نظرات فى علم الاجتماع الإداري
صفحة 1 من اصل 1
نظرات فى علم الاجتماع الإداري
نظرات فى علم الاجتماع الإداري
المؤلف جميل حمداوي وهذا العلم المزعوم يقوم مقام ما أنزله الله من نصوص فى تنظيم مؤسسات الدولة وكيفية تسييرها وقد تخلى حكام بلادنا منذ القديم عن حكم الله واجتمعوا على التراتيب البشرية سواء كانت من اختراعهم أو اختراعه غيرهم وهو وضع كل الدول الحالية فى العالم والتى تخلت تماما عن دين الله
فى مقدمته تحدث حمداوى عن كون هذا العلم فره من فروه علم الاجتماع العام وهو علم بشرى الغرض منه أن يحل محل الله كمشرع ومنظم وفى هذا قال :
"المقدمة:
يعد علم الاجتماع الإداري فرعا من فروع علم الاجتماع العام ويدرس الأنظمة الإدارية التي ترتكز عليها الدولة أو الحكومة أو السلطة التنفيذية أو الوظيفة العمومية في أداء خدماتها ومشاريعها وإنجازاتها وممارسة سلطتها المرفقية وإصدار القرارات الخاصة بكل واقعة إدارية على حدة "
وحاول تعريف العلم فقال :
المطلب الأول: مفهوم علم الاجتماع الإداري
يقصد بعلم الاجتماع الإداري دراسة الإدارة العمومية في ضوء رؤية سوسيولوجية بالتركيز على بنية الإدارة واختصاصاتها ووظائفها ودورها في المجتمع من جهة أولى ودراسة الموظفين في علاقتهم بالإدارة والمجتمع من جهة ثانية ودراسة السلطة والقوة الإدارية من جهة ثالثة ويعني هذا أن علم الاجتماع الإداري يهتم بالوظيفة العمومية والقرارات السياسية والإدارية "
وبألفاظ أخرى تنظيم مؤسسات الدولة وتحديد مهام موظفيها وكيفية سير العمل فيها
وتعرض لمنهجية هذا العلم فذكر اختلاف المنهجيات فقال :
"المطلب الثاني: منهجية علم الاجتماع الإداري
يعتمد علم الاجتماع الإداري على ملاحظة الظواهر الإدارية التي لها طابع اجتماعي أو لها علاقة بالمجتمع من حيث التأثير والتأثر وبعد ذلك تأتي عملية جميع المعطيات والبيانات والوقائع حول الظاهرة الإدارية وتصنيفها ونمذجتها وفق حقائق ومؤشرات ومنهجيات معينة ...من هنا يمكن اتباع منهجية كمية قائمة على الإحصاء والرياضيات أو منهجية كيفية قائمة على المقابلة ودراسة الحالة ودراسة المضمون والمعايشة والملاحظة الميدانية المباشرة
ومن ناحية أخرى يمكن الاستعانة بالخطوات المنهجية المعروفة في علم الاجتماع مثل: الفهم الداخلي للظاهرة ..ثم تفسيرها تفسيرا سببيا أو عليا بإرجاعها إلى عوامل داخلية أو خارجية ثم تأويلها تأويلا ذاتيا أو مرجعيا أو إيديولوجيا
وعليه يتخذ علم الاجتماع الإداري طابعا نظريا أو طابعا تطبيقيا فيما يتعلق بالظواهر المتعلقة بأخذ القرار السياسي في مجال الإدارة ودراسة حياة الوظيفة العمومية"
ومن ثم لا يوجد منهج محدد فى بيان الطواهر الادارية لأن الهدف ليس واضحا فى ظل التشريع البشرى وأما الهدف فى التشريع الإلحى فهو تحقيق العدالة
وتحدث عن نظريات علم الاجتماع الإداري فقال :
"المطلب الثالث: تصورات نظرية حول علم الاجتماع الإداري
ثمة مجموعة من التصورات السوسيولوجية حول الإدارة يمكن التوقف عند بعضها على النحو التالي:
الفرع الأول: ألكسيس توكفيل والإدارة الديمقراطية
يعد الفرنسي ألكسيس توكفيل (1805 - 1859 م) رائدا من رواد سوسيولوجيا الإدارة حسب رايمون بودون ورايمون آرون وغوي روشي وأكثر من هذا فهو كاتب ومؤرخ ورجل سياسية وفيلسوف سياسي وقد اهتم بتحليل الثورة الفرنسية ودراسة الديمقراطية الأمريكية والتركيز على تطور الديمقراطيات الغربية بصفة عامة وعليه يشيد توكفيل بالنموذج الديمقراطي الأمريكي القائم على الحرية والمساواة والاقتصاد الليبرالي الحر؛ نظرا لوجود ظروف جغرافية وبشرية جيدة وقوانين مناسبة وملائمة للحياة الفردية والجماعية وعقلية اجتماعية ودينية متميزة علاوة على وجود إدارة مؤسساتية فيدرالية أساسها اللامركزية واللاتركيز وقد نتج عن هذا وجود إدارات محلية فرعية في كل ولاية تعنى بالشؤون المحلية للمواطنين في أحسن الظروف الممكنة
كما يتميز الدستور بفصل السلط (التنفيذية والتشريعية والقضائية) والحد من سلطات الرئيس وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد والإدارة ووجود أحزاب سياسية حرة تتناوب على السلطة بطريقة ديمقراطية مدافعة عن إيديولوجيا براجماتية تخدم مصالح الشعب أو الأغلبية وثمة احترام كبير للقوانين الفيدرالية والولائية والمحلية ويعني هذا حرية الإدارة واحترام قوانين الوظيفة العمومية وتشريعاتها
ومن جهة أخرى يرى توكفيل أن الديمقراطية الفرنسية دون مستوى الديمقراطية الأمريكية لغياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام المساواة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ووجود إدارة مركزية محافظة لا تساير المجتمع الديمقراطي الذي كان في فترة توكفيل ينبني على قيم البورجوازية وبناء المصانع وتشغيل العمال ويعني هذا غياب القوانين التي تنسجم مع النهج الليبرالي الديمقراطي المجتمعي الذي نهجته البورجوازية الفرنسية على الرغم من مواطن ضعفها ويعني هذا وجود إدارة محافظة ومجتمع بورجوازي متقدم إذا هناك مفارقة صارخة وحادة وشائكة على المستوى الإداري
وبناء على ما سبق أشاد ألكسيس توكفيل بالإدارة الديمقراطية الأمريكية القائمة على الحرية والمساواة والعدالة والإنصاف وتطبيق اللامركزية واحترام الدستور والقوانين والفصل بين السلط والإيمان بحرية الإعلام والحد من شطط السلطة الإدارية وحق المواطن أو الموظف في مقاضاتها في حالة المخالفة أو استعمال العنف الرمزي لذلك تعتبر الديمقراطية الأمريكية أفضل نموذج يمثل الديمقراطية الحقيقية في العالم في تلك الفترة التي يتحدث فيها توكفيل والسبب في ذلك أنها في خدمة جميع المواطنين بدون استثناء فضلا عن كونها مرتبطة بالحرية ارتباطا وثيقا مع غياب لكل الحواجز والعراقيل الإدارية والبيروقراطية الجامدة؛ مما جعل المجتمع الأمريكي يتغير ويتحرك بسرعة فضلا عن سعي الدولة دائما إلى تحسين مستوى معيشة السكان بشكل جيد
وعلى الرغم من ذلك انتقد توكفيل النظام الأمريكي بشكل موضوعي فحصر سلبياته في المبالغة في الفردانية التي قد تسبب مشاكل خطيرة تهدد توازن المجتمع وتماسكه وانسجامه ثم المبالغة في الحرية التي قد تدفع الفرد إلى انتهاك القيم والقواعد والاخلاق بدون حسيب ولا رقيب لذا لابد من وضع القواعد الرادعة التي تتحكم في توجيه الحياة الاجتماعية والالتزام بالتنظيم الاجتماعي ناهيك عن كون هذه الديمقراطية الأمريكية التمثيلية خاضعة للنخب السياسية والعسكرية والاقتصادية زد على ذلك أن الأغلبية هي التي تتحكم في القرار السياسي أو الإداري وتسيير قواعد الدولة الديمقراطية بمعنى أن الرأي العام هو الذي يوجه الحياة السياسية والإدارية الأمريكية
وعلى العموم تعود أسباب نجاح الديمقراطية الأمريكية - حسب توكفيل - إلى العوامل الجغرافية الملائمة (سعة الأرض وامتدادها وتنوع ولاياتها ومنظماتها) والعوامل الثقافية (دولة جمهورية ديمقراطية تؤمن بالحرية الدينية والسياسية والاقتصادية) والعوامل المؤسساتية (أهمية الإدارة اللامركزية في اتخاذ القرار ووجود الإدارة الفيدرالية)
وقد تمثل توكفيل على الصعيد المنهجي آليات البحث الميداني والاستعانة بالمقابلة الحية والمباشرة وملاحظة الظواهر الإدارية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية ملاحظة علمية منظمة ومحددة بدقة ساعد على ذلك الأسفار والرحلات والزيارات التي قام بها توكفيل إلى الولايات المتحدة علاوة على توظيف تقنية المعايشة المباشرة ومشاركة المواطنين الأمريكيين في حياتهم الإدارية والمجتمعية وتوثيق ذلك في كتبه التي خصصها للنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اعتمد توكفيل أيضا على الدراسة المقارنة بين النظامين الفرنسي والأمريكي وتمثل المنهج الفردي لفهم أفعال المجموعات انطلاقا من أفعال الفرد بتفسيرها وتأويلها مجتمعيا
وإذا كان توكفيل قد قارب الظواهر السياسية والإدارية دون أن يكون على وعي تام بالسوسيولوجيا الإدارية أو السياسية إلا أنه قدم لنا - فعلا- دراسات سوسيولوجية لمجموعة من القضايا الإدارية والسياسية والمجتمعية مثل: المواطنة والديمقراطية والحريات الفردية والجماعية والمجتمع المدني والمساواة والإدارة "
وما ذكره حمداوى عن علم توكفيل والديمقراطية الغربية إنما هو من قبيل الخبل الذى أشاعوه فى المجتمعات فكل الديمقراطيات تقوم على نسف المساواة " إنما المؤمنون اخوة" أو بألفاظ القوم فى الدساتير المواطنون سواء فى الحقوق والواجبات
تقوم النظرية على إسناد الحكم لمجموعة معينة من الشعب هى فى النهاية من تملك المال أو السلاح وهى نفس النظرية التى قامت عليها كل المجتمعات الكافرة من بداية البشرية الملأ أو النخبة أو الصفوة أو الساد والأكابر فى مقابل العبيد والضعاف والشعب والعامة وهو ما يتعارض مع أن الحكم فى الإسلام جماعى كما قال :
" وأمرهم شورى بينهم "
أى وحكمهم مشترك بينهم
وقال " وجعلكم ملوكا"
أى حكاما مع بعضكم البعض
وتحدث عن النظرية الثانية التى قادها ماكس فيبر فقال :
"الفرع الثاني: ماكس فيبر والإدارة البيروقراطية
يعد الفيلسوف الألماني ماكس فيبر من مؤسسي علم الإدارة الحديثة وقد تحدث كثيرا عن مجموعة من المفاهيم الإدارية والتنظيمية مثل: السلطة والشرعية والبيروقراطية والهرمية الإدارية ومبدأ الكفاءة ومن ثم فقد أدلى بتصورات مهمة حول التنظيم والمنظمات وبذلك " قدم فيبر أول تفسير منهجي لنشأة المنظمات الحديثة فهو يعتبرها سبيلا لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر ومستمر عبر الزمان والمكان وأكد فيبر أن نمو المنظمات يعتمد على السيطرة على المعلومات وشدد على الأهمية المركزية للكتابة في هذه العملية: فالمنظمة في رأيه تحتاج إلى تدوين القواعد والقوانين التي تستهدي بها لأداء عملها مثلما تحتاج إلى ملفات تختزل فيها ذاكرتها ورأى فيبر أن المنظمات تتميز بطبيعتها بنظام تراتبي ومراتبي في الوقت نفسه مع تركز السلطة في مستوياته العليا"
تعني كلمة البيروقراطية المكتب أو الموظفين الجالسين إلى مكاتبهم لتأدية خدمات عامة ولقد ظهرت البيروقراطية في القرن السابع عشر لتدل على المكاتب الحكومية وقد استعمل المصطلح من قبل الكاتب الفرنسي ديغورنيه سنة 1745 م الذي جمع بين مقطعين هما: بيرو الذي يعني المكتب وكراتيا الذي يعني الحكم وبعد ذلك أطلقت البيروقراطية على كل مرافق الدولة من مدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسسات رسمية كما تدل كلمة البيروقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسيادة وقد ظهرت البيروقراطية لتنظيم العمل وتسهيله والتحكم فيه برمجة وتخطيطا وتدبيرا وتوجيها وقيادة وإشرافا وتقويما والبيروقراطية نتاج للرأسمالية والعقلانية والحداثة الغربية ونتاج لتقسيم العمل وتنظيمه إداريا
ويمكن الحديث عن مواقف ثلاثة إزاء البيروقراطية:
(موقف سلبي: مفاده أن البيروقراطية تنظيم إداري روتيني ومعقد وبطيء في أداء الخدمات العامة؛ مما دفع بلزاك إلى القول بأن البيروقراطية هي" السلطة الكبرى التي يمارسها الأقزام"
(موقف إيجابي: ينظر إلى البيروقراطية نظرة متميزة على أساس أنها طريقة في تنظيم العمل وتدبيره وفق خطة عقلانية هادفة ومن ثم فهي نموذج للحرص والدقة والكفاءة والفعالية الإدارية مادام هناك احتكام إلى التعليمات والأوامر والإجراءات التنظيمية الصارمة
(موقف وسط واعتدال: ويمثله ماكس فيبر إذ ذكر للبيروقراطية إيجابياتها وسلبياتها في الوقت نفسه ويتخوف أن تحيد البيروقراطية عن أهدافها الحقيقية فتصبح أسلوبا لممارسة القوة والتسلط والرقابة
و اليوم ينظر كثير من الناس إلى البيروقراطية نظرة سلبية؛ لأنها تحيل على البطء والروتين والفساد الإداري وتعقيد الإجراءات الشكلية والمساطر الإدارية في حين يعتبرها ماكس فيبر أساس العقلانية والتقدم والازدهار الرأسمالي الحديث ..وعليه فقد وضع فيبر نموذجا " يحدد مفهوما مثاليا للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره وقد أصبح هذا النظام من أكثر الأنظمة الإدارية الشائعة بعد الثورة الصناعية فكان لابد من وجود نظام إداري يستطيع التعامل مع التوسع الهائل في الإنتاج الصناعي وما نجم عنه من تضخيم في المؤسسات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية وما رافق ذلك من تعقيد في الحياة البشرية وتبين أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع شخص واحد القيام بأعمال متعددة ومعقدة في آن واحد وهذا كان من المبررات التي دفعت فيبر إلى البحث عن تنظيم إداري قادر على ضبط ومراقبة المهمات الصناعية المختلفة فقام بتحديد المهام والأدوار والصلاحيات لكل شخص ضمن نظام هرمي بحيث يكون الفرد ضمن هذا التنظيم تابعا لرئيس واحد ويتبعه في الوقت نفسه مجموعة من المرؤوسين وحدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة"
ومن ثم تقوم البيروقراطية على العلاقات السلطوية واحترام مجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية والتنظيمية التي تتحكم في العمل ومراعاة السلم الإداري والأخذ بالتراتبية الإدارية الهرمية (الهيرارشية) من الرئيس إلى المرؤوس أو من القمة إلى القاعدة (البنية الطويلة أو السطحية) أو من المركز إلى غير المركز والاحتكام إلى الخبرة والكفاءة والاستحقاق دون اللجوء إلى العلاقات الإنسانية والشخصية أضف إلى ذلك الأخذ بالمستويات الإدارية (العليا والوسطى والدنيا) واحترام التسلسل الإداري وهذا كله من أجل خدمة المصلحة العامة وتجويد المنتج وتحسين الأداء وتنظيمه كما وكيفا ..وعليه يعد ماكس فيبر رائد الأسلوب البيروقراطي الحديث حيث ربطه بالسلطة العقلانية الشرعية المنظمة من جهة و الهيرارشية الهرمية من القمة إلى القاعدة من جهة أخرى؛ لما لها من فوائد عملية في رفع الإنتاج والمردودية الكمية والكيفية وتحقيق الفاعلية واحترام اللوائح القانونية والتنظيمية غير الخاضعة لمزاج الرئيس أو المدبر الإداري علاوة على وحدة الأمر ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي "
وذكر حمداوى أن النظام البيروقراطى ليس من اختراع فيبر بل هو اختراع بشرى قديم فنثل الحديث الآتى:
"ولا يعني هذا أن البيروقراطية مفهوم حديث العهد بل عرفته الشعوب القديمة كذلك وفي هذا الصدد يقول أنتوني جيدنز:" يعتقد فيبر أن بعض أنواع التنظيم البيروقراطي قد نشأت وتطورت في الحضارات التقليدية القديمة فالمسؤول البيروقراطي في الصين القديمة هو الذي كان يتولى مسؤولية إدارة شؤون الحكومة غير أن البيروقراطية لم تتطور وتكتمل إلا في العصور الحديثة باعتبارها تشكل المحور الرئيسي لترشيد وعقلنة المجتمع وقد ترك هذا الترشيد وتلك العقلنة آثارهما في جميع جوانب الحياة بما فيها العلوم والتربية والحكم وبدلا من أن يعتمد الناس على المعتقدات والعادات التقليدية التي درجوا عليها فقد بدأ الناس في العصور الحديثة يتخذون قرارات عقلانية تستهدف تحقيق أهداف وأغراض واضحة وراحوا يختارون السبل الأكثر كفاءة للوصول إلى نتائج محددة لأنشطتهم
لم يكن ثمة مناص في نظر فيبر من انتشار البيروقراطية في المجتمعات الحديثة فالسلطة البيروقراطية هي الأسلوب الوحيد للتعامل مع المتطلبات الإدارية والأنساق الاجتماعية ..ولتحديد البيروقراطية بشكل دقيق التجأ ماكس فيبر إلى رسم نموذج مثالي مجرد يحدد مواصفات البيروقراطية الأساسية والجوهرية ويستجلي سماتها ومكوناتها الشكلية في النقط التالية:
(توزيع السلطة في شكل تراتبية هرمية ومراتب واضحة ويعني هذا أن الإدارة عبارة عن شجرة بمجموعة من الفروع والمكاتب والرتب ومن ثم فهناك سلطة عليا تقوم بمهمة إصدار القرارات والأوامر من القمة العليا إلى القاعدة الدنيا وتكون تلك الأوامر عبارة عن مهام وأداءات ينبغي تنفيذها من قبل الذين يوجدون في الرتب الدنيا أو المكاتب الفرعية وبتعبير آخر هناك سلطة مركزية تصدر الأحكام والقرارات والأوامر والنواهي وتوزع الأعمال والمهام على المرؤوسين لتنفيذها بشكل تراتبي وهرمي
(خضوع الإدارة البيروقراطية للقوانين المكتوبة والتعليمات على جميع المستويات والأصعدة بمعنى أن الإدارة تلتزم وتتقيد بمجموعة من التشريعات والقوانين الداخلية أو الخارجية على مستوى التدبير والتسيير والقيادة والإشراف؛ مما يجعل هذه الإدارة تشتغل برتابة وروتين وبطء ويستلزم هذا نوعا من المرونة في التسيير والقيادة وإصدار القرارات المناسبة
(يعمل الموظفون في إطار البيروقراطية بدوام كامل مع تقاض أجر وتعويضات عن العمل ويعني هذا أن الموظف مرتبط بأوقات عمل محددة قانويا ثم يحصل على أجر مقابل ذلك العمل ويتحدد الأجر أو التعويضات حسب الأقدمية أو الكفاءة أوالاستحقاق
(الفصل التام بين عمل المسؤول وحياته خارجيا ويعني هذا أن المسؤول البيروقراطي يفصل بين العمل وحياته الشخصية فلا ينبغي أن يخلط بينهما
(إن الموظفين في التنظيمات البيروقراطية لايملكون الموارد المادية والمالية المتاحة بل يجدونها عند الدولة أو عند مالكي وسائل الإنتاج ويعني هذا أن" نمو البيرقراطية على ما يرى فيبر تفصل بين العاملين من جهة والسيطرة على وسائل الإنتاج ففي المجتمعات التقليدية يسيطر المزارعون والصناع في العادة على عمليات الإنتاج ويمتلكون الأدوات التي يستخدمونها أما في التنظيمات البيروقراطية فإن المواطنين لا يمتلكون المكاتب التي يعملون فيها ولا ما يستخدمونه من معدات وتجهيزات"
ومن هنا فالبيروقراطية أساس الحداثة المتقدمة وأساس الدولة المنظمة الراشدة التي تؤمن بالعقلانية ...بيد أن النظرية البيروقراطية قد تحد من الطاقات الإبداعية الموجودة لدى الموظفين وتجعلهم مثل روبوتات آلية تتحكم فيهم علاقات ميكانيكية من الأعلى نحو الأسفل كما أن العلاقات التي تجمع بين أعضاء التنظيم هي علاقات رسمية وإدارية أكثر مما هي علاقات إنسانية ويعني هذا أن أسلوب البيروقراطية لايراعي الجوانب النفسية والإنسانية لدى الموظف كما تغيب روح المبادرة في هذا التصور الإداري فمن الأفضل تطبيق المقاربة التشاركية وتحفيز الموظف ماديا ومعنويا ثم ترقيته على أساس المبادرة والقدرات الكفائية ومراعاة العلاقات الإنسانية التي تتحكم في العمل الإداري ويمكن أن ينتج عن تعدد المكاتب واللجان الإدارية تعقيد في المساطر الإدارية وتباطؤ في تنفيذها في حين تطالب الإدارة بالمرونة واليسر لمنافسة الإدارات الأخرى ولاسيما الإدارة ذات التوجه الخصوصي وفي هذا الصدد يقول أنتوني غيدنز:" إن فيبر في تحليله للبيروقراطية قد أولى اهتمامه الرئيسي للعلاقات الرسمية التي تحددها القواعد والأنظمة الداخلية في المؤسسة غير أنه لم يتحدث عن الروابط الشخصية والعلاقات التي تدور في نطاق ضيق بين الجماعات في جميع المنظمات ...
ومن جهة أخرى يرى روبرت ميرتون أن البيروقراطية أسلوب إداري رتيب ومعيق للتطور والمنافسة والتقدم في العمل على أساس أن هذا الأسلوب يلحق الضرر بالمؤسسة عاجلا أو آجلا وفي هذا يقول أنتوتي غيدنز:" ووضع عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ميرتون دراسة موسعة عن النموذج المثال الذي طرحه فيبر عن المنظمة البيروقراطية وبين هذا الباحث وهو من كبار الباحثين في المدرسة الوظيفية أن البيروقراطية تنطوي على كثير من جوانب القصور والعناصر التي قد تفضي إلى إلحاق الضرر حتى في نشاط المؤسسة نفسها ومن مآخذ ميرتون على البيروقراطية أن موظفيها البيروقراطيين يدربون على الالتزام المتشدد بالقواعد والإجراءات المكتوبة التي لا تترك لهم مجالا للمرونة في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات أو السعي إلى حلول وإجابات مبتكرة لمعالجة القضايا والمشكلات ...
ويرى مشيل فوكو أن البيروقراطية تعني السيطرة على الزمان والمكان وبالتالي فهي أداة لمراقبة الأجساد والتنصت عليها بمختلف الوسائل والأجهزة ولا يتعلق هذا بالدول المستبدة فحسب بل يتعدى ذلك إلى الدول الديمقراطية ككندا مثلا ويرى فوكو الإدارة رمزا للقوة والسلطة والتراتبية الاجتماعية" فالمكاتب والرتب التي وصفها فيبر بصورة مجردة تتخذ هنا أشكالا معمارية بل إن المباني التي تضم الشركات الكبرى تنظم بصورة عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق العلوية مخصصة لذوي السلطة والقوة الأعلى في المنظمة وكلما اقترب مكتب الموظف من قمة المبنى ازدادت دلائل اقترابه من عملها ولاسيما في الحالات التي يعتمد فيها النسق التنظيمي على العلاقات غير الرسمية إن القرب الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين الجماعات الأولية بينما يؤدي البعد المادي إلى استقطاب المجموعات ووضع خطوط فاصلة بين " هم" و" نحن" كما يؤدي إلى التباعد بين دوائر المؤسسة وأقسامها لا تستطيع المنظمات أن تعمل بكفاءة إذا كانت أنشطة العاملين فيها متداخلة على نحو عشوائي ففي الشركات التجارية كما أوضح فيبر تتوقع من الناس أن يعملوا ساعات منتظمة كما ينبغي التنسيق بين الأنشطة من الوجهتين الزمانية والمكانية وذلك ما يتحقق إلى حد بعيد عن طريق التقسيم المادي لأماكن العمل من جهة وتنظيم الجداول الزمنية لأداء المهمات ومن شأن ذلك كما يرى فوكو توزيع الأجسام؛ أي الناس بطريقة تجتمع فيها الكفاءة والفعالية وبغير هذه الترتيبات تدخل الأنشطة الإنسانية حالة من الفوضى المطبقة إن ترتيبات الغرف والقاعات والفضاءات المفتوحة في المبنى الذي تشغله المنظمة تعطينا مؤشرات أساسية عن الأسلوب الذي يعمل به نظام السلطة والقوة "
وإذا كان الأسلوب البيروقراطي يتسم بالاستخدام السيء لمعيار التخصص؛ والاستخدام السيء للإجراءات الروتينية؛ والاستخدام الخاطئ للتسلسل الرئاسي؛ والاستخدام الحرفي للأنظمة والالتزام الجامد باللوائح والتعليمات فإن البيروقراطية الفيبيرية تتميز بمجموعة من المواصفات والمقومات الأساسية مثل: العقلانية والعمل الهادف والتخصص والتراتبية والتسلسل الإداري والمراقبة والكفاءة والتحفيز وتنظيم العمل واتباع الرسميات والتأثير القانوني ووحدة السلطة والقرار (وحدة الأمر) والسلطة المركزية ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي
وعليه يعد ماكس فيبر من أهم ممثلي المدرسة الكلاسيكية في مجال التدبير وخاصة ذلك الاتجاه الذي ركز على السلطة في مجال الإدارة والاقتصاد وتبيان أشكال تنظيمها إلى جانب ميشيل كروزيي بيد أن ماكس فيبر تميز بتقسيم السلطة إلى أنواع ثلاثة: السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول الآسرة التي تجعل الآخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛ والسلطة التقليدية القائمة على الأعراف والتقاليد والوراثة؛ والسلطة الوظيفية الرسمية (البيروقراطية)"
ومن الحديث الكثير فى وصغ البيروقراطية ومعايبها ومميزاتها نجد أنها تتعارض مع التشريع الإلهى فمثلا من حق الجندى أن يخالف قائده أو أن يخالف المرءوس رئيسه إن رأى مصلحة أعظم للمسلمين وهو ما يظهر من خلال ترك الهدهد لمكانه وذهابه للاستطلاع فى أرض العدو ومجيئه بمعلومات هامة وفى هذا قال تعالى:
"وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لا أذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين"
كما يظهر من خلال مخالفة هارون(ص) لأمر موسى(ص) كما قال تعالى :
"قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى"
ومن ثم لا وجود لما يسمى بالتسلسل الهرمى ولا التسلسل الوظيفى حسب نظرية البيروقراطية فالكل محكوم بالشرع يعود إليه فمن حق المرءوسين عقاب رئيسهم بابلاغ القضاء عنه إذا خالف الشرع بالاحتكام لكتاب الله كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول"
أو بعقابه إذا فسد القضاء كما قال تعالى :
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وتعرض لنظرية روشى فقال :
"الفرع الثالث: غوي روشي والإدارة المعاصرة
يعد الباحث الكندي غوي روشي من أهم علماء الاجتماع الذين تعاملوا مع الظواهر الإدارية ووقائعها في ضوء مقترب سوسيولوجي بتقديم مجموعة من الملاحظات العلمية والتجريبية حول وظائف الإدارة العمومية والبيروقراطية الإدارية ومشاكل تطبيق السلطة السياسية
وقد بين الباحث أن الإدارة في الدولة المعاصرة لها حياة مجتمعية وقضائية داخلية متميزة ذات طابع بيروقراطي هرمي أو هيرارشي وينتج عن ذلك صراعات سياسية وإدارية لها علاقة وثيقة بالسلطة والنفوذ من جهة وأخذ القرارات السياسية والإدارية من جهة أخرى..
وثمة كتابات غربية أخرى اهتمت بشكل من الأشكال بالإدارة العمومية تحمل في طياتها مضامين إدارية سوسيولوجية وهي كتابات بيتا شريف وكتابات ميشيل كروزيي ورالف ميليباند وإيزرا سليمان وجون بورتر وروبرت بريستوس وباتريس جاران وإدوارد كلوتيي ودانييل لاتوش وغيرها من الكتابات المهمة التي ركزت على البيروقراطية الإدارية والنخبة الإدارية والخدمات الإدارية والإدارة في المجتمع الرأسمالي
وعليه فقد توقف غوي روشي عند التدبير الإداري وتبيان دور الموظفين في ذلك وذكر ما ينتظره المواطنون من هؤلاء الموظفين الإداريين على الرغم من كون هؤلاء الإداريين لا يملكون الحق في كثير من الأحيان في استصدار القرارات الإدارية والسياسية لذا يطرح هذا الواقع قضايا من نوع تخليق الإدارة والجودة والإتقان والكفاءة والمعاملة الحسنة مع المواطنين وخدمة المصلحة العامة بدل تحقيق المصالح الشخصية والتحكم الجيد في ميزانية الإدارة وترشيد مواردها المادية والمالية
ويلاحظ كذلك أن الإدارة العمومية قد تتكون من موظفين متخصصين في مجال الإدارة وموظفين غير متخصصين في هذا المجال ونخبة سياسية منتخبة تشرف على تسيير الإدارة وتدبيرها
وهناك إشكالية أخرى في مجال التسيير الإداري فهناك تسير إداري محلي وجهوي ومركزي بمعنى أن ثمة علاقة بين الموظف الإداري والحكومة التنفيذية تتم إما في إطار السياسة المركزية وإما في إطار السياسة اللامركزية أو سياسة اللاتركيز
ويلاحظ غوي روشي أن الإدارة ليست خاضعة دائما للتنظيم العقلاني كما يرى ماكس فيبر بل قد تتضمن بعض الملامح من المجتمع الإقطاعي ولاسيما في المجتمعات غير الديمقراطية ويلاحظ كذلك أن علاقة الموظف الأدنى بالموظف الأعلى خاضعة لعلاقة الهيمنة والخضوع والتبعية بمعنى أن المدير أو الموظف الكبير يتحكم في الموظف الصغير ومن ثم يؤثر نجاح الرئيس أو فشله في وضعية الموظف الصغير سلبا أو إيجابيا
أضف إلى ذلك أن كثيرا من الموظفين لا يستطيعون أن يصلوا إلى مناصب عليا أو مناصب القوة والنفوذ والقرارات السياسية والإدارية على الرغم من امتلاكهم للشهادات والدبلومات العالية وتوفرهم على الكفاءات العليا باستثناء الذين يتقربون من رؤسائهم بالولاء والحسب والنسب والمصاهرة والخضوع الأعمى فما يمكن أن يصلوا إليه سوى الظفر بالمناصب المتوسطة أو القريبة من المناصب العليا ويعني هذا كله غياب الديمقراطية الحقيقية في الإدارة العمومية وخضوعها للهيرارشية الإقطاعية والمزاجية والسياسية والحزبية
ويرى جيري جاكوب أن النموذج الويبري أو النمط المثالي للبيروقراطية عند ماكس ويبر مجرد نموذج خيالي ورمزي أما في الواقع الإداري فالبيروقراطية المثالية تتحول إلى فيودالية إقطاعية خاضعة للأهواء والولاءات والأمزجة والمصالح الشخصية والضغوطات السياسية والحزبية والنقابية ليس إلا
والدليل على فيودالية الإدارة تقسيمها إلى إدارات مركزية وغير مركزية من جهة أولى ووجود الدواوين والمفتشيات والكتابات العامة والمديريات والأقسام والمصالح والمكاتب
من جهة ثانية وتنظيم الإدارة الترابية إلى إدارة مركزية وجهوية ومحلية من جهة ثالثة وتقسيم الإدارة المحلية إلى مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة
وينتج عن هذا التقسيم الإداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية وتضارب للمنافع والمصالح واختلاف المنطلقات السياسية والإيديولوجية ويعني هذا وجود صراعات ترابية وإدارية وتدبيرية داخلية وخارجية ومن ثم يقوم كل وزير بإدخال تغييرات جزئية أو كلية على إدارته ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته الحزبية أو السياسية أو الإدارية وقد يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إلى إدارات حكومية أخرى فقد يتدخل الوزير الأول في إدارة وزير الوظيفة العمومية فيفرض عليه مجموعة من القرارات لتنفيذها إداريا
وعليه تخضع الإدارة لمنطق الصراع والتنافس والاختلاف والتفاوت الهيرارشي وقد يكون الصراع بين الموظفين الإداريين أنفسهم أفقيا وعموديا أو قد يكون بين الموظفين ورؤساء الإدارة أو بين الموظفين والوزارة المعنية وقد يكون الصراع بين النظامين الإداريين: البيروقراطي العقلاني والإقطاعي الروتيني وقد يكون الصراع إيجابيا ومثمرا لصالح الإدارة وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم الإدارة وتطورها
أما فيما يخص السلطة الإدارية يلاحظ أن الدول الليبرالية المتقدمة لا تعطي للإدارة الحرية التامة لتقوم بكل شيء فسلطتها مقننة بقوانين وتشريعات قضائية ودستورية بل يمكن محاسبة هذه الإدارة ومحاكمتها قضائيا في المحاكم الإدارية أي: لا يمكن للدولة أو الإدارة العمومية أن توظف سلطتها بشكل غير مسؤول وإلا اعتبر ذلك شططا أو سوء استخدام للقوة الإدارية ومن هنا يمكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى لمقاضاتها بهدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه أو تغيير وضعيته المادية أو المالية أو المعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان الخاصة والعامة
أما الدولة الاشتراكية فالإدارة العامة هي التي تتحكم في الوظيفة العمومية ومرافقها من جهة وتتحكم أيضا في مصير الموظفين من جهة أخرى كما هو حال الإدارة في الاتحاد السوفياتي سابقا والصين الاشتراكية وكمبوديا والفيتنام ومن ثم تتحول الإدارة الاشتراكية - حسب لوي ألتوسير وبولانتزاس إلى وسيلة إيديولوجية لاستيلاب الناس وتخديرهم وتكليسهم إلى جانب الآليات الأخرى مثل: التعليم والإعلام والدين والتربية والجيش
ومن ناحية أخرى يرى غوي روشي أن للدولة المعاصرة حدودا داخلية وخارجية تتحكم فيها على الصعيد الإداري لا يمكن تخطيها أو تجاوزها أو إهمالها مثل: الضغوط الخارجية وضغوط المعارضة وضغوط الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والنخب بمختلف أطيافها
ويبدو أن الدولة الليبرالية المعاصرة تعرف جدلا صاخبا على مستوى الإداري والسياسي وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ والمنافع والمصالح باختلاف الرؤى الحزبية والإيديولوجية ومن ثم تميل الإدارة المعاصرة إلى ترشيد النفقات والاحتكام إلى جودة الخدمات والإتقان في العمل والتسريع في تنفيذ الأعمال والمأموريات الإدارية والتحكم في المصاريف والتقليل من الموارد البشرية والتكيف مع الظروف الإدارية والتأقلم معها حسب الإمكانيات المتاحة وهذا ما يسمى أيضا بالحكامة الجيدة
ومن هنا تقوم الإدارة بوضع برامج تنموية مستدامة وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها إلى مكاتب وشركات خاصة وتسطير مشاريع هادفة في مجالات مختلفة ومتنوعة: التعليم والصحة والسكن والاقتصاد والإدارة والرياضة والسياحة والثقافة والبحث عن الكفاءات والموارد المادية والمالية والمعنوية والاقتصاد في النفقات والدخول في شراكات داخلية وخارجية وتحفيز الموظفين ماديا وماليا ومعنويا وخدمة المواطنين بشكل إيجابي بتوظيف المستجدات التقنية والرقمية ولن يتحقق هذا - فعلا- إلا بالمقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة والمقاربة الإبداعية
ومن جهة أخرى يمكن الحديث ضمن سياق الدول والحكومات المعاصرة عن إدارتين متناقضتين: إدارة محافظة تكره التغيير والتجديد والإبداع وتحتكم إلى القواعد البيروقراطية الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن بالابتكار والتجديد والإبداع والتطوير وتأخذ بالمقاربة البيروقراطية العقلانية والمنظمة"
ومما سبق من القول نجد أن القوم جعلوا كل النظريات أو الأنظمة تصب فى شىء واحد وهو :
انتهاء كل الأنظمة إلى وجود قادة وأتباع أى أكابر وأصاغر أى ناس يشرعون وينفذون وناس تطبق عليهم التشريعات يستوى فى ذبك ما يسمونه دول الحرية ودول الاشتراكية أو الشيوعية فبدلا من أغنياء الحرية يوجد أعضاء الحزب الشيوعى أو الاشتراكى
وهو النظام الذى جاء من أجل هدمه الرسل (ص) فعندما يكون هناك رئيس ومرءوس أو كبير وصغير أو تابع ومتبوع فالكفر متواجد وحقوق العباد تكون منهوبة بواسطة التشريعات البشرية
وفى نهاية البحث أشار حمداوى إلى تعدد أنواع الإدارات فقال :
"وفي الأخير يمكن الحديث عن أنواع عدة من الإدارة المعاصرة كالإدارة الحكومية (الإدارة الوزارية) والإدارة البرلمانية والإدارة الحزبية والإدارة النقابية والإدارة المركزية والإدارة الجهوية والإدارة الإقليمية والإدارة الحضرية والإدارة القروية والإدارة الجماعاتية "
ومن ثم فالكل ما زال يحور ويدور فى فلك واحد وهو النظام الكافر القائم على وجود صفوة أو نخبة تحكم وشعب أو عامة هم من تحكمهم الصفوة والتى تسمى بأسماء مختلفة فهم الأشراف الذى لا يطبق عليهم القانون بينما الضعاف هم من يطبق عليهم وتلك النظريات والأبحاث كفتنا إياها الأمثال الشعبية التى لخصت تلك السياسات فى أقوال مثل :
يا بخت من كان النقيب خاله
الذى له ظهر لا يضرب على بطنه
المؤلف جميل حمداوي وهذا العلم المزعوم يقوم مقام ما أنزله الله من نصوص فى تنظيم مؤسسات الدولة وكيفية تسييرها وقد تخلى حكام بلادنا منذ القديم عن حكم الله واجتمعوا على التراتيب البشرية سواء كانت من اختراعهم أو اختراعه غيرهم وهو وضع كل الدول الحالية فى العالم والتى تخلت تماما عن دين الله
فى مقدمته تحدث حمداوى عن كون هذا العلم فره من فروه علم الاجتماع العام وهو علم بشرى الغرض منه أن يحل محل الله كمشرع ومنظم وفى هذا قال :
"المقدمة:
يعد علم الاجتماع الإداري فرعا من فروع علم الاجتماع العام ويدرس الأنظمة الإدارية التي ترتكز عليها الدولة أو الحكومة أو السلطة التنفيذية أو الوظيفة العمومية في أداء خدماتها ومشاريعها وإنجازاتها وممارسة سلطتها المرفقية وإصدار القرارات الخاصة بكل واقعة إدارية على حدة "
وحاول تعريف العلم فقال :
المطلب الأول: مفهوم علم الاجتماع الإداري
يقصد بعلم الاجتماع الإداري دراسة الإدارة العمومية في ضوء رؤية سوسيولوجية بالتركيز على بنية الإدارة واختصاصاتها ووظائفها ودورها في المجتمع من جهة أولى ودراسة الموظفين في علاقتهم بالإدارة والمجتمع من جهة ثانية ودراسة السلطة والقوة الإدارية من جهة ثالثة ويعني هذا أن علم الاجتماع الإداري يهتم بالوظيفة العمومية والقرارات السياسية والإدارية "
وبألفاظ أخرى تنظيم مؤسسات الدولة وتحديد مهام موظفيها وكيفية سير العمل فيها
وتعرض لمنهجية هذا العلم فذكر اختلاف المنهجيات فقال :
"المطلب الثاني: منهجية علم الاجتماع الإداري
يعتمد علم الاجتماع الإداري على ملاحظة الظواهر الإدارية التي لها طابع اجتماعي أو لها علاقة بالمجتمع من حيث التأثير والتأثر وبعد ذلك تأتي عملية جميع المعطيات والبيانات والوقائع حول الظاهرة الإدارية وتصنيفها ونمذجتها وفق حقائق ومؤشرات ومنهجيات معينة ...من هنا يمكن اتباع منهجية كمية قائمة على الإحصاء والرياضيات أو منهجية كيفية قائمة على المقابلة ودراسة الحالة ودراسة المضمون والمعايشة والملاحظة الميدانية المباشرة
ومن ناحية أخرى يمكن الاستعانة بالخطوات المنهجية المعروفة في علم الاجتماع مثل: الفهم الداخلي للظاهرة ..ثم تفسيرها تفسيرا سببيا أو عليا بإرجاعها إلى عوامل داخلية أو خارجية ثم تأويلها تأويلا ذاتيا أو مرجعيا أو إيديولوجيا
وعليه يتخذ علم الاجتماع الإداري طابعا نظريا أو طابعا تطبيقيا فيما يتعلق بالظواهر المتعلقة بأخذ القرار السياسي في مجال الإدارة ودراسة حياة الوظيفة العمومية"
ومن ثم لا يوجد منهج محدد فى بيان الطواهر الادارية لأن الهدف ليس واضحا فى ظل التشريع البشرى وأما الهدف فى التشريع الإلحى فهو تحقيق العدالة
وتحدث عن نظريات علم الاجتماع الإداري فقال :
"المطلب الثالث: تصورات نظرية حول علم الاجتماع الإداري
ثمة مجموعة من التصورات السوسيولوجية حول الإدارة يمكن التوقف عند بعضها على النحو التالي:
الفرع الأول: ألكسيس توكفيل والإدارة الديمقراطية
يعد الفرنسي ألكسيس توكفيل (1805 - 1859 م) رائدا من رواد سوسيولوجيا الإدارة حسب رايمون بودون ورايمون آرون وغوي روشي وأكثر من هذا فهو كاتب ومؤرخ ورجل سياسية وفيلسوف سياسي وقد اهتم بتحليل الثورة الفرنسية ودراسة الديمقراطية الأمريكية والتركيز على تطور الديمقراطيات الغربية بصفة عامة وعليه يشيد توكفيل بالنموذج الديمقراطي الأمريكي القائم على الحرية والمساواة والاقتصاد الليبرالي الحر؛ نظرا لوجود ظروف جغرافية وبشرية جيدة وقوانين مناسبة وملائمة للحياة الفردية والجماعية وعقلية اجتماعية ودينية متميزة علاوة على وجود إدارة مؤسساتية فيدرالية أساسها اللامركزية واللاتركيز وقد نتج عن هذا وجود إدارات محلية فرعية في كل ولاية تعنى بالشؤون المحلية للمواطنين في أحسن الظروف الممكنة
كما يتميز الدستور بفصل السلط (التنفيذية والتشريعية والقضائية) والحد من سلطات الرئيس وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد والإدارة ووجود أحزاب سياسية حرة تتناوب على السلطة بطريقة ديمقراطية مدافعة عن إيديولوجيا براجماتية تخدم مصالح الشعب أو الأغلبية وثمة احترام كبير للقوانين الفيدرالية والولائية والمحلية ويعني هذا حرية الإدارة واحترام قوانين الوظيفة العمومية وتشريعاتها
ومن جهة أخرى يرى توكفيل أن الديمقراطية الفرنسية دون مستوى الديمقراطية الأمريكية لغياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام المساواة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ووجود إدارة مركزية محافظة لا تساير المجتمع الديمقراطي الذي كان في فترة توكفيل ينبني على قيم البورجوازية وبناء المصانع وتشغيل العمال ويعني هذا غياب القوانين التي تنسجم مع النهج الليبرالي الديمقراطي المجتمعي الذي نهجته البورجوازية الفرنسية على الرغم من مواطن ضعفها ويعني هذا وجود إدارة محافظة ومجتمع بورجوازي متقدم إذا هناك مفارقة صارخة وحادة وشائكة على المستوى الإداري
وبناء على ما سبق أشاد ألكسيس توكفيل بالإدارة الديمقراطية الأمريكية القائمة على الحرية والمساواة والعدالة والإنصاف وتطبيق اللامركزية واحترام الدستور والقوانين والفصل بين السلط والإيمان بحرية الإعلام والحد من شطط السلطة الإدارية وحق المواطن أو الموظف في مقاضاتها في حالة المخالفة أو استعمال العنف الرمزي لذلك تعتبر الديمقراطية الأمريكية أفضل نموذج يمثل الديمقراطية الحقيقية في العالم في تلك الفترة التي يتحدث فيها توكفيل والسبب في ذلك أنها في خدمة جميع المواطنين بدون استثناء فضلا عن كونها مرتبطة بالحرية ارتباطا وثيقا مع غياب لكل الحواجز والعراقيل الإدارية والبيروقراطية الجامدة؛ مما جعل المجتمع الأمريكي يتغير ويتحرك بسرعة فضلا عن سعي الدولة دائما إلى تحسين مستوى معيشة السكان بشكل جيد
وعلى الرغم من ذلك انتقد توكفيل النظام الأمريكي بشكل موضوعي فحصر سلبياته في المبالغة في الفردانية التي قد تسبب مشاكل خطيرة تهدد توازن المجتمع وتماسكه وانسجامه ثم المبالغة في الحرية التي قد تدفع الفرد إلى انتهاك القيم والقواعد والاخلاق بدون حسيب ولا رقيب لذا لابد من وضع القواعد الرادعة التي تتحكم في توجيه الحياة الاجتماعية والالتزام بالتنظيم الاجتماعي ناهيك عن كون هذه الديمقراطية الأمريكية التمثيلية خاضعة للنخب السياسية والعسكرية والاقتصادية زد على ذلك أن الأغلبية هي التي تتحكم في القرار السياسي أو الإداري وتسيير قواعد الدولة الديمقراطية بمعنى أن الرأي العام هو الذي يوجه الحياة السياسية والإدارية الأمريكية
وعلى العموم تعود أسباب نجاح الديمقراطية الأمريكية - حسب توكفيل - إلى العوامل الجغرافية الملائمة (سعة الأرض وامتدادها وتنوع ولاياتها ومنظماتها) والعوامل الثقافية (دولة جمهورية ديمقراطية تؤمن بالحرية الدينية والسياسية والاقتصادية) والعوامل المؤسساتية (أهمية الإدارة اللامركزية في اتخاذ القرار ووجود الإدارة الفيدرالية)
وقد تمثل توكفيل على الصعيد المنهجي آليات البحث الميداني والاستعانة بالمقابلة الحية والمباشرة وملاحظة الظواهر الإدارية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية ملاحظة علمية منظمة ومحددة بدقة ساعد على ذلك الأسفار والرحلات والزيارات التي قام بها توكفيل إلى الولايات المتحدة علاوة على توظيف تقنية المعايشة المباشرة ومشاركة المواطنين الأمريكيين في حياتهم الإدارية والمجتمعية وتوثيق ذلك في كتبه التي خصصها للنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اعتمد توكفيل أيضا على الدراسة المقارنة بين النظامين الفرنسي والأمريكي وتمثل المنهج الفردي لفهم أفعال المجموعات انطلاقا من أفعال الفرد بتفسيرها وتأويلها مجتمعيا
وإذا كان توكفيل قد قارب الظواهر السياسية والإدارية دون أن يكون على وعي تام بالسوسيولوجيا الإدارية أو السياسية إلا أنه قدم لنا - فعلا- دراسات سوسيولوجية لمجموعة من القضايا الإدارية والسياسية والمجتمعية مثل: المواطنة والديمقراطية والحريات الفردية والجماعية والمجتمع المدني والمساواة والإدارة "
وما ذكره حمداوى عن علم توكفيل والديمقراطية الغربية إنما هو من قبيل الخبل الذى أشاعوه فى المجتمعات فكل الديمقراطيات تقوم على نسف المساواة " إنما المؤمنون اخوة" أو بألفاظ القوم فى الدساتير المواطنون سواء فى الحقوق والواجبات
تقوم النظرية على إسناد الحكم لمجموعة معينة من الشعب هى فى النهاية من تملك المال أو السلاح وهى نفس النظرية التى قامت عليها كل المجتمعات الكافرة من بداية البشرية الملأ أو النخبة أو الصفوة أو الساد والأكابر فى مقابل العبيد والضعاف والشعب والعامة وهو ما يتعارض مع أن الحكم فى الإسلام جماعى كما قال :
" وأمرهم شورى بينهم "
أى وحكمهم مشترك بينهم
وقال " وجعلكم ملوكا"
أى حكاما مع بعضكم البعض
وتحدث عن النظرية الثانية التى قادها ماكس فيبر فقال :
"الفرع الثاني: ماكس فيبر والإدارة البيروقراطية
يعد الفيلسوف الألماني ماكس فيبر من مؤسسي علم الإدارة الحديثة وقد تحدث كثيرا عن مجموعة من المفاهيم الإدارية والتنظيمية مثل: السلطة والشرعية والبيروقراطية والهرمية الإدارية ومبدأ الكفاءة ومن ثم فقد أدلى بتصورات مهمة حول التنظيم والمنظمات وبذلك " قدم فيبر أول تفسير منهجي لنشأة المنظمات الحديثة فهو يعتبرها سبيلا لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر ومستمر عبر الزمان والمكان وأكد فيبر أن نمو المنظمات يعتمد على السيطرة على المعلومات وشدد على الأهمية المركزية للكتابة في هذه العملية: فالمنظمة في رأيه تحتاج إلى تدوين القواعد والقوانين التي تستهدي بها لأداء عملها مثلما تحتاج إلى ملفات تختزل فيها ذاكرتها ورأى فيبر أن المنظمات تتميز بطبيعتها بنظام تراتبي ومراتبي في الوقت نفسه مع تركز السلطة في مستوياته العليا"
تعني كلمة البيروقراطية المكتب أو الموظفين الجالسين إلى مكاتبهم لتأدية خدمات عامة ولقد ظهرت البيروقراطية في القرن السابع عشر لتدل على المكاتب الحكومية وقد استعمل المصطلح من قبل الكاتب الفرنسي ديغورنيه سنة 1745 م الذي جمع بين مقطعين هما: بيرو الذي يعني المكتب وكراتيا الذي يعني الحكم وبعد ذلك أطلقت البيروقراطية على كل مرافق الدولة من مدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسسات رسمية كما تدل كلمة البيروقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسيادة وقد ظهرت البيروقراطية لتنظيم العمل وتسهيله والتحكم فيه برمجة وتخطيطا وتدبيرا وتوجيها وقيادة وإشرافا وتقويما والبيروقراطية نتاج للرأسمالية والعقلانية والحداثة الغربية ونتاج لتقسيم العمل وتنظيمه إداريا
ويمكن الحديث عن مواقف ثلاثة إزاء البيروقراطية:
(موقف سلبي: مفاده أن البيروقراطية تنظيم إداري روتيني ومعقد وبطيء في أداء الخدمات العامة؛ مما دفع بلزاك إلى القول بأن البيروقراطية هي" السلطة الكبرى التي يمارسها الأقزام"
(موقف إيجابي: ينظر إلى البيروقراطية نظرة متميزة على أساس أنها طريقة في تنظيم العمل وتدبيره وفق خطة عقلانية هادفة ومن ثم فهي نموذج للحرص والدقة والكفاءة والفعالية الإدارية مادام هناك احتكام إلى التعليمات والأوامر والإجراءات التنظيمية الصارمة
(موقف وسط واعتدال: ويمثله ماكس فيبر إذ ذكر للبيروقراطية إيجابياتها وسلبياتها في الوقت نفسه ويتخوف أن تحيد البيروقراطية عن أهدافها الحقيقية فتصبح أسلوبا لممارسة القوة والتسلط والرقابة
و اليوم ينظر كثير من الناس إلى البيروقراطية نظرة سلبية؛ لأنها تحيل على البطء والروتين والفساد الإداري وتعقيد الإجراءات الشكلية والمساطر الإدارية في حين يعتبرها ماكس فيبر أساس العقلانية والتقدم والازدهار الرأسمالي الحديث ..وعليه فقد وضع فيبر نموذجا " يحدد مفهوما مثاليا للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره وقد أصبح هذا النظام من أكثر الأنظمة الإدارية الشائعة بعد الثورة الصناعية فكان لابد من وجود نظام إداري يستطيع التعامل مع التوسع الهائل في الإنتاج الصناعي وما نجم عنه من تضخيم في المؤسسات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية وما رافق ذلك من تعقيد في الحياة البشرية وتبين أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع شخص واحد القيام بأعمال متعددة ومعقدة في آن واحد وهذا كان من المبررات التي دفعت فيبر إلى البحث عن تنظيم إداري قادر على ضبط ومراقبة المهمات الصناعية المختلفة فقام بتحديد المهام والأدوار والصلاحيات لكل شخص ضمن نظام هرمي بحيث يكون الفرد ضمن هذا التنظيم تابعا لرئيس واحد ويتبعه في الوقت نفسه مجموعة من المرؤوسين وحدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة"
ومن ثم تقوم البيروقراطية على العلاقات السلطوية واحترام مجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية والتنظيمية التي تتحكم في العمل ومراعاة السلم الإداري والأخذ بالتراتبية الإدارية الهرمية (الهيرارشية) من الرئيس إلى المرؤوس أو من القمة إلى القاعدة (البنية الطويلة أو السطحية) أو من المركز إلى غير المركز والاحتكام إلى الخبرة والكفاءة والاستحقاق دون اللجوء إلى العلاقات الإنسانية والشخصية أضف إلى ذلك الأخذ بالمستويات الإدارية (العليا والوسطى والدنيا) واحترام التسلسل الإداري وهذا كله من أجل خدمة المصلحة العامة وتجويد المنتج وتحسين الأداء وتنظيمه كما وكيفا ..وعليه يعد ماكس فيبر رائد الأسلوب البيروقراطي الحديث حيث ربطه بالسلطة العقلانية الشرعية المنظمة من جهة و الهيرارشية الهرمية من القمة إلى القاعدة من جهة أخرى؛ لما لها من فوائد عملية في رفع الإنتاج والمردودية الكمية والكيفية وتحقيق الفاعلية واحترام اللوائح القانونية والتنظيمية غير الخاضعة لمزاج الرئيس أو المدبر الإداري علاوة على وحدة الأمر ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي "
وذكر حمداوى أن النظام البيروقراطى ليس من اختراع فيبر بل هو اختراع بشرى قديم فنثل الحديث الآتى:
"ولا يعني هذا أن البيروقراطية مفهوم حديث العهد بل عرفته الشعوب القديمة كذلك وفي هذا الصدد يقول أنتوني جيدنز:" يعتقد فيبر أن بعض أنواع التنظيم البيروقراطي قد نشأت وتطورت في الحضارات التقليدية القديمة فالمسؤول البيروقراطي في الصين القديمة هو الذي كان يتولى مسؤولية إدارة شؤون الحكومة غير أن البيروقراطية لم تتطور وتكتمل إلا في العصور الحديثة باعتبارها تشكل المحور الرئيسي لترشيد وعقلنة المجتمع وقد ترك هذا الترشيد وتلك العقلنة آثارهما في جميع جوانب الحياة بما فيها العلوم والتربية والحكم وبدلا من أن يعتمد الناس على المعتقدات والعادات التقليدية التي درجوا عليها فقد بدأ الناس في العصور الحديثة يتخذون قرارات عقلانية تستهدف تحقيق أهداف وأغراض واضحة وراحوا يختارون السبل الأكثر كفاءة للوصول إلى نتائج محددة لأنشطتهم
لم يكن ثمة مناص في نظر فيبر من انتشار البيروقراطية في المجتمعات الحديثة فالسلطة البيروقراطية هي الأسلوب الوحيد للتعامل مع المتطلبات الإدارية والأنساق الاجتماعية ..ولتحديد البيروقراطية بشكل دقيق التجأ ماكس فيبر إلى رسم نموذج مثالي مجرد يحدد مواصفات البيروقراطية الأساسية والجوهرية ويستجلي سماتها ومكوناتها الشكلية في النقط التالية:
(توزيع السلطة في شكل تراتبية هرمية ومراتب واضحة ويعني هذا أن الإدارة عبارة عن شجرة بمجموعة من الفروع والمكاتب والرتب ومن ثم فهناك سلطة عليا تقوم بمهمة إصدار القرارات والأوامر من القمة العليا إلى القاعدة الدنيا وتكون تلك الأوامر عبارة عن مهام وأداءات ينبغي تنفيذها من قبل الذين يوجدون في الرتب الدنيا أو المكاتب الفرعية وبتعبير آخر هناك سلطة مركزية تصدر الأحكام والقرارات والأوامر والنواهي وتوزع الأعمال والمهام على المرؤوسين لتنفيذها بشكل تراتبي وهرمي
(خضوع الإدارة البيروقراطية للقوانين المكتوبة والتعليمات على جميع المستويات والأصعدة بمعنى أن الإدارة تلتزم وتتقيد بمجموعة من التشريعات والقوانين الداخلية أو الخارجية على مستوى التدبير والتسيير والقيادة والإشراف؛ مما يجعل هذه الإدارة تشتغل برتابة وروتين وبطء ويستلزم هذا نوعا من المرونة في التسيير والقيادة وإصدار القرارات المناسبة
(يعمل الموظفون في إطار البيروقراطية بدوام كامل مع تقاض أجر وتعويضات عن العمل ويعني هذا أن الموظف مرتبط بأوقات عمل محددة قانويا ثم يحصل على أجر مقابل ذلك العمل ويتحدد الأجر أو التعويضات حسب الأقدمية أو الكفاءة أوالاستحقاق
(الفصل التام بين عمل المسؤول وحياته خارجيا ويعني هذا أن المسؤول البيروقراطي يفصل بين العمل وحياته الشخصية فلا ينبغي أن يخلط بينهما
(إن الموظفين في التنظيمات البيروقراطية لايملكون الموارد المادية والمالية المتاحة بل يجدونها عند الدولة أو عند مالكي وسائل الإنتاج ويعني هذا أن" نمو البيرقراطية على ما يرى فيبر تفصل بين العاملين من جهة والسيطرة على وسائل الإنتاج ففي المجتمعات التقليدية يسيطر المزارعون والصناع في العادة على عمليات الإنتاج ويمتلكون الأدوات التي يستخدمونها أما في التنظيمات البيروقراطية فإن المواطنين لا يمتلكون المكاتب التي يعملون فيها ولا ما يستخدمونه من معدات وتجهيزات"
ومن هنا فالبيروقراطية أساس الحداثة المتقدمة وأساس الدولة المنظمة الراشدة التي تؤمن بالعقلانية ...بيد أن النظرية البيروقراطية قد تحد من الطاقات الإبداعية الموجودة لدى الموظفين وتجعلهم مثل روبوتات آلية تتحكم فيهم علاقات ميكانيكية من الأعلى نحو الأسفل كما أن العلاقات التي تجمع بين أعضاء التنظيم هي علاقات رسمية وإدارية أكثر مما هي علاقات إنسانية ويعني هذا أن أسلوب البيروقراطية لايراعي الجوانب النفسية والإنسانية لدى الموظف كما تغيب روح المبادرة في هذا التصور الإداري فمن الأفضل تطبيق المقاربة التشاركية وتحفيز الموظف ماديا ومعنويا ثم ترقيته على أساس المبادرة والقدرات الكفائية ومراعاة العلاقات الإنسانية التي تتحكم في العمل الإداري ويمكن أن ينتج عن تعدد المكاتب واللجان الإدارية تعقيد في المساطر الإدارية وتباطؤ في تنفيذها في حين تطالب الإدارة بالمرونة واليسر لمنافسة الإدارات الأخرى ولاسيما الإدارة ذات التوجه الخصوصي وفي هذا الصدد يقول أنتوني غيدنز:" إن فيبر في تحليله للبيروقراطية قد أولى اهتمامه الرئيسي للعلاقات الرسمية التي تحددها القواعد والأنظمة الداخلية في المؤسسة غير أنه لم يتحدث عن الروابط الشخصية والعلاقات التي تدور في نطاق ضيق بين الجماعات في جميع المنظمات ...
ومن جهة أخرى يرى روبرت ميرتون أن البيروقراطية أسلوب إداري رتيب ومعيق للتطور والمنافسة والتقدم في العمل على أساس أن هذا الأسلوب يلحق الضرر بالمؤسسة عاجلا أو آجلا وفي هذا يقول أنتوتي غيدنز:" ووضع عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ميرتون دراسة موسعة عن النموذج المثال الذي طرحه فيبر عن المنظمة البيروقراطية وبين هذا الباحث وهو من كبار الباحثين في المدرسة الوظيفية أن البيروقراطية تنطوي على كثير من جوانب القصور والعناصر التي قد تفضي إلى إلحاق الضرر حتى في نشاط المؤسسة نفسها ومن مآخذ ميرتون على البيروقراطية أن موظفيها البيروقراطيين يدربون على الالتزام المتشدد بالقواعد والإجراءات المكتوبة التي لا تترك لهم مجالا للمرونة في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات أو السعي إلى حلول وإجابات مبتكرة لمعالجة القضايا والمشكلات ...
ويرى مشيل فوكو أن البيروقراطية تعني السيطرة على الزمان والمكان وبالتالي فهي أداة لمراقبة الأجساد والتنصت عليها بمختلف الوسائل والأجهزة ولا يتعلق هذا بالدول المستبدة فحسب بل يتعدى ذلك إلى الدول الديمقراطية ككندا مثلا ويرى فوكو الإدارة رمزا للقوة والسلطة والتراتبية الاجتماعية" فالمكاتب والرتب التي وصفها فيبر بصورة مجردة تتخذ هنا أشكالا معمارية بل إن المباني التي تضم الشركات الكبرى تنظم بصورة عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق العلوية مخصصة لذوي السلطة والقوة الأعلى في المنظمة وكلما اقترب مكتب الموظف من قمة المبنى ازدادت دلائل اقترابه من عملها ولاسيما في الحالات التي يعتمد فيها النسق التنظيمي على العلاقات غير الرسمية إن القرب الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين الجماعات الأولية بينما يؤدي البعد المادي إلى استقطاب المجموعات ووضع خطوط فاصلة بين " هم" و" نحن" كما يؤدي إلى التباعد بين دوائر المؤسسة وأقسامها لا تستطيع المنظمات أن تعمل بكفاءة إذا كانت أنشطة العاملين فيها متداخلة على نحو عشوائي ففي الشركات التجارية كما أوضح فيبر تتوقع من الناس أن يعملوا ساعات منتظمة كما ينبغي التنسيق بين الأنشطة من الوجهتين الزمانية والمكانية وذلك ما يتحقق إلى حد بعيد عن طريق التقسيم المادي لأماكن العمل من جهة وتنظيم الجداول الزمنية لأداء المهمات ومن شأن ذلك كما يرى فوكو توزيع الأجسام؛ أي الناس بطريقة تجتمع فيها الكفاءة والفعالية وبغير هذه الترتيبات تدخل الأنشطة الإنسانية حالة من الفوضى المطبقة إن ترتيبات الغرف والقاعات والفضاءات المفتوحة في المبنى الذي تشغله المنظمة تعطينا مؤشرات أساسية عن الأسلوب الذي يعمل به نظام السلطة والقوة "
وإذا كان الأسلوب البيروقراطي يتسم بالاستخدام السيء لمعيار التخصص؛ والاستخدام السيء للإجراءات الروتينية؛ والاستخدام الخاطئ للتسلسل الرئاسي؛ والاستخدام الحرفي للأنظمة والالتزام الجامد باللوائح والتعليمات فإن البيروقراطية الفيبيرية تتميز بمجموعة من المواصفات والمقومات الأساسية مثل: العقلانية والعمل الهادف والتخصص والتراتبية والتسلسل الإداري والمراقبة والكفاءة والتحفيز وتنظيم العمل واتباع الرسميات والتأثير القانوني ووحدة السلطة والقرار (وحدة الأمر) والسلطة المركزية ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي
وعليه يعد ماكس فيبر من أهم ممثلي المدرسة الكلاسيكية في مجال التدبير وخاصة ذلك الاتجاه الذي ركز على السلطة في مجال الإدارة والاقتصاد وتبيان أشكال تنظيمها إلى جانب ميشيل كروزيي بيد أن ماكس فيبر تميز بتقسيم السلطة إلى أنواع ثلاثة: السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول الآسرة التي تجعل الآخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛ والسلطة التقليدية القائمة على الأعراف والتقاليد والوراثة؛ والسلطة الوظيفية الرسمية (البيروقراطية)"
ومن الحديث الكثير فى وصغ البيروقراطية ومعايبها ومميزاتها نجد أنها تتعارض مع التشريع الإلهى فمثلا من حق الجندى أن يخالف قائده أو أن يخالف المرءوس رئيسه إن رأى مصلحة أعظم للمسلمين وهو ما يظهر من خلال ترك الهدهد لمكانه وذهابه للاستطلاع فى أرض العدو ومجيئه بمعلومات هامة وفى هذا قال تعالى:
"وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لا أذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين"
كما يظهر من خلال مخالفة هارون(ص) لأمر موسى(ص) كما قال تعالى :
"قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى"
ومن ثم لا وجود لما يسمى بالتسلسل الهرمى ولا التسلسل الوظيفى حسب نظرية البيروقراطية فالكل محكوم بالشرع يعود إليه فمن حق المرءوسين عقاب رئيسهم بابلاغ القضاء عنه إذا خالف الشرع بالاحتكام لكتاب الله كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول"
أو بعقابه إذا فسد القضاء كما قال تعالى :
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وتعرض لنظرية روشى فقال :
"الفرع الثالث: غوي روشي والإدارة المعاصرة
يعد الباحث الكندي غوي روشي من أهم علماء الاجتماع الذين تعاملوا مع الظواهر الإدارية ووقائعها في ضوء مقترب سوسيولوجي بتقديم مجموعة من الملاحظات العلمية والتجريبية حول وظائف الإدارة العمومية والبيروقراطية الإدارية ومشاكل تطبيق السلطة السياسية
وقد بين الباحث أن الإدارة في الدولة المعاصرة لها حياة مجتمعية وقضائية داخلية متميزة ذات طابع بيروقراطي هرمي أو هيرارشي وينتج عن ذلك صراعات سياسية وإدارية لها علاقة وثيقة بالسلطة والنفوذ من جهة وأخذ القرارات السياسية والإدارية من جهة أخرى..
وثمة كتابات غربية أخرى اهتمت بشكل من الأشكال بالإدارة العمومية تحمل في طياتها مضامين إدارية سوسيولوجية وهي كتابات بيتا شريف وكتابات ميشيل كروزيي ورالف ميليباند وإيزرا سليمان وجون بورتر وروبرت بريستوس وباتريس جاران وإدوارد كلوتيي ودانييل لاتوش وغيرها من الكتابات المهمة التي ركزت على البيروقراطية الإدارية والنخبة الإدارية والخدمات الإدارية والإدارة في المجتمع الرأسمالي
وعليه فقد توقف غوي روشي عند التدبير الإداري وتبيان دور الموظفين في ذلك وذكر ما ينتظره المواطنون من هؤلاء الموظفين الإداريين على الرغم من كون هؤلاء الإداريين لا يملكون الحق في كثير من الأحيان في استصدار القرارات الإدارية والسياسية لذا يطرح هذا الواقع قضايا من نوع تخليق الإدارة والجودة والإتقان والكفاءة والمعاملة الحسنة مع المواطنين وخدمة المصلحة العامة بدل تحقيق المصالح الشخصية والتحكم الجيد في ميزانية الإدارة وترشيد مواردها المادية والمالية
ويلاحظ كذلك أن الإدارة العمومية قد تتكون من موظفين متخصصين في مجال الإدارة وموظفين غير متخصصين في هذا المجال ونخبة سياسية منتخبة تشرف على تسيير الإدارة وتدبيرها
وهناك إشكالية أخرى في مجال التسيير الإداري فهناك تسير إداري محلي وجهوي ومركزي بمعنى أن ثمة علاقة بين الموظف الإداري والحكومة التنفيذية تتم إما في إطار السياسة المركزية وإما في إطار السياسة اللامركزية أو سياسة اللاتركيز
ويلاحظ غوي روشي أن الإدارة ليست خاضعة دائما للتنظيم العقلاني كما يرى ماكس فيبر بل قد تتضمن بعض الملامح من المجتمع الإقطاعي ولاسيما في المجتمعات غير الديمقراطية ويلاحظ كذلك أن علاقة الموظف الأدنى بالموظف الأعلى خاضعة لعلاقة الهيمنة والخضوع والتبعية بمعنى أن المدير أو الموظف الكبير يتحكم في الموظف الصغير ومن ثم يؤثر نجاح الرئيس أو فشله في وضعية الموظف الصغير سلبا أو إيجابيا
أضف إلى ذلك أن كثيرا من الموظفين لا يستطيعون أن يصلوا إلى مناصب عليا أو مناصب القوة والنفوذ والقرارات السياسية والإدارية على الرغم من امتلاكهم للشهادات والدبلومات العالية وتوفرهم على الكفاءات العليا باستثناء الذين يتقربون من رؤسائهم بالولاء والحسب والنسب والمصاهرة والخضوع الأعمى فما يمكن أن يصلوا إليه سوى الظفر بالمناصب المتوسطة أو القريبة من المناصب العليا ويعني هذا كله غياب الديمقراطية الحقيقية في الإدارة العمومية وخضوعها للهيرارشية الإقطاعية والمزاجية والسياسية والحزبية
ويرى جيري جاكوب أن النموذج الويبري أو النمط المثالي للبيروقراطية عند ماكس ويبر مجرد نموذج خيالي ورمزي أما في الواقع الإداري فالبيروقراطية المثالية تتحول إلى فيودالية إقطاعية خاضعة للأهواء والولاءات والأمزجة والمصالح الشخصية والضغوطات السياسية والحزبية والنقابية ليس إلا
والدليل على فيودالية الإدارة تقسيمها إلى إدارات مركزية وغير مركزية من جهة أولى ووجود الدواوين والمفتشيات والكتابات العامة والمديريات والأقسام والمصالح والمكاتب
من جهة ثانية وتنظيم الإدارة الترابية إلى إدارة مركزية وجهوية ومحلية من جهة ثالثة وتقسيم الإدارة المحلية إلى مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة
وينتج عن هذا التقسيم الإداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية وتضارب للمنافع والمصالح واختلاف المنطلقات السياسية والإيديولوجية ويعني هذا وجود صراعات ترابية وإدارية وتدبيرية داخلية وخارجية ومن ثم يقوم كل وزير بإدخال تغييرات جزئية أو كلية على إدارته ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته الحزبية أو السياسية أو الإدارية وقد يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إلى إدارات حكومية أخرى فقد يتدخل الوزير الأول في إدارة وزير الوظيفة العمومية فيفرض عليه مجموعة من القرارات لتنفيذها إداريا
وعليه تخضع الإدارة لمنطق الصراع والتنافس والاختلاف والتفاوت الهيرارشي وقد يكون الصراع بين الموظفين الإداريين أنفسهم أفقيا وعموديا أو قد يكون بين الموظفين ورؤساء الإدارة أو بين الموظفين والوزارة المعنية وقد يكون الصراع بين النظامين الإداريين: البيروقراطي العقلاني والإقطاعي الروتيني وقد يكون الصراع إيجابيا ومثمرا لصالح الإدارة وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم الإدارة وتطورها
أما فيما يخص السلطة الإدارية يلاحظ أن الدول الليبرالية المتقدمة لا تعطي للإدارة الحرية التامة لتقوم بكل شيء فسلطتها مقننة بقوانين وتشريعات قضائية ودستورية بل يمكن محاسبة هذه الإدارة ومحاكمتها قضائيا في المحاكم الإدارية أي: لا يمكن للدولة أو الإدارة العمومية أن توظف سلطتها بشكل غير مسؤول وإلا اعتبر ذلك شططا أو سوء استخدام للقوة الإدارية ومن هنا يمكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى لمقاضاتها بهدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه أو تغيير وضعيته المادية أو المالية أو المعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان الخاصة والعامة
أما الدولة الاشتراكية فالإدارة العامة هي التي تتحكم في الوظيفة العمومية ومرافقها من جهة وتتحكم أيضا في مصير الموظفين من جهة أخرى كما هو حال الإدارة في الاتحاد السوفياتي سابقا والصين الاشتراكية وكمبوديا والفيتنام ومن ثم تتحول الإدارة الاشتراكية - حسب لوي ألتوسير وبولانتزاس إلى وسيلة إيديولوجية لاستيلاب الناس وتخديرهم وتكليسهم إلى جانب الآليات الأخرى مثل: التعليم والإعلام والدين والتربية والجيش
ومن ناحية أخرى يرى غوي روشي أن للدولة المعاصرة حدودا داخلية وخارجية تتحكم فيها على الصعيد الإداري لا يمكن تخطيها أو تجاوزها أو إهمالها مثل: الضغوط الخارجية وضغوط المعارضة وضغوط الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والنخب بمختلف أطيافها
ويبدو أن الدولة الليبرالية المعاصرة تعرف جدلا صاخبا على مستوى الإداري والسياسي وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ والمنافع والمصالح باختلاف الرؤى الحزبية والإيديولوجية ومن ثم تميل الإدارة المعاصرة إلى ترشيد النفقات والاحتكام إلى جودة الخدمات والإتقان في العمل والتسريع في تنفيذ الأعمال والمأموريات الإدارية والتحكم في المصاريف والتقليل من الموارد البشرية والتكيف مع الظروف الإدارية والتأقلم معها حسب الإمكانيات المتاحة وهذا ما يسمى أيضا بالحكامة الجيدة
ومن هنا تقوم الإدارة بوضع برامج تنموية مستدامة وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها إلى مكاتب وشركات خاصة وتسطير مشاريع هادفة في مجالات مختلفة ومتنوعة: التعليم والصحة والسكن والاقتصاد والإدارة والرياضة والسياحة والثقافة والبحث عن الكفاءات والموارد المادية والمالية والمعنوية والاقتصاد في النفقات والدخول في شراكات داخلية وخارجية وتحفيز الموظفين ماديا وماليا ومعنويا وخدمة المواطنين بشكل إيجابي بتوظيف المستجدات التقنية والرقمية ولن يتحقق هذا - فعلا- إلا بالمقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة والمقاربة الإبداعية
ومن جهة أخرى يمكن الحديث ضمن سياق الدول والحكومات المعاصرة عن إدارتين متناقضتين: إدارة محافظة تكره التغيير والتجديد والإبداع وتحتكم إلى القواعد البيروقراطية الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن بالابتكار والتجديد والإبداع والتطوير وتأخذ بالمقاربة البيروقراطية العقلانية والمنظمة"
ومما سبق من القول نجد أن القوم جعلوا كل النظريات أو الأنظمة تصب فى شىء واحد وهو :
انتهاء كل الأنظمة إلى وجود قادة وأتباع أى أكابر وأصاغر أى ناس يشرعون وينفذون وناس تطبق عليهم التشريعات يستوى فى ذبك ما يسمونه دول الحرية ودول الاشتراكية أو الشيوعية فبدلا من أغنياء الحرية يوجد أعضاء الحزب الشيوعى أو الاشتراكى
وهو النظام الذى جاء من أجل هدمه الرسل (ص) فعندما يكون هناك رئيس ومرءوس أو كبير وصغير أو تابع ومتبوع فالكفر متواجد وحقوق العباد تكون منهوبة بواسطة التشريعات البشرية
وفى نهاية البحث أشار حمداوى إلى تعدد أنواع الإدارات فقال :
"وفي الأخير يمكن الحديث عن أنواع عدة من الإدارة المعاصرة كالإدارة الحكومية (الإدارة الوزارية) والإدارة البرلمانية والإدارة الحزبية والإدارة النقابية والإدارة المركزية والإدارة الجهوية والإدارة الإقليمية والإدارة الحضرية والإدارة القروية والإدارة الجماعاتية "
ومن ثم فالكل ما زال يحور ويدور فى فلك واحد وهو النظام الكافر القائم على وجود صفوة أو نخبة تحكم وشعب أو عامة هم من تحكمهم الصفوة والتى تسمى بأسماء مختلفة فهم الأشراف الذى لا يطبق عليهم القانون بينما الضعاف هم من يطبق عليهم وتلك النظريات والأبحاث كفتنا إياها الأمثال الشعبية التى لخصت تلك السياسات فى أقوال مثل :
يا بخت من كان النقيب خاله
الذى له ظهر لا يضرب على بطنه
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3616
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» نظرات فى بحث نجمة بيت لحم
» نظرات فى بحث حول الشيطان
» نظرات فى بحث النسبية
» نظرات فى درس الرؤيا
» نظرات فى درس الراقيات
» نظرات فى بحث حول الشيطان
» نظرات فى بحث النسبية
» نظرات فى درس الرؤيا
» نظرات فى درس الراقيات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى