قراءة فى كتاب البكاء علي موتي المؤمنين
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب البكاء علي موتي المؤمنين
قراءة فى كتاب البكاء علي موتي المؤمنين
الكتاب إصدار مجمع العالمي لأهل البيت وهو تأليف جماعى وقد استهل بحديث عام عن البكاء جاء فيه:
"فكرة عامة حول البكاء
البكاء تعبير عن حاجة إنسانية يلجأ إليها الإنسان بطبيعته عندما تكتنفه صعوبات الحياة وآلامها فلا يملك إزاءها حولا ولا قوة تعينه علي الفرار منها خصوصا في اللحظات الحرجة فيتنفس عبر البكاء أو عندما يفاجأ بفقدان حبيب أو خسارة مادية أو معنوية فيختل توازنه النفسي فيندفع تلقائيا وبلا شعور فيستفرغ احتصاره وكبته عن طريق البكاء وهذه الحاجة لا تختص بعقيدة دون اخري لأن منشأ البكاء نفسي وفطري فإذا كان البكاء فطريا يلجأ إليه الإنسان عند الاختناق والهلع النفسي فيكون أداة لتفريغ الهموم والصدمات النفسية "
والخطأ هو أن البكاء يكون كله بسبب صعوبات الحياة وآلامها وهو ما يخالف وجود بكاء الفرح وبكاء الضحك حيث أن العيون من كثرة ضغط عضلات الوجه من كثرة الضحك تنزل دموع
وتحدث عن فوائد أخرى فقال:
"فهل يا تري للبكاء فوائد اخري يتضمنها أم يقتصر علي هذا الحد؟ أولا: لا يخلو البكاء من فوائد كثيرة منها الصحية والنفسية والسياسية نذكر فيما يلي قسما منها علي سبيل الاختصار
أ ـ إن البكاء يمثل منهجا لتزكية النفس من الأدران والذنوب خصوصا عندما يكون بدافع الندم والتوبة
ب ـ إن البكاء يرفع الإنسان الي درجة التحسس بآلام المحرومين والمظلومين في الأرض لأن البكاء يوقظ الضمير وينبه الوجدان في حالة الاعتراف بالتقصير أمام الله والخشية منه
ج ـ البكاء يعالج قسوة القلب المذمومة في الشريعة مثل الطبع علي القلب والختم عليه قال تعالي: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) وقال تعالي: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)
د ـ إن البكاء له بعد سياسي لأنه الطريق الأفضل لرفع الظلم واستنكار ممارسات الظالمين في الظرف الذي لا يسمح بالمواجهة وعندما يشعر الإنسان بأنه لا يقدر علي فعل شيء فيكون البكاء تعبيرا عن الرفض والمعارضة"
والبكاء يستعمل فى الشر كما يستعمل فى الخير الذى ذكره المؤلفون بدليل بكاء من فعلوا الشر وهم اخوة يوسف(ص) كما قال تعالى :
"وجاءوا أباهم عشاء يبكون"
وتحدث المؤلفون عن دوافع البكاء فقالوا:
ثانيا: ذكروا أن للبكاء الذي يلجأ إليه الإنسان ذاتيا دوافع فقد يبكي الإنسان عندما يفاجأ بخبر مفرح لم يتوقع تحققه إطلاقا كما يبكي الإنسان عندما يتعرض لحزن شديد أو لفزع أو لمداهمة من غريب أو وجع مؤلم أو رياء أو شكر أو بكاء من خشية الله "
وقسم المؤلفون البكاء حسب أحكام الله فقالوا:
"ثالثا: والبكاء من الناحية الشرعية له عدة أقسام:
أ ـ البكاء من خشية الله: فقد جاء في الحث علي هذا القسم عدد من الآيات والروايات نذكر منها:
ـ قوله تعالي: (إن الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلي عليهم يخرون للأذقان سجدا)
- ويقولون( سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا - ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)
ـ قوله تعالي: (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلي علهيم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
ـ وحث رسول الله (ص) علي البكاء فقال: «لا تري النار عين بكت من خشية الله ولا عين سهرت في سبيل الله»
ـ وجاء عنه (ص) «ما من قطرة أحب الي الله من قطرة دم في سبيل الله وقطرة دموع قطرت من عين رجل في جوف الليل من خشية الله»
ولما كان البكاء مطلوبا ومحبوبا عند الله سبحانه; فقد نجد الأنبياء (ص)قد بكوا في مواطن متعددة ـ بكي آدم علي خطيئته مائة سنة وما رفع رأسه الي السماء بعد ذلك حياء من ربه وقيل بأن نوحا النبي إنما سمي نوحا لأنه كان نواحا
ـ أما كثرة البكاء عند النبي داود فنسبتها «لو عدل بكاء داود بكاء أهل الأرض بعد آدم لعدل بكاء داود بكاء أهل الأرض» ـ وأما المثل الذي ضربه النبي يحيي في البكاء فهو كما قيل: «كان يحيي بن زكريا له خطان في خديه من البكاء فقال له أبوه زكريا: إنما سألت الله ولدا تقر به عيني فقال: يا أبه! إن جبرئيل أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكاء» "
والخطأ هو حث الشرع على البكاء وهو ما يتناقض مع نهى الله عن الحزن كما قال تعالى :
"ولا تحزن عليهم"
ونهى النبى(ص) صاحبه فى الغار :
" لا تحزن إن الله معنا"
والمعروف أن البكاء غالبا ما ينتج من الحزن ومن ثم فالبكاء ليس مطلوبا فى الشرع إلا فى المواقف العفوية كبكاء الذين لا يجدون مالا للذهاب للجهاد كما قال تعالى :
"ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"
ثم قالوا عن البكاء فى العبادات :
"ب: البكاء أثناء العبادات: منها البكاء عند قراءة القرآن والبكاء عند الصلاة والبكاء عند الدعاء"
والبكاء المذكور فى القرآن لا يعنى الحزن ولا إنزال الدموع وإنما يعنى طاعة الله كما فى قوله :
" ويخرون للأذقان يبكون"
فالأذقان لا تنزل على الأرض وحتى فى أثناء السجود المعروف يمنع الأنف الأذقان من النزول وإنما المعنى يعملون للنفوس يطيعون
ثم قالوا عن البكاء الأشهر عند المصائب :
" ج: البكاء عند فقدان الأحبة والشهداء والصلحاء والمؤمنين والبكاء علي موتي المؤمنين هو أحد الموارد المشروعة التي ندبت إليها الشريعة ولا يمكن تجزئته عن أنواع البكاء الاخري لكن البعض ذهب الي حرمته وعدم جوازه محتجا ببعض الروايات التي لم يثبت صدورها عن رسول الله أو أنها حملت علي الحرمة من هنا سوف نتناول هذه المسألة ضمن عدد من المباحث في منشأ الخلاف في حرمة البكاء وفي سيرة الرسول (ص) وبكائه علي موتي المؤمنين وفي سيرة المسلمين قبل وفاة الرسول وبعد وفاة الرسول (ص) وما ورد عن أئمة أهل البيت (ص)في البكاء ثم أحكام البكاء عند الإمامية وأدلتها الشرعية لندرك بعد ذلك الطريق الصحيح الذي ينسجم مع اصول الشريعة الغراء"
وهذا الموضوع وهو البكاء على الموتى هو موضوع الكتاب وقد تحدث القوم عن بدايته فقالوا:
منشأ الخلاف في حرمة البكاء علي موتي المؤمنين:
إن منشأ الخلاف في مسألة حرمة البكاء علي موتي المؤمنين يرجع لرواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله عن النبي (ص) أنه قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» وقد نقلت هذه الرواية بعدة ألفاظ منها ببعض بكاء أهله عليه ومنها ببكاء الحي عليه ومنها يعذب في قبره بما نيح عليه ولا عبرة باختلاف الألفاظ لأن هذه الروايات كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله ووقف الصحابة من هذه الرواية موقف المعارض ونعتوا راويها بالخطأ أو النسيان لأنها تعارض القرآن الكريم وأن رسول لله (ص) لم يقل ذلك وإنما قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه» إلي غير ذلك من الردود
موقف عائشة من الرواية و من حرمة البكاء
عن ابن أبي مليكة قال: (توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا نشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس وأني لجالس بينهما فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان ـ وهو مواجهه ـ: ألا تنهي عن البكاء؟! فإن رسول الله (ص) قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟!) فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث فقال: صدرت مع عمر من مكة حتي إذا كنا بالبيداء فإذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت فإذا هو صهيب قال: فأخبرته فقال: ادعه فرجعت إلي صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أن اصيب عمر: دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه واصاحباه! فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله (ص): إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه؟ فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله (ص): إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ولكن قال: إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه وقالت عائشة: حسبكم القرآن: (ألا تزر وازرة وزر اخري) قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكي قال ابن أبي مليكة: فما قال ابن عمر شيئا وفي رواية قال ابن أبي مليكة: ذكرت الحديث لعائشة فقالت: أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن كاذبين مكذبين ولكن السمع يخطئ وإن لكم في القرآن لما يشفيكم: (ألا تزر وازرة وزر اخري) ولكن رسول الله (ص) قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه
وعن عمرة بنت عبدالرحمن قالت: سمعت عائشة وذكر لها أن عبدالله بن عمر يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه» نقول يغفر الله لأبي عبدالرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو خطأ وإنما مر رسول الله (ص) علي يهودية يبكي عليها فقال: «إنه ليبكي عليها وأنها لتعذب في قبرها» أخرجه الجماعة إلا أبا داود» وفي رواية قالت: يرحمه الله لم يكذب ولكنه وهم إنما قال رسول الله (ص) لرجل مات يهوديا: إن الميت ليعذب وإنهم ليبكون عليه وكانت عائشة مع عمر في هذه المسألة علي طرفي نقيض فقد ناحت علي أبيها يوم وفاته خلافا لنهي عمر وعن سعيد بن المسيب أنه قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتي قام ببابها فنهاههن عن البكاء عليه فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج الي ابنة أبي قحافة فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني احرج عليك بيتي فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك فدخل هشام فأخرج ام فروة اخت أبي بكر إلي عمر فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك
موقف ابن عباس
اتضح موقف ابن عباس في مسألة البكاء علي موتي المؤمنين ومعارضته لرواية عمر بقوله السابق الذكر
موقف أبي هريرة
أما أبو هريرة فقد قال: (مات ميت من آل رسول الله (ص) فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله (ص): «دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب» "
الأحاديث السابقة كلها تنسب لعمر الجهل وهى أحاديث موضوعة مثلها مثل الأحاديث التى تبرر وهمه فلو أن الأحاديث المبررة اتفقت على سبب واحد فيه لكان مقبولا طالما كان صحيحا ولكنها ذكرت سببين متناقضين الأول زيادة عذاب الكافر ببكاء أهله عليه وهى قولهم:
إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه "
الثانى أنه لا زيادة فى العذاب وإنما تعذب فى القبر
إنه ليبكي عليها وأنها لتعذب في قبرها"
الغريب أن الروايتين عن عائشة واظهارها بمظهر الجاهلة هى ألأخرى فالمتكلم يتكلم بمنطق واحد وليس بمنطقين
وتحدثوا عن تعارض الأحاديث فقالوا :
تعارض روايات تحريم البكاء مع روايات جوازه
"ورد عدد من الروايات التي ادعي أنها تدل علي نهي النبي (ص) عن البكاء فمع قطع النظر عن ضعفها وعدم صلاحيتها للتعارض تبقي لا تنهض بدليلها حتي لو سلمنا فرض صحتها لأنها بطبيعة الحال تتعارض مع الروايات القائلة بجواز البكاء وكونه من سيرة رسول الله (ص) علي من رآه مشرفا علي الموت وعلي من توفي شهيدا أو غير شهيد وعلي قبر المتوفي وأن استدراك عائشة وأقوال الصحابة من كون روايات النهي محصورة بالخليفة الثاني وابنه عبدالله وأنها ناشئة من الخطأ والنسيان وأن رسول الله لم ينه عن البكاء يجعلنا أن نعرض عن روايات النهي ونتمسك بسيرة رسول الله (ص) القائمة علي جواز البكاء"
والغريب فى الكتاب أن الشيعة لا يذكرون الروايات عندهم فى الموضوع مع أنها تقريبا نفس الروايات عند السنة وكأنه هذا التناقض عند السنة وحدهم وليس عندهم وكان من العدل ذكر روايات الفريقين وليس الاقتصار على أحاديث السنة فقط
ثم تحدثوا عن أن روايات النهى عن البكاء تتعارض مع القرآن وهو كلام صحيح فقالوا:
"تعارض مضمون روايات تحريم البكاء مع مفاهيم القرآن الكريم
والذي يلاحظ مضمون روايات تحريم البكاء يجد أن هذه الروايات تنسب العقوبة لغير فاعل الذنب وهي بذلك تخالف نصوص القرآن الكريم التي لا تحمل الذنب إلا علي فاعله قال تعالي: (ألا تزر وازرة وزر اخري) الوزر: هنا بمعني الإثم والذنب المثقل للظهر والوازرة النفس المذنبة التي تذنب والمراد: لا يحمل أحد من المذنبين ذنب غيره وقال تعالي: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعي) وقال تعالي: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال تعالي: (لتجزي كل نفس بما تسعي) "
وحاول القوم الايتدلال على البكاؤ بروايات هى :
وقبل أن نختتم البحث نذكر بأن هناك روايات استدل بها البعض علي جواز البكاء قبل الموت لا بعده جاءت بألفاظ متقاربة في معناها من كون البكاء محرما بعد الموت منها: ما جاء عن عبدالله بن عمير عن جبر: (أنه دخل مع النبي (ص) علي ميت فبكي النساء فقال جبر: أتبكين؟ لا تبكين ما دام رسول الله (ص) جالسا قال رسول الله (ص): «دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية» ويحمل هذا الحديث علي رفع الصوت عاليا وخمش الوجوه لأن النبي (ص) لما بكي وقال عبدالرحمن: أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: «لا ولكن نهيت عن صوتين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان»
الحديثان متناقضان فالأول يقول بالبكاء قبل الموت وهو قولهم دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية والثانى يقول بالبكاء عند المصيبة وهى الموت وهو قولهم: صوت عند مصيبة"
ثم أوردوا أحاديث فى بكاء الرسل(ص) فقالوا:
"بكاء الرسول والأنبياء علي موتي المؤمنين
ـ لقد بكي النبي (ص) علي عمه حمزة وحث المسلمين علي البكاء عليه قال ابن سعد: (لما سمع رسول الله (ص) بعد غزوة احد البكاء من دور الأنصار علي قتلاهم ذرفت عينا رسول الله (ص) وبكي وقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع الي نساء بني عبدالأشهل فساقهن فدعا لهن فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك الي اليوم علي ميت إلا بدأت بالبكاء علي حمزة ثم بكت علي ميتها) ولم يتضمن هذا الحديث فعل النبي (ص) فحسب وإنما يتضمن تقريره وأمره بالبكاء أيضا كما يكتشف منه بأن البكاء علي موتي المؤمنين في عصر الرسالة قد شكل ظاهرة تعاطاها المسلمون آنذاك "
والحديث باطل لتناقضه فهو يقول أن سعد أمر نساء عبد الأشهل فقط بالبكاء ولكن كل نساء ألأنصار بكين فكيف يعقل ألأمر؟
ثم قالوا:
"ـ لما اصيب جعفر وأصحابه في غزوة مؤتة دخل رسول الله (ص) بيته وطلب بني جعفر فشمهم ودمعت عيناه فقالت زوجته أسماء: بأبي وامي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم اصيبوا هذا اليوم فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: وا عماه! فقال رسول الله (ص): علي مثل جعفر فلتبك البواكي» ولا ريب أن هذا الحديث قد تضمن بكاء النبي (ص) بل وقوله: «علي مثل جعفر فلتبك البواكي» وتقريره لبكاء أسماء وكلها دلائل واضحة علي مشروعية البكاء علي موتي المؤمنين والشهداء ـ وبكي الرسول (ص) علي الشهداء في الغزوة المذكورة كما جاء في صحيح البخاري: أن النبي نعي زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال: «أخذ الراية زيد فاصيب ثم أخذ جعفر فاصيب ثم أخذ ابن رواحة فاصيب» وعيناه تذرفان "
والحديثان باطلان لأنهما يقولون بعلم النبى(ص) للغيب بمقتل جعفر وصاحبيه وهم على بعد مئات الأميال دون وجود وسيلة انصال كالهواتف وهو ما نفاه النبى (ص)عن نفسه فى القرآن فقال :
"لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
ثم قالوا:
ـ وبكي النبي (ص) علي ابنه إبراهيم قال أنس: (دخلنا مع رسول الله (ص) وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخري فقال (ص): «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» في هذا الحديث وصف رسول الله (ص) تساقط الدموع بأنها رحمة ومن هذا التعبير يفهم أن البكاء حسن ثم أراد بقوله (ص): «إن العين تدمع إلي آخر الحديث» أن لا إثم بدمع العين وحزن القلب وإنما الإثم بقول ما يسخط الرب كالاعتراض عليه سبحانه"
ـ وبكي الرسول (ص) علي امه عند قبرها عن أبي هريرة قال: (زار النبي (ص) قبر امه فبكي وأبكي من حوله)
ـ وبكي الرسول (ص) في مرض سعد بن عبادة عن عبدالله بن عمر قال: اشتكي سعد بن عبادة شكوي له فأتي رسول الله (ص) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال: (أقضي؟) قالوا: لا يا رسول الله! فبكي رسول الله (ص) فلما رأي القوم بكاء رسول الله (ص) بكوا فقال: «ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار الي لسانه أو يرحم»
الحديث الأخير باطل فالله يعذب بالعمل كله وليس بكلام اللسان فقط كما قال تعالى :
"إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها"
كما قال:
"ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون "
ثم قالوا :
"ـ بكاء الرسول (ص) علي سبطه الإمام الحسين بن علي عن ام الفضل بنت الحارث أنها دخلت علي رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال: «وماهو؟ قالت: إنه شديد قال: وماهو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول الله (ص): رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك
فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله (ص) فدخلت يوما إلي رسول الله فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان من الدموع قالت: فقلت: يا نبي الله! بأبي وامي ما لك؟! قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن امتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا؟! قال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء» قال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه وهناك روايات اخري لا يسعنا ذكرها تؤكد كون الرسول (ص) قد بكي في أكثر من مناسبة علي الإمام الحسين بن علي "
والأحاديث السابقة باطلة لا يصح منها شىء فالرسول(ص) لا يعلم الغيب ممثلا فى موت حفيده فى العراق بدليل قوله تعالى :
" ولا أعلم الغيب"
وقوله :
" وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
ثم تحدثوا عن أمثلة من بكاء الرسل(ص) فقالوا:
"ولم يكن البكاء وليد عصر الرسالة وإنما له عمقه التاريخي حيث نجد عددا من الأنبياء قد بكوا في مناسبات مختلفة: قال تعالي عن نبيه يعقوب (ص): (وتولي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) فقد بكي يعقوب علي ولده يوسف حتي: (قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من الهالكين) قال الزمخشري: إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الي بياض كدر قيل: قد عمي بصره وقيل: كان يدرك إدراكا ضعيفا قرئ من الحزن ومن الحزن الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الي حين لقائه ثمانين عاما وما علي وجه الأرض أكرم علي الله من يعقوب"
وهذا الكلام لا يدل على صحة البكاء من عدمه فكم فعل الرسل(ص) من ذنوب فلو أن الله قال له ابك على يوسف لكان أمر معروفا ولكن الرجل بكلا عفويا ولم يبك 80 سنة كما زعم القوم لأن منعناه أنه عصى الله80 سنة فلم يصلى ولم يعمل بمهنته ولم يعمل شىء إلا البكاء
ثم قالوا:
"وعن رسول الله (ص) أنه سأل جبرئيل (ص): ما مبلغ من وجد يعقوب علي يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلي قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد وما أساء ظنه بالله ساعة قط فإن قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ قلت: الإنسان مجبول علي أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن ولذلك حمد صبره وأن يملك نفسه حتي لا يخرج الي ما لا يحسن"
وهذا كلام لا يغقل فليس لأحد أجر مائة شهيد فأجر الإنسان واحد وهو " ولمن خاف مقام ربه جنتان" فيعقوب(ص) لن يملك فى الآخرة أكثر من جنتين فى درجة المجاهدين
ثم قالوا:
"ولقد بكي رسول الله (ص) علي ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب وعن النبي (ص) أنه بكي علي ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه فقيل: يا رسول الله تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال: «ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين: صوت عند الفرح وصوت عند الترح» وعن الحسن أنه بكي علي ولده أو غيره فقيل له في ذلك فقال: «ما رأيت الله جعل الحزن عارا علي يعقوب فهو كظيم فهو مملوء من الغيظ علي أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم
سيرة المسلمين في البكاء علي مؤتي المؤمنين"
وكما سبق القول البكاء ليس عادة المسلمين وإنما يأتى فى مواقف عفوية عند الموت عند العجز عند المرض عند فرح
وذكر المؤلفون أحاديث عدة فى بكاء المسلمين فقالوا:
"أما سيرة المسلمين بعد وفاة رسول الله (ص) فهي الأخري خير دليل كاشف عن جواز البكاء حيث نلمس من خلالها أن المسلمين وكبار الصحابة قد بكوا علي موتاهم من المؤمنين ورثوهم بمختلف القصائد الشعرية وإليك جملة من الشواهد التاريخية التي تؤكد صحة البكاء وشرعيته واستمرار سيرتهم عليه:
ـ وقف الإمام أمير المؤمنين علي ضريح النبي (ص) ساعة دفنه فقال: «إن الصبر لجميل إلا عنك وإن الجزع لقبيح إلا عليك وإن المصاب لجلل وإنه بعدك لقليل»
ـ وللإمام علي رثاء في حق رسول الله (ص): ألا طرق الناعي بليل فراعني وأرقني لما استقل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتي لغير رسول الله كنت ناعيا
ـ عن أنس بن مالك قال: كانت فاطمة جالسة عند رسول الله (ص) فتواكدت عليه كرب الموت فرفع رأسه وقال: واكرباه! فبكت فاطمة وقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه قال: لا كرب علي أبيك بعد اليوم
ـ ورثت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أباها (ص) عند مماته بأبيات تهيج الحزن منها: ماذا علي من شم تربة أحمد أن لا يشم مدي الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت علي الأيام عدن لياليا
ـ ولصفية عمة الرسول (ص) رثاء حزين عند وفاة النبي (ص) وهو قولها: ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تكن جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكي النبي لفقده ولكن لما أخشي من الهرج آتيا
ـ وبكي أبو ذؤيب علي رسول الله (ص) حين وفاته وأنشد:
لما رأيت الناس في عسلاتهم ما بين ملحود له ومضرح
متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت الي الهموم ومن يبت جار الهموم يبيت غير مروح
ـ ذكر ابن إسحاق أن أبا سفيان بن الحارث بكي النبي (ص) كثيرا ورثاه فقال: أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه يطول فأسعدني البكاء وذاك فيما اصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
ـ لما نعي النعمان بن مقرن الي عمر بن الخطاب وضع يده علي رأسه وصاح يا أسفا علي النعمان! ولما استشهد زيد بن الخطاب باليمامة وكان صحبه رجل من بني عدي بن كعب فرجع الي المدينة فلما رآه عمر دمعت عيناه وقال: وخلفت زيدا ثاويا وأتيتني ولما توفي خالد بن الوليد أيام عمر بن الخطاب ـ وكان بينهما هجرة ـ امتنع النساء من البكاء عليه فلما انتهي ذلك إلي عمر قال: وما علي نساء بني المغيرة أن يرقن من دمعهن علي أبي سليمان ما لم يكن نقعا ولا لقلقة وبكي متمم أخو مالك بن نويرة بمحضر أبي بكر وفي مسجد رسول الله (ص) وكان متمم أعور دميما فلما بلغه مقتل أخيه; حضر مسجد رسول الله (ص) وصلي الصبح خلف أبي بكر فلما فرغ من صلاته واستند في محرابه قام متمم فوقف بحذائه واتكأ علي سية قوسه ثم أنشد: نعم القتيل إذ الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته لو هو دعاك بذمة لم يغدر؟ وأما أبو بكر فقال: والله ما دعوته ولا غدرته ثم بكي وانحط علي سية قوسه فما زال يبكي حتي دمعت عينه العوراء فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: لوددت أنك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا "
والكثير من الروايات السابقة ليس فيها بكاء وعمل المسلمين ليس دليلا فى الشرع لأنهم قد يصنعون ذنوبا ثم يتوبون منها وإنما الدليل هو نص الوحى
ثم أخير أوردوا ما سموه أحاديث الشيعة فى البكاء فقالوا :
"ما ورد عن أئمة أهل البيت في البكاء
بكي أئمة أهل البيت (ص)وحثوا شيعتهم علي البكاء ضمن الإطار الشرعي الذي يحقق غرضه الإلهي المطلوب ولا يدخل في الحرمة وإليك عددا من تلك الروايات: ـ عن عبدالله بن العباس قال: «لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة بكي حتي بلت دموعه لحيته فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي وما تصنع بهم أشرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه! يا أبتاه! فلا يعينها أحد من ا متي فسمعت ذلك فاطمة فبكت فقال لها رسول الله (ص): لا تبكين يا بنية! فقالت: لست أبكي لما يصنع بي بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»
ـ عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت الإمام علي بن الحسين يحدث رجلا من قريش قال: «لما قرب أبناء آدم القربان ـ الي أن قال ـ فانصرف آدم فبكي علي هابيل أربعين يوما وليلة »
ـ روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق أنه قال: «بكي علي ابن الحسين علي الحسين بن علي أجمعين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكي علي الحسين حتي قال له مولي له: جعلت فداك يابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين! فقرأ: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة»
ـ روي عن أبي بصير قال: سمعت الصادق يقول: «إن أبي مرض مرضا شديدا حتي خفنا عليه فبكي عند رأسه بعض أصحابه فنظر إليه وقال: إني لست بميت في وجعي هذا قال: فبرأ ومكث ماشاء الله من السنين فبينما هو صحيح ليس به بأس فقال: يا بني اني ميت يوم كذا فمات في ذلك اليوم»
ـ عن حمزة بن حمران قال: دخلت الي الصادق جعفر بن محمد فقال لي: «يا حمزة من أين أقبلت؟ قلت: من الكوفة قال: فبكي حتي بلت دموعه لحيته فقلت له: يا ابن رسول الله مالك أكثرت البكاء؟ فقال: ذكرت عمي زيدا وما صنع به فبكيت فقلت له: وما الذي ذكرت منه؟ فقال: ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم فجاءه ابنه يحيي فانكب عليه وقال له: أبشر يا أبتاه فإنك ترد علي رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال: أجل يا بني ثم دعا بحداد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه ـ الي أن قال ـ فلعن الله قاتله وخاذله والي الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل البيت » ـ عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): «يا هارون أنشدني في الحسين قال: فأنشدته قال: فقال لي: أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ قال: فأنشدته (شعر): أمرر علي جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية قال: فبكي ثم قال: زدني فأنشدته القصيدة الاولي قال: فبكي وسمعت البكاء من خلف الستر قال: فلما فرغت قال: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي عشرا كتبت لهم الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي خمسة كتبت لهم الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي واحدا كتبت لهما الجنة ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه علي الله ولم يرض له بدون الجنة»
ـ عن الوشا عن الرضا أنه قال بخراسان: إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتي أسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار ثم قلت: أما إني لا أرجع الي عيالي أبدا»
ـ عن الريان بن شبيب قال: دخلت علي الرضا في أول يوم من المحرم فقال لي: «يابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الا مة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (ص) إذ قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله يابن شبيب! إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض من شبيه ولقد بكت السماوات السبع لقتله ـ الي أن قال ـ يابن شبيب! إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلي فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا»
ـ عن الحسن بن يزيد قال: ماتت ابنة لأبي عبدالله فناح عليها سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات له اسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح قال: فقيل لأبي عبدالله أيناح في دارك؟ فقال: «إن رسول الله (ص) قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي له» ـ عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: «من كرم المرء بكاؤه علي ما مضي من زمانه»
ـ وعن الإمام زين العابدين قال: «ما من قطرة أحب إلي الله عز وجل من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلا الله عز وجل»
ـ عن محمد بن الحسن الواسطي عن أبي عبدالله قال: «إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» "
وكل هذه الأحاديث بعضها مخالف لكتاب الله كما فى العلم بمقتل الحسين وغيره مما لا يعلم إنسان من رسول ولا غيره كما قال تعالى على لسان رسوله(ص)
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله "
وتحدثوا عن حكم البكاء عند الشيعة فقالوا:
حكم البكاء و توابعه عند علماء مدرسة أهل البيت
"إن البكاء جائز قبل خروج الروح وبعده بل يستحب إذا كان الميت مؤمنا وفي حالة إذا كان الحزن شديدا ولو مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله ولا فرق بين الرحم وغيره ومدرك ذلك الإجماع والنصوص المستفيضة وفي بعضها الأمر به عند شدة الوجد وأما البكاء المشتمل علي الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته كما يجوز النوح علي الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا علي الويل والثبور ولا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال كما لا يجوز شق الثوب علي غير الأب والأخ أما جز المرأة شعرها في المصيبة فكفارته كفارة شهر رمضان وفي نتفه كفارة يمين وكذا في خدشها وجهها وفي شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفارة يمين: وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
الخلاصة
إن البكاء من الشعائر الإسلامية المحبوبة عند الله سبحانه لذا ورد الحث عليه في الكتاب والسنة والشريعة "
بالقطع البكاء مباح فى المواقف العفوية شرط ألا يرتبط بذنوب أخرى كاللطم وشق الجيوب وأصوات الصراخ وأما كونه محبوب فهو ليس بمحبوب عند الله لتعارضه مع القول :
"ولا تنس نصيبك من الدنيا"
الكتاب إصدار مجمع العالمي لأهل البيت وهو تأليف جماعى وقد استهل بحديث عام عن البكاء جاء فيه:
"فكرة عامة حول البكاء
البكاء تعبير عن حاجة إنسانية يلجأ إليها الإنسان بطبيعته عندما تكتنفه صعوبات الحياة وآلامها فلا يملك إزاءها حولا ولا قوة تعينه علي الفرار منها خصوصا في اللحظات الحرجة فيتنفس عبر البكاء أو عندما يفاجأ بفقدان حبيب أو خسارة مادية أو معنوية فيختل توازنه النفسي فيندفع تلقائيا وبلا شعور فيستفرغ احتصاره وكبته عن طريق البكاء وهذه الحاجة لا تختص بعقيدة دون اخري لأن منشأ البكاء نفسي وفطري فإذا كان البكاء فطريا يلجأ إليه الإنسان عند الاختناق والهلع النفسي فيكون أداة لتفريغ الهموم والصدمات النفسية "
والخطأ هو أن البكاء يكون كله بسبب صعوبات الحياة وآلامها وهو ما يخالف وجود بكاء الفرح وبكاء الضحك حيث أن العيون من كثرة ضغط عضلات الوجه من كثرة الضحك تنزل دموع
وتحدث عن فوائد أخرى فقال:
"فهل يا تري للبكاء فوائد اخري يتضمنها أم يقتصر علي هذا الحد؟ أولا: لا يخلو البكاء من فوائد كثيرة منها الصحية والنفسية والسياسية نذكر فيما يلي قسما منها علي سبيل الاختصار
أ ـ إن البكاء يمثل منهجا لتزكية النفس من الأدران والذنوب خصوصا عندما يكون بدافع الندم والتوبة
ب ـ إن البكاء يرفع الإنسان الي درجة التحسس بآلام المحرومين والمظلومين في الأرض لأن البكاء يوقظ الضمير وينبه الوجدان في حالة الاعتراف بالتقصير أمام الله والخشية منه
ج ـ البكاء يعالج قسوة القلب المذمومة في الشريعة مثل الطبع علي القلب والختم عليه قال تعالي: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) وقال تعالي: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)
د ـ إن البكاء له بعد سياسي لأنه الطريق الأفضل لرفع الظلم واستنكار ممارسات الظالمين في الظرف الذي لا يسمح بالمواجهة وعندما يشعر الإنسان بأنه لا يقدر علي فعل شيء فيكون البكاء تعبيرا عن الرفض والمعارضة"
والبكاء يستعمل فى الشر كما يستعمل فى الخير الذى ذكره المؤلفون بدليل بكاء من فعلوا الشر وهم اخوة يوسف(ص) كما قال تعالى :
"وجاءوا أباهم عشاء يبكون"
وتحدث المؤلفون عن دوافع البكاء فقالوا:
ثانيا: ذكروا أن للبكاء الذي يلجأ إليه الإنسان ذاتيا دوافع فقد يبكي الإنسان عندما يفاجأ بخبر مفرح لم يتوقع تحققه إطلاقا كما يبكي الإنسان عندما يتعرض لحزن شديد أو لفزع أو لمداهمة من غريب أو وجع مؤلم أو رياء أو شكر أو بكاء من خشية الله "
وقسم المؤلفون البكاء حسب أحكام الله فقالوا:
"ثالثا: والبكاء من الناحية الشرعية له عدة أقسام:
أ ـ البكاء من خشية الله: فقد جاء في الحث علي هذا القسم عدد من الآيات والروايات نذكر منها:
ـ قوله تعالي: (إن الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلي عليهم يخرون للأذقان سجدا)
- ويقولون( سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا - ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)
ـ قوله تعالي: (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلي علهيم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
ـ وحث رسول الله (ص) علي البكاء فقال: «لا تري النار عين بكت من خشية الله ولا عين سهرت في سبيل الله»
ـ وجاء عنه (ص) «ما من قطرة أحب الي الله من قطرة دم في سبيل الله وقطرة دموع قطرت من عين رجل في جوف الليل من خشية الله»
ولما كان البكاء مطلوبا ومحبوبا عند الله سبحانه; فقد نجد الأنبياء (ص)قد بكوا في مواطن متعددة ـ بكي آدم علي خطيئته مائة سنة وما رفع رأسه الي السماء بعد ذلك حياء من ربه وقيل بأن نوحا النبي إنما سمي نوحا لأنه كان نواحا
ـ أما كثرة البكاء عند النبي داود فنسبتها «لو عدل بكاء داود بكاء أهل الأرض بعد آدم لعدل بكاء داود بكاء أهل الأرض» ـ وأما المثل الذي ضربه النبي يحيي في البكاء فهو كما قيل: «كان يحيي بن زكريا له خطان في خديه من البكاء فقال له أبوه زكريا: إنما سألت الله ولدا تقر به عيني فقال: يا أبه! إن جبرئيل أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكاء» "
والخطأ هو حث الشرع على البكاء وهو ما يتناقض مع نهى الله عن الحزن كما قال تعالى :
"ولا تحزن عليهم"
ونهى النبى(ص) صاحبه فى الغار :
" لا تحزن إن الله معنا"
والمعروف أن البكاء غالبا ما ينتج من الحزن ومن ثم فالبكاء ليس مطلوبا فى الشرع إلا فى المواقف العفوية كبكاء الذين لا يجدون مالا للذهاب للجهاد كما قال تعالى :
"ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"
ثم قالوا عن البكاء فى العبادات :
"ب: البكاء أثناء العبادات: منها البكاء عند قراءة القرآن والبكاء عند الصلاة والبكاء عند الدعاء"
والبكاء المذكور فى القرآن لا يعنى الحزن ولا إنزال الدموع وإنما يعنى طاعة الله كما فى قوله :
" ويخرون للأذقان يبكون"
فالأذقان لا تنزل على الأرض وحتى فى أثناء السجود المعروف يمنع الأنف الأذقان من النزول وإنما المعنى يعملون للنفوس يطيعون
ثم قالوا عن البكاء الأشهر عند المصائب :
" ج: البكاء عند فقدان الأحبة والشهداء والصلحاء والمؤمنين والبكاء علي موتي المؤمنين هو أحد الموارد المشروعة التي ندبت إليها الشريعة ولا يمكن تجزئته عن أنواع البكاء الاخري لكن البعض ذهب الي حرمته وعدم جوازه محتجا ببعض الروايات التي لم يثبت صدورها عن رسول الله أو أنها حملت علي الحرمة من هنا سوف نتناول هذه المسألة ضمن عدد من المباحث في منشأ الخلاف في حرمة البكاء وفي سيرة الرسول (ص) وبكائه علي موتي المؤمنين وفي سيرة المسلمين قبل وفاة الرسول وبعد وفاة الرسول (ص) وما ورد عن أئمة أهل البيت (ص)في البكاء ثم أحكام البكاء عند الإمامية وأدلتها الشرعية لندرك بعد ذلك الطريق الصحيح الذي ينسجم مع اصول الشريعة الغراء"
وهذا الموضوع وهو البكاء على الموتى هو موضوع الكتاب وقد تحدث القوم عن بدايته فقالوا:
منشأ الخلاف في حرمة البكاء علي موتي المؤمنين:
إن منشأ الخلاف في مسألة حرمة البكاء علي موتي المؤمنين يرجع لرواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله عن النبي (ص) أنه قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» وقد نقلت هذه الرواية بعدة ألفاظ منها ببعض بكاء أهله عليه ومنها ببكاء الحي عليه ومنها يعذب في قبره بما نيح عليه ولا عبرة باختلاف الألفاظ لأن هذه الروايات كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله ووقف الصحابة من هذه الرواية موقف المعارض ونعتوا راويها بالخطأ أو النسيان لأنها تعارض القرآن الكريم وأن رسول لله (ص) لم يقل ذلك وإنما قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه» إلي غير ذلك من الردود
موقف عائشة من الرواية و من حرمة البكاء
عن ابن أبي مليكة قال: (توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا نشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس وأني لجالس بينهما فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان ـ وهو مواجهه ـ: ألا تنهي عن البكاء؟! فإن رسول الله (ص) قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟!) فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث فقال: صدرت مع عمر من مكة حتي إذا كنا بالبيداء فإذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت فإذا هو صهيب قال: فأخبرته فقال: ادعه فرجعت إلي صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أن اصيب عمر: دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه واصاحباه! فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله (ص): إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه؟ فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله (ص): إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ولكن قال: إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه وقالت عائشة: حسبكم القرآن: (ألا تزر وازرة وزر اخري) قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكي قال ابن أبي مليكة: فما قال ابن عمر شيئا وفي رواية قال ابن أبي مليكة: ذكرت الحديث لعائشة فقالت: أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن كاذبين مكذبين ولكن السمع يخطئ وإن لكم في القرآن لما يشفيكم: (ألا تزر وازرة وزر اخري) ولكن رسول الله (ص) قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه
وعن عمرة بنت عبدالرحمن قالت: سمعت عائشة وذكر لها أن عبدالله بن عمر يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه» نقول يغفر الله لأبي عبدالرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو خطأ وإنما مر رسول الله (ص) علي يهودية يبكي عليها فقال: «إنه ليبكي عليها وأنها لتعذب في قبرها» أخرجه الجماعة إلا أبا داود» وفي رواية قالت: يرحمه الله لم يكذب ولكنه وهم إنما قال رسول الله (ص) لرجل مات يهوديا: إن الميت ليعذب وإنهم ليبكون عليه وكانت عائشة مع عمر في هذه المسألة علي طرفي نقيض فقد ناحت علي أبيها يوم وفاته خلافا لنهي عمر وعن سعيد بن المسيب أنه قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتي قام ببابها فنهاههن عن البكاء عليه فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج الي ابنة أبي قحافة فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني احرج عليك بيتي فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك فدخل هشام فأخرج ام فروة اخت أبي بكر إلي عمر فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك
موقف ابن عباس
اتضح موقف ابن عباس في مسألة البكاء علي موتي المؤمنين ومعارضته لرواية عمر بقوله السابق الذكر
موقف أبي هريرة
أما أبو هريرة فقد قال: (مات ميت من آل رسول الله (ص) فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله (ص): «دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب» "
الأحاديث السابقة كلها تنسب لعمر الجهل وهى أحاديث موضوعة مثلها مثل الأحاديث التى تبرر وهمه فلو أن الأحاديث المبررة اتفقت على سبب واحد فيه لكان مقبولا طالما كان صحيحا ولكنها ذكرت سببين متناقضين الأول زيادة عذاب الكافر ببكاء أهله عليه وهى قولهم:
إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه "
الثانى أنه لا زيادة فى العذاب وإنما تعذب فى القبر
إنه ليبكي عليها وأنها لتعذب في قبرها"
الغريب أن الروايتين عن عائشة واظهارها بمظهر الجاهلة هى ألأخرى فالمتكلم يتكلم بمنطق واحد وليس بمنطقين
وتحدثوا عن تعارض الأحاديث فقالوا :
تعارض روايات تحريم البكاء مع روايات جوازه
"ورد عدد من الروايات التي ادعي أنها تدل علي نهي النبي (ص) عن البكاء فمع قطع النظر عن ضعفها وعدم صلاحيتها للتعارض تبقي لا تنهض بدليلها حتي لو سلمنا فرض صحتها لأنها بطبيعة الحال تتعارض مع الروايات القائلة بجواز البكاء وكونه من سيرة رسول الله (ص) علي من رآه مشرفا علي الموت وعلي من توفي شهيدا أو غير شهيد وعلي قبر المتوفي وأن استدراك عائشة وأقوال الصحابة من كون روايات النهي محصورة بالخليفة الثاني وابنه عبدالله وأنها ناشئة من الخطأ والنسيان وأن رسول الله لم ينه عن البكاء يجعلنا أن نعرض عن روايات النهي ونتمسك بسيرة رسول الله (ص) القائمة علي جواز البكاء"
والغريب فى الكتاب أن الشيعة لا يذكرون الروايات عندهم فى الموضوع مع أنها تقريبا نفس الروايات عند السنة وكأنه هذا التناقض عند السنة وحدهم وليس عندهم وكان من العدل ذكر روايات الفريقين وليس الاقتصار على أحاديث السنة فقط
ثم تحدثوا عن أن روايات النهى عن البكاء تتعارض مع القرآن وهو كلام صحيح فقالوا:
"تعارض مضمون روايات تحريم البكاء مع مفاهيم القرآن الكريم
والذي يلاحظ مضمون روايات تحريم البكاء يجد أن هذه الروايات تنسب العقوبة لغير فاعل الذنب وهي بذلك تخالف نصوص القرآن الكريم التي لا تحمل الذنب إلا علي فاعله قال تعالي: (ألا تزر وازرة وزر اخري) الوزر: هنا بمعني الإثم والذنب المثقل للظهر والوازرة النفس المذنبة التي تذنب والمراد: لا يحمل أحد من المذنبين ذنب غيره وقال تعالي: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعي) وقال تعالي: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال تعالي: (لتجزي كل نفس بما تسعي) "
وحاول القوم الايتدلال على البكاؤ بروايات هى :
وقبل أن نختتم البحث نذكر بأن هناك روايات استدل بها البعض علي جواز البكاء قبل الموت لا بعده جاءت بألفاظ متقاربة في معناها من كون البكاء محرما بعد الموت منها: ما جاء عن عبدالله بن عمير عن جبر: (أنه دخل مع النبي (ص) علي ميت فبكي النساء فقال جبر: أتبكين؟ لا تبكين ما دام رسول الله (ص) جالسا قال رسول الله (ص): «دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية» ويحمل هذا الحديث علي رفع الصوت عاليا وخمش الوجوه لأن النبي (ص) لما بكي وقال عبدالرحمن: أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: «لا ولكن نهيت عن صوتين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان»
الحديثان متناقضان فالأول يقول بالبكاء قبل الموت وهو قولهم دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية والثانى يقول بالبكاء عند المصيبة وهى الموت وهو قولهم: صوت عند مصيبة"
ثم أوردوا أحاديث فى بكاء الرسل(ص) فقالوا:
"بكاء الرسول والأنبياء علي موتي المؤمنين
ـ لقد بكي النبي (ص) علي عمه حمزة وحث المسلمين علي البكاء عليه قال ابن سعد: (لما سمع رسول الله (ص) بعد غزوة احد البكاء من دور الأنصار علي قتلاهم ذرفت عينا رسول الله (ص) وبكي وقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع الي نساء بني عبدالأشهل فساقهن فدعا لهن فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك الي اليوم علي ميت إلا بدأت بالبكاء علي حمزة ثم بكت علي ميتها) ولم يتضمن هذا الحديث فعل النبي (ص) فحسب وإنما يتضمن تقريره وأمره بالبكاء أيضا كما يكتشف منه بأن البكاء علي موتي المؤمنين في عصر الرسالة قد شكل ظاهرة تعاطاها المسلمون آنذاك "
والحديث باطل لتناقضه فهو يقول أن سعد أمر نساء عبد الأشهل فقط بالبكاء ولكن كل نساء ألأنصار بكين فكيف يعقل ألأمر؟
ثم قالوا:
"ـ لما اصيب جعفر وأصحابه في غزوة مؤتة دخل رسول الله (ص) بيته وطلب بني جعفر فشمهم ودمعت عيناه فقالت زوجته أسماء: بأبي وامي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم اصيبوا هذا اليوم فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: وا عماه! فقال رسول الله (ص): علي مثل جعفر فلتبك البواكي» ولا ريب أن هذا الحديث قد تضمن بكاء النبي (ص) بل وقوله: «علي مثل جعفر فلتبك البواكي» وتقريره لبكاء أسماء وكلها دلائل واضحة علي مشروعية البكاء علي موتي المؤمنين والشهداء ـ وبكي الرسول (ص) علي الشهداء في الغزوة المذكورة كما جاء في صحيح البخاري: أن النبي نعي زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال: «أخذ الراية زيد فاصيب ثم أخذ جعفر فاصيب ثم أخذ ابن رواحة فاصيب» وعيناه تذرفان "
والحديثان باطلان لأنهما يقولون بعلم النبى(ص) للغيب بمقتل جعفر وصاحبيه وهم على بعد مئات الأميال دون وجود وسيلة انصال كالهواتف وهو ما نفاه النبى (ص)عن نفسه فى القرآن فقال :
"لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
ثم قالوا:
ـ وبكي النبي (ص) علي ابنه إبراهيم قال أنس: (دخلنا مع رسول الله (ص) وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخري فقال (ص): «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» في هذا الحديث وصف رسول الله (ص) تساقط الدموع بأنها رحمة ومن هذا التعبير يفهم أن البكاء حسن ثم أراد بقوله (ص): «إن العين تدمع إلي آخر الحديث» أن لا إثم بدمع العين وحزن القلب وإنما الإثم بقول ما يسخط الرب كالاعتراض عليه سبحانه"
ـ وبكي الرسول (ص) علي امه عند قبرها عن أبي هريرة قال: (زار النبي (ص) قبر امه فبكي وأبكي من حوله)
ـ وبكي الرسول (ص) في مرض سعد بن عبادة عن عبدالله بن عمر قال: اشتكي سعد بن عبادة شكوي له فأتي رسول الله (ص) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال: (أقضي؟) قالوا: لا يا رسول الله! فبكي رسول الله (ص) فلما رأي القوم بكاء رسول الله (ص) بكوا فقال: «ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار الي لسانه أو يرحم»
الحديث الأخير باطل فالله يعذب بالعمل كله وليس بكلام اللسان فقط كما قال تعالى :
"إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها"
كما قال:
"ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون "
ثم قالوا :
"ـ بكاء الرسول (ص) علي سبطه الإمام الحسين بن علي عن ام الفضل بنت الحارث أنها دخلت علي رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال: «وماهو؟ قالت: إنه شديد قال: وماهو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول الله (ص): رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك
فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله (ص) فدخلت يوما إلي رسول الله فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان من الدموع قالت: فقلت: يا نبي الله! بأبي وامي ما لك؟! قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن امتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا؟! قال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء» قال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه وهناك روايات اخري لا يسعنا ذكرها تؤكد كون الرسول (ص) قد بكي في أكثر من مناسبة علي الإمام الحسين بن علي "
والأحاديث السابقة باطلة لا يصح منها شىء فالرسول(ص) لا يعلم الغيب ممثلا فى موت حفيده فى العراق بدليل قوله تعالى :
" ولا أعلم الغيب"
وقوله :
" وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
ثم تحدثوا عن أمثلة من بكاء الرسل(ص) فقالوا:
"ولم يكن البكاء وليد عصر الرسالة وإنما له عمقه التاريخي حيث نجد عددا من الأنبياء قد بكوا في مناسبات مختلفة: قال تعالي عن نبيه يعقوب (ص): (وتولي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) فقد بكي يعقوب علي ولده يوسف حتي: (قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من الهالكين) قال الزمخشري: إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الي بياض كدر قيل: قد عمي بصره وقيل: كان يدرك إدراكا ضعيفا قرئ من الحزن ومن الحزن الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الي حين لقائه ثمانين عاما وما علي وجه الأرض أكرم علي الله من يعقوب"
وهذا الكلام لا يدل على صحة البكاء من عدمه فكم فعل الرسل(ص) من ذنوب فلو أن الله قال له ابك على يوسف لكان أمر معروفا ولكن الرجل بكلا عفويا ولم يبك 80 سنة كما زعم القوم لأن منعناه أنه عصى الله80 سنة فلم يصلى ولم يعمل بمهنته ولم يعمل شىء إلا البكاء
ثم قالوا:
"وعن رسول الله (ص) أنه سأل جبرئيل (ص): ما مبلغ من وجد يعقوب علي يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلي قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد وما أساء ظنه بالله ساعة قط فإن قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ قلت: الإنسان مجبول علي أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن ولذلك حمد صبره وأن يملك نفسه حتي لا يخرج الي ما لا يحسن"
وهذا كلام لا يغقل فليس لأحد أجر مائة شهيد فأجر الإنسان واحد وهو " ولمن خاف مقام ربه جنتان" فيعقوب(ص) لن يملك فى الآخرة أكثر من جنتين فى درجة المجاهدين
ثم قالوا:
"ولقد بكي رسول الله (ص) علي ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب وعن النبي (ص) أنه بكي علي ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه فقيل: يا رسول الله تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال: «ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين: صوت عند الفرح وصوت عند الترح» وعن الحسن أنه بكي علي ولده أو غيره فقيل له في ذلك فقال: «ما رأيت الله جعل الحزن عارا علي يعقوب فهو كظيم فهو مملوء من الغيظ علي أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم
سيرة المسلمين في البكاء علي مؤتي المؤمنين"
وكما سبق القول البكاء ليس عادة المسلمين وإنما يأتى فى مواقف عفوية عند الموت عند العجز عند المرض عند فرح
وذكر المؤلفون أحاديث عدة فى بكاء المسلمين فقالوا:
"أما سيرة المسلمين بعد وفاة رسول الله (ص) فهي الأخري خير دليل كاشف عن جواز البكاء حيث نلمس من خلالها أن المسلمين وكبار الصحابة قد بكوا علي موتاهم من المؤمنين ورثوهم بمختلف القصائد الشعرية وإليك جملة من الشواهد التاريخية التي تؤكد صحة البكاء وشرعيته واستمرار سيرتهم عليه:
ـ وقف الإمام أمير المؤمنين علي ضريح النبي (ص) ساعة دفنه فقال: «إن الصبر لجميل إلا عنك وإن الجزع لقبيح إلا عليك وإن المصاب لجلل وإنه بعدك لقليل»
ـ وللإمام علي رثاء في حق رسول الله (ص): ألا طرق الناعي بليل فراعني وأرقني لما استقل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتي لغير رسول الله كنت ناعيا
ـ عن أنس بن مالك قال: كانت فاطمة جالسة عند رسول الله (ص) فتواكدت عليه كرب الموت فرفع رأسه وقال: واكرباه! فبكت فاطمة وقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه قال: لا كرب علي أبيك بعد اليوم
ـ ورثت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أباها (ص) عند مماته بأبيات تهيج الحزن منها: ماذا علي من شم تربة أحمد أن لا يشم مدي الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت علي الأيام عدن لياليا
ـ ولصفية عمة الرسول (ص) رثاء حزين عند وفاة النبي (ص) وهو قولها: ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تكن جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكي النبي لفقده ولكن لما أخشي من الهرج آتيا
ـ وبكي أبو ذؤيب علي رسول الله (ص) حين وفاته وأنشد:
لما رأيت الناس في عسلاتهم ما بين ملحود له ومضرح
متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت الي الهموم ومن يبت جار الهموم يبيت غير مروح
ـ ذكر ابن إسحاق أن أبا سفيان بن الحارث بكي النبي (ص) كثيرا ورثاه فقال: أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه يطول فأسعدني البكاء وذاك فيما اصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
ـ لما نعي النعمان بن مقرن الي عمر بن الخطاب وضع يده علي رأسه وصاح يا أسفا علي النعمان! ولما استشهد زيد بن الخطاب باليمامة وكان صحبه رجل من بني عدي بن كعب فرجع الي المدينة فلما رآه عمر دمعت عيناه وقال: وخلفت زيدا ثاويا وأتيتني ولما توفي خالد بن الوليد أيام عمر بن الخطاب ـ وكان بينهما هجرة ـ امتنع النساء من البكاء عليه فلما انتهي ذلك إلي عمر قال: وما علي نساء بني المغيرة أن يرقن من دمعهن علي أبي سليمان ما لم يكن نقعا ولا لقلقة وبكي متمم أخو مالك بن نويرة بمحضر أبي بكر وفي مسجد رسول الله (ص) وكان متمم أعور دميما فلما بلغه مقتل أخيه; حضر مسجد رسول الله (ص) وصلي الصبح خلف أبي بكر فلما فرغ من صلاته واستند في محرابه قام متمم فوقف بحذائه واتكأ علي سية قوسه ثم أنشد: نعم القتيل إذ الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته لو هو دعاك بذمة لم يغدر؟ وأما أبو بكر فقال: والله ما دعوته ولا غدرته ثم بكي وانحط علي سية قوسه فما زال يبكي حتي دمعت عينه العوراء فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: لوددت أنك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا "
والكثير من الروايات السابقة ليس فيها بكاء وعمل المسلمين ليس دليلا فى الشرع لأنهم قد يصنعون ذنوبا ثم يتوبون منها وإنما الدليل هو نص الوحى
ثم أخير أوردوا ما سموه أحاديث الشيعة فى البكاء فقالوا :
"ما ورد عن أئمة أهل البيت في البكاء
بكي أئمة أهل البيت (ص)وحثوا شيعتهم علي البكاء ضمن الإطار الشرعي الذي يحقق غرضه الإلهي المطلوب ولا يدخل في الحرمة وإليك عددا من تلك الروايات: ـ عن عبدالله بن العباس قال: «لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة بكي حتي بلت دموعه لحيته فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي وما تصنع بهم أشرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه! يا أبتاه! فلا يعينها أحد من ا متي فسمعت ذلك فاطمة فبكت فقال لها رسول الله (ص): لا تبكين يا بنية! فقالت: لست أبكي لما يصنع بي بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»
ـ عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت الإمام علي بن الحسين يحدث رجلا من قريش قال: «لما قرب أبناء آدم القربان ـ الي أن قال ـ فانصرف آدم فبكي علي هابيل أربعين يوما وليلة »
ـ روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق أنه قال: «بكي علي ابن الحسين علي الحسين بن علي أجمعين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكي علي الحسين حتي قال له مولي له: جعلت فداك يابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين! فقرأ: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة»
ـ روي عن أبي بصير قال: سمعت الصادق يقول: «إن أبي مرض مرضا شديدا حتي خفنا عليه فبكي عند رأسه بعض أصحابه فنظر إليه وقال: إني لست بميت في وجعي هذا قال: فبرأ ومكث ماشاء الله من السنين فبينما هو صحيح ليس به بأس فقال: يا بني اني ميت يوم كذا فمات في ذلك اليوم»
ـ عن حمزة بن حمران قال: دخلت الي الصادق جعفر بن محمد فقال لي: «يا حمزة من أين أقبلت؟ قلت: من الكوفة قال: فبكي حتي بلت دموعه لحيته فقلت له: يا ابن رسول الله مالك أكثرت البكاء؟ فقال: ذكرت عمي زيدا وما صنع به فبكيت فقلت له: وما الذي ذكرت منه؟ فقال: ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم فجاءه ابنه يحيي فانكب عليه وقال له: أبشر يا أبتاه فإنك ترد علي رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال: أجل يا بني ثم دعا بحداد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه ـ الي أن قال ـ فلعن الله قاتله وخاذله والي الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل البيت » ـ عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): «يا هارون أنشدني في الحسين قال: فأنشدته قال: فقال لي: أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ قال: فأنشدته (شعر): أمرر علي جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية قال: فبكي ثم قال: زدني فأنشدته القصيدة الاولي قال: فبكي وسمعت البكاء من خلف الستر قال: فلما فرغت قال: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي عشرا كتبت لهم الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي خمسة كتبت لهم الجنة ومن أنشد في الحسين شعرا فبكي وأبكي واحدا كتبت لهما الجنة ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه علي الله ولم يرض له بدون الجنة»
ـ عن الوشا عن الرضا أنه قال بخراسان: إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتي أسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار ثم قلت: أما إني لا أرجع الي عيالي أبدا»
ـ عن الريان بن شبيب قال: دخلت علي الرضا في أول يوم من المحرم فقال لي: «يابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الا مة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (ص) إذ قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله يابن شبيب! إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض من شبيه ولقد بكت السماوات السبع لقتله ـ الي أن قال ـ يابن شبيب! إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلي فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا»
ـ عن الحسن بن يزيد قال: ماتت ابنة لأبي عبدالله فناح عليها سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات له اسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح قال: فقيل لأبي عبدالله أيناح في دارك؟ فقال: «إن رسول الله (ص) قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي له» ـ عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: «من كرم المرء بكاؤه علي ما مضي من زمانه»
ـ وعن الإمام زين العابدين قال: «ما من قطرة أحب إلي الله عز وجل من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلا الله عز وجل»
ـ عن محمد بن الحسن الواسطي عن أبي عبدالله قال: «إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» "
وكل هذه الأحاديث بعضها مخالف لكتاب الله كما فى العلم بمقتل الحسين وغيره مما لا يعلم إنسان من رسول ولا غيره كما قال تعالى على لسان رسوله(ص)
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله "
وتحدثوا عن حكم البكاء عند الشيعة فقالوا:
حكم البكاء و توابعه عند علماء مدرسة أهل البيت
"إن البكاء جائز قبل خروج الروح وبعده بل يستحب إذا كان الميت مؤمنا وفي حالة إذا كان الحزن شديدا ولو مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله ولا فرق بين الرحم وغيره ومدرك ذلك الإجماع والنصوص المستفيضة وفي بعضها الأمر به عند شدة الوجد وأما البكاء المشتمل علي الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته كما يجوز النوح علي الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا علي الويل والثبور ولا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال كما لا يجوز شق الثوب علي غير الأب والأخ أما جز المرأة شعرها في المصيبة فكفارته كفارة شهر رمضان وفي نتفه كفارة يمين وكذا في خدشها وجهها وفي شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفارة يمين: وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
الخلاصة
إن البكاء من الشعائر الإسلامية المحبوبة عند الله سبحانه لذا ورد الحث عليه في الكتاب والسنة والشريعة "
بالقطع البكاء مباح فى المواقف العفوية شرط ألا يرتبط بذنوب أخرى كاللطم وشق الجيوب وأصوات الصراخ وأما كونه محبوب فهو ليس بمحبوب عند الله لتعارضه مع القول :
"ولا تنس نصيبك من الدنيا"
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3616
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب الأكفاء
» نقد كتاب من سنن النبي (ص)البكاء على الميت
» نقد كتاب قَضاء حُقوق المؤمنين
» نقد كتاب فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان
» نقد كتاب فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان2
» نقد كتاب من سنن النبي (ص)البكاء على الميت
» نقد كتاب قَضاء حُقوق المؤمنين
» نقد كتاب فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان
» نقد كتاب فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى