نظرات فى خطبة الاعتبار بمضي الأيام بمناسبة نهاية العام
صفحة 1 من اصل 1
نظرات فى خطبة الاعتبار بمضي الأيام بمناسبة نهاية العام
نظرات فى خطبة الاعتبار بمضي الأيام بمناسبة نهاية العام
الخطيب عبد الله بن صالح القصير وهى تدور حول وجوب طاعة الله خوفا من الموت فى أى يوم من أيام العام والعام هو العام القمرى الذى فيه أربعة أشهر حرم كما قال تعالى :
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم"
واستعراض الخطبة اليوم ليس اعترافا بالعام الشمسى أو العام الميلادى الذى أصبح للأسف هو التاريخ الرسمى فى دول المنطقة عدا واحدة وإنما أتى الاستعراض مصادفة مع شهر نهاية العام الميلادى
استهل القصير خطبته كما يفعل الخطباء منذ قرون بالحمد لله والصلاة على رسول الله فقال :
"الحمد لله مُسيِّر الأزمان، ومدبِّر الأكوان، أحمَدُه - سبحانه - يسأَلُه مَن في السموات والأرض كلَّ يوم هو في شان، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّرَه تقديرًا، وجعَل في السَّماء بروجًا وجعَل فيها سِراجًا وقمَرًا مُنِيرًا، وهو الذي جعَل الليل والنهار خِلفةً لِمَن أراد أنْ يذكَّر أو أراد شكورًا، وأشهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله بعَثَه بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليمًا كثيرًا."
وكعادة خطباء الحجاز وغيرهم فى عصرنا تستهل الخطبة بمطالبة الناس بتقوى الله دون تفصيل لأن الغرض من وجود الخطباء هو عدم تعليم الناس تفاصيل الأحكام والاكتفاء بالمعانى العامة والتى لا يمكن تحققها دون شرح أحكام كل موضوع فى خطبة ما أو درس على مدار العام ومن ثم يقع الناس فى المعاصى دون قصد كثيرا لأن أحدا لم يعلمهم
وفى التقوى قال :
"أمَّا بعدُ؛ فيا أيُّها الناس:
اتَّقوا الله، واتَّقوا يومًا تُرجَعون فيه إلى الله، فإنَّكم الآن في زمان هدنة، وإنَّ السَّير بكم لَسريعٌ، فالأيَّام تُطوَى، والأعمار تفنَى، وقد رأيتُم الليلَ والنهارَ كيف يَتراكَضان تراكُض البريد، فيخلقان كلَّ جديد، ويُدنِيان كلَّ بعيد، ويأتيان بكلِّ موعود، وفي ذلكم - يا عباد الله - ما يُلهِي عن الشهوات، ويُرغِّب في الباقيات، فإنَّ في سرعة مُضِيِّ الليل والنهار، ومرور الشُّهور والأعوام ما يُذكِّر العاقل اللبيب بسرعة تصرُّم الأعمار، وقرب حلول الآجَال، وبغتة ساعة الارتِحال، وأنَّ عليه أنْ يتأهَّب للمَسِير، ويتزوَّد للرَّحِيل بصالح الزاد، فالسعيد مَن أخَذ من نفسه لنفسه، ومهَّد لها قبل يوم رمسِه."
وحدثنا عن مرور العمر ووجوب طاعة الله فيه والبعد عن عصيان أحكامه فقال :
"عبادَ الله:
تذكَّروا أنَّ العمر أنفاس مَعدودة وَشِيكة النَّفاد، ولحظات معدودة، وأنَّ كلَّ امرئ على ما قدَّم قادِم، وعلى ما خلَّف نادِم، وأنَّ ما مضَى من العمر في طاعةٍ فهو أربَح التِّجارة، وما خَلا منها فهو نقْص وخسارة، وما مضَى في ضدِّها فهو مصيبة وخِزي ومعارة، فخُذُوا الأُهبَة لأزف الرحلة، وأعدُّوا الزاد الصالح لقُرب الرحلة، ألاَ وإنَّ خير الزاد التقوى، وخيرَ العمل ما كان على نهج النبيِّ المصطفى، وأعلَى الناس منزلةً عند الله - تعالى - أعظمهم له رَجاءً، وأشدهم منه خَوْفًا، وبرهان ذلك استِباق الخَيْرات، والإحجام عن مُواقَعة الحرمات، والتوبة إلى الله عن قريبٍ من الخَطِيئات."
وحدثنا عن أن المسائل على ثلاث أنواع بين أنه حلال وبين أنه حرام وبينهما المشتبهات فقال :
"معشرَ المسلمين:
إنَّ الأشياء ثلاثة: أمرٌ استَبان رشدُه فاتَّبعوه، وأمرٌ استَبان غيُّه فاجتَنِبوه، وأمرٌ اشتَبَه عليكم حكمُه فلا تُواقِعوه، حتى يتبيَّن لكم شأنُه بردِّه إلى الكتاب والسنَّة، وما أُثِر عن السلف الصالح من هذه الأمَّة، فإن لم تكونوا أهلاً لمعرفته واستِنباط حكمه من هذه المصادر، فارجِعُوا فيه إلى أهل العلم الأكابر، أولي النهى والبصائر، عمَلاً بالقرآن، وطلبًا للهدى من الرحمن؛ قال - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} "
وهذا التقسيم خاطىء فلا وجود للمشتبهات مع بيان كل كل شىء أى تفصيله كما قال تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقال:
" وكل شىء فصلناه تفصيلا"
ومن ثم لا مجال للمشتبهات فمن وضع الحديث وضعه لكى يبيح للحكام الحرام ويحرم الحلال ومن ثم منطقة المشتبهات هى التى يلعب فيه علماء السلطان
وطالب الناس بالصمت وحسن الخلق فقال :
"وعليكم - عبادَ الله - بأمرَيْن خفيفة مؤونتُهما، عظيم أجرُهما، لم يلقَ الله بمثلهما: الصمت وحسن الخلق؛ فإنَّ الناس إنما يؤتون يومَ القيامة من إحدى ثَلاثٍ: إمَّا شبهة في الدين ارتَكَبُوها، أو شهوة للذَّة آثَروها، أو غضبة لحميَّة أعمَلُوها"
وبالقطع الصمت ليس أمرا مطلوبا باستمرار فى الإسلام لأن الكلام مطلوب كما قال تعالى :
" وقولوا قولا سديدا"
والصمت يصبح ذنب عند كتم الشهادة كما قال تعالى :
"ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"
ونصح الناس فقال :
"فإذا لاحَتْ لكم شُبهةٌ فاجلوها باليَقِين، وإذا عرَضَتْ لكم شهوةٌ فاقذفوها بالزُّهد، وإذا عرضَتْ لكم غضبة فادرَؤُوها بالعفو؛ تفوزوا بجنَّة عرضها السموات والأرض، أُعدَّت للمتَّقين، الذين يُنفِقون في السرَّاء والضرَّاء، والكاظِمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحبُّ المحسنين"
وتحدث عن توديع العام ولا وجود للتوديع فالعام ليس إنسانا يودع فقال:
"معشرَ المسلمين:
ما أقرب البداية من النهاية! وما أكثر العَوارِض الصارفة عن جليل الغاية! فها أنتم تودعون عامًا قد انقضَتْ أيَّامُه ولياليه، وطُوِيت صحائف ما عَمِلتُم فيه، وكم فتنة في الدين والدنيا تعرَّضتم لها فيه؛ {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
وكما ودَّعتُم عامًا قد مضى وانقَضَى، فقد استقبَلتُم عامًا جديدًا، وسيكون إذا انقَلَب عليكم شَهِيدًا، ولا تَدرُون مَن منكم يستَكمِلُه، ممَّن تختَرِمه المنيَّة إذا حضَر أجَلُه."
وبين المطلوب وهو صالح العمل وهو طاعة أحكام الله فقال :
"فاجتَهِدوا فيما بَقِي من أعماركم بصالح العمل، وأخلِصُوا النيَّة في كلِّ شيءٍ لله - عزَّ وجلَّ - وتفقَّهوا في الدِّين، وكونوا بالحقِّ والصبر والمرحمة مُتواصِين، واحرِصُوا على ما ينفَعُكم، واستَعِينوا بالله ولا تكونوا ممَّن غفل واتَّبَع هَواه، وكان أمرُه فرطًا، أو رَكِب شطَطًا، فإنَّ العمر ثمين ينبَغِي أنْ يُصان عن تضييعه في البطالة، أو أعمال أهل السَّفَه والهوى والجهالة، بل اغتَنِموا لحظاته في عِبادة الله بما شرَع، والحذر عن الشرك وأنواع البِدَع، فإنَّكم لم تُخلَقوا عبثًا، ولم تُترَكوا سُدًى، وإنما خلقتم للعبادة ووُعِدتم عليها الجنة والرضوان، ونُهِيتم عن المخالفة والعصيان، وتوعّدتم عليها بشدَّة العذاب والخِزي والهَوان، ومَن يُهِن الله فما له من مُكرِم، إنَّ الله يفعل ما يشاء."
كما طالب الله بعدم الانشغال بالآمال العراض والتوبة من أى ذنب فقال :
"فلا يلهينَّكم عريض الأمَل، عن صالح العمَل، والتوبة إلى الله من أنواع الزَّلَل؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ حسيبًا، وعلى كلِّ شيء رقيبًا، ولكلِّ حسنة ثوابًا، ولكلِّ سيئة عقابًا، ولكلِّ أجلٍ كتابًا؛ فأعمالكم محصاة، ولكلِّ عمل جزاء؛ فلن يُهمَل منها صغير لصغره، ولا كبير لكبره، في يوم يَحكُم الله - تعالى - فيه بين العِباد، وقد خابَ وخَسِر مَن خرَج من رحمة الله التي وَسِعَتْ كلَّ شيء، وحُرِم جنَّة عرضها السموات والأرض، إذا عصى مَوْلاه، وشقي بسوء ما قدَّمت يداه؛ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}
وفى خطبة ثانية فى نفس الموضوع استهلها بالطلب بالتقوى فقال :
"اتَّقوا الله وخذوا من تعاقُب الليالي والأيام، وتصرُّم الشهور والأعوام، أعظمَ العبر وأبلغ العظات؛ لتنتَفِعوا من ذلك ما دمتُم على قيد الحياة، بالتوبة إلى الله من الزلاَّت، والاجتِهاد في أنواع الطاعات، والمنافَسة في جليل القربات، وما يوصل إلى رفيع الدرجات، قبل الفَوات وحصول الحسرات على عظيم الهفوات"
وتحدث عن مرور الوقت وهو الزمان فقال :
"أيُّها الناس:
ألاَ ترَوْن أنَّ الليل والنهار يَتراكَضان تراكُضَ البريد، فيقربان كلَّ بعيد، ويخلقان كلَّ جديد، ويأتيان بكلِّ موعود، وأنَّكم بمرورهما في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة؟ فالأعمار تَفنَى، والآجال تُدنَى، وصحائف الأعمال تُطوَى، والأبدان في الثَّرى تَبلَى، أليس في ذلك للعاقل أعظم العبر وأبلغ العظات؟"
وتحدث عما تحدث عنه سابقا من أن الموت يلحق بالكل فقال:
"أيها المسلمون:
ألاَ ترَوْن أنَّكم في هذه الحياة تتقلَّبون في أسْلاب الهالكين، وستَذهَبون رغمًا عنكم وتُورِثونها لخلفكم اللاحِقين؟ وها أنتم في كلِّ يومٍ تُشيِّعون منكم غاديًا ورائحًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - قد قضَى نحبَه ومضى حقًّا إلى ربِّه، فتُودِعونه وتدَعُونه في صدع من الأرض غير مُوسَّد ولا مُمهَّد، قد خلَع الأسباب، وفارَق الأحباب، وسكَن التراب، وواجَه الحساب، غنيًّا عمَّا خلَّف، فقيرًا إلى ما أسلَف، أليس في ذلكم مُعتَبر، وعن الغيِّ مُزدَجر؟ فاتَّقوا الله يا أولي الألباب؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} "
كما تحدث عن أن ما مضى من الزمان ما فيه من أحداث لا يمكن ان يعود ومن ثم الواجب هو التوبة من أخطاء الماضى فقال :
"أيها المسلمون:
إنَّ لكلِّ شيءٍ بدايةً ونهاية، وإنَّ نهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذَن عامُنا بالرَّحِيل وولَّى الأعقاب، وإنَّ هذا الرحيل لَيترُكُ في النُّفوس عظيمَ الحزن، وبليغ الأسى، على جزءٍ من العمر قد انقَضَى، وتصرَّم ومضى، في غير طاعةٍ للمولى، وربما في مقارفة بعض الذنوب واتِّباع الهوى، وإنَّ عامكم الذي قد انقَضتْ أيَّامه ولياليه، وطُوِيت صحائفه على ما تَحوِيه، قد مضى فلا يُمكِنكم ردُّ شيءٍ ممَّا فيه، أو إصلاحه وتلافيه، إلا بالتوبة الصادقة والندم على ما كان، والرُّجوع حقًّا إلى الملك الديَّان، فاستَدرِكوا ما مضى بالتوبة وصدق الأوبة، فوالله لا خيرَ في الحياة إلا لتائبٍ إلى ربِّه من الزلاَّت، وعبد مُخلِص لله في عمل الصالحات، ومُسابِق إلى رفيع الدرجات."
وتحدث عمن ماتوا فى العام المنصرم ودعا للمطيعين بالرحمات وللعصاة بالجحمات فقال :
"أيها المسلمون:
وكم في النُّفوس من لوعةٍ على فراق أحبَّةٍ لنا مضَوْا خلال العام راحِلين، وانقَطَع ذكرُهم وما أمَّلوا وغدَوْا أثرًا بعد عين، رجال طالما انتظروا الصلاة بعد الصلاة، وطالما لهجوا بتلاوة الآيات، وعمَّروا الأوقات بجليل الطاعات وعظيم القربات، مجالستهم تزيد الإِيمان، ورؤيتهم تُذَكِّر بالرحمن، وكان وجودُهم بين ظهراني المجتمع أمنةً للناس وصمام أمان، فاستلوا من بيننا دون اختيار، ومضَوْا إلى الواحد القهَّار، وإنَّ في الله عزاءً من كلِّ مصيبة، وجبرانًا من كلِّ نقيصة، وخلفًا من كلِّ فائت، فاللهمَّ اغفر لهم أجمعين، وارفَع درجتهم في المهديِّين واخلفهم في عقبهم في الغابِرين، واغفِر لنا ولهم يا ربَّ العالمين، وافسح لهم في قبورهم، ونَوِّر لهم فيها، وارحمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه يا أرحم الراحمين. وكم من أهوالٍ عظام، وأحداث جِسام، مرَّت بنا خلال العام، أقضَّت المضاجع، أفرغت القلوب في الهواجع، من ظلم الظالمين، وإفساد المفسِدين، وتخريب المجرِمين، الذين عاثُوا في الأرض الفساد، وخرَّبوا البلاد، وشرَّدوا العباد، ورمَّلوا النساء، ويتَّموا الأولاد، وانتَهكُوا الحرمات، وهمُّوا بالإِلحاد في المقدَّسات، وفتَنُوا الناس في الدين، وشتَّتوا شملَ المسلمين، فأخَذَهم الله أخْذَ عزيزٍ ذي انتِقام، وجعلهم عبرةً للأنام، ونصَر أهل الإِسلام، بحوله وقوَّته وبما سخَّر - سبحانه - من الوسائل والجنود، وإنَّ الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر، فاشكُرُوا الله على هذا الإِنعام."
وطالب المسلمين أن يتخذوا العبرة مما أصاب الله به الناس من أضرار الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات حتى يعودوا لدينه ولكنهم لا يعرفون أن كل هذه إنذارات لهم لعلهم يتضرعون ومن ثم يمضون فى أعمالهم السيئة فقال :
أيها المسلمون:
وكم مَرَّ بالأسماع من الزلازل العنيفة، والفيضانات المروِّعة، والمجاعات المخيفة، والفتن المهلِكة؛ ليُذِيقهم بعضَ الذي عملوا لعلَّهم يرجعون؛ {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}
{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} "
وذكرنا الرجل بعجزنا عن ايقاف الزمن وايقاف التغيرات فينا فقال :
"أيها المسلمون:
إنَّ تغيُّر الأحوال، وانقضاء الآجال، وانقِطاع الأعمال والآمال، وما يحدُث من الفواجع والأهوال، وما يُنزِل الله من الألطاف بالمسبِّحين له في الغدوِّ والآصال، كل ذلك ممَّا يُشعِر بعجز المخلوق وضعفه وشدَّة حاجته وافتِقاره إلى خالِقِه ومولاه ومعبوده وحدَه دون مَن سواه، ويُحفِّز العاقل على الرجوع إلى ربِّه والتعلُّق به وحدَه والتمسُّك بدينه والسَّير إليه على هدْي نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ومُلازَمة تقوى الله في سائر الأحوال، فإنها عنوان السعادة وسبيل الفلاح، فالدنيا محفوفةٌ بالأنكاد والأكدار، والشرور والأخطار، ولا يهذبها ويصفِّيها ويسلِّم العبد من شرِّ ما فيها إلاَّ الاستِقامة على الدين، والاستِعانة بما فيها على طاعة ربِّ العالمين؛ كما قال - تعالى - في كتابه المبين: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} وقوله - سبحانه -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "
وعاد لتكرار الوصية بالتقوى فقال :
"فاتَّقوا الله عباد الله، واغتَنِموا فرص الحياة فيما يُقرِّبكم إلى الله، وليكن لكم من مرور الليالي والأيَّام، وتصرُّم الشهور والأعوام، وما يحدث في طيَّاتها من الحوادث الجِسام والأهوال العِظام، عبرٌ ومُزدَجرٌ وعمل صالح تجدون ثوابَه عند الله مدخرًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} "
الخطيب عبد الله بن صالح القصير وهى تدور حول وجوب طاعة الله خوفا من الموت فى أى يوم من أيام العام والعام هو العام القمرى الذى فيه أربعة أشهر حرم كما قال تعالى :
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم"
واستعراض الخطبة اليوم ليس اعترافا بالعام الشمسى أو العام الميلادى الذى أصبح للأسف هو التاريخ الرسمى فى دول المنطقة عدا واحدة وإنما أتى الاستعراض مصادفة مع شهر نهاية العام الميلادى
استهل القصير خطبته كما يفعل الخطباء منذ قرون بالحمد لله والصلاة على رسول الله فقال :
"الحمد لله مُسيِّر الأزمان، ومدبِّر الأكوان، أحمَدُه - سبحانه - يسأَلُه مَن في السموات والأرض كلَّ يوم هو في شان، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّرَه تقديرًا، وجعَل في السَّماء بروجًا وجعَل فيها سِراجًا وقمَرًا مُنِيرًا، وهو الذي جعَل الليل والنهار خِلفةً لِمَن أراد أنْ يذكَّر أو أراد شكورًا، وأشهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله بعَثَه بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليمًا كثيرًا."
وكعادة خطباء الحجاز وغيرهم فى عصرنا تستهل الخطبة بمطالبة الناس بتقوى الله دون تفصيل لأن الغرض من وجود الخطباء هو عدم تعليم الناس تفاصيل الأحكام والاكتفاء بالمعانى العامة والتى لا يمكن تحققها دون شرح أحكام كل موضوع فى خطبة ما أو درس على مدار العام ومن ثم يقع الناس فى المعاصى دون قصد كثيرا لأن أحدا لم يعلمهم
وفى التقوى قال :
"أمَّا بعدُ؛ فيا أيُّها الناس:
اتَّقوا الله، واتَّقوا يومًا تُرجَعون فيه إلى الله، فإنَّكم الآن في زمان هدنة، وإنَّ السَّير بكم لَسريعٌ، فالأيَّام تُطوَى، والأعمار تفنَى، وقد رأيتُم الليلَ والنهارَ كيف يَتراكَضان تراكُض البريد، فيخلقان كلَّ جديد، ويُدنِيان كلَّ بعيد، ويأتيان بكلِّ موعود، وفي ذلكم - يا عباد الله - ما يُلهِي عن الشهوات، ويُرغِّب في الباقيات، فإنَّ في سرعة مُضِيِّ الليل والنهار، ومرور الشُّهور والأعوام ما يُذكِّر العاقل اللبيب بسرعة تصرُّم الأعمار، وقرب حلول الآجَال، وبغتة ساعة الارتِحال، وأنَّ عليه أنْ يتأهَّب للمَسِير، ويتزوَّد للرَّحِيل بصالح الزاد، فالسعيد مَن أخَذ من نفسه لنفسه، ومهَّد لها قبل يوم رمسِه."
وحدثنا عن مرور العمر ووجوب طاعة الله فيه والبعد عن عصيان أحكامه فقال :
"عبادَ الله:
تذكَّروا أنَّ العمر أنفاس مَعدودة وَشِيكة النَّفاد، ولحظات معدودة، وأنَّ كلَّ امرئ على ما قدَّم قادِم، وعلى ما خلَّف نادِم، وأنَّ ما مضَى من العمر في طاعةٍ فهو أربَح التِّجارة، وما خَلا منها فهو نقْص وخسارة، وما مضَى في ضدِّها فهو مصيبة وخِزي ومعارة، فخُذُوا الأُهبَة لأزف الرحلة، وأعدُّوا الزاد الصالح لقُرب الرحلة، ألاَ وإنَّ خير الزاد التقوى، وخيرَ العمل ما كان على نهج النبيِّ المصطفى، وأعلَى الناس منزلةً عند الله - تعالى - أعظمهم له رَجاءً، وأشدهم منه خَوْفًا، وبرهان ذلك استِباق الخَيْرات، والإحجام عن مُواقَعة الحرمات، والتوبة إلى الله عن قريبٍ من الخَطِيئات."
وحدثنا عن أن المسائل على ثلاث أنواع بين أنه حلال وبين أنه حرام وبينهما المشتبهات فقال :
"معشرَ المسلمين:
إنَّ الأشياء ثلاثة: أمرٌ استَبان رشدُه فاتَّبعوه، وأمرٌ استَبان غيُّه فاجتَنِبوه، وأمرٌ اشتَبَه عليكم حكمُه فلا تُواقِعوه، حتى يتبيَّن لكم شأنُه بردِّه إلى الكتاب والسنَّة، وما أُثِر عن السلف الصالح من هذه الأمَّة، فإن لم تكونوا أهلاً لمعرفته واستِنباط حكمه من هذه المصادر، فارجِعُوا فيه إلى أهل العلم الأكابر، أولي النهى والبصائر، عمَلاً بالقرآن، وطلبًا للهدى من الرحمن؛ قال - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} "
وهذا التقسيم خاطىء فلا وجود للمشتبهات مع بيان كل كل شىء أى تفصيله كما قال تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقال:
" وكل شىء فصلناه تفصيلا"
ومن ثم لا مجال للمشتبهات فمن وضع الحديث وضعه لكى يبيح للحكام الحرام ويحرم الحلال ومن ثم منطقة المشتبهات هى التى يلعب فيه علماء السلطان
وطالب الناس بالصمت وحسن الخلق فقال :
"وعليكم - عبادَ الله - بأمرَيْن خفيفة مؤونتُهما، عظيم أجرُهما، لم يلقَ الله بمثلهما: الصمت وحسن الخلق؛ فإنَّ الناس إنما يؤتون يومَ القيامة من إحدى ثَلاثٍ: إمَّا شبهة في الدين ارتَكَبُوها، أو شهوة للذَّة آثَروها، أو غضبة لحميَّة أعمَلُوها"
وبالقطع الصمت ليس أمرا مطلوبا باستمرار فى الإسلام لأن الكلام مطلوب كما قال تعالى :
" وقولوا قولا سديدا"
والصمت يصبح ذنب عند كتم الشهادة كما قال تعالى :
"ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"
ونصح الناس فقال :
"فإذا لاحَتْ لكم شُبهةٌ فاجلوها باليَقِين، وإذا عرَضَتْ لكم شهوةٌ فاقذفوها بالزُّهد، وإذا عرضَتْ لكم غضبة فادرَؤُوها بالعفو؛ تفوزوا بجنَّة عرضها السموات والأرض، أُعدَّت للمتَّقين، الذين يُنفِقون في السرَّاء والضرَّاء، والكاظِمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحبُّ المحسنين"
وتحدث عن توديع العام ولا وجود للتوديع فالعام ليس إنسانا يودع فقال:
"معشرَ المسلمين:
ما أقرب البداية من النهاية! وما أكثر العَوارِض الصارفة عن جليل الغاية! فها أنتم تودعون عامًا قد انقضَتْ أيَّامُه ولياليه، وطُوِيت صحائف ما عَمِلتُم فيه، وكم فتنة في الدين والدنيا تعرَّضتم لها فيه؛ {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
وكما ودَّعتُم عامًا قد مضى وانقَضَى، فقد استقبَلتُم عامًا جديدًا، وسيكون إذا انقَلَب عليكم شَهِيدًا، ولا تَدرُون مَن منكم يستَكمِلُه، ممَّن تختَرِمه المنيَّة إذا حضَر أجَلُه."
وبين المطلوب وهو صالح العمل وهو طاعة أحكام الله فقال :
"فاجتَهِدوا فيما بَقِي من أعماركم بصالح العمل، وأخلِصُوا النيَّة في كلِّ شيءٍ لله - عزَّ وجلَّ - وتفقَّهوا في الدِّين، وكونوا بالحقِّ والصبر والمرحمة مُتواصِين، واحرِصُوا على ما ينفَعُكم، واستَعِينوا بالله ولا تكونوا ممَّن غفل واتَّبَع هَواه، وكان أمرُه فرطًا، أو رَكِب شطَطًا، فإنَّ العمر ثمين ينبَغِي أنْ يُصان عن تضييعه في البطالة، أو أعمال أهل السَّفَه والهوى والجهالة، بل اغتَنِموا لحظاته في عِبادة الله بما شرَع، والحذر عن الشرك وأنواع البِدَع، فإنَّكم لم تُخلَقوا عبثًا، ولم تُترَكوا سُدًى، وإنما خلقتم للعبادة ووُعِدتم عليها الجنة والرضوان، ونُهِيتم عن المخالفة والعصيان، وتوعّدتم عليها بشدَّة العذاب والخِزي والهَوان، ومَن يُهِن الله فما له من مُكرِم، إنَّ الله يفعل ما يشاء."
كما طالب الله بعدم الانشغال بالآمال العراض والتوبة من أى ذنب فقال :
"فلا يلهينَّكم عريض الأمَل، عن صالح العمَل، والتوبة إلى الله من أنواع الزَّلَل؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ حسيبًا، وعلى كلِّ شيء رقيبًا، ولكلِّ حسنة ثوابًا، ولكلِّ سيئة عقابًا، ولكلِّ أجلٍ كتابًا؛ فأعمالكم محصاة، ولكلِّ عمل جزاء؛ فلن يُهمَل منها صغير لصغره، ولا كبير لكبره، في يوم يَحكُم الله - تعالى - فيه بين العِباد، وقد خابَ وخَسِر مَن خرَج من رحمة الله التي وَسِعَتْ كلَّ شيء، وحُرِم جنَّة عرضها السموات والأرض، إذا عصى مَوْلاه، وشقي بسوء ما قدَّمت يداه؛ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}
وفى خطبة ثانية فى نفس الموضوع استهلها بالطلب بالتقوى فقال :
"اتَّقوا الله وخذوا من تعاقُب الليالي والأيام، وتصرُّم الشهور والأعوام، أعظمَ العبر وأبلغ العظات؛ لتنتَفِعوا من ذلك ما دمتُم على قيد الحياة، بالتوبة إلى الله من الزلاَّت، والاجتِهاد في أنواع الطاعات، والمنافَسة في جليل القربات، وما يوصل إلى رفيع الدرجات، قبل الفَوات وحصول الحسرات على عظيم الهفوات"
وتحدث عن مرور الوقت وهو الزمان فقال :
"أيُّها الناس:
ألاَ ترَوْن أنَّ الليل والنهار يَتراكَضان تراكُضَ البريد، فيقربان كلَّ بعيد، ويخلقان كلَّ جديد، ويأتيان بكلِّ موعود، وأنَّكم بمرورهما في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة؟ فالأعمار تَفنَى، والآجال تُدنَى، وصحائف الأعمال تُطوَى، والأبدان في الثَّرى تَبلَى، أليس في ذلك للعاقل أعظم العبر وأبلغ العظات؟"
وتحدث عما تحدث عنه سابقا من أن الموت يلحق بالكل فقال:
"أيها المسلمون:
ألاَ ترَوْن أنَّكم في هذه الحياة تتقلَّبون في أسْلاب الهالكين، وستَذهَبون رغمًا عنكم وتُورِثونها لخلفكم اللاحِقين؟ وها أنتم في كلِّ يومٍ تُشيِّعون منكم غاديًا ورائحًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - قد قضَى نحبَه ومضى حقًّا إلى ربِّه، فتُودِعونه وتدَعُونه في صدع من الأرض غير مُوسَّد ولا مُمهَّد، قد خلَع الأسباب، وفارَق الأحباب، وسكَن التراب، وواجَه الحساب، غنيًّا عمَّا خلَّف، فقيرًا إلى ما أسلَف، أليس في ذلكم مُعتَبر، وعن الغيِّ مُزدَجر؟ فاتَّقوا الله يا أولي الألباب؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} "
كما تحدث عن أن ما مضى من الزمان ما فيه من أحداث لا يمكن ان يعود ومن ثم الواجب هو التوبة من أخطاء الماضى فقال :
"أيها المسلمون:
إنَّ لكلِّ شيءٍ بدايةً ونهاية، وإنَّ نهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذَن عامُنا بالرَّحِيل وولَّى الأعقاب، وإنَّ هذا الرحيل لَيترُكُ في النُّفوس عظيمَ الحزن، وبليغ الأسى، على جزءٍ من العمر قد انقَضَى، وتصرَّم ومضى، في غير طاعةٍ للمولى، وربما في مقارفة بعض الذنوب واتِّباع الهوى، وإنَّ عامكم الذي قد انقَضتْ أيَّامه ولياليه، وطُوِيت صحائفه على ما تَحوِيه، قد مضى فلا يُمكِنكم ردُّ شيءٍ ممَّا فيه، أو إصلاحه وتلافيه، إلا بالتوبة الصادقة والندم على ما كان، والرُّجوع حقًّا إلى الملك الديَّان، فاستَدرِكوا ما مضى بالتوبة وصدق الأوبة، فوالله لا خيرَ في الحياة إلا لتائبٍ إلى ربِّه من الزلاَّت، وعبد مُخلِص لله في عمل الصالحات، ومُسابِق إلى رفيع الدرجات."
وتحدث عمن ماتوا فى العام المنصرم ودعا للمطيعين بالرحمات وللعصاة بالجحمات فقال :
"أيها المسلمون:
وكم في النُّفوس من لوعةٍ على فراق أحبَّةٍ لنا مضَوْا خلال العام راحِلين، وانقَطَع ذكرُهم وما أمَّلوا وغدَوْا أثرًا بعد عين، رجال طالما انتظروا الصلاة بعد الصلاة، وطالما لهجوا بتلاوة الآيات، وعمَّروا الأوقات بجليل الطاعات وعظيم القربات، مجالستهم تزيد الإِيمان، ورؤيتهم تُذَكِّر بالرحمن، وكان وجودُهم بين ظهراني المجتمع أمنةً للناس وصمام أمان، فاستلوا من بيننا دون اختيار، ومضَوْا إلى الواحد القهَّار، وإنَّ في الله عزاءً من كلِّ مصيبة، وجبرانًا من كلِّ نقيصة، وخلفًا من كلِّ فائت، فاللهمَّ اغفر لهم أجمعين، وارفَع درجتهم في المهديِّين واخلفهم في عقبهم في الغابِرين، واغفِر لنا ولهم يا ربَّ العالمين، وافسح لهم في قبورهم، ونَوِّر لهم فيها، وارحمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه يا أرحم الراحمين. وكم من أهوالٍ عظام، وأحداث جِسام، مرَّت بنا خلال العام، أقضَّت المضاجع، أفرغت القلوب في الهواجع، من ظلم الظالمين، وإفساد المفسِدين، وتخريب المجرِمين، الذين عاثُوا في الأرض الفساد، وخرَّبوا البلاد، وشرَّدوا العباد، ورمَّلوا النساء، ويتَّموا الأولاد، وانتَهكُوا الحرمات، وهمُّوا بالإِلحاد في المقدَّسات، وفتَنُوا الناس في الدين، وشتَّتوا شملَ المسلمين، فأخَذَهم الله أخْذَ عزيزٍ ذي انتِقام، وجعلهم عبرةً للأنام، ونصَر أهل الإِسلام، بحوله وقوَّته وبما سخَّر - سبحانه - من الوسائل والجنود، وإنَّ الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر، فاشكُرُوا الله على هذا الإِنعام."
وطالب المسلمين أن يتخذوا العبرة مما أصاب الله به الناس من أضرار الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات حتى يعودوا لدينه ولكنهم لا يعرفون أن كل هذه إنذارات لهم لعلهم يتضرعون ومن ثم يمضون فى أعمالهم السيئة فقال :
أيها المسلمون:
وكم مَرَّ بالأسماع من الزلازل العنيفة، والفيضانات المروِّعة، والمجاعات المخيفة، والفتن المهلِكة؛ ليُذِيقهم بعضَ الذي عملوا لعلَّهم يرجعون؛ {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}
{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} "
وذكرنا الرجل بعجزنا عن ايقاف الزمن وايقاف التغيرات فينا فقال :
"أيها المسلمون:
إنَّ تغيُّر الأحوال، وانقضاء الآجال، وانقِطاع الأعمال والآمال، وما يحدُث من الفواجع والأهوال، وما يُنزِل الله من الألطاف بالمسبِّحين له في الغدوِّ والآصال، كل ذلك ممَّا يُشعِر بعجز المخلوق وضعفه وشدَّة حاجته وافتِقاره إلى خالِقِه ومولاه ومعبوده وحدَه دون مَن سواه، ويُحفِّز العاقل على الرجوع إلى ربِّه والتعلُّق به وحدَه والتمسُّك بدينه والسَّير إليه على هدْي نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ومُلازَمة تقوى الله في سائر الأحوال، فإنها عنوان السعادة وسبيل الفلاح، فالدنيا محفوفةٌ بالأنكاد والأكدار، والشرور والأخطار، ولا يهذبها ويصفِّيها ويسلِّم العبد من شرِّ ما فيها إلاَّ الاستِقامة على الدين، والاستِعانة بما فيها على طاعة ربِّ العالمين؛ كما قال - تعالى - في كتابه المبين: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} وقوله - سبحانه -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "
وعاد لتكرار الوصية بالتقوى فقال :
"فاتَّقوا الله عباد الله، واغتَنِموا فرص الحياة فيما يُقرِّبكم إلى الله، وليكن لكم من مرور الليالي والأيَّام، وتصرُّم الشهور والأعوام، وما يحدث في طيَّاتها من الحوادث الجِسام والأهوال العِظام، عبرٌ ومُزدَجرٌ وعمل صالح تجدون ثوابَه عند الله مدخرًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} "
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» نظرات فى بحث نهاية العالم في المعتقدات الدينية
» نظرات فى خطبة الموت
» نظرات فى خطبة مملكة سبأ
» نظرات فى خطبة فضل الشكر
» نظرات فى خطبة الشهادات الرمضانية
» نظرات فى خطبة الموت
» نظرات فى خطبة مملكة سبأ
» نظرات فى خطبة فضل الشكر
» نظرات فى خطبة الشهادات الرمضانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى