحريم الله الزهد بقولع :
قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
وتحدث عن أن النساء طلبيته بمزيد من نعيم الدنيا فقال :
"وفي ظلال هذه المعيشة أظهر نساء النبي (ص)في بعض الأحيان رغبتهن في تغييرها والخروج عنها، خاصة وأنهن في بيت أعظم رجل في العرب، وتتابع نساء النبي (ص)في تلك المطالبة، وأكثرن عليه، طالبات المزيد من النفقة ومتطلعات لمتاع الدنيا، فكره ذلك منهن النبي (ص) ولما زدن في تلك المطالبة وألحفن في مسألتهن وشددت هجرهن (ص) ولم يدخل على واحدة منهن لمدة شهر من الزمان، حتى شاع بين الناس أن النبي (ص)طلق نساءه كلهن ففزع أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لهذه الإشاعة رعاية لخاطر رسول الله (ص) فابنة كل منهما عند رسول الله (ص) فذهبا يستأذنان ليدخلا عليه، وليتعرفا على حقيقة الأمر، فلما دخلا على النبي (ص)سأله عمر أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال لا، فتنفس عمر الصعداء، لكنه رأى جو الحزن يخيم على المكان، فقال لأكلمن رسول الله (ص)لعله يضحك، فقاليا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد ـ يعني زوجته ـ سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي (ص)حتى بدا ناجذه، وقال هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يؤدبها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول تسألن النبي (ص)ما ليس عنده؟!
فنهى النبي (ص)الأبوين أن يصنعا ببنتيهما شيئا، وكانت نساؤه نادمات يقلن والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده
وبعد مضي شهر من هجرة النبي (ص)لنسائه، نزلت آيات التخيير من عند الله تخاطبهن جميعا أن يخترن التجرد للدار الآخرة مع رسول الله (ص)وأن يرضين بعيشه، وإما أن يلحقن بأهلهن حيث الملابس الحسنة والمآكل الدسمة وغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها، وذلكم قول ربنا{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} ، فأثرن الله ورسوله والدار الآخرة، وعشن مع النبي (ص)معينات على الحق راغبات في الثواب، عشن معه للجهاد والتهجد، والبذل والمواساة، والتواضع والخدمة، فأقر الله أعينهن بصحبة نبيه في الجنة كما صحبنه في الدنيا
بوب الإمام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه فقال باب كيف كان عيش النبي (ص)وأصحابه وتخليهم عن الدنيا؟ ثم ساق طائفة من الأحاديث المبينة لذلك ومنها:
ما روته أم المؤمنين عائشة قالما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض
ومنها ما روته عائشة قالت كان فراش رسول الله (ص)من أدم وحشوه ليف "
وتحدث عن عرض أم حبيبة أختها على النبى(ص)كى يتزوجها فقال :
"أم حبيبة تعرض على النبي (ص)الزواج بأختها
روى البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ في صحيحيهما من طريق زينب بنت أم سلمة وربيبة النبي (ص)عن أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي (ص)قالت دخل علي رسول الله (ص) فقلت له هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ فقال أفعل ماذا؟ قلت تنكحها، قال أو تحبين ذلك؟ قلت لست لك بمخلية، وأحب من شركني في الخير أختي، قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال بنت أم سلمة؟ قلتنعم، قال لو أنها لم تكن ربيبة في حجري، ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
في هذا الموقف عدد من المسائل والفوائد، منها:
أولا بيان ما كان للنبي (ص)من المحبة والإجلال والتقدير في نفوس زوجاته، فقد ملك قلوبهن وتعلقن به وقد بلغ من حب أم حبيبة وإجلالها لرسول الله (ص)ما يبينه ما أورده أهل السير من خبر أبي سفيان لما قدم المدينة النبوية في مهمة رسمية قبل إسلامه وذلك في مدة الهدنة بين قريش والمسلمين، وفي غضون ذلك، زار بنته أم حبيبة زوج النبي (ص) فلما جاءها، أراد الجلوس على فراش رسول الله (ص) فما كان منها إلا أن طوته عنه، فقال أبو سفيان يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟، قالت بل رغبة بالفراش عنك! فإنه فراش رسول الله (ص) وأنت رجل مشرك نجس، كذا أورد أهل السير ما هذا معناه..
ثانيا أخت أم المؤمنين أم حبيبة المذكورة في الحديث والتي أرادت خطبتها للنبي هي عزة بنت أبي سفيان ما نبه لهذا بعض أهل العلم
ثالثا في الموقف ما يدل على مشروعية عرض المرأة على الرجل الصالح من قبل وليها أو من ينصح لها، ومن تبويبات الإمام البخاري على هذا الحديث المذكور قوله باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير
رابعا قول النبي (ص)لأم حبيبة أو تحبين ذلك جوابا واستفهاما لعرضها عليه الزواج بأختها، فيه التعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة
لكن هذه الغيرة انمحت، وتجاوزتها أم حبيبة بمقايستها المصالح
خامسا قول أم حبيبة هذا أحب من شركني في الخير أختي قيل المراد بالخير هو صحبة رسول الله (ص)المتضمنة لسعادة الدارين..
سادسا قول أم حبيبة فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة وفي رواية قالت فإنا نحدث ، وفي رواية بلغني ، وفي رواية قالت فوالله إنا لنتحدث ، وفي رواية فو الله لقد أخبرت
رابعا ولعل سائلا يقول كيف عرضت أم حبيبة أختها ليتزوجها رسول الله (ص)مع أن من المعلوم لدى كل مسلم ومسلمة تحريم الجمع بين الأختين، هل خفي عليها ذلك أم ماذا؟
فيقل إن هذا العرض من أم حبيبة كان قبل نزول آية التحريم، وهو قوله تعالى في شأن من يحرم الزواج بهن من النساء {وأن تجمعوا بين الأختين}
وقيل بل كان بعد نزول الآية، ولكن ظنت أم حبيبة أن من خصائص النبي (ص)أن له الجمع بين الأختين، بناء على ما بلغها من عزم الرسول (ص)على الزواج ببنت زوجته درة بنت أم سلمة، وهي تعلم أن ذلك غير جائز، فكأنها قالت إن كان للرسول أن يفعل ذلك، فهي خصوصية، لأن تحريم الزواج ببنت الزوجة على التأبيد، وأما تحريم الزواج بأخت الزوجة فمحصورة في الجمع فقط، وهذا أخف وليكن من الخصائص بطريق الأولى
فأجابها النبي (ص)بأن ذلك لا يحل، وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحق، وأنها تحرم عليه من جهتين هذا معنى ما ذكره الحافظ ابن حجر
ثامنا في قول المصطفى (ص) لو أنها لم تكن ربيبة في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة المعنى لو افترض عدم كونها بنت زوجة أم سلمة، أو أن الرسول (ص)لم يتزوج أم سلمة، فإنها من جهة ثانية محرمة بالنظر لكون أبيها أخا للرسول (ص)من الرضاعة، فكان (ص) عمها بالرضاعة فكيف يتزوجها؟!..
تاسعاقول النبي (ص) إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة
نبه أهل العلم ونصوا على مراضع رسول الله (ص) فأول ما استرضع (ص) لدى ثويبة المذكورة هنا، ثم أرضعته وحضنته حليمة السعدية نحوا من أربع سنين، ويالسعادتها
أما ثويبة فقد أرضعته أياما"
وحكاية أم حبيبة لا تتفق مع كتاب الله فمن تزوجهن الرسول(ص* فى المدينة لم يكن من بينهن واحدة من بنات أبو سفيان فكلهن أينات عمه وخاله وعماته وخالاته كما قال :
"يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى"
وحتى الهجرة للجبشة روايات كاذبة فرغم اشتهار الحكايات واشتهار النجاشى فى الروايات إلا أن الله لم يذكر تلك الحوادث مع أنه ذكر حوادث أقل شأنا فى القرآن
وتحدث عن تعامل النبى (ص) مع زوجاته فقال :
"التعامل بين الزوجين
مع مقتطف بهيج من بيت النبوة، وذكر ما فيه من فوائد ودروس وعبر
ونستهله بما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة قالت دخل علي رسول الله (ص)فرأى في يدي فتخات من ورق وهي خواتم كبيرة من فضة يتختم بها النساء فقال (ص) ما هذا يا عائشة؟ فقلت صنعته أتزين لك يا رسول الله، قال أتؤدين زكاتهن؟ قلت لا، أو ما شاء الله، قال هو حسبك من النار "
الرواية ظاهرة الكذب فمن أين لعائشة أن تمتلك خواتم الورق والرجل كمل تقول الروايات الكاذبة فقير ؟
فإن كانت الخواتم مهر فلا زكاة فى المهر لأنه ملكية خاصة للمرأة يجوز لها وحدها التصرف فيها برضاها كما قال تعالى :
وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"
والرواية تخبرنا أن الزوج أخر من يعلم والعياذ بالله أن زوجته تمتلك خواتم
وقد بنى الشايع فوائد على الرواية الكاذبة فقال :
هذا الحديث فيه بيان لجانب من الحياة البيتية للنبي (ص) وقد تضمن عددا من المسائل والفوائد، ومن ذلك:
* فيه بيان ما كانت عليه أم المؤمنين عائشة من الحرص على مراعاة جانب النبي (ص) وألا يجد منها إلا كل جميل وطيب، ولذا كانت تحرص على أن تتزين لرسول الله (ص)بما جرت عادة النساء أن يتزين به
وفي هذا تنبيه للمتزوجات أن يحرصن على التزين لأزواجهن بما أباح الله، وكان من نصيحة أم المؤمنين لامرأة سألتها عن التزين للزوج أن قالت أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإذا أمرك فتطيعينه، وإذا اقسم عليك فأبري به، ولا تأذني في بيته لمن يكره رواه عبد الرزاق في المصنف وبالجملة، فالذي ينبغي على المسلم والمسلمة أن يراعيا ويعتنيا بالنظافة الشخصية والهيئة الحسنة والرائحة الطيبة
وقد يغفل بعض الناس عن هدي النبي (ص)في محبته الرائحة الحسنة الطيبة في الجسد واللباس، فقد كان (ص) يكره أن يجد منه أحد رائحة كريهة، ولذلك فإنه (ص)لما أكل عند زوجته حفصة عسلا ذا رائحة، غار بعض أزواجه وكررن عليه أنهن وجدن منه رائحة متغيرة ـ وكن يعلمن كراهته لذلك ـ ولكن حملتهن الغيرة على هذا القول، فحرم النبي (ص)العسل على نفسه لأجل قول نسائه، فأنزل الله عليه قوله تعالى{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} الآية
وهذا ثابت في صحيح البخاري وغيره
وفي صحيح مسلم عن شريح بن هانئ قال قلت لعائشة بأي شيء كان النبي (ص)يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت بالسواك
والذي ينبغي على المسلم والمسلمة العناية بهذا الأمر، حتى لا يوجد منه ما يجعل جلساءه ينفرون منه ويستقذرونه، لأن بعض الناس يمكث أياما والسواك وفرشاه الأسنان لا يعرفان لفمه طريقا فيورثه ذلك رائحة كريهة وبخرا قبيحا
والأمر كذلك بالنسبة لنظافة الشخص وهيئته ينبغي ملاحظته واختيار الحسن الجميل بلا تكلف، ومن عناية الإسلام بذلك أمره بالوضوء للصلوات، والغسل كل جمعة، ولبس الجديد أو النظيف لها
ومن أدلة العناية بذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند عن النبي (ص)أنه قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة "
والرواية باطلة حيث اجعل الرسول(ص) زير نساء رجل لايهتم من دنياه سوى بالنسوان والروائح وهو كذب محض فرجل الدعوة ورجل الجهاد ورجل القضاء ... ر وجود له الحديث يحول النبى(ص) ىلكافر وليس لمسلم
وقال الرجل :
"وفيما يتأكد على الزوجين في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} إذ قال:
أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله اهـ
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـإني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}
ذكر بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك أن امرأة ذهبت إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تطلب طلاقها من زوجها، ولما استدعاه للوقوف على سبب طلب زوجته، ولعله أن يصلح بينهما، وجده أشعث أغبر غير معتن بهندامه ولا هيئته، فعرف عمر ما كرهت زوجته منه
فأشار إلى رجل أن اذهب به وقص شعره وقلم أظافره وألبسه حسنا وائتني به، فذهب وفعل ذلك، ثم أتاه، فأومأ إليه أن خذ بيدها، فأخذ بيدها ولم تعرفه، فقالت يا عبد الله، سبحان الله، أبين يدي أمير المؤمنين تفعل هذا؟!
فما عرفته ذهبت معه، فقال عمر هكذا فاصنعوا معهن، فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن، كما تحبون أن يتزين لكم
وقال أبو الفرج ابن الجوزي منبها النساء إلى ما ينبغي عليهن في هذا الباب:
إن المرأة تحظى عند الرجل بعد تمام خلقها وكمال حسنها بأن تكن مواظبة على النظافة والزينة، عالمة بما يزيد في حسنها من أنواع الحلي واختلاف الملابس ووجوه التزين، وما يوافق الزوج ويستحسنه في ذلك كله، ولتحذر كل الحذر من أن يقع بصره على شيء يكرهه من وسخ أو رائحة مستكرهة، أو تغير من شعث وغيره
وقال بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك:
ينبغي على المرأة أن تتجمل لبعلها، وتزيد في تحسين نفسها ما أمكن ذلك، بتنظيف البشرة وتنقية المنافذ، وتزيين الألوان في البدن وما أحاط به
أما في البدن فبتبييض البشرة وتوريدها، وبتسويك الأسنان وتخليلها، وتنقية العين وتكحيلها، وتقليم الأظافر وتسويتها
وأما الثياب فبدوام نظافتها بحسب الوقت وعادة الزمان مما جرت به عادة النساء المسلمات "
والخطأ فيما سبق هو إباحة تغيير المرأة لخلقة الله بوضع ألألوان على الجلود وتبييض الجلد وتكحيل العين وهو استجابة لقول الشيطان:
" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله
وتحدث عن أن النساء حاليا تتحمل للخروج وليس للزوج فقال :
فالمرأة الفطنة الحسنة التبعل تراعي جميع ذلك وما سواه مما تتم به سعادة الزوج ومتعته، وتحرص على ألا يسبق طرف بعلها أو أنفه لحالة يذمها أو يكرهها من أجلها وخاصة في الأوقات التي يعتاد قربه منها
والناظر في أحوال كثير من النساء اليوم يجد غالب تزينهن إنما هو عندما يردن الخروج لمناسبة أو زيارة ونحو ذلك
حتى إن زوجا خاطب زوجته أن تتجمل له وتهتم به مثلما تفعل إذا أرادت الخروج، فردت عليه مندهشة أأنت غريب عني أيها الرجل؟
وفي هذا الباب يقع من كثير من المسلمات مخالفات شرعية متنوعة، وأنبه لبعض منها هنا باختصار، فمن ذلك:
أن بعضهن يلبسن الثياب الضيقة أو غير الساترة، ويخرجن بها إلى الأسواق، وربما زدن على ذلك كشف وجوههن أو بعض الوجه مع ظهور زينتها من كحل وغيره من طيب وعطر ونحو ذلك، وهذا نوع من التبرج المحرم
والعجب من بعض الأزواج وأولياء الأمور أنهم لا ينكرون ذلك، مع مخالفته للستر والحشمة
وهكذا لبس بعض النساء ملابس غير ساترة عند النساء بحيث تكشف ما جرت عادة النساء المسلمات بستره، متحججات بأنهن عند نساء مثلهن، والذي دلت عليه النصوص الشرعية أن الضيق والعاري لا يجوز لبسه حتى عند النساء، لما فيه من الفتنة، ولكونه مخالفا لما جاءت به الشريعة من الحشمة والعفاف والحياء
وهكذا تشبه بعض المسلمات في لبسهن بالكافرات، مما ينبغي على المسلمة أن تحذره، فقد جاء فيه الوعيد الشديد، ومن ذلك قوله (ص) من تشبه بقوم فهو منهم
وهذا التشبه يورث الميل إلى الكافرات ويفضي إلى محبتهن، وهذا يعرضها لأن تحشر معهن يوم القيامة، لما صح عن النبي (ص)أنه قال المرء مع من أحب
وهذا عام في الرجال والنساء، وعام في محبة أهل الإيمان والصلاح وأهل الكفر والفسوق
ومما يحزن أن تلك المظاهر تقع من بعض أخواتنا المسلمات العفيفات، اللاتي يؤمل منهن الصلاح والإصلاح، ونأمل لنا ولهن السعادة في الدنيا والآخرة
ولو أن الواحدة منهن قارنت بين تلك المظاهر المحرمة وبين لحظات تشييعها إلى قبرها حين تلبس تلك الثياب المتواضعة وتلف فيها، والقلوب من حولها خاشعة والعيون دامعة، ولا تدري على أي حال تكون في ذلك المثوى العظيم
روى البخاري وغيره عن النبي (ص)أنه قال إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها يا وليها، أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق "
والخطأ فى الحديث السابق الذى أورده الشايع أن كل شىء يسمع صوت الجنازة عدا الإنسان وهو يخالف أن الجن معزولون عن السمع بدليل قوله تعالى "وإنهم عن السمع لمعزولون "وقوله "لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا "فهنا الجن لا يسمعون الأصوات وقطعا أى الروح الميتة تصعد للملأ الأعلى ككل شىء بعد أن انتهى بدليل قوله "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة "إذا فالجن لا يسمعون شىء عن الموتى الصاعدين للسماء سواء منهم أو من غيرهم
وعاد للحديث عن التجمل فقال :
"وعودا على الزينة والتزين فإنهما محبوبان للنفس إذا كانا بما أحل الله، وعند من أحل الله له الاطلاع عليها، قال الله تعالى{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ، ثم قال سبحانه{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} إلخ الآية
وقال رسول الله (ص) إن الله جميل يحب الجمال
وخير ما يتجمل به الشخص تقوى الله وعبادته، والأخلاق الكريمة، والمعاملة الحسنة"
والتجمل الجسدى هو النظافة وعلاج التشوهات والأمراض وتحدث عن دور أمهات المؤمنين فى الدعوة فقال :
"نساء النبي (ص)وأثرهن في نقل كثير من الأحكام الشرعية للأمة:
كنا قد ذكرنا غير مرة أن لتعدد زوجات النبي (ص)حكما عديدة وعظيمة، فقط كن أمهات المؤمنين معلمات ومفتيات لنساء الأمة ورجالها في القضايا النسائية والأحكام الشرعية والآداب الزوجية والحكم النبوية
وكن قدوة صالحة في الخير والبر والإحسان، كما كان الرسول (ص)أسوة حسنة لهن في حسن الخلق والطيب العشرة
وفيما يلي سوف نستعرض ـ بعون الله ـ بعضا من اللمحات والدلائل التي تبين عظيم أثر أمهات المؤمنين في نقل جوانب عديدة من سنة المصطفى (ص)وتشريع الأحكام الشرعية وتبليغها للأمة، وخاصة مما لا يطلع عليه من قبل كل أحد
كان نساء النبي (ص)ـ أمهات المؤمنين ـ موئلا ومرجعا لكثير من القضايا التي يهتم لها المسلمون وخاصة ما له صلة بأهليهم وما يتعلق بالحياة البيتية
ومن تلك القضايا ما رواه البخاري في صحيحه أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها بعد الرحمن بن الزبير القرظي، فجاءت تشكو إلى عائشة حالها مع زوجها الآخر، قالت عائشة وعليها ـ أي تلك المرأة ـ خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها ـ تعني بسبب ضرب زوجها، فلما جاء رسول الله (ص)ـ والنساء ينصر بعضهن بعضا ـ قالت عائشة ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها إلخ الحديث
فتبين من خلال هذا الموقف أن أمهات المؤمنين كن يستمعن إلى ما يردهن من استفتاءات وشكاوى يعرضنها على النبي (ص) وأن لهن أثرا عظيما في نشر العلم والاهتمام بما ينفع المسلمين والمسلمات، وهكذا ينبغي أن تكون كل مسلمة متطلعة إلى معالي الأمور وبما يعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بالنفع الديني والدنيوي
وروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن إياس بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله (ص) لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله (ص)فقال ذئرن النساء على أزواجهن أي اجترأن ونشزن ، فرخص في ضربهن يعني إذا دعت الضرورة ولكن ضربا غير مبرح فأطاف بآل رسول الله (ص) يعني أحاط النساء بيوت رسول الله (ص)يشكون أزواجهن عند أمهات المؤمنين فقال رسول الله (ص) لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم
وهذا يدل أيضا على أثر أمهات المؤمنين في رفع المعاناة عن غيرهن
وفيه دلالة على النهي عن الجور والتعدي على الزوجة، وأن من استقصى في التغليظ على أهله فقد جانب وصف الخيرية
ومما عني أمهات المؤمنين به وبتبليغه للأمة كثير من مسائل الطهارة عموما، والمسائل النسائية خصوصا
ومن ذلكما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ كان يأمر النساء أي يفتيهن إذا اغتسلن يعني من الجنابة أن ينقضن رؤوسهن، فقالت يا عجبا لابن عمرو هذا؟! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله (ص)من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
وأكدت هذا الحكم وزيادة أم المؤمنين أم سلمة إذ قالت قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة والجنابة يعني عند الاغتسال منهما ، فقال لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
ومما نقله أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ من العلم ما رواه البخاري ومسلم عن معاذة بنت عبد الله أن امرأة قالت لعائشة أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي (ص)فلا يأمرنا به، أو قالت قلا نفعله
وفي رواية قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
وإنما نسبتها إلى حروراء لأنها مكان تجمع الخوارج ولهم آراء مبتدعة ضالة، ومنها أنهم يرون أن على الحائض قضاء الصلاة وذلك على أصلهم في رد السنة
وكان نساء الصحابة يكثرن من استفتاء أمهات المؤمنين وخاصة في مسائل الطهارة, وكن يرسلن إلى عائشة ليتبين الطهر، كما نقل ذلك البخاري في صحيحه عن عائشة
وبين أمهات المؤمنين جوانب من هديه (ص)في بيته وتعامله مع أهله، ومن ذلك ما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة قالتكنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي (ص)فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض أي تأكل اللحم من العظم بأسنانها ثم أناوله النبي (ص)فيضع فاه على موضع في
وهذا يوضح مدى تلطفه (ص)بأهله، خاصة وأن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها في البيوت
ولما بلغ اليهود هذا الهدي قالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه
وأوضحت عائشة ما يكون من رسول الله (ص)حينما يكون في بيته، وبينت قيامه الليل وصلاته وتهجده، وبينت جوانب عظيمة من تعامله (ص)
ومن ذلك ما رواه البخاري عنها أنها سئلتما كان رسول الله (ص)يصنع في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله ـ تعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إل الصلاة
قال الحافظ ابن حجر في شرحه :
وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر، وخدمة الرجل أهله
وترجم عليه المؤلف الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه فقال كيف يكون الرجل في أهله
وروي عن عائشة أنها وصفت النبي (ص)فقالت كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلا من رجالكم، إلا أنه كان بساما
إن هذه اللمحات من هديه (ص)في معاملة أهله وعيشه معهم لتبين بجلاء الأخلاق الإسلامية التي ينبغي أن يكون عليها كل مسلم
لقد عاش رسول الله (ص)مع أهله عيش المحب لهم الحريص على إدخال السرور على أنفسهم، وإيصال كل نفع وخير إليهم، فوجدوا من غبطة العيش وسروره وأنسه وفرحه ما لا يمكن وصفه على الكمال ولا الإحاطة به على التمام
وهذه دعوة لكل زوج وكل أسرة أن تتبصر في هذا الهدي الكريم، وأن تجعله نبراسا لها تسير من خلاله في دروب الحياة المتنوعة، وسيجد الناس من آثار الخير والبركة ما لا يخطر على البال ولا يحده الخيال
وصدق الله رب العالمين إذ قال{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} "
والحق أن زوجات النبى(ص) لم يكن مفتيات فلو كن مفتيات فلماذا دخلت المجادلة حجرة النبى(ص) وتحدثت عما يخصها دون أن تسمع زوجاته أى شىء منها وفى هذا قال تعالى :
" قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله"
نعم من الممكن أن يوضحن بعض الأمور التى لا تفعلها سوى النساء ولا يسمح لرجل أن يبينها عيانا بيانا لامرأة عند الفتوى
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» قراءة فى بحث تحديات العقل البشري إكسير الحياة والبحث عن الخلود
» قراءة فى كتاب إشراقات أسرية في بداية الحياة الزوجية
» نظرات فى كتاب التحقيق فيما نسب للنبي (ص)من زواجه بزينب بنت جحش
» نقد كتاب الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي (ص)من الخدم والموالي
» قراءة فى مقال الحياة والخليقة
» قراءة فى كتاب إشراقات أسرية في بداية الحياة الزوجية
» نظرات فى كتاب التحقيق فيما نسب للنبي (ص)من زواجه بزينب بنت جحش
» نقد كتاب الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي (ص)من الخدم والموالي
» قراءة فى مقال الحياة والخليقة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى