قراءة فى كتاب أسباب حدوث الحروف
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب أسباب حدوث الحروف
قراءة فى كتاب أسباب حدوث الحروف
الكتاب تصنيف أبو علي الحسين بن سينا وقد بين فى مقدمته أن سبب التأليف طلب الخيام منه تأليف رسالة فى أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع وهو قوله:
"وبعد فليس كل قابل هدية محتاجا اليها، و لا كل طالب تحفة فاقدا لها بل ربما آثر الغني في ذلك إكرام الفقير، وتوخي الكبير به البسط من الصغير والشيخ الكريم الاستاذ أبو منصور محمد بن علي بن عمر الخيام وهو الذي ما شئت فله في نفسه من المحامد الباهرة، وعندي وفي ذمتي من الايادي المتظاهرة- التمس مني التماس مباسط لا محتاج أن أكتب باسمه ما حصل عندي بعد البحث المستقصي من أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع، في رسالة وجيزة جدا، فتلقيت ملتمسه بالطاعة، وسألت الله تعالي أن يوفقني للصواب ألزمه، والحق أتبعه، وهو ولي الرحمة"
وفى الفصل الأول تحدث الرجل عن سبب صدور الصوت مبينا أنه تموج الهواء فقال :
"الفصل الأول في سبب حدوث الصوت
أظن أن الصوت سببه القريب تموج الهواء دفعة وبقوة وبسرعة من أي سبب كان والذي يشترط فيه من أمر القرع عساه أن لا يكون سببا كليا للصوت، بل كأنه سبب أكثري ثم أن كأن سببا كليا فهو سبب بعيد ليس السبب الملاصق لوجود الصوت"
ونفى أن يكون القرع سببا كليا للصوت
والدليل علي أن القرع ليس سببا كليا للصوت أن الصوت قد يحدث أيضا عن مقابل القرع وهو القلع، و ذلك أن القرع هو «تقريب جرم ما إلي جرم مقاوم لمزاحمته تقريبا تتبعه مماسة عنيفة لسرعة حركة التقريب وقوتها» ومقابل هذا «تبعيد جرم ما عن جرم آخر مماس له منطبق أحد هما علي الآخر تبعيدا ينقلع عن مماسته انقلاعا عنيفا لسرعة حركة التبعيد» وهذا يتبعه صوت من غير أن يكون هناك قرع"
وانتهى الرجل إلى أن سبب الصوت هو التموج السريع العنيف فى الهواء فقال :
"لكن يلزم في الامرين شيء واحد وهو تموج سريع عنيف في الهواء، أما في القرع فلاضطرار القارع الهواء إلي أن ينضغط وينفلت من المسافة التي يسلكها القارع إلي جنبتها بعنف و شدة سرعة، وأما في القلع فلاضطرار القالع الهواء إلي أن يندفع إلي المكان الذي أخلاه المقلوع منها دفعة بعنف و شدة
وفي الأمرين جميعا يلزم المتباعد من الهواء أن ينقاد للشكل والموج الواقع هناك، وأن كأن القرعي أشد انبساطا من القلعي
ثم ذلك الموج يتأدي الي الهواء الراكد في الصماخ فيموجه فتحس به العصبة المفروشة في سطحه
فاذن العلة القريبة- كما أظن- هو التموج والتموج علتان: قرع وقلع وأن ذهب ذاهب إلي أن القلع يحدث في الهواء قرعا وراءه، وهو سبب للصوت، فليس ضعف هذا القول مما يحتاج إلي أن نتكلف لابانته"
وما قاله ابن سينا أو أيا كان المؤلف هو مخالف للواقع فكما أن الرؤية تحتاج لآلة سليمة هى العين ولمصدر ضوء فكذلك الصوت يحتاج لآلة إصدار ولمصدر حمل
الصوت بداية لا يحتاج لهواء حتى يصدر فنجد مثلا قرقرة البطن تصدر صوتا مع أنه لا يوجد هواء يحمل الصوت من الفم أو الشرج أو عضو أخر ومثل ما نسميه الزوم وهو صوت يصدر والفم مقفل بلا اتصال مع الهواء كما أن اصطدام الأشياء يصدر صوت وكذلك الاحتكاك
ومن ثم فالصوت لا يحتاج لصدوره فى كل الأحوال لهواء
وفى الفصل الثانى تحدث في سبب حدوث الحروف مرجعا إياه للتموج الهوائى أيضا فقال:
الفصل الثاني في سبب حدوث الحروف
أما نفس التموج فانه يفعل الصوت وأما حال التموج في نفسه من جهة اتصال أجزائه وتماسها أو بسطها ونحتها فيفعل الحدة والثقل: أما الحدة فيفعلها الأولان، وأما الثقل فيفعله الثانيان وأما حال التموج من جهة الهيئات التي تستفيدها من المخارج والمحابس في مسلكه فتفعل الحروف
والحرف «هيئة للصوت عارضة له يتميز بها عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تميزا في المسموع»
والحروف بعضها في الحقيقة مفردة وحدوثها عن حبسات تامة للصوت- أو للهواء الفاعل للصوت- تتبعها إطلاقات دفعة وبعضها مركبة وحدوثها عن حبسات غير تامة لكن تتبعها اطلاقات
والحروف المفردة هي: الباء، والتاء، والجيم، والدال، والضاد، والطاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون ثم سائر ذلك مركب يحدث عن حبسات واطلاقات و لك أن تعدها عدا
وهذه المفردة تشترك في أن وجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الاطلاق؛ وذلك أن زمان الحبس التام لا يمكن أن يحس فيه بصوت حادث عن الهواء وهو مستكن بالحبس، وزمان الاطلاق لا يحس فيه بشيء من هذه الحروف لأنها لا تمتد البتة، إنما هي مع إزالة الحبس فقط وأما الحروف الأخري فإنها تمتد زمانا ما وتفني مع زمان الاطلاق التام، وانما تمتد في الزمان الذي لا يجتمع فيه الحبس مع الاطلاق
وبعد اشتراك كل واحدة من الصنفين في العلة العامة قد تختلف بسبب اختلاف الأجرام التي يقع عندها و بها الحبس والاطلاق فإنها ربما كانت ألين، وربما كانت أصلب، وربما كانت أيبس، وربما كانت أرطب، وربما كأن الحبس في نفس رطوبة تتفقع ثم تتفقأ أما مع انفصال وامتداد وأما في مكانها وقد يكون الحابس أعظم، وأصغر والمحبوس أيضا أكثر، واقل والمخرج أضيق، وأوسع ومستدير الشكل، مع دقة والحبس أشد، والين والضغط بعد الاطلاق أحفز، وأسلس"
وحكاية انفصال الحروف عن بعضها غير ملاحظة فالطفل لا يتعلم حروفا عند تعلمه الكلام وإنما يتعلم كلمات فمن اخترعوا انفصالها حتى لتعليم كتابتها يلاحظون أن الحرف فى كل حالة لا ينطق وحده وإنما مع ضم أو فتح أو كسر أو جزم ومن ثم يتكون من أكثر من مقطع
وأما صدورها عن حبسات وهواء فهذا شىء ليس لازما فمثلا من الممكن أن ينطق الإنسان حروفا وكلمات وأسنانه مطبقة على بعضها وتخرج الكلمات والحروف رغم ذلك
وتحدث ابن سينا عن تشريح الحنجرة واللسان فقال :
الفصل الثالث في تشريح الحنجرة واللسان
أما الحنجرة فإنها مركبة من غضاريف ثلاثة أحدهما موضوع إلي قدام يناله الجس في المهازيل عند أعلي العنق تحت الذقن وشكله شكل القصعة، حدبتها إلي خارج والي قدام، وتقعيره إلي الداخل والي الخلف، ويسمي «الغضروف الدرقي» و «الترسي» والغضروف الثاني خلفه مقابل سطحه، وسطحه متصل به بالرباطات يمنة ويسرة، منفصل عنه إلي فوق، ويسمي (عديم الاسم)
والغضروف الثالث- كقصعة مكبوبة عليها، وهو منفصل عن الدرقي ومربوط بالذي لا اسم له من خلف بمفصل مضاعف يحدث من زائدتين وتصعدان من الذي لا اسم له وتسقران في نقرتين له ويسمي «المكبي» و «الطرجهالي»فاذا تقارب الذي لا اسم له من الدرقي و ضامه حدث منه ضيق الحنجرة واذا تنحي عنه و باعده حدث منه اتساع الحنجرة ومن تقاربه وتباعده يحدث الصوت الحاد والثقيل واذا انطبق الطرجهالي علي الدرقي حصر النفس وسد الفوهة، واذا انقلع عنه انفتحت الحنجرة فتكون اذن هاهنا عضلات تلصق الطرجهالي بالدرقي وتجذبه اليه، وعضلات تبعده عنه وتجذبه إلي خلف، وعضلات تلصق الذي لا إسم له بالدرقي، وعضلات تنحي أحدهما عن الآخر والطرجهالي مركب علي الذي لا اسم له بمفصل مضاعف، لأن فيه نقرتين تصعد إليهما زائدتان من الذي لا اسم له وتستقرأن فيهما والعضلات التي تفتح الحنجرة بتنحية الطهرجالي عن الدرقي لابد من أن تكون طالعة من أسفل ومن جنبة الذي لا اسم له وتتصل بمؤخر الطهرجالي، فاذا تشنجت جذبته إلي خلف وفرقت بينه و بين الدرقي
وقد خلقت لذلك أربع عضلات علي هذه الصفة وأردفت بعضلتين تتصلان لا عند الخلف من الطهرجالي بل يمنة ويسرة، فاذا تشنجتا فعلتا مع المعونة في الفتح توسعا مستعرضا فهذه ست عضلات والعضلات التي تطبق يجب أن تكون لا محالة واصلة بين الترسي والطهرجالي، حتي إذا تشنجت مدت الطهرجالي إلي الترسي ومعلوم أنها اذا كانت من داخل كأن اطباقها أشد واحكم، و قد خلقت لذلك فمنها زوج عضلة توضع في جميع الناس أحد فرديها تصعد منه حافة الدرقي إلي حافة الطهرجالي يمنة والآخر مثله يسرة، وهما ضفيرتان تفعلان بالعصر وبموافقة المكان فعلا عظيما، حتي انه يقاوم عضل الصدر والحجاب عند حصر النفس و قد يوجد في بعض الناس زوج آخر شبيه به معين له وأما المضيقة للحنجرة فمن المعلوم أن الضام الجامع أحسن أحواله أن يكون محيطا بالمتضامين جميعا حتي اذا انقبض ضم و كذلك خلقت عضلات الضم فمن ذلك زوج يأتي من العظم اللامي- الشبيه باللام في كتابة اليونانيين- وهو عظم مثلث الشكل الذي بسطوحه، فيتصل بالدرقي عرضا ويمضي كل واحد من فرديه حتي يجاوز المري ء يمنة ويسرة ويلاقي الآخر ويتصل به واربع عضلات ربما فرقت وربما جمعت في زوجين مضاعفين أو زوجين أحد هما باطن والاخر ظاهر، و كيف كأن فإنها تتصل بالدرقي ثم تلتف وراءه علي الذي لا اسم له وأما الموسعة للحنجرة فمن المعلوم أن عن تكثيرها بالعدد غني، لأن عضل الصدر والحجاب يحفز النفس إلي خارج بقوة فيكون ذلك لو اقتصر عليه كافيا في فتح الحنجرة فمن عضل الفتح زوج عضلة يأتي من العظم الشبيه باللام ويتصل بمقدم الدرقي كله، فاذا تشنج جذبه إلي فوق والي قدام فنزله عن ملاصقة الذي لا اسم له ومن ذلك زوج مشترك بين الحنجرة والحلقوم يصعد من العسي ويجاوز الدرقي ويستمر إلي مؤخر الذي لا اسم له ومقدم الحلقوم، فاذا تشنج جذب الحلقوم إلي أسفل الذي لا اسم له إلي خلف ففرق بينه و بين الدرقي، وربما عضده في الفرد من الناس زوج آخر شبيه به وهو نادر ويوجد في عظيمي الحناجر من الناس، وأما في الدواب فدائما وأما اللسان فتحركه بالتحقيق ثماني عضل: منها عضلتان تأتيان من الزوائد السهمية التي عند الأذن يمنة ويسرة تتصلان بجانبي اللسان ، فاذا تشنجتا عرضتاه ومنها عضلتان تأتيان من أعالي العظم الشبيه باللام وتنفذان وسط اللسان ، فإذا تشنجتا جذبتا جملة اللسان إلي قدام فتبعها جزء من اللسان وامتد وطال ومنها عضلتان من العضلين السافلين من أضلاع هذا العظم ينفذان بين المعرضين المطولين ويحدث عنهما توريب اللسان ومنها عضلتان موضوعتان تحت هاتين، واذا تشنجتا بطحتا اللسان وأما تمييلة إلي فوق و داخلا فمن فعل المعترضة والموربة"
وكل ما قاله هو كلام يتعلق بالتشريح الطبى ومما قرأته فى الطب الحالى يوجد ست غضاريف وحوالى عشرين عضلة وما يهمنا هو أن تعلق صدور الصوت بالحنجرة والحجاب الحاجز وغير هذا هو مجرد نظرية فالصوت كما هو فى واقعنا يصدر أمامنا من الفم خاصة اللسان ولذا سمى الله اللغات الألسن فالاختلاف هو اختلاف الألسن كما قال تعالى:
" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم "
ونظرا لاتصال اللسان بالحنجرة وغيرها فإنه عندما يصدر الصوت يحرك المتصل به من الأعضاء حسب قولهم لكل فعل رد فعل ومن هنا اتخذ القوم حكاية صدور الحروف من الأعضاء الأخرى لتحركها بالتبعية للسان المتصل بها
وحدثنا فى الفصل الرابع عن تلك النظرية المشهورة عن أن لكل حرف مصدر خروج وهى نظرية وليست حقيقة لأن الكلمات عند تخرج تكون متكونة من عدة حروف فلا تلحق عند خروجها أن تخرج من كل تلك المصادر لأنها تصدر بسرعة وفى مخارج الحروف العربية قال :
"الفصل الرابع في الأسباب الجزائية لحرف حرف من حروف العرب
أما الهمزة فإنها تحدث من حفز قوي من الحجاب وعضل الصدر لهواء كثير ومن مقاومة الطرجهالي الحاصر زمانا قليلا لحصر الهواء ثم اندفاعه إلي الانقلاع بالعضل الفاتحة و ضغط الهواء معا
أما الهاء فإنها تحدث عن مثل ذلك الحفز في الكم والكيف الا أن الحبس لا يكون حبسا تأما بل تفعله حافات المخرج وتكون السبيل مفتوحة والاندفاع يماس حافاته بالسواء غير مائل إلي الاوسط
وأما العين فيفعلها حفز الهواء مع فتح الطرجهالي مطلقا وفتح الذي لا اسم له متوسطا وارسال الهواء إلي فوق ليتردد في وسط رطوبة يتدحرج فيها من غير أن يكون هذا الحفز خاصا بجانب
والحاء مثلها، إلا أن فتح الذي لا اسم له أضيق والهواء ليس يحفز علي الاستقامة حفزا بل يميل إلي خارج حتي يقسر الرطوبة ويهزها إلي قدام فتحدث من انزعاج أجزائها الي قدام هيئة الحاء
وأما الخاء فإنها تحدث من ضغط الهواء إلي الحد المشترك بين اللهاة والحنك ضغطا قويا مع اطلاق يهتز فيما بين ذلك رطوبات يعنف عليها التحريك إلي قدام فكلما كادت أن تحبس الهواء زوحمت و قسرت إلي خارج في ذلك الموضع بقوة
والقاف تحدث حيث تحدث الخاء و لكن بحبس تام، وأما الهواء فمقداره ومواضعه فذلك بعينه
وأما الغين فهو اخرج من ذلك يسيرا و ليست تجد من الرطوبة و لا من قوة انحصار الهواء ما تجده الخاء، والحركة فيه إلي قرار الرطوبة أميل منها إلي دفعها إلي خارج، لأن الحركة فيها أضعف وهوانها تحدث في الرطوبة الحنكية كالغليان والاهتزاز
وأما الكاف فإنها تحدث حيث يحدث الغين و بمثل سببه، إلا أن حبسه حبس تام، ونسبة الكاف إلي الغين هي نسبة القاف إلي الخاء
وأما الكاف التي تستعملها العرب في عصرنا هذا بدل القاف فهي تحدث حيث تحدث الكاف إلا أنها أدخل قليلا والحبس أضعف
وأما الجيم فيحدث من حبس بطرف اللسان تام و بتقريب الجزء المقدم من اللسان من سطح الحنك المختلف الاجزاء في النتوء والانخفاض مع سعة في ذات اليمين واليسار واعداد رطوبة حتي اذا أطلق نفذ الهواء في ذلك المضيق نفواذا يصغر لضيق المسلك إلا أنه يتشذب لاستعراضه ويتمم صفيره خلل الأسنان وتنقص من صفيره وترده إلي الفرقعة الرطوبة المندفعة فيما بين ذلك متفقعة ثم تنفقأ، إلا انها لا يمتد بها التفقع إلي بعيد و لا تتسع بل تفوقها في المكان الذي يطلق فيه الحبس
وأما الشين فهي حادثة حيث يحدث الجيم بعينه و لكن بلا حبس البتة، فكأن الشين جيم لم يحبس و كأن الجيم شين ابتدأت بحبس ثم أطلقت
وأما الضاد فإنها تحدث عن حبس تام عند ما تتقدم موضع الجيم وتقع في الجزء الأملس اذا أطلق أقيم في مسلك الهواء رطوبة وحدة أورطوبات تنفقع من الهواء الفاعل للصوت ويمتد عليها منحبسا حبسا ثانيا ويتفقأ فيحدث شكل الضاد
وأما الصاد فيفعله حبس غير تام أضيق من حبس السين وايبس واكثر أجزاء حابس طولا إلي داخل مخرج السين والي خارجه حتي يطبق اللسان أو يكاد يطبق علي ثلثي السطح المفروش تحت الحنك والمنخر ويتسرب الهواء عن ذلك المضيق بعد حصر شيء فيه من وراء ويخرج من خلل الأسنان
وأما السين فتحدث عن مثل حدوث الصاد الا أن الحابس من اللسان فيه أقل طولا وعرضا فكأنها تحبس العضلات التي في طرف اللسان لا بكليتها بل بأطرافها
وأما الزاي فإنها تحدث من الاسباب المصفرة التي ذكرناها، الا أن الجزء الحابس فيها من اللسان يكون ما يلي وسطه ويكون طرف اللسان غير ساكن سكونه الذي كأن في السين بل ممكن من الاهتزاز، فاذا انفلت الهواء الصافر عن المحبس اهتز له طرف اللسان واهتزت رطوبات تكون عليه وعنده ونقص من الصفير الا أنه باهتزازه يحدث في الهواء الصافر المنفلت شبيه التدحرج في منافذه الضيقة بين خلل الأسنان فيكاد أن يكون فيه شبيه التكرير الذي يعرض للراء، وسبب ذلك التكرير اهتزاز جزء من سطح طرف اللسان خفي الاهتزاز
وأما الطاء فهي من الحروف الحادثة عن القلع- دون القرع أو مع القرع- وانما تحدث عن الطباق سطح اللسان أكثر من سطح الحنك والمنخر و قد يبرأ شيء منهما عن صاحبه و بينهما رطوبة فاذا انقلع عنه وانضغط الهواء الكثير سمع الطاء
وأن كأن الحبس بجزء أقل و لكن مثله في الشدة سمع التاء
وأن كأن الحبس مثل حبس التاء في الكم واضعف منه في الكيف سمع الدال
وأن لم يكن حيث التاء حبس تام و لكن اطلاق يسير يصفر معه الهواء غير قوي الصفير كصفير السين لأن طرف اللسان يكون أرفع واحبس للهواء من أن يستمر في خلل الأسنان جيدا و كأنه ما بين تماس أطراف الأسنان سمع الثاء
وأن كأن حبس كالاشمام بجزء صغير من طرف اللسان واجراء الهواء المطلق بعد الحبس علي سائر سطح اللسان علي رطوبته و حفز له جملة سمع الظاء
وأن كأن الحبس بالطرف أشد و لكن لم يستعن بسائر سطح اللسان و لكن ينقل الهواء عن الحبس بما يلي طرف اللسان من الرطوبة حتي يحركها ويهزها هزا يسيرا وينفذ فيها وفي أعالي خلل الأسنان قبل الاطلاق ثم يطلق كأن منه الدال
والذال يقصر به عن الزاي ما يقصر الثاء عن السين وهوانه لا يمكن هواؤه حتي يستمر جيدا في خلل الأسنان بل يسد مجراه من تحت ويمكن من شمه من أعاليه و لكن يكون في الذال قريبا من الاهتزاز الذي في الزاي
وأن كأن حبس بطرف اللسان رطب جدا ثم قلع والحبس معتدل غير شديد و ليس الاعتماد فيه علي الطرف من اللسان بل علي ما يليه- لئلا بكون مانعا من التزاق الرطوبة ثم انقلابها- حدث اللام
وأن كأن الحبس أيبس و ليس قويا و لا واحدا بل يتكرر الحبس في أزمنة غير مضبوطة كأن منه الترعيدات والايقاعات و ذلك لشدة اهتزاز حبس سطح اللسان حتي يحدث حبسا بعد حبس غير محسوس حدث الواو
وأما اذا كأن حبس الهواء بآخر الثنية من الشفة وتسربه في آخر الثنية من غير حبس تام حدث الفاء
وأن كأن في ذلك الموضع بعينه مع حبس تام الاطلاق في تلك الجهة بعينها حدث الباء ونسبة الباء إلي الفاء عند الشفة نسبة الهمزة إلي الهاء عند الحنجرة
وأما اذا كأن حبس تام غير قوي و كأن ليس كله عند المخرج من الشفتين و لكن بعضه إلي ما هناك و بعضه إلي ناحية الخيشوم- حتي يحدث الهواء عند اجتيازه الخيشوم والفضاء الذي في داخله دويا- حدث الميم وأن كأن بدل الشفتين طرف اللسان وعضو اخر حتي يكون عضو رطب أرطب من الشفة يقاوم الهواء بالحبس ثم يتسرب أكثره إلي ناحية الخيشوم كأن النون وأما الواو الصامتة فإنها تحدث حيث تحدث الفاء و لكن بضغط و حفز للهواء ضعيف لا يبلغ أن يمانعه في انضغاطه بسطح الشفة
والياء الصامتة فإنها تحدث حيث يحدث السين والزاي و لكن بضغط و حفظ للهواء ضعيف لا يبلغ أن يحدث صفيرا
وأما الألف المصوتة واختها الفتحة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء سلسا غير مزاحم
والواو المصوتة واختها الضمة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء مع أدني تضييق للمخرج وميل به سلس إلي فوق
والياء المصوتة واختها الكسرة فأظن أن مخرجها من اطلاق الهواء من أدني تضييق المخرج وميل به إلي سلس إلي أسفل
ثم أمر هذه الثلاثة علي مشكل و لكني أعلم يقينا أن الالف الممدودة المصوتة تقع في ضعف أو اضعاف زمان الفتحة، وأن الفتحة تقع في أصغر الازمنة التي يصح فيها الانتقال من حرف إلي حرف وكذلك نسبة الواو المصوتة إلي الضمة والياء المصوتة إلي الكسرة"
وكل هذا الكلام نظرية وليست حقيقة فأى حرف من الممكن أن يخرج من اى مواضع متعددة من اللسان أو الفم وقد جربت هذا فقد جربت الدال مثلا تخرج من مقدمة اللسان أو الفم ومن أخر اللسان
وكما سبق القول التحدث عن الحروف بمفردها هو مجرد وهم فالكلمات تخرج من الفم مرة واحدة وهى لا تجمع تلك المواضع التى قد تكون متباعدة وإنما تخرج بالقانون الذى وضعه للسان
وفى الفصل الخامس حدثنا عن حروف من لغات أخرى ومصدرها فقال :
"الفصل الخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف و ليست في لغة العرب:
وهاهنا حروف غير هذه الحروف تحدث بين حرفين مما تجانس كل واحد منهما بشركة في سببه فمن ذلك الكاف الخفيفة التي ذكرناها وحروف تشبه الجيم وهي أربعة:
منها الحرف الذي ينطق به في أول «البئر» بالفارسية وهو «جاره»
وهذه الجيم يفعله اطباق من حروف اللسان أكثر واشد و ضغط للهواء عند القلع أقوي ونسبة الجيم العربية إلي هذه الجيم نسبة الكاف غير العربية إلي الكاف العربية ومنها حروف ثلاثة لا توجد في العربية والفارسية، و لكن توجد في لغات أخري، و كلها يتبين فيها ما في الجيم من استعمال رطوبة بفعل حبسها، وهي الرطوبة المعدة وراء الحبس وتكون علتها اعتماد الهواء عند الاطلاق فإذا سلبت هذه الرطوبة واعتمد الجزء الذي وقع عليه الحدس حدث هناك همس وتارة تضرب إلي شبه الزاي وتارة تضرب إلي شبه السين وتارة تضرب إلي شبه الصاد
أما الصاد والسين- فبأن يتسرب الهواء في خلل الأسنان من غير تعريضه لاهتزاز رطوبة قدامه وأما الزاي- فبعد تعريضه لذلك وترك إلجائه إلي أضيق المخارج ثم تفترق الصادية من السينية بالاطباق
ومن ذلك سين صادية تحدث عند استعمال جزء أكبر واعرض وابطن من اللسان ومن ذلك سين زائية تكثر في لغة أهل خوارزم وتحدث بأن تتهيأ الهيئة التي عن مثلها تحدث السين، ثم يحدث العصلة الباطحة للسان ارتعاد كما يحدث في الزاي يلزم ذلك الارتعاد مماسات خفية غير محسوسة يحتبس لها الهواء احباسات غير محسوسة فتضرب السين بذلك إلي مشابهة الزاي
ومن ذلك زاي سينية شبيهة في اللغة الفارسية عند قولهم «زرد» وهي سين لا تقوي و لكنها تعرض باهتزاز سطح طرف اللسان والاستعانة بخلل الأسنان
ومن ذلك راء غينية نسبتها إلي الراء نسبة هذه السين الخوارزمية إلي الزاي والسين، وتحدث بأن يتغرغر بالهواء التغرغر الفاعل للغين ثم يرعد طرف اللسان أو يحدث في صفاق المنخر الداخل ذلك الارتعاد فتحدث راء غينية
وايضا راء لامية تحدث بأن لا يقتصر علي ترعيد طرف اللسان بل ترخي العضلات المتوسطة للسان وتشنج طرفيه حتي يحدث بعد طرف اللسان تقبيب ويعتمد بإرسال الهواء في ذلك التقبيب والرطوبة التي يكون فيه ويرعد طرف اللسان
و زاي ظائية يكون وسط اللسان فيها أرفع والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا و كانه من الرطوبة فقط
وهاهنا لام مطبقة نسبتها إلي اللام المعروفة نسبة الطاء إلي التاء وتكثر في لغة الترك وربما استعملها المتفيهق من العرب وهاهنا فاء تكاد تشبه الباء وتقع في لغة الفرس عند قولهم فرندي تفارق الباء لأنه ليس فيها حبس تام وتفارق الفاء بأن تضييق مخرج الصوت من الشفة فيها أكثر وضغط الهواء أشد حتي يكاد أن يحدث بسببه في السطح الذي في باطن الشفة اهتزاز
ومن ذلك الباء المشددة الواقعة في لغة الفرس عند قولهم «پيروزي» وتحدث بشد قوي للشفتين عند الحبس و قلع بعنف و ضغط الهواء بعنف
والميم والنون قد يكون منهما ما يقتصر علي الدوي من الهواء في تجويف آخر المنخر و لا يردف حبسه عند الاطلاق تحفز الهواء إلي خارج وهذا كفته مجردة"
وهذا الكلام مماثل لما فى الفصل الرابع وهو كلام اخترعه معلمو اللغة ولكن فى الحقيقة الكلمات تصدر ككل من مقدمة اللسان وإن تعدت ذلك فبعده بقليل وهو وسطه ومن ثم لا علاقة لها بالمخارج المزعومة
وحدثنا عن سماع الحروف فقال فى الفصل السادس فقال :
"الفصل السادس في أن هذه الحروف من أي الحركات الغير النطقية تسمع وانت تسمع العين من كل اخراج هواء بعنف من مخرج رطب والحاء عن أضيق منه واعرض والخاء عن حك كل جسم لين حكا كالقشر بجسم صلب والهاء عن تصعد لهواء بقوة في جسم غير ممانع كالهواء نفسه والقاف عن شق الأجسام و قلعها والغين عن غليان الرطوبة في أجزاء كبار تندفع إلي جهة واحدة والكاف عن قرع كل جسم صلب كبير علي بسيط آخر صلب مثله والجيم عن وقع الرطوبات في الرطوبات مثل قطرة من الماء لها مقدار تقع بقوة علي ماء واقف فتغوص فيه والشين عن نشيش الرطوبات وعن نفوذ الرطوبات في خلل أجسام يابسة نفوذا بقوة والضاد عن انفلاق فقاقيع كبار من الرطوبات والصاد عن السبب الذي نذكره للسين اذا وقع في جرم ذي دوي أو كأن معه قرع بشيء له تقعير يسير والسين عن سن جرم يابس جسما يابسا ويحرك عليه حتي يتسرب ما بينهما هواء عن منافذ ضيقة جدا ويسمع أيضا عن نفوذ الهواء بقوة في مثل أسنان المشط والزاي عن مثل ذلك اذا أقيم في وجه الممر جسم رقيق لين كجلدة تهتز علي نفسها والطاء تحدث عن تصفيق اليدين بحيث لا تنطبق الراحتان بل يحصر هنالك هواء له دوي ويسمع عن القلع أيضا مثله والتاء عن قرع الكف بإصبع قرعا بقوة والدال عن أضعف منه والذال عن مثل الزاي اذا كأن المهتز أعظم واغلظ واشد يتخلل منفذ الهواء والثاء عن مثل السين اذا لم يكن مهتزا و لكن الشد أشد ونسبة الذال إلي الزاي كنسبة الثاء إلي السين والراء عن تدحرج كرة علي لوح من حيث من شأنه أن يهتز اهتزازا غير مضبوط بالحبس واللام عن صفق اليد علي رطوبة أو وقوع شيء فيها دفعة حتي يضطر الهواء إلي أن ينضغط معه ثم ينصرف وتتبعه رطوبة والفاء عن حفيف الأشجار والباء عن قلع الأجسام اللينة المتلاصقة بعضها عن بعض"
وهذا تكرار لنفس نظرية مخارج الأصوات وهى نظرية لا أساس لها وقد أتعبت الأمة فى نطق القرآن من خلال أحكام التجويد مع أن الله يقول أن القرآن نزل بلسان العامة وهم يتكلمون كلاما عاديا ليس فيه تقعرات ولا غناء وفى هذا قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
الكتاب تصنيف أبو علي الحسين بن سينا وقد بين فى مقدمته أن سبب التأليف طلب الخيام منه تأليف رسالة فى أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع وهو قوله:
"وبعد فليس كل قابل هدية محتاجا اليها، و لا كل طالب تحفة فاقدا لها بل ربما آثر الغني في ذلك إكرام الفقير، وتوخي الكبير به البسط من الصغير والشيخ الكريم الاستاذ أبو منصور محمد بن علي بن عمر الخيام وهو الذي ما شئت فله في نفسه من المحامد الباهرة، وعندي وفي ذمتي من الايادي المتظاهرة- التمس مني التماس مباسط لا محتاج أن أكتب باسمه ما حصل عندي بعد البحث المستقصي من أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع، في رسالة وجيزة جدا، فتلقيت ملتمسه بالطاعة، وسألت الله تعالي أن يوفقني للصواب ألزمه، والحق أتبعه، وهو ولي الرحمة"
وفى الفصل الأول تحدث الرجل عن سبب صدور الصوت مبينا أنه تموج الهواء فقال :
"الفصل الأول في سبب حدوث الصوت
أظن أن الصوت سببه القريب تموج الهواء دفعة وبقوة وبسرعة من أي سبب كان والذي يشترط فيه من أمر القرع عساه أن لا يكون سببا كليا للصوت، بل كأنه سبب أكثري ثم أن كأن سببا كليا فهو سبب بعيد ليس السبب الملاصق لوجود الصوت"
ونفى أن يكون القرع سببا كليا للصوت
والدليل علي أن القرع ليس سببا كليا للصوت أن الصوت قد يحدث أيضا عن مقابل القرع وهو القلع، و ذلك أن القرع هو «تقريب جرم ما إلي جرم مقاوم لمزاحمته تقريبا تتبعه مماسة عنيفة لسرعة حركة التقريب وقوتها» ومقابل هذا «تبعيد جرم ما عن جرم آخر مماس له منطبق أحد هما علي الآخر تبعيدا ينقلع عن مماسته انقلاعا عنيفا لسرعة حركة التبعيد» وهذا يتبعه صوت من غير أن يكون هناك قرع"
وانتهى الرجل إلى أن سبب الصوت هو التموج السريع العنيف فى الهواء فقال :
"لكن يلزم في الامرين شيء واحد وهو تموج سريع عنيف في الهواء، أما في القرع فلاضطرار القارع الهواء إلي أن ينضغط وينفلت من المسافة التي يسلكها القارع إلي جنبتها بعنف و شدة سرعة، وأما في القلع فلاضطرار القالع الهواء إلي أن يندفع إلي المكان الذي أخلاه المقلوع منها دفعة بعنف و شدة
وفي الأمرين جميعا يلزم المتباعد من الهواء أن ينقاد للشكل والموج الواقع هناك، وأن كأن القرعي أشد انبساطا من القلعي
ثم ذلك الموج يتأدي الي الهواء الراكد في الصماخ فيموجه فتحس به العصبة المفروشة في سطحه
فاذن العلة القريبة- كما أظن- هو التموج والتموج علتان: قرع وقلع وأن ذهب ذاهب إلي أن القلع يحدث في الهواء قرعا وراءه، وهو سبب للصوت، فليس ضعف هذا القول مما يحتاج إلي أن نتكلف لابانته"
وما قاله ابن سينا أو أيا كان المؤلف هو مخالف للواقع فكما أن الرؤية تحتاج لآلة سليمة هى العين ولمصدر ضوء فكذلك الصوت يحتاج لآلة إصدار ولمصدر حمل
الصوت بداية لا يحتاج لهواء حتى يصدر فنجد مثلا قرقرة البطن تصدر صوتا مع أنه لا يوجد هواء يحمل الصوت من الفم أو الشرج أو عضو أخر ومثل ما نسميه الزوم وهو صوت يصدر والفم مقفل بلا اتصال مع الهواء كما أن اصطدام الأشياء يصدر صوت وكذلك الاحتكاك
ومن ثم فالصوت لا يحتاج لصدوره فى كل الأحوال لهواء
وفى الفصل الثانى تحدث في سبب حدوث الحروف مرجعا إياه للتموج الهوائى أيضا فقال:
الفصل الثاني في سبب حدوث الحروف
أما نفس التموج فانه يفعل الصوت وأما حال التموج في نفسه من جهة اتصال أجزائه وتماسها أو بسطها ونحتها فيفعل الحدة والثقل: أما الحدة فيفعلها الأولان، وأما الثقل فيفعله الثانيان وأما حال التموج من جهة الهيئات التي تستفيدها من المخارج والمحابس في مسلكه فتفعل الحروف
والحرف «هيئة للصوت عارضة له يتميز بها عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تميزا في المسموع»
والحروف بعضها في الحقيقة مفردة وحدوثها عن حبسات تامة للصوت- أو للهواء الفاعل للصوت- تتبعها إطلاقات دفعة وبعضها مركبة وحدوثها عن حبسات غير تامة لكن تتبعها اطلاقات
والحروف المفردة هي: الباء، والتاء، والجيم، والدال، والضاد، والطاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون ثم سائر ذلك مركب يحدث عن حبسات واطلاقات و لك أن تعدها عدا
وهذه المفردة تشترك في أن وجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الاطلاق؛ وذلك أن زمان الحبس التام لا يمكن أن يحس فيه بصوت حادث عن الهواء وهو مستكن بالحبس، وزمان الاطلاق لا يحس فيه بشيء من هذه الحروف لأنها لا تمتد البتة، إنما هي مع إزالة الحبس فقط وأما الحروف الأخري فإنها تمتد زمانا ما وتفني مع زمان الاطلاق التام، وانما تمتد في الزمان الذي لا يجتمع فيه الحبس مع الاطلاق
وبعد اشتراك كل واحدة من الصنفين في العلة العامة قد تختلف بسبب اختلاف الأجرام التي يقع عندها و بها الحبس والاطلاق فإنها ربما كانت ألين، وربما كانت أصلب، وربما كانت أيبس، وربما كانت أرطب، وربما كأن الحبس في نفس رطوبة تتفقع ثم تتفقأ أما مع انفصال وامتداد وأما في مكانها وقد يكون الحابس أعظم، وأصغر والمحبوس أيضا أكثر، واقل والمخرج أضيق، وأوسع ومستدير الشكل، مع دقة والحبس أشد، والين والضغط بعد الاطلاق أحفز، وأسلس"
وحكاية انفصال الحروف عن بعضها غير ملاحظة فالطفل لا يتعلم حروفا عند تعلمه الكلام وإنما يتعلم كلمات فمن اخترعوا انفصالها حتى لتعليم كتابتها يلاحظون أن الحرف فى كل حالة لا ينطق وحده وإنما مع ضم أو فتح أو كسر أو جزم ومن ثم يتكون من أكثر من مقطع
وأما صدورها عن حبسات وهواء فهذا شىء ليس لازما فمثلا من الممكن أن ينطق الإنسان حروفا وكلمات وأسنانه مطبقة على بعضها وتخرج الكلمات والحروف رغم ذلك
وتحدث ابن سينا عن تشريح الحنجرة واللسان فقال :
الفصل الثالث في تشريح الحنجرة واللسان
أما الحنجرة فإنها مركبة من غضاريف ثلاثة أحدهما موضوع إلي قدام يناله الجس في المهازيل عند أعلي العنق تحت الذقن وشكله شكل القصعة، حدبتها إلي خارج والي قدام، وتقعيره إلي الداخل والي الخلف، ويسمي «الغضروف الدرقي» و «الترسي» والغضروف الثاني خلفه مقابل سطحه، وسطحه متصل به بالرباطات يمنة ويسرة، منفصل عنه إلي فوق، ويسمي (عديم الاسم)
والغضروف الثالث- كقصعة مكبوبة عليها، وهو منفصل عن الدرقي ومربوط بالذي لا اسم له من خلف بمفصل مضاعف يحدث من زائدتين وتصعدان من الذي لا اسم له وتسقران في نقرتين له ويسمي «المكبي» و «الطرجهالي»فاذا تقارب الذي لا اسم له من الدرقي و ضامه حدث منه ضيق الحنجرة واذا تنحي عنه و باعده حدث منه اتساع الحنجرة ومن تقاربه وتباعده يحدث الصوت الحاد والثقيل واذا انطبق الطرجهالي علي الدرقي حصر النفس وسد الفوهة، واذا انقلع عنه انفتحت الحنجرة فتكون اذن هاهنا عضلات تلصق الطرجهالي بالدرقي وتجذبه اليه، وعضلات تبعده عنه وتجذبه إلي خلف، وعضلات تلصق الذي لا إسم له بالدرقي، وعضلات تنحي أحدهما عن الآخر والطرجهالي مركب علي الذي لا اسم له بمفصل مضاعف، لأن فيه نقرتين تصعد إليهما زائدتان من الذي لا اسم له وتستقرأن فيهما والعضلات التي تفتح الحنجرة بتنحية الطهرجالي عن الدرقي لابد من أن تكون طالعة من أسفل ومن جنبة الذي لا اسم له وتتصل بمؤخر الطهرجالي، فاذا تشنجت جذبته إلي خلف وفرقت بينه و بين الدرقي
وقد خلقت لذلك أربع عضلات علي هذه الصفة وأردفت بعضلتين تتصلان لا عند الخلف من الطهرجالي بل يمنة ويسرة، فاذا تشنجتا فعلتا مع المعونة في الفتح توسعا مستعرضا فهذه ست عضلات والعضلات التي تطبق يجب أن تكون لا محالة واصلة بين الترسي والطهرجالي، حتي إذا تشنجت مدت الطهرجالي إلي الترسي ومعلوم أنها اذا كانت من داخل كأن اطباقها أشد واحكم، و قد خلقت لذلك فمنها زوج عضلة توضع في جميع الناس أحد فرديها تصعد منه حافة الدرقي إلي حافة الطهرجالي يمنة والآخر مثله يسرة، وهما ضفيرتان تفعلان بالعصر وبموافقة المكان فعلا عظيما، حتي انه يقاوم عضل الصدر والحجاب عند حصر النفس و قد يوجد في بعض الناس زوج آخر شبيه به معين له وأما المضيقة للحنجرة فمن المعلوم أن الضام الجامع أحسن أحواله أن يكون محيطا بالمتضامين جميعا حتي اذا انقبض ضم و كذلك خلقت عضلات الضم فمن ذلك زوج يأتي من العظم اللامي- الشبيه باللام في كتابة اليونانيين- وهو عظم مثلث الشكل الذي بسطوحه، فيتصل بالدرقي عرضا ويمضي كل واحد من فرديه حتي يجاوز المري ء يمنة ويسرة ويلاقي الآخر ويتصل به واربع عضلات ربما فرقت وربما جمعت في زوجين مضاعفين أو زوجين أحد هما باطن والاخر ظاهر، و كيف كأن فإنها تتصل بالدرقي ثم تلتف وراءه علي الذي لا اسم له وأما الموسعة للحنجرة فمن المعلوم أن عن تكثيرها بالعدد غني، لأن عضل الصدر والحجاب يحفز النفس إلي خارج بقوة فيكون ذلك لو اقتصر عليه كافيا في فتح الحنجرة فمن عضل الفتح زوج عضلة يأتي من العظم الشبيه باللام ويتصل بمقدم الدرقي كله، فاذا تشنج جذبه إلي فوق والي قدام فنزله عن ملاصقة الذي لا اسم له ومن ذلك زوج مشترك بين الحنجرة والحلقوم يصعد من العسي ويجاوز الدرقي ويستمر إلي مؤخر الذي لا اسم له ومقدم الحلقوم، فاذا تشنج جذب الحلقوم إلي أسفل الذي لا اسم له إلي خلف ففرق بينه و بين الدرقي، وربما عضده في الفرد من الناس زوج آخر شبيه به وهو نادر ويوجد في عظيمي الحناجر من الناس، وأما في الدواب فدائما وأما اللسان فتحركه بالتحقيق ثماني عضل: منها عضلتان تأتيان من الزوائد السهمية التي عند الأذن يمنة ويسرة تتصلان بجانبي اللسان ، فاذا تشنجتا عرضتاه ومنها عضلتان تأتيان من أعالي العظم الشبيه باللام وتنفذان وسط اللسان ، فإذا تشنجتا جذبتا جملة اللسان إلي قدام فتبعها جزء من اللسان وامتد وطال ومنها عضلتان من العضلين السافلين من أضلاع هذا العظم ينفذان بين المعرضين المطولين ويحدث عنهما توريب اللسان ومنها عضلتان موضوعتان تحت هاتين، واذا تشنجتا بطحتا اللسان وأما تمييلة إلي فوق و داخلا فمن فعل المعترضة والموربة"
وكل ما قاله هو كلام يتعلق بالتشريح الطبى ومما قرأته فى الطب الحالى يوجد ست غضاريف وحوالى عشرين عضلة وما يهمنا هو أن تعلق صدور الصوت بالحنجرة والحجاب الحاجز وغير هذا هو مجرد نظرية فالصوت كما هو فى واقعنا يصدر أمامنا من الفم خاصة اللسان ولذا سمى الله اللغات الألسن فالاختلاف هو اختلاف الألسن كما قال تعالى:
" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم "
ونظرا لاتصال اللسان بالحنجرة وغيرها فإنه عندما يصدر الصوت يحرك المتصل به من الأعضاء حسب قولهم لكل فعل رد فعل ومن هنا اتخذ القوم حكاية صدور الحروف من الأعضاء الأخرى لتحركها بالتبعية للسان المتصل بها
وحدثنا فى الفصل الرابع عن تلك النظرية المشهورة عن أن لكل حرف مصدر خروج وهى نظرية وليست حقيقة لأن الكلمات عند تخرج تكون متكونة من عدة حروف فلا تلحق عند خروجها أن تخرج من كل تلك المصادر لأنها تصدر بسرعة وفى مخارج الحروف العربية قال :
"الفصل الرابع في الأسباب الجزائية لحرف حرف من حروف العرب
أما الهمزة فإنها تحدث من حفز قوي من الحجاب وعضل الصدر لهواء كثير ومن مقاومة الطرجهالي الحاصر زمانا قليلا لحصر الهواء ثم اندفاعه إلي الانقلاع بالعضل الفاتحة و ضغط الهواء معا
أما الهاء فإنها تحدث عن مثل ذلك الحفز في الكم والكيف الا أن الحبس لا يكون حبسا تأما بل تفعله حافات المخرج وتكون السبيل مفتوحة والاندفاع يماس حافاته بالسواء غير مائل إلي الاوسط
وأما العين فيفعلها حفز الهواء مع فتح الطرجهالي مطلقا وفتح الذي لا اسم له متوسطا وارسال الهواء إلي فوق ليتردد في وسط رطوبة يتدحرج فيها من غير أن يكون هذا الحفز خاصا بجانب
والحاء مثلها، إلا أن فتح الذي لا اسم له أضيق والهواء ليس يحفز علي الاستقامة حفزا بل يميل إلي خارج حتي يقسر الرطوبة ويهزها إلي قدام فتحدث من انزعاج أجزائها الي قدام هيئة الحاء
وأما الخاء فإنها تحدث من ضغط الهواء إلي الحد المشترك بين اللهاة والحنك ضغطا قويا مع اطلاق يهتز فيما بين ذلك رطوبات يعنف عليها التحريك إلي قدام فكلما كادت أن تحبس الهواء زوحمت و قسرت إلي خارج في ذلك الموضع بقوة
والقاف تحدث حيث تحدث الخاء و لكن بحبس تام، وأما الهواء فمقداره ومواضعه فذلك بعينه
وأما الغين فهو اخرج من ذلك يسيرا و ليست تجد من الرطوبة و لا من قوة انحصار الهواء ما تجده الخاء، والحركة فيه إلي قرار الرطوبة أميل منها إلي دفعها إلي خارج، لأن الحركة فيها أضعف وهوانها تحدث في الرطوبة الحنكية كالغليان والاهتزاز
وأما الكاف فإنها تحدث حيث يحدث الغين و بمثل سببه، إلا أن حبسه حبس تام، ونسبة الكاف إلي الغين هي نسبة القاف إلي الخاء
وأما الكاف التي تستعملها العرب في عصرنا هذا بدل القاف فهي تحدث حيث تحدث الكاف إلا أنها أدخل قليلا والحبس أضعف
وأما الجيم فيحدث من حبس بطرف اللسان تام و بتقريب الجزء المقدم من اللسان من سطح الحنك المختلف الاجزاء في النتوء والانخفاض مع سعة في ذات اليمين واليسار واعداد رطوبة حتي اذا أطلق نفذ الهواء في ذلك المضيق نفواذا يصغر لضيق المسلك إلا أنه يتشذب لاستعراضه ويتمم صفيره خلل الأسنان وتنقص من صفيره وترده إلي الفرقعة الرطوبة المندفعة فيما بين ذلك متفقعة ثم تنفقأ، إلا انها لا يمتد بها التفقع إلي بعيد و لا تتسع بل تفوقها في المكان الذي يطلق فيه الحبس
وأما الشين فهي حادثة حيث يحدث الجيم بعينه و لكن بلا حبس البتة، فكأن الشين جيم لم يحبس و كأن الجيم شين ابتدأت بحبس ثم أطلقت
وأما الضاد فإنها تحدث عن حبس تام عند ما تتقدم موضع الجيم وتقع في الجزء الأملس اذا أطلق أقيم في مسلك الهواء رطوبة وحدة أورطوبات تنفقع من الهواء الفاعل للصوت ويمتد عليها منحبسا حبسا ثانيا ويتفقأ فيحدث شكل الضاد
وأما الصاد فيفعله حبس غير تام أضيق من حبس السين وايبس واكثر أجزاء حابس طولا إلي داخل مخرج السين والي خارجه حتي يطبق اللسان أو يكاد يطبق علي ثلثي السطح المفروش تحت الحنك والمنخر ويتسرب الهواء عن ذلك المضيق بعد حصر شيء فيه من وراء ويخرج من خلل الأسنان
وأما السين فتحدث عن مثل حدوث الصاد الا أن الحابس من اللسان فيه أقل طولا وعرضا فكأنها تحبس العضلات التي في طرف اللسان لا بكليتها بل بأطرافها
وأما الزاي فإنها تحدث من الاسباب المصفرة التي ذكرناها، الا أن الجزء الحابس فيها من اللسان يكون ما يلي وسطه ويكون طرف اللسان غير ساكن سكونه الذي كأن في السين بل ممكن من الاهتزاز، فاذا انفلت الهواء الصافر عن المحبس اهتز له طرف اللسان واهتزت رطوبات تكون عليه وعنده ونقص من الصفير الا أنه باهتزازه يحدث في الهواء الصافر المنفلت شبيه التدحرج في منافذه الضيقة بين خلل الأسنان فيكاد أن يكون فيه شبيه التكرير الذي يعرض للراء، وسبب ذلك التكرير اهتزاز جزء من سطح طرف اللسان خفي الاهتزاز
وأما الطاء فهي من الحروف الحادثة عن القلع- دون القرع أو مع القرع- وانما تحدث عن الطباق سطح اللسان أكثر من سطح الحنك والمنخر و قد يبرأ شيء منهما عن صاحبه و بينهما رطوبة فاذا انقلع عنه وانضغط الهواء الكثير سمع الطاء
وأن كأن الحبس بجزء أقل و لكن مثله في الشدة سمع التاء
وأن كأن الحبس مثل حبس التاء في الكم واضعف منه في الكيف سمع الدال
وأن لم يكن حيث التاء حبس تام و لكن اطلاق يسير يصفر معه الهواء غير قوي الصفير كصفير السين لأن طرف اللسان يكون أرفع واحبس للهواء من أن يستمر في خلل الأسنان جيدا و كأنه ما بين تماس أطراف الأسنان سمع الثاء
وأن كأن حبس كالاشمام بجزء صغير من طرف اللسان واجراء الهواء المطلق بعد الحبس علي سائر سطح اللسان علي رطوبته و حفز له جملة سمع الظاء
وأن كأن الحبس بالطرف أشد و لكن لم يستعن بسائر سطح اللسان و لكن ينقل الهواء عن الحبس بما يلي طرف اللسان من الرطوبة حتي يحركها ويهزها هزا يسيرا وينفذ فيها وفي أعالي خلل الأسنان قبل الاطلاق ثم يطلق كأن منه الدال
والذال يقصر به عن الزاي ما يقصر الثاء عن السين وهوانه لا يمكن هواؤه حتي يستمر جيدا في خلل الأسنان بل يسد مجراه من تحت ويمكن من شمه من أعاليه و لكن يكون في الذال قريبا من الاهتزاز الذي في الزاي
وأن كأن حبس بطرف اللسان رطب جدا ثم قلع والحبس معتدل غير شديد و ليس الاعتماد فيه علي الطرف من اللسان بل علي ما يليه- لئلا بكون مانعا من التزاق الرطوبة ثم انقلابها- حدث اللام
وأن كأن الحبس أيبس و ليس قويا و لا واحدا بل يتكرر الحبس في أزمنة غير مضبوطة كأن منه الترعيدات والايقاعات و ذلك لشدة اهتزاز حبس سطح اللسان حتي يحدث حبسا بعد حبس غير محسوس حدث الواو
وأما اذا كأن حبس الهواء بآخر الثنية من الشفة وتسربه في آخر الثنية من غير حبس تام حدث الفاء
وأن كأن في ذلك الموضع بعينه مع حبس تام الاطلاق في تلك الجهة بعينها حدث الباء ونسبة الباء إلي الفاء عند الشفة نسبة الهمزة إلي الهاء عند الحنجرة
وأما اذا كأن حبس تام غير قوي و كأن ليس كله عند المخرج من الشفتين و لكن بعضه إلي ما هناك و بعضه إلي ناحية الخيشوم- حتي يحدث الهواء عند اجتيازه الخيشوم والفضاء الذي في داخله دويا- حدث الميم وأن كأن بدل الشفتين طرف اللسان وعضو اخر حتي يكون عضو رطب أرطب من الشفة يقاوم الهواء بالحبس ثم يتسرب أكثره إلي ناحية الخيشوم كأن النون وأما الواو الصامتة فإنها تحدث حيث تحدث الفاء و لكن بضغط و حفز للهواء ضعيف لا يبلغ أن يمانعه في انضغاطه بسطح الشفة
والياء الصامتة فإنها تحدث حيث يحدث السين والزاي و لكن بضغط و حفظ للهواء ضعيف لا يبلغ أن يحدث صفيرا
وأما الألف المصوتة واختها الفتحة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء سلسا غير مزاحم
والواو المصوتة واختها الضمة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء مع أدني تضييق للمخرج وميل به سلس إلي فوق
والياء المصوتة واختها الكسرة فأظن أن مخرجها من اطلاق الهواء من أدني تضييق المخرج وميل به إلي سلس إلي أسفل
ثم أمر هذه الثلاثة علي مشكل و لكني أعلم يقينا أن الالف الممدودة المصوتة تقع في ضعف أو اضعاف زمان الفتحة، وأن الفتحة تقع في أصغر الازمنة التي يصح فيها الانتقال من حرف إلي حرف وكذلك نسبة الواو المصوتة إلي الضمة والياء المصوتة إلي الكسرة"
وكل هذا الكلام نظرية وليست حقيقة فأى حرف من الممكن أن يخرج من اى مواضع متعددة من اللسان أو الفم وقد جربت هذا فقد جربت الدال مثلا تخرج من مقدمة اللسان أو الفم ومن أخر اللسان
وكما سبق القول التحدث عن الحروف بمفردها هو مجرد وهم فالكلمات تخرج من الفم مرة واحدة وهى لا تجمع تلك المواضع التى قد تكون متباعدة وإنما تخرج بالقانون الذى وضعه للسان
وفى الفصل الخامس حدثنا عن حروف من لغات أخرى ومصدرها فقال :
"الفصل الخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف و ليست في لغة العرب:
وهاهنا حروف غير هذه الحروف تحدث بين حرفين مما تجانس كل واحد منهما بشركة في سببه فمن ذلك الكاف الخفيفة التي ذكرناها وحروف تشبه الجيم وهي أربعة:
منها الحرف الذي ينطق به في أول «البئر» بالفارسية وهو «جاره»
وهذه الجيم يفعله اطباق من حروف اللسان أكثر واشد و ضغط للهواء عند القلع أقوي ونسبة الجيم العربية إلي هذه الجيم نسبة الكاف غير العربية إلي الكاف العربية ومنها حروف ثلاثة لا توجد في العربية والفارسية، و لكن توجد في لغات أخري، و كلها يتبين فيها ما في الجيم من استعمال رطوبة بفعل حبسها، وهي الرطوبة المعدة وراء الحبس وتكون علتها اعتماد الهواء عند الاطلاق فإذا سلبت هذه الرطوبة واعتمد الجزء الذي وقع عليه الحدس حدث هناك همس وتارة تضرب إلي شبه الزاي وتارة تضرب إلي شبه السين وتارة تضرب إلي شبه الصاد
أما الصاد والسين- فبأن يتسرب الهواء في خلل الأسنان من غير تعريضه لاهتزاز رطوبة قدامه وأما الزاي- فبعد تعريضه لذلك وترك إلجائه إلي أضيق المخارج ثم تفترق الصادية من السينية بالاطباق
ومن ذلك سين صادية تحدث عند استعمال جزء أكبر واعرض وابطن من اللسان ومن ذلك سين زائية تكثر في لغة أهل خوارزم وتحدث بأن تتهيأ الهيئة التي عن مثلها تحدث السين، ثم يحدث العصلة الباطحة للسان ارتعاد كما يحدث في الزاي يلزم ذلك الارتعاد مماسات خفية غير محسوسة يحتبس لها الهواء احباسات غير محسوسة فتضرب السين بذلك إلي مشابهة الزاي
ومن ذلك زاي سينية شبيهة في اللغة الفارسية عند قولهم «زرد» وهي سين لا تقوي و لكنها تعرض باهتزاز سطح طرف اللسان والاستعانة بخلل الأسنان
ومن ذلك راء غينية نسبتها إلي الراء نسبة هذه السين الخوارزمية إلي الزاي والسين، وتحدث بأن يتغرغر بالهواء التغرغر الفاعل للغين ثم يرعد طرف اللسان أو يحدث في صفاق المنخر الداخل ذلك الارتعاد فتحدث راء غينية
وايضا راء لامية تحدث بأن لا يقتصر علي ترعيد طرف اللسان بل ترخي العضلات المتوسطة للسان وتشنج طرفيه حتي يحدث بعد طرف اللسان تقبيب ويعتمد بإرسال الهواء في ذلك التقبيب والرطوبة التي يكون فيه ويرعد طرف اللسان
و زاي ظائية يكون وسط اللسان فيها أرفع والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا و كانه من الرطوبة فقط
وهاهنا لام مطبقة نسبتها إلي اللام المعروفة نسبة الطاء إلي التاء وتكثر في لغة الترك وربما استعملها المتفيهق من العرب وهاهنا فاء تكاد تشبه الباء وتقع في لغة الفرس عند قولهم فرندي تفارق الباء لأنه ليس فيها حبس تام وتفارق الفاء بأن تضييق مخرج الصوت من الشفة فيها أكثر وضغط الهواء أشد حتي يكاد أن يحدث بسببه في السطح الذي في باطن الشفة اهتزاز
ومن ذلك الباء المشددة الواقعة في لغة الفرس عند قولهم «پيروزي» وتحدث بشد قوي للشفتين عند الحبس و قلع بعنف و ضغط الهواء بعنف
والميم والنون قد يكون منهما ما يقتصر علي الدوي من الهواء في تجويف آخر المنخر و لا يردف حبسه عند الاطلاق تحفز الهواء إلي خارج وهذا كفته مجردة"
وهذا الكلام مماثل لما فى الفصل الرابع وهو كلام اخترعه معلمو اللغة ولكن فى الحقيقة الكلمات تصدر ككل من مقدمة اللسان وإن تعدت ذلك فبعده بقليل وهو وسطه ومن ثم لا علاقة لها بالمخارج المزعومة
وحدثنا عن سماع الحروف فقال فى الفصل السادس فقال :
"الفصل السادس في أن هذه الحروف من أي الحركات الغير النطقية تسمع وانت تسمع العين من كل اخراج هواء بعنف من مخرج رطب والحاء عن أضيق منه واعرض والخاء عن حك كل جسم لين حكا كالقشر بجسم صلب والهاء عن تصعد لهواء بقوة في جسم غير ممانع كالهواء نفسه والقاف عن شق الأجسام و قلعها والغين عن غليان الرطوبة في أجزاء كبار تندفع إلي جهة واحدة والكاف عن قرع كل جسم صلب كبير علي بسيط آخر صلب مثله والجيم عن وقع الرطوبات في الرطوبات مثل قطرة من الماء لها مقدار تقع بقوة علي ماء واقف فتغوص فيه والشين عن نشيش الرطوبات وعن نفوذ الرطوبات في خلل أجسام يابسة نفوذا بقوة والضاد عن انفلاق فقاقيع كبار من الرطوبات والصاد عن السبب الذي نذكره للسين اذا وقع في جرم ذي دوي أو كأن معه قرع بشيء له تقعير يسير والسين عن سن جرم يابس جسما يابسا ويحرك عليه حتي يتسرب ما بينهما هواء عن منافذ ضيقة جدا ويسمع أيضا عن نفوذ الهواء بقوة في مثل أسنان المشط والزاي عن مثل ذلك اذا أقيم في وجه الممر جسم رقيق لين كجلدة تهتز علي نفسها والطاء تحدث عن تصفيق اليدين بحيث لا تنطبق الراحتان بل يحصر هنالك هواء له دوي ويسمع عن القلع أيضا مثله والتاء عن قرع الكف بإصبع قرعا بقوة والدال عن أضعف منه والذال عن مثل الزاي اذا كأن المهتز أعظم واغلظ واشد يتخلل منفذ الهواء والثاء عن مثل السين اذا لم يكن مهتزا و لكن الشد أشد ونسبة الذال إلي الزاي كنسبة الثاء إلي السين والراء عن تدحرج كرة علي لوح من حيث من شأنه أن يهتز اهتزازا غير مضبوط بالحبس واللام عن صفق اليد علي رطوبة أو وقوع شيء فيها دفعة حتي يضطر الهواء إلي أن ينضغط معه ثم ينصرف وتتبعه رطوبة والفاء عن حفيف الأشجار والباء عن قلع الأجسام اللينة المتلاصقة بعضها عن بعض"
وهذا تكرار لنفس نظرية مخارج الأصوات وهى نظرية لا أساس لها وقد أتعبت الأمة فى نطق القرآن من خلال أحكام التجويد مع أن الله يقول أن القرآن نزل بلسان العامة وهم يتكلمون كلاما عاديا ليس فيه تقعرات ولا غناء وفى هذا قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب أسباب الرحمة
» قراءة فى كتاب التسعير
» نقد كتاب أسباب وعلاج العنف الأسري
» قراءة فى كتاب الرشوة
» قراءة في كتاب الاستهزاء
» قراءة فى كتاب التسعير
» نقد كتاب أسباب وعلاج العنف الأسري
» قراءة فى كتاب الرشوة
» قراءة في كتاب الاستهزاء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى