قراءة في كتاب جواب مسألة في قيام المفاعيل
صفحة 1 من اصل 1
قراءة في كتاب جواب مسألة في قيام المفاعيل
قراءة في كتاب جواب مسألة في قيام المفاعيل
الكتاب تأليف كاظم الرشتى وهو واحد من خلفاء المذهب الأوحدى وهو مذهب خليط بين الشيعة والسنة والصوفية وسبب تأليف الكتاب هو الرد على سؤال شخص من الأتباع له عن المفاعيل والله والظاهر من السؤال ومن الجواب هو أنه بعيد عن الوحى الألهى لاستخدام الاثنين مصطلحات الصوفية كالقيام الصدورى والحقيقة المحمدية والقيام الركنى
وقد استهل الكتاب بعرض السؤال وهو سؤال غموض لذكره تلك المصطلحات التى لا وجود لها في الوحى فقال :
"فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ، أن هذه كلمات كتبتها جوابا لمسائل بعض الإخوان صانه الله عن عوارض الزمان مع كمال اختلال البال وتشويش الحال وتوفر الكلال والملال ، نسأل الله سبحانه أن يلهم الصواب ويجعلها ذخرنا ليوم الحساب .
قال سلمه الله : يا سيدي أطال الله بقاكم تفضل علي بكشف الحجاب والأستار عن هذه المسألة ، وهي أن المفاعيل بفعل الله بالقيام الصدوري وبالحقيقة المحمدية بالقيام الركني ، فما حال الفعل نفسه فهل يلاحظ فيها حجة المفعولية أم لا ؟ وهل هو قائم بذاته أم بذات الله ؟
وقد استهل الإجابة بنسبة المفاعيل لله فقال :
"أقول : أما قيام المفاعيل بفعل الله تعالى بالقيام الصدوري فذلك معلوم لأنها منتسبة إلى الفعل ومنتهية إليه ودالة عليه ألا ترى أن حسن الخط وقبحه لا يدلان على حسن الكاتب أي ذاته وقبحه ، وإنما يدلان على اعتدال حركة يد الكاتب وحسنها وعدم اعتدالها وقبحها والأثر علي يدل المؤثر بالضرورة فلو كان هو الذات لدل عليها ، هذا خلف "
والإجابة في أولها سليمة باعتبار الله كما قال :
" الله خالق كل شىء"
وأما التشبيه الذى شبهها والله به فهو تشبيه لا يصح مع الله لأنه تشبيه له بخلقه وهو أن الله يشبه الكاتب من حيث فعله وهو الخلق والكتابة عند الكاتب ومع هذا حسن وقبح الكتابة لا ينسبان للكاتب وإنما ينسبان ليده وهو كلام ذم لله تعالى لو عقل الرشتى لعدم وجود فباحة في خلق الله كما قال :
" الذى أحسن كل شىء خلقه"
ومن ناحية أخرى فهو تشبيه لله بالخلق في وجود أعضاء كاليد وهو ما لا يعقل ولا يجوز ثم قال :
"وليس مرادي أنها قائمة بالفعل قيام صدور أن الفعل مستقل في ذلك والذات معزولة عنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى لكن لا على وجه الصدور وحصول النسبة بين المصدر بكسر الدال والمصدر بفتحها كما بين الفعل والمفعول من المناسبة الصحيحة لصدور ذلك الأثر منه دون غيره ألا ترى حركة اليد المتعلقة بالألف مثلا مستقيمة وبالجيم معوجة ، ففي الحالة الأولى امتنع صدور الجيم وغيرها عنها ولا كذلك نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى ، كما زعموا وفرعوا عليه أنه لا يمكن أن يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلولا اعتقادهم وجود النسبة بين المؤثر لذاته وبين الأثر لما أمكن هذا القول ونحن نسبنا المفاعيل إلى الفعل من حيث هذه النسبة والكثرة المستدعية للحدوث والإمكان وقلنا أن قولهم لابد أن يكون بين المفعول والفاعل مناسبة تصحح صدور ذلك المفعول الخاص دون غيره وإلا فلصدر كل شيء عن كل شيء وهو بديهي البطلان وقولهم أن مباين الشيء لا يصدر عنه إذ لا يعقل صدور الحرارة من الماء البارد ، والحرارة من النار وأمثالها كله حق ، لكن المناسبة بين فعل الذات ومفعولها لا بينها وبينه وأقمنا عليه براهين ليس هنا محل ذكرها إن لم تكف بما ذكرنا وأشرنا "
والرشتى هنا كمن أراد أن يكحل الناظرة فعماها ففى أول كلامه جعل الفعل والذات الإلهية واحد باعتبار الفعل متواجد فى الذات بقوله" بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى" والغريب أن ما ذكره هو نفسه ما عابه عن القائلين" نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى"
والغريب أنه لا يفتأ يضرب الأمثلة وهى أمثلة لا تصح لأنها تشبيه لله بالخلق كما أنها تعارض مع قوله فقوله عن تباين الحرارة عن الماء البارد فبعد الحرارة عن الماء تقتضى بعد الفعل عن الله بمعنى أنه ليس هو الله ولكنه شىء أخر وإن كان الله هو خالقه
وعاد للكلام الغريب الذى يصدر عن الصوفية والفلاسفة وليس عن الشرع وهو كلام لا يفهمه أحد حتى من يقوله فقال:
"وأما الذات الأقدس سبحانه وتعالى فهو محقق الحقائق ومذوت الذوات ومؤصل الأصول لكنه بلا نسبة مباينة ولا موافقة ولا مساوية ولا عامة ولا خاصة ولا مطلقة ولا مقيدة ولا جميع أنحاء النسب لأنها تستلزم الإثنينية ، إذ النسبة لا تكون إلا بين الاثنين ولا تعقل في الواحد إلا باعتبار الاثنين وما زاد ، بل هو سبحانه مقيم الأشياء بلا كيف ولا إشارة "
وهذا الكلام لو عبر عنه بآيات الوحى لكان ظاهرا مفهوما كقوله تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
فهنا حل المسألة وهى أن فعل المخلوق يكون عندما يقدره الله على فعله وهو ما عبر عنه إبراهيم(ص) بالقول:
"والله خلقكم وما تعملون"
فالله خالق الفاعل والفعل
وتحدث عن شىء لا وجود له وهو ما سماه الحقيقة المحمدية ومحمد(ص) مخلوق وهو ميت ومن ثم حقيقته الدنيوية لا علاقة لها بمسألة الفعل والمفعول لكونه ميت لا يضر ولا ينفع لأن النافع هو الوحى المنزل عليه وفيها قال :
"وأما قيام الأشياء بالحقيقة المحمدية (ص) بالقيام الركني ففيه إجمال لابد من تفصيله وتوضيحه فإنه قد أثبته على جماعة ممن يدعون العلم حيث لم يعرفوا المراد ولم ينظروا بنظر الأنصاف والوداد فوقعوا فيما وقعوا أعاذنا الله منه
وبيان هذا الإجمال هو أن القيام الركني في الحقيقة هو قيام جزء الشيء بالآخر وقيام الجزء بالكل وقيام الصورة بالمادة والماهية بالوجود وقيام الشيء الكل بأجزائه ويستعمل أيضا ويراد به قيام المادة بالصورة وعلى كل حال يلزم من هذه العبارة في مقابلة القيام الصدوري وأن تكون الحقيقة المقدسة مادة الأشياء كلها في الاستعمال الحقيقي وصورتها في الاستقلال الثاني ، وهذا القول لا ينطبق على مذاهب المسلمين إلا على قول طائفة قالوا بوحدة الوجود لا بمعنى أن الوجود هو ذات الله السارية في الأشياء كلها كما هو زعم طائفة عظيمة من الصوفية بل بمعنى أن فعله سبحانه واحد وهو الوجود المنبسط والوجود المطلق الساري في أطوار الكائنات وحقائق الموجودات وقالوا أن الحضرة المحمدية هو الفعل وقد فرعوا عليه هذا القول الشنيع والمذهب الفظيع ومن نظر إلى الكلام أي قيام الأشياء بالحقيقة المقدسة بالقيام الركني وعرف المعنى المراد منه على مصطلحهم يذهب إلى أن صاحب هذا القول هو صاحب ذلك المذهب كلا وحاشى"
وحتى نهاية الفقرة السابقة نعلم أن الرجل ينكر تلك الحقيقة المحمدية التى ادعاها بعض الصوفية ومع هذا عاد لاثبات ما أنكره من خلال أن الكون خلق من نور محمد(ص) الذى كان معدوما كبقية الخلق فقال:
" وهذا القول في البطلان بمكان وليس المراد منه ما يتراءى من ظاهر العبارة بل المقصود أن الله سبحانه لما خلق محمدا صلى الله عليه وآله تشعشعت أنوارهم وتلألأت إشراقاتهم لقربهم من مبدئهم وملأت أنوارهم الأكوار والأدوار والأصقاع فخلق الله سبحانه من ذلك النور ومن نوره ومن نور نوره حقائق سائر الموجودات على تفاوت درجاته ، فحقائق الموجودات مادته نورهم وصورتها إجابتهم على وفق محبة وخلافها والأحاديث والأخبار في هذا المعنى تكاد تبلغ حد التواتر المعنوي كقولهم عليهم السلام ( إنما سموا الشيعة شيعة لأنهم خلقوا من شعاع نورنا ) (اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا بحارالأنوار53/302 بالمعنى) "
ونسبة الخلق لنور محمد أو نور الأئمة يخالف كلام الله الذى جعل أصل المخلوقات كلها هو الماء فقال
" وجعلنا من الماء كل شىء حى"
وعاد الرشتى لأمثاله التى يشبه فيه الخالق بالخلق والعكس فقال :
"ومدخول من مقام الصنع والإيجاد هو المادة كما هو المعلوم عند أهل اللسان كافة ، كقولك صغت السرير من الخشب وصنعت الخاتم من فضة وأمثالها ، ولما كان الشعاع عند المنير مضمحلا فانيا باطلا ولا يلحظ معه فينسب إلى المنير ولذا قال الأستاذ العلامة ( أن الأشياء قائمة بالحقيقة قيام ركني أي بأشعتها وإشراقاتها لا بذاتها وحقيقتها ) فإذا عرفت هذا القدر من الكلام فلنرجع إلى جواب المسألة فنقول أن الفعل أيضا تلاحظ فيه جهة المفعولية قطعا لأنه حادث قطعا وكل حادث مصنوع مفعول قد تعلق به الفعل فهو فيه لحاظان :
أحدهما لحاظ فعلية وثانيهما لحاظ مفعولية ، ولما كان المفعول يتعلق به الفعل وليس ثمة فعل آخر فكان مفعوليته بنفسه وفاعليته بنفسه والفعل الذي أوجده بنفسه وهو سبحانه أقامه كما أقام غيره به ، كما قال مولانا الصادق (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة ، الكافي 1/110 ) فهو قائم بنفسه قيام صدور كقيام الأشياء به ، أي ليس فعل آخر يكون واسطة في صدوره كما كان بنفسه واسطة في صدور الأشياء عن الله تعالى ، فالفاعلية التي تعتبر فيها الفعل لنفس الفعل ليس إلا الفعل نفسه لا شيء آخر فمدده بنفسه أي أمده الله سبحانه بنفسه لا بفعل آخر حتى يلزم التسلسل أو الدور فقولك هل هو قائم بذاته أم بذات الله تعالى ، جوابه أنك إن أردت بالقيام ، القيام الرابطي والنسبي المعتبر في الصدور بين الصادر وفعل المصدر فذلك بنفسه لا بفعل آخر لانقطاع الربط والنسبة في ذاته تعالى "
والكلام هنا مخالف لكتاب الله فالرجل اعتبر المشيئة الإلهية مخلوقة باعتماده العبارة "خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة"
والمشيئة الإلهية ليست منفصلة عن الذات الإلهية فكلاهما واحد ومن قال بأن المشيئة مخلوقة فقد عنى أن الله مخلوق لأن الله لا يقسم إلا باعتبار الألفاظ فالذات الإلهية واحدة كما قال " قل هو الله أحد" ومن ثم فعندما نتحدث عن القدرة عن المشيئة عن العلم ...إلخ فهذا كله هو الذات نفسها فهى ليست مكونة من أجزاء ولا أبعاض وإنما واحدة
ولو عقل الرشتى تلك الكلمة لكان معناها أن الله لم يكن له مشيئة ثم صارت له مشيئة فكيف خلق مشيئته بدون ان تكون له مشيئة تريدها ؟
وعاد لضرب الأمثال فقال :
"ولذا قلنا في الفعل والمشيئة أنه الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي مثاله في الجملة السراج فإن النار أحدثت الأشعة والأضواء بالشعلة أي بمناسبة بينهما وأحدثت نور الشعلة بنفسها لا بشعلة أخرى أي كما أن الأشعة منتسبة إلى الشعلة في النور وليست الشعلة منتسبة إلى غيرها في استمداد النور وإن كانت متقومة بالنار بحيث إذا أعرضت عنها فنيت واضمحلت وبطلت وكذلك الفعل حادث مفعول أحدثه الله سبحانه وأقامه بنفسه وأمسكه بظله وأقام الأشياء به "
وكما قلت سابقا لا يصح أن نشبه بفعل الله بفعل المخلوقات لأن المخلوقات محتاجة إليه بينما هو في تلك الأمثلة التى يضربها محتاج للغير وهو ما نفاه عن الله بقوله نتيجة علمه بغلط تلك ألمثال فقال :
"وإن أردت بالقيام أنه متحقق موجود بالله سبحانه لا فناء له عنه فالفعل وغيره في هذا المعنى على حد سواء فكل شيء قائم به تعالى لا يستغني عنه شيء أبدا بحال من الأحوال لا بمعنى من الأشياء قائمة بالفعل وهو مقومها ومحققها وساد فقرها والفعل قائم بالله سبحانه ، بل الأشياء كلها فعلا كان أو غيره قائمة بالله سبحانه بلا نسبة ولا ارتباط ولا كيف ولا إشارة ولا جهة ولا بقيام من أحد القيامات الأربعة من الصدوري والركني والظهوري والعروضي ، بل على وجه آخر لا تدركه ولا تناله القياس وكل من قال بالربط بين القديم والحادث فقد خبط خبط عشواء ، فإنه سبحانه وحده ليس معه شيء آخر يسمى بالربط فإن لم يكن هذا المسمى عندهم بالربط في ذات الله تعالى فلا ربط في القديم وإن كان فقد وجد في القديم آخر أو شيء ليس بقديم ولا حادث وهو قديم وحادث والالتزام به يشبه قول السوفسطائية فإذا بطل الربط والنسبة بين ذات القديم سبحانه والحادث فلا فرق في تقوم الأشياء به تعالى بين الفعل وغيره فكلها قائمة به تعالى بلا كيف ولا إشارة إلا أن الموجودات حين انجعالاتها تختلف أحوالها فمنها ما لا يحتاج في تقومه إلا إلى المبدأ الفاعل فحسب ، ومنها ما يحتاج إلى غيره أيضا من شرط ومتمم ومكمل كاللون مثلا من حيث هو يحتاج في تحققه إلى جوهر ومحل زائد عن احتياجه إلى الفاعل وليس ذلك من نقض في الفاعل وإنما هو من جهة نفس اللون والعرض وليس هذا الاختلاف والتفاوت من جهة الأعيان الثابتة القديمة بل من جهة التقدم والتأخر في الجعل والإنجعال ولاشك أن أول ما تعلق به الجعل ببطلان الطفرة في الغاية من الشرف والبساطة والإحاطة وذكرنا ما سواه فيه وكلما سواه يتعلق الجعل به وإلا لتساويا فلم يكن لتعلق الجعل أولا نور وجمال وإحاطة وشرافة فلم يكن الجاعل حكيما كاملا إذ لم يكن لمجهوله جمال ولجماله جمال وهكذا وهو خلاف مقتضى ظهور قدرة القادر المطلق "
وهذا الكلام كما سبق القول كلام فلسفى لا يفيد المسلم بشىء إلا تعليمه ما لا وجود له في الشرع ومن ثم كان على الرشتى شرح الأمر بالوحى وليس بالفلسفة لأنه في سبيل هذا كذب الوحى فمثلا نسب الله الربانيين إليه فقال :
" ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون"
فالربانية تعنى أن طاعة الرب فهذه هى نسبة لطاعته ومثلا نسب الخلق إليه باعتباره خالقهم وخالق أعمالهم
ونجد في كلام الرشتى تناقض فمرة جعل الربط محال بقوله " فإنه سبحانه وحده ليس معه شيء آخر يسمى بالربط" ومرة قال إنه من الممكن أن يكون في القديم بقوله" فلا ربط في القديم وإن كان فقد وجد في القديم آخر"
وتحدث عن عدم وجود رابطة بين الله وفعله فقال :
"فالمتقدم أولا الواحد المنبسط على غيره هو المسمى بالفعل وهو كالواحد للأعداد وكل ما سواه مخلوق به مجعول بواسطة لا يمكن انجعاله إلا به لا لأجل نسبة خاصة بين الله سبحانه وبين فعله للسبب بينه وبين غيره فإن النسبة هناك منتفية والرابطة بين الله تعالى وفعله ممتنعة والكل عنده على حد سواء وإليه الإشارة في الدعاء (و لا يشغله علم شيء عن علم شيء و لا يشغله خلق شيء عن خلق شيء ، تهذيب الأحكام 3/117 ) فافهم راشدا واشرب صافيا ."
وهذا الكلام هو تكذيب لقوله تعالى " الله خالق كل شىء"
فالمنتفى هو أن يكون الفعل والمفعول في ذات الله وإنما الفعل والمفعول هو في المخلوق وهو الكون بما فيه
ثم تعرض لجزئية أخرى من السؤال فقال :
"قال سلمه الله تعالى : وأيضا خفقوا إلى أن الاختلاف في الإجابة والإنكار وظهور المراتب للوجود وتقدم بعضها على بعض ، هل هو بفعل الله سبحانه ؟ أم لا ؟ .
وعلى الثاني فالأشياء كانت مشاعرة بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة قبل الكون والشعور لا يكون إلا بعد الكون أم وجود ؟ .
أقول : إن ظهور المراتب وتقدم بعضها على بعض وتحقق الاختلاف يكون على قسمين أحدهما في السلسلة الطولية وهي المراتب الحاصلة بالأثرية والمؤثرية فإن السافل أثر ومعلول وشعاع منفصل للعال ، كالنور بالنسبة إلى المنير من الشمس والسراج وأمثالهما كالقيام والقعود وسائر الآثار الحاصلة للشخص بواسطة حركته بالنسبة إلى ذات الشخص وكالمرايا أي الصور المنطبعة عن الشاخص في الزجاجة والماء الصافي وأمثالها بالنسبة إلى الشاخص والاختلاف في هذه المراتب وأمثالها في المادة وهو ليس الإجابة والإنكار إلا بتأويل سبق الوجود وتأخره ولا يقع السؤال في هذا المقام عن علة تقدم السراج على شعاعه وتقدم الشخص على آثاره كقيامه وقعوده وكلامه وتقدم الشاخص على المرآة أي الصورة لأن السؤال عن الترجيح إنما يكون إذا أمكن أن يكون أحدهما في رتبة الآخر فيسأل حينئذ عن المرجح والحكمة إذا كان الفاعل المرجح حكيما وأما إذا امتنع طول كل منهما في رتبة الآخر فالسؤال عن وجه الرجحان قبيح لأن الشعاع إذا فرض كونه في مقام السراج لم يكن شعاعا وإنما كان سراجا منيرا لابد له من نور وشعاع والسراج إذا فرضته في مقام الشعاع لم يكن سراجا وإنما يكون نورا وشعاعا يحتاج إلى السراج فلم يبق لأحدهما وجودا أصلا إذا فرض كونه في رتبة الآخر فالكامل لابد له من كمال وهو أثر فان خلقه الخالق من غير كمال كان نقصا في حكمة الإيجاد فإذا خلقه كاملا فلابد له من أثر ، فلا يمكن فرض كون الأثر في رتبة المؤثر ، فإذا أمكن هذا السؤال يمكن أن يسأل أن الحادث لم يكن قديما والقديم حادثا والجواب الجواب والكلام الكلام وهذا السؤال ساقط عن أصله ورأسه فالاختلاف في السلسلة الطولية في المادة وذلك يحصل بجعل الجاعل أي من مقتضياته لبطلان الطفرة ولزوم كون أو ما تعلق به الجعل لكونه المبدأ له نور وشعاع وجمال فإذا فرضت هذا الشعاع والنور أول متعلق الجعل كان هو المنير والمبدأ فلابد له من نور وشعاع وذلك ظاهر المعلوم إنشاء الله تعالى وليس هذا هو الجبر فإنه جعل ما أمكن أن يكون شيئا بخلاف مقتضى ميله وشهوته وهذا لا يمكن أن يكون ذلك الشيء بحال من الأحوال كامتناع كون الممكن قديما والماضي مستقبلا والذي وقع أن لا يقع وأمثال ذلك ."
وكل هذا الكلام الفلسفى لن يفهم القارىء منه شىء وإنما كان واجبه أن يحدث السائل وغيره بما يفهمون وهو :
أن المخلوق سابق الوجود على أفعاله فالمخلوق مثلا وهو الإنسان يوجد في صورة مولود رضيع وبعد ذلك تأتى أفعاله من الرضاعة والإشارة ويتدرج في الأفعال التى يقدر عليه من جلوس ووقوف ومشى...
وتحدث حديثا فلسفيا أخر فقال :
"وثانيهما في السلسلة العرضية وهي ما إذا كانت المادة واحدة والاختلاف في الصورة وهنا يقع السؤال عن صيرورة حصة من مادة على صورة وهيئة مخصوصة ؟
سائر الصور مثل الحصة التي صورت بصورة زيد ، لماذا ما تصورت بصورة عمرو مثلا وهكذا في كل متحد المادة والمادة المقام ومختلف الصورة والهيئة فهنا محل السؤال والجواب ، أن علة الاختلاف والإجابة والإنكار والتقدم في الإجابة والتأخر والمبادرة إليها وعدمها والإخلاص في الإجابة وعدمه والنفاق فيها وعدمه ، واختلافها في الظاهر والباطن والعرضي والذاتي وأمثال ذلك ، وبيان هذا الإجمال بالعبارة الظاهرة أنه سبحانه وتعالى خلق مادة واحدة في كل مرتبة على حسب مقامه وهي من جهة قربها إلى المبدأ بالنسبة إلى صورها وهيئاتها فإنها حدود وأعراض تعرض تلك المادة كانت في الغاية من الشعور والإدراك فهي من حيث وحدتها وبساطتها الإضافية عين الشعور والإدراك ، ولكنها لا تلتفت إلا إلى بارئها ومبدئها ولا تتوجه إلى غيره سبحانه وهي النفس التي من عرفها فقد عرف ربه لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
ونلاحظ هنا تناقض كلام الرشتى فمرة يقول أن المخلوقات تتوجه إلى الله" ولا تتوجه إلى غيره سبحانه" ومرة يقول أنها ان المخلوقات تتوجه إلى نفسها بقوله" لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
والخطأ هو أن معرفة النفس تعنى معرفة الرب لأن العبارة كفر فمعناها أن المخلوق هو نفسه الله ولو كانت العبارة صحيحة كما يظن البعض فلماذا نسأل عن الله ونريد معرفته ؟
وتحدث عن خلق المخلوقات حيث قال سابقا أن المخلوقات خلقت كلها من نفس المادة وهى الماء ولكن بهيئات وصور متعددة ويكمل بخلق النفس التى تعرف وتشتهى وغير ذلك فيقول :
" ثم خلق الله سبحانه فيها ذكر الموجودات وصلاحية التصور بالصور والهيئات والحدود والجهات فنظرت إليها واشتغلت بها فتخصصت بتلك الجهات المذكورة واختلفت شهواتها وميولاتها واقتضاءاتها ، ثم لما دعاهم داعي الحق سبحانه بلسان أنفسهم ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فمن مقدم بالإجابة بقوله بلى ومن مقدم فيها بقوله نعم فالأول استحق المقام في عليين والثاني استحق الهبوط في السجين وقد أشار الإمام عليه السلام إلى تلك الاقتضاءات لقوله عليه السلام في جواب القائل (كيف أجابوا و هم ذر قال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ، الكافي 2/12 ) وهي تلك الشؤون والإقتضاءات الموجبة للاختيار والقبول والأدبار ، فالذر هي تلك المادة المتخصصة بتلك الحدود والجهات في الصلوح والذكر القابلة لكل صورة وهيئة من صور السعادة والشقاوة والإنسانية والشيطانية وهي في تلك الحالة شاعرة عالمة بتلك الاقتضاءات والمقتضيات وهي المصححة لتحقق الاختيار والاختبار "
وحديث الذر هو حديث موضوع فمعنى الآية :
"وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا"
فأولا الآية تتحدث عن بنى آدم(ص) وليس عن آدم(ص)ومن ثم صحة للحديث ولا لفهم الآية كما هو شائع والآية تتحدث عن أن الله يأخذ الميثاق من كل الناس عن طريق الوحى المرسل لكل أهل عصر على حدة كما قال تعالى :
" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"
وليس أن لنا وجود سابق على وجودنا الحالى لأنه لو كان لنا وجود خلقى من قبل لعلمنا به ولكن وجودنا كان وجودا علميا لله وحده بمعنى أن قضى في لوح القدرأنه سيخلقنا في المستقبل
وعاد للحديث عن الفهم الخاطىء للآية فقال :
"وإحداثها في عالم الكون لابد منه لاقتضاء الفيض ذلك والتحقق في الكون لابد له من صورة بها يتميز مما هداها واختلاف الصور معلوم لأنه مأخوذ في حقيقتها فجعل الكل من نوع صورة واحدة إن كان على جهة الإلجاء والجبر قبيح لا يصدر عن الحكيم والاختلاف من دون داع ترجيح من غير مرجح فأهلهم الله سبحانه للاختلاف وأعطاهم قوة التميز وأذكر فيهم الاختيار وأراهم ما يحبه الله وما يكرهه من الحدود والصور والأعمال ومقتضياتها ثم كلفهم وقال ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فاختلفوا وهو قوله ((ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ،يونس19)) فاختلفوا في الإجابة والإنكار فقدمهم الله سبحانه وأخرهم وألبسهم صور طاعته ومعصيته بحقيقة ما هم أهله وهو قوله تعالى ((بل طبع الله عليها بكفرهم ، النساء 155)) وقوله تعالى ((يهديهم ربهم بإيمانهم ، يونس9)) وقوله ((لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ، المائدة13))
فتبين لك من هذا البيان التام أن التأهب والقابلية إلى اختلاف الإجابة والإنكار بفعله سبحانه وتعالى ، فلولا أهلهم سبحانه ما قدروا على شيء وحيث ما أهلهم الله سبحانه فليس هو الذي أوقعهم في الإجابة أو الإنكار أي حتم عليهم أحد الصورتين وجبرهم عليها ، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا ، وأما تقدم بعضهم على بعض فهو بفعله سبحانه اختيارهم وإقبالهم وإدبارهم لابتداء حتى يلزم الترجيح من غير مرجح وهم كانوا شاعرين بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة إذ لو يكونوا شاعرين امتنع تكليفهم والخطاب عليهم فإنه (مح) ."
وهذا الكلام عن اختلاف إجابات الناس على ميثاقه كان في علم الله وليس انهم كفروا أو أسلموا لأنه لم يكن لهم وجود خلقى ولا يعلم بما قدره الله سواه
ثم تحدث عن جزئية أخرى من السؤال فقال:
"وقولكم والشعور لا يكون إلا بعد الكون صحيح لا شك فيه إلا أن الكون على قسمين ، كون إجمالي وهذا في المادة المطلقة الصالحة للسعادة والشقاوة قبل وقوع أحدهما عليهم كالخشبة الصالحة للصنم والسرير والباب والضريح وفي هذه المرتبة تحقق الشعور والإدراك فحصلت الإجابة ، والإنكار في الخلق الثاني بذلك الشعور وأما قبل الكون بمعنى قبل الوجود مطلق وهناك لا يصح لأنه صفة الوجود فإذا فقد الموصوف فالصفة بطريق أولى ، نعم تحقق الشعور قبل الكون الثاني المعبر عنه بالخلق الثاني مقام التمييز وتمام الأمر والحكم بالسعادة والشقاوة فافهم وفق الله لخير الدارين ."
ومعنى الكلام في كتاب الله هو:
أن المخلوق يكون عند الله في المرحلة الأولى مجرد علم له وحده بأنه سيخلق فلانا وأن عمله كذا وكذا وفى المرحلة الثانية يخلق المخلوق فعليا فيحدث المخلوق بإرادته ما كتب الله عن حياته ومصيره
وتحدث عن جزئية أخرى فقال :
"قال سلمه الله تعالى : وأرشدني إلى علم وذكر يورث فتح النور ودفع الشك والأوهام والخطورات القلبية لعل الله سبحانه يوفقني للعمل به والمواضبة عليه.
أقول : اعلم أن الذي يورث فتح النور ورفع الشكوك والأوهام هو الإخلاص المسبب للاعتصام بحبل آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتمسك بهم والانقطاع إليهم والأعراض عما عداهم واعتقاد أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم وعنهم وعندهم ومنهم فإن الخير لهم ومعهم وفيهم وهم معدنه ومأواه وميراث النبوة عندهم وإياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم فتكثر الصلاة عليهم في آناء ليلك وأطراف نهارك ، فإن من صلى عليهم مرة واحدة صلى الله عليه في ألف صف من الملائكة طول كل صف ما بين المشرق والمغرب ، وتعرض عن كل شيء لا ينسب إليهم في كل شيء فإذا كنت كذا فتح مسامع قلبك للخير والرشد ويدفع عنك كل شك وشبه فإن الظنون والشكوك والشبهات ليست منهم ولا ترجع إليهم صلى الله عليهم ، وإنما هي من شئون أعدائهم ومعاكسيهم في عالم الظلال فإذا استشرق قلبك بنورهم وقابلت مرآة قابليتك إلى جنابهم فتذهب بنورهم كل الظلمات وترفع كل الشبهات وكن دائم الفكر في هذا العالم فهناك تؤثر كل أثر ذكر تذكر الله تعالى به ويفعل كل اسم تدعوا الله سبحانه به فتكون حينئذ كالسراج تضيء نفسك وعينك "
وهذه نصيحة تخالف كتاب الله فما أمر الله باتباع مخلوق من مخلوقات كآل محمد(ص) وقد ماتوا جميعا لأنهم هم بناته وزوجاته لأنه ذريته انقطعت بقوله تعالى :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"
ومن ثم فالموجود تاريخيا هو آل على لأن الأولاد في كتاب الله ينسبون لأبيهم :
" ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله"
وإنما أمر باتباع كلامه المنزل على الرسول الأخير (ص)كما قال :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
الكتاب تأليف كاظم الرشتى وهو واحد من خلفاء المذهب الأوحدى وهو مذهب خليط بين الشيعة والسنة والصوفية وسبب تأليف الكتاب هو الرد على سؤال شخص من الأتباع له عن المفاعيل والله والظاهر من السؤال ومن الجواب هو أنه بعيد عن الوحى الألهى لاستخدام الاثنين مصطلحات الصوفية كالقيام الصدورى والحقيقة المحمدية والقيام الركنى
وقد استهل الكتاب بعرض السؤال وهو سؤال غموض لذكره تلك المصطلحات التى لا وجود لها في الوحى فقال :
"فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ، أن هذه كلمات كتبتها جوابا لمسائل بعض الإخوان صانه الله عن عوارض الزمان مع كمال اختلال البال وتشويش الحال وتوفر الكلال والملال ، نسأل الله سبحانه أن يلهم الصواب ويجعلها ذخرنا ليوم الحساب .
قال سلمه الله : يا سيدي أطال الله بقاكم تفضل علي بكشف الحجاب والأستار عن هذه المسألة ، وهي أن المفاعيل بفعل الله بالقيام الصدوري وبالحقيقة المحمدية بالقيام الركني ، فما حال الفعل نفسه فهل يلاحظ فيها حجة المفعولية أم لا ؟ وهل هو قائم بذاته أم بذات الله ؟
وقد استهل الإجابة بنسبة المفاعيل لله فقال :
"أقول : أما قيام المفاعيل بفعل الله تعالى بالقيام الصدوري فذلك معلوم لأنها منتسبة إلى الفعل ومنتهية إليه ودالة عليه ألا ترى أن حسن الخط وقبحه لا يدلان على حسن الكاتب أي ذاته وقبحه ، وإنما يدلان على اعتدال حركة يد الكاتب وحسنها وعدم اعتدالها وقبحها والأثر علي يدل المؤثر بالضرورة فلو كان هو الذات لدل عليها ، هذا خلف "
والإجابة في أولها سليمة باعتبار الله كما قال :
" الله خالق كل شىء"
وأما التشبيه الذى شبهها والله به فهو تشبيه لا يصح مع الله لأنه تشبيه له بخلقه وهو أن الله يشبه الكاتب من حيث فعله وهو الخلق والكتابة عند الكاتب ومع هذا حسن وقبح الكتابة لا ينسبان للكاتب وإنما ينسبان ليده وهو كلام ذم لله تعالى لو عقل الرشتى لعدم وجود فباحة في خلق الله كما قال :
" الذى أحسن كل شىء خلقه"
ومن ناحية أخرى فهو تشبيه لله بالخلق في وجود أعضاء كاليد وهو ما لا يعقل ولا يجوز ثم قال :
"وليس مرادي أنها قائمة بالفعل قيام صدور أن الفعل مستقل في ذلك والذات معزولة عنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى لكن لا على وجه الصدور وحصول النسبة بين المصدر بكسر الدال والمصدر بفتحها كما بين الفعل والمفعول من المناسبة الصحيحة لصدور ذلك الأثر منه دون غيره ألا ترى حركة اليد المتعلقة بالألف مثلا مستقيمة وبالجيم معوجة ، ففي الحالة الأولى امتنع صدور الجيم وغيرها عنها ولا كذلك نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى ، كما زعموا وفرعوا عليه أنه لا يمكن أن يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلولا اعتقادهم وجود النسبة بين المؤثر لذاته وبين الأثر لما أمكن هذا القول ونحن نسبنا المفاعيل إلى الفعل من حيث هذه النسبة والكثرة المستدعية للحدوث والإمكان وقلنا أن قولهم لابد أن يكون بين المفعول والفاعل مناسبة تصحح صدور ذلك المفعول الخاص دون غيره وإلا فلصدر كل شيء عن كل شيء وهو بديهي البطلان وقولهم أن مباين الشيء لا يصدر عنه إذ لا يعقل صدور الحرارة من الماء البارد ، والحرارة من النار وأمثالها كله حق ، لكن المناسبة بين فعل الذات ومفعولها لا بينها وبينه وأقمنا عليه براهين ليس هنا محل ذكرها إن لم تكف بما ذكرنا وأشرنا "
والرشتى هنا كمن أراد أن يكحل الناظرة فعماها ففى أول كلامه جعل الفعل والذات الإلهية واحد باعتبار الفعل متواجد فى الذات بقوله" بل كل ما سواه سبحانه قائم به تعالى" والغريب أن ما ذكره هو نفسه ما عابه عن القائلين" نسبة الأشياء للذات الأقدس تعالى"
والغريب أنه لا يفتأ يضرب الأمثلة وهى أمثلة لا تصح لأنها تشبيه لله بالخلق كما أنها تعارض مع قوله فقوله عن تباين الحرارة عن الماء البارد فبعد الحرارة عن الماء تقتضى بعد الفعل عن الله بمعنى أنه ليس هو الله ولكنه شىء أخر وإن كان الله هو خالقه
وعاد للكلام الغريب الذى يصدر عن الصوفية والفلاسفة وليس عن الشرع وهو كلام لا يفهمه أحد حتى من يقوله فقال:
"وأما الذات الأقدس سبحانه وتعالى فهو محقق الحقائق ومذوت الذوات ومؤصل الأصول لكنه بلا نسبة مباينة ولا موافقة ولا مساوية ولا عامة ولا خاصة ولا مطلقة ولا مقيدة ولا جميع أنحاء النسب لأنها تستلزم الإثنينية ، إذ النسبة لا تكون إلا بين الاثنين ولا تعقل في الواحد إلا باعتبار الاثنين وما زاد ، بل هو سبحانه مقيم الأشياء بلا كيف ولا إشارة "
وهذا الكلام لو عبر عنه بآيات الوحى لكان ظاهرا مفهوما كقوله تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
فهنا حل المسألة وهى أن فعل المخلوق يكون عندما يقدره الله على فعله وهو ما عبر عنه إبراهيم(ص) بالقول:
"والله خلقكم وما تعملون"
فالله خالق الفاعل والفعل
وتحدث عن شىء لا وجود له وهو ما سماه الحقيقة المحمدية ومحمد(ص) مخلوق وهو ميت ومن ثم حقيقته الدنيوية لا علاقة لها بمسألة الفعل والمفعول لكونه ميت لا يضر ولا ينفع لأن النافع هو الوحى المنزل عليه وفيها قال :
"وأما قيام الأشياء بالحقيقة المحمدية (ص) بالقيام الركني ففيه إجمال لابد من تفصيله وتوضيحه فإنه قد أثبته على جماعة ممن يدعون العلم حيث لم يعرفوا المراد ولم ينظروا بنظر الأنصاف والوداد فوقعوا فيما وقعوا أعاذنا الله منه
وبيان هذا الإجمال هو أن القيام الركني في الحقيقة هو قيام جزء الشيء بالآخر وقيام الجزء بالكل وقيام الصورة بالمادة والماهية بالوجود وقيام الشيء الكل بأجزائه ويستعمل أيضا ويراد به قيام المادة بالصورة وعلى كل حال يلزم من هذه العبارة في مقابلة القيام الصدوري وأن تكون الحقيقة المقدسة مادة الأشياء كلها في الاستعمال الحقيقي وصورتها في الاستقلال الثاني ، وهذا القول لا ينطبق على مذاهب المسلمين إلا على قول طائفة قالوا بوحدة الوجود لا بمعنى أن الوجود هو ذات الله السارية في الأشياء كلها كما هو زعم طائفة عظيمة من الصوفية بل بمعنى أن فعله سبحانه واحد وهو الوجود المنبسط والوجود المطلق الساري في أطوار الكائنات وحقائق الموجودات وقالوا أن الحضرة المحمدية هو الفعل وقد فرعوا عليه هذا القول الشنيع والمذهب الفظيع ومن نظر إلى الكلام أي قيام الأشياء بالحقيقة المقدسة بالقيام الركني وعرف المعنى المراد منه على مصطلحهم يذهب إلى أن صاحب هذا القول هو صاحب ذلك المذهب كلا وحاشى"
وحتى نهاية الفقرة السابقة نعلم أن الرجل ينكر تلك الحقيقة المحمدية التى ادعاها بعض الصوفية ومع هذا عاد لاثبات ما أنكره من خلال أن الكون خلق من نور محمد(ص) الذى كان معدوما كبقية الخلق فقال:
" وهذا القول في البطلان بمكان وليس المراد منه ما يتراءى من ظاهر العبارة بل المقصود أن الله سبحانه لما خلق محمدا صلى الله عليه وآله تشعشعت أنوارهم وتلألأت إشراقاتهم لقربهم من مبدئهم وملأت أنوارهم الأكوار والأدوار والأصقاع فخلق الله سبحانه من ذلك النور ومن نوره ومن نور نوره حقائق سائر الموجودات على تفاوت درجاته ، فحقائق الموجودات مادته نورهم وصورتها إجابتهم على وفق محبة وخلافها والأحاديث والأخبار في هذا المعنى تكاد تبلغ حد التواتر المعنوي كقولهم عليهم السلام ( إنما سموا الشيعة شيعة لأنهم خلقوا من شعاع نورنا ) (اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا بحارالأنوار53/302 بالمعنى) "
ونسبة الخلق لنور محمد أو نور الأئمة يخالف كلام الله الذى جعل أصل المخلوقات كلها هو الماء فقال
" وجعلنا من الماء كل شىء حى"
وعاد الرشتى لأمثاله التى يشبه فيه الخالق بالخلق والعكس فقال :
"ومدخول من مقام الصنع والإيجاد هو المادة كما هو المعلوم عند أهل اللسان كافة ، كقولك صغت السرير من الخشب وصنعت الخاتم من فضة وأمثالها ، ولما كان الشعاع عند المنير مضمحلا فانيا باطلا ولا يلحظ معه فينسب إلى المنير ولذا قال الأستاذ العلامة ( أن الأشياء قائمة بالحقيقة قيام ركني أي بأشعتها وإشراقاتها لا بذاتها وحقيقتها ) فإذا عرفت هذا القدر من الكلام فلنرجع إلى جواب المسألة فنقول أن الفعل أيضا تلاحظ فيه جهة المفعولية قطعا لأنه حادث قطعا وكل حادث مصنوع مفعول قد تعلق به الفعل فهو فيه لحاظان :
أحدهما لحاظ فعلية وثانيهما لحاظ مفعولية ، ولما كان المفعول يتعلق به الفعل وليس ثمة فعل آخر فكان مفعوليته بنفسه وفاعليته بنفسه والفعل الذي أوجده بنفسه وهو سبحانه أقامه كما أقام غيره به ، كما قال مولانا الصادق (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة ، الكافي 1/110 ) فهو قائم بنفسه قيام صدور كقيام الأشياء به ، أي ليس فعل آخر يكون واسطة في صدوره كما كان بنفسه واسطة في صدور الأشياء عن الله تعالى ، فالفاعلية التي تعتبر فيها الفعل لنفس الفعل ليس إلا الفعل نفسه لا شيء آخر فمدده بنفسه أي أمده الله سبحانه بنفسه لا بفعل آخر حتى يلزم التسلسل أو الدور فقولك هل هو قائم بذاته أم بذات الله تعالى ، جوابه أنك إن أردت بالقيام ، القيام الرابطي والنسبي المعتبر في الصدور بين الصادر وفعل المصدر فذلك بنفسه لا بفعل آخر لانقطاع الربط والنسبة في ذاته تعالى "
والكلام هنا مخالف لكتاب الله فالرجل اعتبر المشيئة الإلهية مخلوقة باعتماده العبارة "خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة"
والمشيئة الإلهية ليست منفصلة عن الذات الإلهية فكلاهما واحد ومن قال بأن المشيئة مخلوقة فقد عنى أن الله مخلوق لأن الله لا يقسم إلا باعتبار الألفاظ فالذات الإلهية واحدة كما قال " قل هو الله أحد" ومن ثم فعندما نتحدث عن القدرة عن المشيئة عن العلم ...إلخ فهذا كله هو الذات نفسها فهى ليست مكونة من أجزاء ولا أبعاض وإنما واحدة
ولو عقل الرشتى تلك الكلمة لكان معناها أن الله لم يكن له مشيئة ثم صارت له مشيئة فكيف خلق مشيئته بدون ان تكون له مشيئة تريدها ؟
وعاد لضرب الأمثال فقال :
"ولذا قلنا في الفعل والمشيئة أنه الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي مثاله في الجملة السراج فإن النار أحدثت الأشعة والأضواء بالشعلة أي بمناسبة بينهما وأحدثت نور الشعلة بنفسها لا بشعلة أخرى أي كما أن الأشعة منتسبة إلى الشعلة في النور وليست الشعلة منتسبة إلى غيرها في استمداد النور وإن كانت متقومة بالنار بحيث إذا أعرضت عنها فنيت واضمحلت وبطلت وكذلك الفعل حادث مفعول أحدثه الله سبحانه وأقامه بنفسه وأمسكه بظله وأقام الأشياء به "
وكما قلت سابقا لا يصح أن نشبه بفعل الله بفعل المخلوقات لأن المخلوقات محتاجة إليه بينما هو في تلك الأمثلة التى يضربها محتاج للغير وهو ما نفاه عن الله بقوله نتيجة علمه بغلط تلك ألمثال فقال :
"وإن أردت بالقيام أنه متحقق موجود بالله سبحانه لا فناء له عنه فالفعل وغيره في هذا المعنى على حد سواء فكل شيء قائم به تعالى لا يستغني عنه شيء أبدا بحال من الأحوال لا بمعنى من الأشياء قائمة بالفعل وهو مقومها ومحققها وساد فقرها والفعل قائم بالله سبحانه ، بل الأشياء كلها فعلا كان أو غيره قائمة بالله سبحانه بلا نسبة ولا ارتباط ولا كيف ولا إشارة ولا جهة ولا بقيام من أحد القيامات الأربعة من الصدوري والركني والظهوري والعروضي ، بل على وجه آخر لا تدركه ولا تناله القياس وكل من قال بالربط بين القديم والحادث فقد خبط خبط عشواء ، فإنه سبحانه وحده ليس معه شيء آخر يسمى بالربط فإن لم يكن هذا المسمى عندهم بالربط في ذات الله تعالى فلا ربط في القديم وإن كان فقد وجد في القديم آخر أو شيء ليس بقديم ولا حادث وهو قديم وحادث والالتزام به يشبه قول السوفسطائية فإذا بطل الربط والنسبة بين ذات القديم سبحانه والحادث فلا فرق في تقوم الأشياء به تعالى بين الفعل وغيره فكلها قائمة به تعالى بلا كيف ولا إشارة إلا أن الموجودات حين انجعالاتها تختلف أحوالها فمنها ما لا يحتاج في تقومه إلا إلى المبدأ الفاعل فحسب ، ومنها ما يحتاج إلى غيره أيضا من شرط ومتمم ومكمل كاللون مثلا من حيث هو يحتاج في تحققه إلى جوهر ومحل زائد عن احتياجه إلى الفاعل وليس ذلك من نقض في الفاعل وإنما هو من جهة نفس اللون والعرض وليس هذا الاختلاف والتفاوت من جهة الأعيان الثابتة القديمة بل من جهة التقدم والتأخر في الجعل والإنجعال ولاشك أن أول ما تعلق به الجعل ببطلان الطفرة في الغاية من الشرف والبساطة والإحاطة وذكرنا ما سواه فيه وكلما سواه يتعلق الجعل به وإلا لتساويا فلم يكن لتعلق الجعل أولا نور وجمال وإحاطة وشرافة فلم يكن الجاعل حكيما كاملا إذ لم يكن لمجهوله جمال ولجماله جمال وهكذا وهو خلاف مقتضى ظهور قدرة القادر المطلق "
وهذا الكلام كما سبق القول كلام فلسفى لا يفيد المسلم بشىء إلا تعليمه ما لا وجود له في الشرع ومن ثم كان على الرشتى شرح الأمر بالوحى وليس بالفلسفة لأنه في سبيل هذا كذب الوحى فمثلا نسب الله الربانيين إليه فقال :
" ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون"
فالربانية تعنى أن طاعة الرب فهذه هى نسبة لطاعته ومثلا نسب الخلق إليه باعتباره خالقهم وخالق أعمالهم
ونجد في كلام الرشتى تناقض فمرة جعل الربط محال بقوله " فإنه سبحانه وحده ليس معه شيء آخر يسمى بالربط" ومرة قال إنه من الممكن أن يكون في القديم بقوله" فلا ربط في القديم وإن كان فقد وجد في القديم آخر"
وتحدث عن عدم وجود رابطة بين الله وفعله فقال :
"فالمتقدم أولا الواحد المنبسط على غيره هو المسمى بالفعل وهو كالواحد للأعداد وكل ما سواه مخلوق به مجعول بواسطة لا يمكن انجعاله إلا به لا لأجل نسبة خاصة بين الله سبحانه وبين فعله للسبب بينه وبين غيره فإن النسبة هناك منتفية والرابطة بين الله تعالى وفعله ممتنعة والكل عنده على حد سواء وإليه الإشارة في الدعاء (و لا يشغله علم شيء عن علم شيء و لا يشغله خلق شيء عن خلق شيء ، تهذيب الأحكام 3/117 ) فافهم راشدا واشرب صافيا ."
وهذا الكلام هو تكذيب لقوله تعالى " الله خالق كل شىء"
فالمنتفى هو أن يكون الفعل والمفعول في ذات الله وإنما الفعل والمفعول هو في المخلوق وهو الكون بما فيه
ثم تعرض لجزئية أخرى من السؤال فقال :
"قال سلمه الله تعالى : وأيضا خفقوا إلى أن الاختلاف في الإجابة والإنكار وظهور المراتب للوجود وتقدم بعضها على بعض ، هل هو بفعل الله سبحانه ؟ أم لا ؟ .
وعلى الثاني فالأشياء كانت مشاعرة بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة قبل الكون والشعور لا يكون إلا بعد الكون أم وجود ؟ .
أقول : إن ظهور المراتب وتقدم بعضها على بعض وتحقق الاختلاف يكون على قسمين أحدهما في السلسلة الطولية وهي المراتب الحاصلة بالأثرية والمؤثرية فإن السافل أثر ومعلول وشعاع منفصل للعال ، كالنور بالنسبة إلى المنير من الشمس والسراج وأمثالهما كالقيام والقعود وسائر الآثار الحاصلة للشخص بواسطة حركته بالنسبة إلى ذات الشخص وكالمرايا أي الصور المنطبعة عن الشاخص في الزجاجة والماء الصافي وأمثالها بالنسبة إلى الشاخص والاختلاف في هذه المراتب وأمثالها في المادة وهو ليس الإجابة والإنكار إلا بتأويل سبق الوجود وتأخره ولا يقع السؤال في هذا المقام عن علة تقدم السراج على شعاعه وتقدم الشخص على آثاره كقيامه وقعوده وكلامه وتقدم الشاخص على المرآة أي الصورة لأن السؤال عن الترجيح إنما يكون إذا أمكن أن يكون أحدهما في رتبة الآخر فيسأل حينئذ عن المرجح والحكمة إذا كان الفاعل المرجح حكيما وأما إذا امتنع طول كل منهما في رتبة الآخر فالسؤال عن وجه الرجحان قبيح لأن الشعاع إذا فرض كونه في مقام السراج لم يكن شعاعا وإنما كان سراجا منيرا لابد له من نور وشعاع والسراج إذا فرضته في مقام الشعاع لم يكن سراجا وإنما يكون نورا وشعاعا يحتاج إلى السراج فلم يبق لأحدهما وجودا أصلا إذا فرض كونه في رتبة الآخر فالكامل لابد له من كمال وهو أثر فان خلقه الخالق من غير كمال كان نقصا في حكمة الإيجاد فإذا خلقه كاملا فلابد له من أثر ، فلا يمكن فرض كون الأثر في رتبة المؤثر ، فإذا أمكن هذا السؤال يمكن أن يسأل أن الحادث لم يكن قديما والقديم حادثا والجواب الجواب والكلام الكلام وهذا السؤال ساقط عن أصله ورأسه فالاختلاف في السلسلة الطولية في المادة وذلك يحصل بجعل الجاعل أي من مقتضياته لبطلان الطفرة ولزوم كون أو ما تعلق به الجعل لكونه المبدأ له نور وشعاع وجمال فإذا فرضت هذا الشعاع والنور أول متعلق الجعل كان هو المنير والمبدأ فلابد له من نور وشعاع وذلك ظاهر المعلوم إنشاء الله تعالى وليس هذا هو الجبر فإنه جعل ما أمكن أن يكون شيئا بخلاف مقتضى ميله وشهوته وهذا لا يمكن أن يكون ذلك الشيء بحال من الأحوال كامتناع كون الممكن قديما والماضي مستقبلا والذي وقع أن لا يقع وأمثال ذلك ."
وكل هذا الكلام الفلسفى لن يفهم القارىء منه شىء وإنما كان واجبه أن يحدث السائل وغيره بما يفهمون وهو :
أن المخلوق سابق الوجود على أفعاله فالمخلوق مثلا وهو الإنسان يوجد في صورة مولود رضيع وبعد ذلك تأتى أفعاله من الرضاعة والإشارة ويتدرج في الأفعال التى يقدر عليه من جلوس ووقوف ومشى...
وتحدث حديثا فلسفيا أخر فقال :
"وثانيهما في السلسلة العرضية وهي ما إذا كانت المادة واحدة والاختلاف في الصورة وهنا يقع السؤال عن صيرورة حصة من مادة على صورة وهيئة مخصوصة ؟
سائر الصور مثل الحصة التي صورت بصورة زيد ، لماذا ما تصورت بصورة عمرو مثلا وهكذا في كل متحد المادة والمادة المقام ومختلف الصورة والهيئة فهنا محل السؤال والجواب ، أن علة الاختلاف والإجابة والإنكار والتقدم في الإجابة والتأخر والمبادرة إليها وعدمها والإخلاص في الإجابة وعدمه والنفاق فيها وعدمه ، واختلافها في الظاهر والباطن والعرضي والذاتي وأمثال ذلك ، وبيان هذا الإجمال بالعبارة الظاهرة أنه سبحانه وتعالى خلق مادة واحدة في كل مرتبة على حسب مقامه وهي من جهة قربها إلى المبدأ بالنسبة إلى صورها وهيئاتها فإنها حدود وأعراض تعرض تلك المادة كانت في الغاية من الشعور والإدراك فهي من حيث وحدتها وبساطتها الإضافية عين الشعور والإدراك ، ولكنها لا تلتفت إلا إلى بارئها ومبدئها ولا تتوجه إلى غيره سبحانه وهي النفس التي من عرفها فقد عرف ربه لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
ونلاحظ هنا تناقض كلام الرشتى فمرة يقول أن المخلوقات تتوجه إلى الله" ولا تتوجه إلى غيره سبحانه" ومرة يقول أنها ان المخلوقات تتوجه إلى نفسها بقوله" لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
والخطأ هو أن معرفة النفس تعنى معرفة الرب لأن العبارة كفر فمعناها أن المخلوق هو نفسه الله ولو كانت العبارة صحيحة كما يظن البعض فلماذا نسأل عن الله ونريد معرفته ؟
وتحدث عن خلق المخلوقات حيث قال سابقا أن المخلوقات خلقت كلها من نفس المادة وهى الماء ولكن بهيئات وصور متعددة ويكمل بخلق النفس التى تعرف وتشتهى وغير ذلك فيقول :
" ثم خلق الله سبحانه فيها ذكر الموجودات وصلاحية التصور بالصور والهيئات والحدود والجهات فنظرت إليها واشتغلت بها فتخصصت بتلك الجهات المذكورة واختلفت شهواتها وميولاتها واقتضاءاتها ، ثم لما دعاهم داعي الحق سبحانه بلسان أنفسهم ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فمن مقدم بالإجابة بقوله بلى ومن مقدم فيها بقوله نعم فالأول استحق المقام في عليين والثاني استحق الهبوط في السجين وقد أشار الإمام عليه السلام إلى تلك الاقتضاءات لقوله عليه السلام في جواب القائل (كيف أجابوا و هم ذر قال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ، الكافي 2/12 ) وهي تلك الشؤون والإقتضاءات الموجبة للاختيار والقبول والأدبار ، فالذر هي تلك المادة المتخصصة بتلك الحدود والجهات في الصلوح والذكر القابلة لكل صورة وهيئة من صور السعادة والشقاوة والإنسانية والشيطانية وهي في تلك الحالة شاعرة عالمة بتلك الاقتضاءات والمقتضيات وهي المصححة لتحقق الاختيار والاختبار "
وحديث الذر هو حديث موضوع فمعنى الآية :
"وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا"
فأولا الآية تتحدث عن بنى آدم(ص) وليس عن آدم(ص)ومن ثم صحة للحديث ولا لفهم الآية كما هو شائع والآية تتحدث عن أن الله يأخذ الميثاق من كل الناس عن طريق الوحى المرسل لكل أهل عصر على حدة كما قال تعالى :
" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"
وليس أن لنا وجود سابق على وجودنا الحالى لأنه لو كان لنا وجود خلقى من قبل لعلمنا به ولكن وجودنا كان وجودا علميا لله وحده بمعنى أن قضى في لوح القدرأنه سيخلقنا في المستقبل
وعاد للحديث عن الفهم الخاطىء للآية فقال :
"وإحداثها في عالم الكون لابد منه لاقتضاء الفيض ذلك والتحقق في الكون لابد له من صورة بها يتميز مما هداها واختلاف الصور معلوم لأنه مأخوذ في حقيقتها فجعل الكل من نوع صورة واحدة إن كان على جهة الإلجاء والجبر قبيح لا يصدر عن الحكيم والاختلاف من دون داع ترجيح من غير مرجح فأهلهم الله سبحانه للاختلاف وأعطاهم قوة التميز وأذكر فيهم الاختيار وأراهم ما يحبه الله وما يكرهه من الحدود والصور والأعمال ومقتضياتها ثم كلفهم وقال ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فاختلفوا وهو قوله ((ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ،يونس19)) فاختلفوا في الإجابة والإنكار فقدمهم الله سبحانه وأخرهم وألبسهم صور طاعته ومعصيته بحقيقة ما هم أهله وهو قوله تعالى ((بل طبع الله عليها بكفرهم ، النساء 155)) وقوله تعالى ((يهديهم ربهم بإيمانهم ، يونس9)) وقوله ((لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ، المائدة13))
فتبين لك من هذا البيان التام أن التأهب والقابلية إلى اختلاف الإجابة والإنكار بفعله سبحانه وتعالى ، فلولا أهلهم سبحانه ما قدروا على شيء وحيث ما أهلهم الله سبحانه فليس هو الذي أوقعهم في الإجابة أو الإنكار أي حتم عليهم أحد الصورتين وجبرهم عليها ، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا ، وأما تقدم بعضهم على بعض فهو بفعله سبحانه اختيارهم وإقبالهم وإدبارهم لابتداء حتى يلزم الترجيح من غير مرجح وهم كانوا شاعرين بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة إذ لو يكونوا شاعرين امتنع تكليفهم والخطاب عليهم فإنه (مح) ."
وهذا الكلام عن اختلاف إجابات الناس على ميثاقه كان في علم الله وليس انهم كفروا أو أسلموا لأنه لم يكن لهم وجود خلقى ولا يعلم بما قدره الله سواه
ثم تحدث عن جزئية أخرى من السؤال فقال:
"وقولكم والشعور لا يكون إلا بعد الكون صحيح لا شك فيه إلا أن الكون على قسمين ، كون إجمالي وهذا في المادة المطلقة الصالحة للسعادة والشقاوة قبل وقوع أحدهما عليهم كالخشبة الصالحة للصنم والسرير والباب والضريح وفي هذه المرتبة تحقق الشعور والإدراك فحصلت الإجابة ، والإنكار في الخلق الثاني بذلك الشعور وأما قبل الكون بمعنى قبل الوجود مطلق وهناك لا يصح لأنه صفة الوجود فإذا فقد الموصوف فالصفة بطريق أولى ، نعم تحقق الشعور قبل الكون الثاني المعبر عنه بالخلق الثاني مقام التمييز وتمام الأمر والحكم بالسعادة والشقاوة فافهم وفق الله لخير الدارين ."
ومعنى الكلام في كتاب الله هو:
أن المخلوق يكون عند الله في المرحلة الأولى مجرد علم له وحده بأنه سيخلق فلانا وأن عمله كذا وكذا وفى المرحلة الثانية يخلق المخلوق فعليا فيحدث المخلوق بإرادته ما كتب الله عن حياته ومصيره
وتحدث عن جزئية أخرى فقال :
"قال سلمه الله تعالى : وأرشدني إلى علم وذكر يورث فتح النور ودفع الشك والأوهام والخطورات القلبية لعل الله سبحانه يوفقني للعمل به والمواضبة عليه.
أقول : اعلم أن الذي يورث فتح النور ورفع الشكوك والأوهام هو الإخلاص المسبب للاعتصام بحبل آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتمسك بهم والانقطاع إليهم والأعراض عما عداهم واعتقاد أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم وعنهم وعندهم ومنهم فإن الخير لهم ومعهم وفيهم وهم معدنه ومأواه وميراث النبوة عندهم وإياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم فتكثر الصلاة عليهم في آناء ليلك وأطراف نهارك ، فإن من صلى عليهم مرة واحدة صلى الله عليه في ألف صف من الملائكة طول كل صف ما بين المشرق والمغرب ، وتعرض عن كل شيء لا ينسب إليهم في كل شيء فإذا كنت كذا فتح مسامع قلبك للخير والرشد ويدفع عنك كل شك وشبه فإن الظنون والشكوك والشبهات ليست منهم ولا ترجع إليهم صلى الله عليهم ، وإنما هي من شئون أعدائهم ومعاكسيهم في عالم الظلال فإذا استشرق قلبك بنورهم وقابلت مرآة قابليتك إلى جنابهم فتذهب بنورهم كل الظلمات وترفع كل الشبهات وكن دائم الفكر في هذا العالم فهناك تؤثر كل أثر ذكر تذكر الله تعالى به ويفعل كل اسم تدعوا الله سبحانه به فتكون حينئذ كالسراج تضيء نفسك وعينك "
وهذه نصيحة تخالف كتاب الله فما أمر الله باتباع مخلوق من مخلوقات كآل محمد(ص) وقد ماتوا جميعا لأنهم هم بناته وزوجاته لأنه ذريته انقطعت بقوله تعالى :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"
ومن ثم فالموجود تاريخيا هو آل على لأن الأولاد في كتاب الله ينسبون لأبيهم :
" ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله"
وإنما أمر باتباع كلامه المنزل على الرسول الأخير (ص)كما قال :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3616
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب مسألة الطائفين
» قراءة فى كتاب كيف نشأت مسألة القضاء والقدر؟
» نقد كتاب فضل قيام الليل والتهجد
» قراءة فى رسالة في جواب بعض العارفين في الرؤيا
» نقد كتاب مسألة سبحان لنفطويه
» قراءة فى كتاب كيف نشأت مسألة القضاء والقدر؟
» نقد كتاب فضل قيام الليل والتهجد
» قراءة فى رسالة في جواب بعض العارفين في الرؤيا
» نقد كتاب مسألة سبحان لنفطويه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى