قراءة في كتاب الحروب النووية والكيماوية والبيولوجية في الميزان الفقهي
صفحة 1 من اصل 1
قراءة في كتاب الحروب النووية والكيماوية والبيولوجية في الميزان الفقهي
قراءة في كتاب الحروب النووية والكيماوية والبيولوجية في الميزان الفقهي
استهل مؤلف الكتاب بالقول أن دول العالم تتسابق للحصول على الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية فقال :
"مع تطور الأزمان، وانفتاح العالم، والحرص على البقاء، ولأجل التحدي والحفاظ على الشخصية الدولية فقد تسارعت الدول إلى التنافس في صنع الأسلحة، وخصوصا في القرن العشرين الذي اكتشفت فيه الطاقات، وتفجرت فيه المعرفة، فظهرت لنا نوعيات من الأسلحة تسمى بأسلحة الدمار الشامل، وكثر الحديث بعد صناعتها عن الحروب النووية، والبيولوجية، والكيماوية، والحرب النفسية."
وتحدث المؤلف عن خيبة الظن في الطاقة الذرية فقال :
"وقد توقع الكثير أن الطاقة الذرية "النووية" سوف تنفع الكثير من البشر؛ ولكن ظهر جليا خلاف ما توقعه هؤلاء؛ حيث استخدمت فيما يدمر ويبيد البشرية بل إن الرعب والخوف قد دب في قلوب الكثير بسبب هذه الطاقة النووية، فتسارع الكثير إلى التسلح بأسلحة الدمار الشامل وتصنيع قنابل، وصواريخ نووية، وكيماوية، وجرثومية لاسيما السلاح النووي الذي له قدرة هائلة على التدمير، كما يقول أحدهم: "إن أربع قنابل هيدروجينية وزن كل واحدة منها .. طن تستطيع أن تقتل كل نسمة على وجه الأرض".
كما أن لهذه الطاقة النووية تأثيرا على أمن وسلامة البشرية، وهي تؤثر على عجلة النمو خلال فترة الحروب، وقد كانت القنبلة الذرية الملقاة على اليابان سببا في استسلامها في الحرب"
وكلام المؤلف عن قدرة السلاح النووى على إبادة البشرية وغيرها من المخلوقات كلام مبالغ فيه فالسلاح النووى مهما بلغت قدرته لا يقدر على إبادة البشرية لأن البشرية متوزعة هنا وهناك في أنحاء الأرض ومن ثم يحتاج البشر لإنتاج ما لا يقل عن مليون قنبلة نووية لذلك لذلك وهو عدد غير متوافر حتى عشره
والتجارب النووية التى أجريت في الصحارى أثبتت أن بعض أنواع الخلق للصراصير ستظل حية
وهذا كلام بشرى ولكن الله بين أن البشر عندما يظنون أنهم قادرون على إبادة الأرض فسينزل عليهم عذاب يهلكهم قبل أن يفعلوا ذلك وفى هذا قال تعالى :
"حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس"
زد على هذا أن البشر لن يصل جميعهم غلى مرحلة جنون إبادة حتى أنفسهم فمهما تجبر البعض فإنه يريد الحفاظ على حياته وحياة البعض حتى يتمتع بمتع الحياة
وتكلم المؤلف عن الأسلحة المرضية التى سماها الجرثومية فقال :
"وتأتي الأسلحة البيولوجية (الجرثومية) على قائمة الأسلحة في الحروب الحديثة، وهي أي الجرثومية استخدام عسكري للكائنات الحية الدقيقة؛ لإيصال الجراثيم إلى هدفها من الإنسان، والحيوان، والنبات، لأغراض عدائية؛ مما يسبب تعطل المناعة الدماغية الطبيعية في الجسم، وهي إما أمراض بكتيرية، تسببها البكتيريا، ومنها ما يسمى حاليا بالجمرة الخبيثة أو أمراض فيروسية، وهي المتسببة في الإيدز، والحمى الصفراء، أو أمراض الكساح، وتنتقل عن طريق الحشرات كالقراد، والقمل، وهي المسببة لمرض التيفوس الوبائي وهناك أنواع أخرى من الأمراض لهذه الأسلحة البيولوجية"
وهذه الأسلحة ليست آمنة فانتشار المرض قد يعود لناشريه ومن ثم لا يجرؤ أحد على استعمال هذا السلاح لأنه قد ينتقل إلى من نشروه عن طريق الريح والسفر وغير هذا ولعل الوباء الحالى المسمى الكورونا قد فاق تصور الناس حيث انتشر في كل الدول
ومن ثم فالسلاح الممرض لن يستعمله إلا مجنون يريد أن يقضى على نفسه وعلى شعبه
وتحدث عن السلاح الكيماوى فقال :
"ثم تأتي الأسلحة الكيماوية أيضا على قائمة الأسلحة في الحروب الحديثة، وقد استخدمت في الحرب العالمية الأولى؛ فأطلق غاز الكلور، وغاز الخردل اللذان أوديا بحياة الآلاف بل مئات الآلاف كما تذكر بعض المصادر وهذه الأسلحة الكيماوية هي مواد سامة ومؤثرة على الأعصاب، تصل للجسم من خلال الاستنشاق، أو البلع، أو عن طريق امتصاص الجلد لها، فتؤثر على الجسم وخاصة الجهاز العصبي، وهي على أقسام:
) التابون: وبقاؤه في الهواء يتراوح من يوم إلى يومين.
) سارين: وهو أثقل من الأول بأربعة أضعاف، وأشد منه.
) سومان: وهو من أشد الغازات فتكا.
ومن هذه المواد ما يؤثر على خلايا الدم، وتمتص عن طريق التنفس، ثم تدخل إلى الدورة الدموية بسرعة، وتدخل إلى الخلايا الحمراء، وتسبب الاختناق، ومن أهمها: سيانيد الهيدروجين، وكلورايد السيانوجين.
ومن هذه المواد ما يؤثر على الجهاز التنفسي (الخانقة) فيهيج الرئتين، ويدمر الجهاز التنفسي: كحامض البروسيك، وغاز الكلور، وغيرهما.
ومن هذه المواد ما يؤثر على الجلد سواء كانت سوائل أو غازات، وتدخل إلى الجسم عن طريق التنفس، أو الجلد، أو الأغشية المخاطية، وتسبب القروح الصديدية.
ومن هذه المواد الكيماوية ما يسمى بالمواد الكيميائية المعطلة، وهي مواد تشل الفرد عن الحركة الطبيعية جسميا، أو عقليا، أو جسميا وعقليا، ثم بعد ذلك يعود الشخص طبيعيا دون علاج، والفائدة منها هي وقت الحرب فقط ومن هذه المواد الكيماوية ما يهيج، ويكون على شكل سحب، وتستخدم لفض الاشتباكات والشغب وتؤثر على الأنف، أو على العين، فتسيل الدموع ومن هذه المواد الكيماوية مواد حارقة، تنتج نارا هائلة تسبب إصابات بالحروق، أو حرائق للمواد القابلة للاشتعال: كالمنشآت الصناعية، أو المستودعات الكبيرة للتموين، والذخيرة، والوقود"
واستعمال السلاح الكيماوى صعب للغاية وهو ذو كلفة عالية كما أن بعض الريح قد تقلب الوضع فيصيب المهاجم به بدلا من العدو
وتحدث المؤلف عن الحرب النفسية من خلال الحديث عن كميتها لدى الأعداء وإنتاجها فقال :
"هذا وإن من أهم أسلحة الحروب الحديثة الحرب النفسية؛ وذلك بنشر ما يثبط العزائم، ويؤثر في نفسيات المقاتلين، أو غيرهم من مؤيديهم، والغرض من ذلك هو خلق اعتقاد معين لديهم، وتوجيه سلوكهم والسيطرة على تصرفاتهم؛ وذلك عن طرق شتى، ويأتي في مقدمتها: وسائل الإعلام المسموعة، والمرئية، والمقروءة.
ولا شك أننا لو رجعنا إلى الوراء وقلبنا صفحات التاريخ لوجدنا أن إشاعة خبر مقتل النبي في غزوة أحد كان لها الأثر الكبير في نفسيات الصحابة رضي الله عنهم حتى إن بعضهم قعد عن مواصلة القتال.
إذا تبين لنا حجم هذه الأسلحة في الحروب الحديثة النووية والبيولوجية، والكيماوية وما لها من آثار كبيرة في حياة الأمم والشعوب، ومدى حرص الدول على الإكثار من تصنيع هذه المواد سواء لاستخدامها، أو الردع بها، فإنه ينبغي معرفة حكمها الشرعي تصنيعا، واقتناء، واستعمالا فإنها مالم تسبر بمقياس الشرع، وتوزن بمعيار الدين القويم لا يعرف حلها من حرمتها، ولا حقها من باطلها، وبيان ذلك من ثلاثة جوانب "
وتحدث المؤلف عن ضرورة إنتاج هذه الأسلحة أو شراءها فقال
"الجانب الأول؛ الإعداد الحربي باقتناء أو تصنيع هذه الأسلحة
لاشك أن الاستعداد والتأهب للحرب قبل أن تقع من أساسيات هذا الدين، كما قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}.
وأمر تعالى بالإنفاق في سبيله، ولأجل الجهاد فقال: {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}، وقال تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فترك الإنفاق في سبيل الله، وعدم الاستعداد للحرب باتخاذ العدة اللازمة للنصر تهلكة للنفس، وتهلكة للجماعة، والدعوة إلى الجهاد في التوجيهات القرآنية والنبوية تلازمها في الأغلب دعوة إلى الإنفاق .
قال الإمام الماوردي في تفسير قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}: (أي بأن تتركوا النفقة في سبيل الله فتهلكوا، ثم قال: "هذا قول ابن عباس، وقيل: لا تقحموا أنفسكم في الحرب بغير نكاية في العدو"، وقال: ابن كثير: "التهلكة أن تمسك يدك عن النفقة في سبيل الله تعالى") .
وقال أيضا: (من الأمور الواجبة على الإمام تحصين الثغور بالعدة المانعة، والقوة الدافعة؛ حتى لا يظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما؛ أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما) .
وإذا تبين هذا فإنه يجب أن يعلم أن الإسلام هو دين الرحمة والرأفة، والإحسان إلى البشر، ودين فيه حسن الخلق، وكريم المعاملة، والدعوة إليه بالتي هي أحسن من الحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}.
ولا يأمر الإسلام بتصنيع أو استخدام هذه الأسلحة المدمرة التي تزيد في التهاب جمرة الحرب، وتطحن طحن الحب، وتهلك الحرث والنسل، وتحطم حطم الهشيم، وتترك من تنوشه كالرميم بسبب وقعتها العظيمة، ووطأتها الأليمة.
وما شرع الله تعالى هذا الدين إلا ليحقن دماء البشرية، ويرفع رأس الإنسانية، ويحقق تمام وكمال العبودية لله رب البرية جل وعلا، ولكن حين يضيق بالمسلمين المجال، ويتحكم فيهم الأعداء بسبب هذه الأسلحة، فلا يجوز وقوفهم مكتوفي الأيدي، بحجة أن هذا قضاء وقدر، بل يجب عليهم أن يجدوا في إعداد القوة التي تجعل جانبهم مهابا، وتردع عدوهم عنهم.
والآية السابقة في سورة الأنفال، وهي قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} تدل على وجوب الأخذ بجميع أسباب القوة ، سواء كانت مادية أو معنوية؛ فالمادية كالإنفاق على السلاح، والتدريب في فنون الحرب، والمعنوية كالتآخي، والتصافي، والتواد، ومن أكبر أسباب القوة: الرمي، فعن عقبة بن عامر قال: (سمعت رسول الله يقول، وهو على المنبر: {وأعدوا لهم ما ستطعتم من قوة} ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي) .
وقد صح عن النبي أنه قال: (وإن ترموا خير من أن تركبوا) .
قلت: لاشك أن من أعظم أسباب القوة الرمي، ومن أقوى الإرهاب لأعداء الله بالرمي هو تملك كل الأسلحة التي ترمى عليهم أو أقواها، وامتلاك أسلحة التدمير الشامل من نووية، وكيماوية، وبيولوجية تعتبر من الأمور التي تعزز موقف الدول الإسلامية أمام الدول الكافرة، وتجعلها مهابة، ومحافظة على كيانها، وكلمتها، وقراراتها؛ لاسيما في هذه العصور التي تداعت على المسلمين فيها جميع الأمم التي أخبرنا عنها نبينا بقوله: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) .
لذا يجب على حكومات المسلمين الحرص على اقتناء هذه الأسلحة أو تصنيعها؛ حتى تحافظ على دينها، وبلدها، ومعتقدها، وسيادتها، بإرهابها لأعدائها، وردعهم عن الاعتداء عليها، والمساس بها؛ امتثالا لأمر ربها.
الجانب الثاني؛ حكم استخدام هذه الأسلحة
هناك أسلحة تدمير قديمة استخدمها السابقون؛ وذلك مثل: المنجنيق، والتحريق، والتغريق، وقطع الأشجار، وإتلاف المزروعات، وتخريب المباني، وقطع المياه، وإفسادها على العدو في بلاده عن طريق ما يلقى فيها من سموم، ودماء، وقاذورات، بقصد القضاء على العدو بمجرد تناولها .. وكذلك أن يرسل على العدو الحشرات، والكائنات الحية التي من شأنها أن تقتل من تصيبه، أو تلدغه، أو تلسعه كالحيات، والعقارب، وما شاكلها.
وقد تطرق لها أهل العلم من فقهاء المذاهب الإسلامية، ووضحوا ما يستخدم منها، ومتى يستخدم، إلى غير ذلك من الأحكام المنوطة بهذه الأسلحة القديمة .
والأسلحة الحديثة، الوحشية، المبيدة، والمدمرة، سواء كانت نووية، أو بيلوجية، أو كيماوية، لا تقارن في نتائجها وآثارها، وما تخلفه من خراب، ودمار، وخسائر بما ذكره الفقهاء من الأسلحة القديمة التي ذكرنا؛ ولكنها تشابهها من حيث اشتراكهما في قصد التدمير لجهة معينة؛ ولأنها قد تنوش النساء، والأطفال، والشيوخ الذين لم يشتركوا في القتال، وكذا الحيوان والنبات؛ ولذلك سوف ننزلها في الحكم على ما ذكره الفقهاء.
أولا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المقاتلين من دون أن يكون هناك إصابة لنسائهم أو أطفالهم أو أي مسلم
أولا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيولوجية وكيماوية، ضد المقاتلين على الأرض، أو المتحصنين في القلاع، أو المتخندقين بالخنادق من دون أن يكون هناك إصابة لنسائهم، أو أطفالهم، أو أي مسلم.
اختلف أهل العلم فيه على قولين:
القول الأول: يجوز ضربهم بهذه الأسلحة سواء كانوا متحصنين أو غير متحصنين ولو قدر على ضربهم بأقل من ذلك، والتغلب عليهم. وإليه ذهب أهل العلم من الشافعية ، وبعض الحنفية ، وهو مذهب المالكية ، والحنابلة .
القول الثاني: لا يجوز ضرب مقاتلي العدو بهذه الأسلحة إلا إذا تعذر الوصول إليهم بغيرها؛ كأن يكونوا متخندقين، أو متحصنين في قلاع قوية لا يستطاع الوصول إليهم إلا بهذه الأسلحة. وإليه ذهب باقي أهل العلم من الحنفية .
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلين بضربهم مطلقا بما يلي:
) قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم}.
وجه الاستدلال: أن الله أمر بقتل المشركين ولم يعين الصفة التي نقتلهم عليها، ولا أمرنا حين القتل أن نعمل هذا أو هذا، فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي، أو طعن، أو تغريق، أو هدم، أو دفع من شاهق، أو غير ذلك مما يسمى قتلا .
) حصاره للعدو في الطائف وضربهم بالمنجنيق .
) أمر عمر أبا موسى الأشعري وهو محاصر أهل تستر أن ينصب المنجنيق عليهم فنصبه أبو موسى .
) نصب عمرو بن العاص المنجنيق على الإسكندرية حين حاصرها .
) قطع رسول الله الماء عن أهل حصن من حصون النطاة بخيبر حين أخبر أن لهم ذيولا تحت الأرض يشربون منها، فقطعها عنهم حتى عطشوا، فخرجوا، وقاتلوا حتى ظفر الرسول وأصحابه بهم .
وجه الدلالة من الآثار السابقة:
أنه لا بأس بذلك كله ما داموا مقاتلين، فضربهم بالمنجنيق، ومنع الماء عنهم دليل على جواز قتلهم بأي نوع من أنواع السلاح.
) واستدلوا بأن ذلك من لوازم الجهاد، فلو قيل بمنعه لتعطلت هذه الفريضة .
واستدل باقي الحنفية القائلون بالمنع إلا إذا تعذر الوصول إليهم إلا بهذه الأسلحة بأن فعل النبي بضربه أهل الطائف بالمنجنيق، وكذلك صحابته من بعده إنما هو لأجل أنهم ممتنعون فجاز ضربهم بالمنجنيق وما شابهه، وأما إذا لم يكونوا متحصنين فلا يضربون بسلاح مدمر"
قلت سابقا أن استعمال السلاح الكيماوى والمرضى الجرثومى هو استعمال جنونى لا يقدم عليه إلا المجانين لأنه يرتد إلى أصحابه خاصة السلاح الممرض وأما استعمال السلاح الكيماوى فهو مكلف كلفة كبرى وهو الأخر قد يرتد إلى مطلقيه بسبب الريح ولأن يحتاج لأجواء خاصة غير مفتوحة وأما تأثيره في الأماكن المفتوحة فلا يكاد يذكر
ومن ثم لا يجوز إنتاج هذين النوعين من السلاح ولا شراءهم لضررهم على العدو والصديق معا وأما السلاح النووى فيجب إنتاجه ولكن ليس للاستخدام وإنما للتخويف فالمعروف أن دولة المسلمين لا تهاجم أولا بل تدافع ضد العدوان ومن ثم لو استعمله أحد ضدها فسوف تستعمله بعد لحظات ضد المعتدى كما قال تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وتحدث عن حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه فقال:
"ثانيا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه
ثانيا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيلوجية، وكيماوية، ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه:
من سماحة الإسلام ورأفته ورحمته أنه ينهى عن تدمير البشر، وليست إراقة الدماء غاية أو هدفا مرغوبا فيه؛ ولذلك كان من تعاليمه لجيشه ألايقتل النساء، ولا الولدان، ويدل عليه ما يلي:
) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله كان إذا بعث جيوشه قال: (لا تقتلوا الولدان) .
) عن رباح بن حنظلة الكاتب: (أنه خرج مع رسول الله في غزاة غزاها وخالد بن الوليد على مقدمته، حتى لحقهم رسول الله على ناقته، فأفرجوا عن امرأة ينظرون إليها مقتوله فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان) . وفي رواية قال: (ما كانت هذه تقاتل) ثم أتبع رسول الله خالدا: (أن لا تقتل امرأة ولا عسيفا) .
) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن قتل النساء والولدان)، وقال: (هما لمن غلب) .
) عن كعب بن مالك: (أن رسول الله نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل الولدان والنسوان) .
) عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله: هل كان النبي يقتل من صبيان المسلمين أحدا؟ فكتب إليه ابن عباس وأنا حاضر، إن رسول الله كان لا يقتل منهم أحدا) .
وإذا تبين مافي الإسلام من أمر للمسلمين بأن لا يقتلوا هؤلاء فإن العلماء اتفقوا على أنه لايجوز قتل نساء العدو، ولا أطفاله أبدا؛ لكن إذا كان العدو على معرفة بتعاليم الإسلام، وأنه لايقتل نساؤهم وأطفالهم، فقاموا بالتترس بهم لعلمهم أن المسلمين لن يضربوهم فما الحكم؟
اختلف فيه الفقهاء على قولين:
القول الأول: ذهب أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز ضربهم مطلقا ولو لم يكن هنالك ضرورة قصوى. القول الثاني: وذهب أهل العلم من المالكية إلى أنه لايجوز ضربهم أبدا إلا في حالة الضرورة القصوى.
وقد استدل الفريقان على جواز ضرب الترس من نساء العدو وأطفاله بهذه الأسلحة المدمرة بما يلي:
) عن الصعب بن جثامة، قال: (سئل رسول الله عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا فيصاب من نسائهم وصبيانهم، فقال: "هم منهم") . وفي رواية قيل يارسول الله: (أوطأت خيلنا أولادا من المشركين؟ فقال: رسول الله: "هم من آبائهم") . وفي رواية أخرى قلنا: (يارسول الله، الدار من دور المشركين نفتحها في الغارة فنصيب الولدان تحت بطون الخيل ولا نشعر؟ فقال: "إنهم منهم") .
وجه الاستدلال:
لما لم ينههم رسول الله عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم قصد قتلهم دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأن ما حظر في الآثار الأول هو قصد قتل النساء والولدان، والذي أباح هو قصد قتل المشركين وإن كان في ذلك تلف لغيرهم مما لايحل قصد تلفه .
) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يغير على العدو عند صلاة الصبح فيستمع، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار) .
) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار، فنزلنا خيبر، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبنا معه فاستقبلنا عمال خيبر قد أخرجوا مساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا النبي والجيش قالوا: محمد والخميس، فأدبروا هرابا، فقال النبي: "الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين") .
) عن جندب بن مكيث الجهني قال: (بعث رسول الله غالب بن عبدالله الليثي في سرية كنت فيهم، وأمره أن يشن الغارة على ابن الملوح بالكديد)، قال: (فراحت الماشية من إبلهم وغنمهم، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا نياما، شننا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النعم) .
) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما قربنا من المشركين أمرنا أبو بكر الصديق فشننا عليهم الغارة) .
وجه الاستدلال من الآثار السابقة:
أن النبي أمر بالغارة، وأغار على أهل خيبر ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، وقد كان يعلم فيما يبدو أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم؛ لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم .
) أن النظر يدل على جواز قتل النساء والولدان والمتترس بهم ولكن لايقصدون بالقتل، ويؤيده مارواه صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه، قال صفوان: (كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما صاحبه، فانتزع أصبعه فسقطت ثنيتاه، فجاء إلى رسول الله يلتمس العقل فأهدر ثنيته)، قال عطاء: (حسبت أن صفوان قال: قال رسول الله "أيدع يده في فيك فتقضمها كقضم الجمل؟) وفي رواية (كقضم البكر) ، وفي رواية (أردت أن تقضم يد أخيك كما يقضم الفحل، فأبطلها) .
وجه الاستدلال:
لما نزع المعضوض يده، وأتلف ثنايا غيره لم يكن عليه شيء ولو قصد إلى نزع الثنايا لحرم عليه ذلك، فكذلك العدو حرم علينا القصد إلى قتل نسائهم، وحلال لنا أن نقتل العدو فإذا أصيب النساء والولدان ولم يكونوا قصدنا بالقتل فلا شيء علينا .
قلت: ففيما مضى من الأحاديث في قتل نساء، وذراري، وأطفال المشركين دون تعمد قصدهم دليل للقائلين بجواز ضرب أطفال ونساء العدو المتترس بهم كما هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، ولو لم تكن ثمة ضرورة قصوى، وهو دليل أيضا للمالكية ولكن بشرط أن تلجئ إلى ذلك الضرورة القصوى.
وعلى كل حال فالأمر في ذلك إلى ولي أمر المسلمين للعمل بما يراه يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة.
ثالثا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتترس بمسلمين
ثالثا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيلوجية، وكيماوية ضد العدو المتترس بمسلمين:
إذا قام العدو بوضع أشخاص من المسلمين الأسرى ترسا لهم في خنادقهم، أو قلاعهم، أو مواقعهم، وذلك حتى يتفادوا ضربة المسلمين، فهل للمقاتلين من المسلمين ضرب موقعهم ولو أصابوا هؤلاء المسلمين المتترس بهم؟
الجواب:
لا يخلو الأمر من تفصيل:
فإن لم يكن هنالك أي خطر على جماعة المسلمين لو لم يضربوا عدوهم مع كون المسلمين لايقدرون على الحربيين إلا برمي الترس فقد اتفق أهل العلم من الفقهاء على أنه لايجوز ضربهم
وإذا كان الخوف من الخطر مظنونا، ولا يوجد خطر محقق فقد اختلف أهل العلم في ضربهم على قولين:
القول الأول: يجوز ضرب العدو وإن أصاب الترس من المسلمين، وإليه ذهب أهل العلم من الحنفية والشافعية .
القول الثاني: لايجوز ضرب العدو إذا كان سيصيب الترس من المسلمين عند خوف، أو ظن وجود خطر من العدو، وإليه ذهب أهل العلم من المالكية ، والحنابلة .
قال في المغني: قال الليث: "ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من أن يقتل مسلما بغير حق" ، وقال الأوزاعي:"كيف يرمون من لايرونه أنهم يرمون أطفال المسلمين" .
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بالجواز بما يلي:
) لأنه لا يتعمد رمي المسلم، وإنما يتعمد رمي العدو .
) أن في اعتبار وجود أسير مسلم يؤدي إلى انسداد باب الجهاد .
) أن الأمور بمقاصدها، فإذا تترس الكافر بمسلم؛ فإن رماه مسلم وقصد قتل المسلم حرم، وإن قصد قتل الكافر لم يحرم .
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بالمنع بما يلي:
) قوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}.
وجه الاستدلال:
أن كفار مكة حين منعوا النبي من أداء العمرة عام الحديبية هم النبي بقتالهم، واستشار أصحابه في ذلك؛ ولكن الله عز وجل صرف نبيه، وصرف المسلمين عن هذا القتال بسبب وجود بعض المؤمنين والمؤمنات بين أهل مكة، الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الهلاك في غمرة زحف المسلمين على مكة واجتياحها .
وأجيب عنه: بأنه لا دلالة في الآية على عدم الضرب بل أكثر ما فيها أن الله تعالى كف المسلمين عنهم؛ لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم؛ وذلك إنما يدل على إباحة ترك رميهم، والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين؛ لأنه جائز أن يبيح لهم الكف عنهم لأجل المسلمين، وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير، فإذا لا دلالة فيه على منع الإقدام .
) أن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز، ولا سيما بروح المسلم .
) لأن غايتنا أن نخاف على أنفسنا، ودم المسلم لا يباح بالخوف .
قلت: لا يخفى عليك مافي التحرز من ضرب الترس من المسلمين من أهمية بالغة مالم يكن هناك غلبة ظن، أو أمر راجح لا تحمد عواقبه، ومرجع ذلك وتقديره إلى إمام المسلمين بمشاورة أهل الرأي وأهل الحل والعقد منهم.
وإذا تبين لنا الخلاف في حالة عدم وجود خطر محقق، أو مجرد الظن، وأن هناك من يجيز، وهناك من يمنع؛ فإنه عند وجود خطر محقق، وضرر محدق بالمسلمين، ولايوجد سبيل إلا بضرب العدو بهذه الإسلحة، فإنه يجوز ضربهم بها، ولو أصيب في ذلك المسلمون المتترس بهم، وقد اتفق على ذلك أهل العلم من الفقهاء ، والأصوليين ، وغيرهم من أهل العلم، وهو مارجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه .
الأدلة:
) أن حفظ خطة الإسلام، ورقاب المسلمين أهم في مقاصد الشرع من حفظ شخص معين، في ساعة، أو نهار، وسيعود الكفار عليه بالقتل .
) حيث يباح أكل مال الغير بالإكراه لأن المال حقير في ميزان الشرع، بالإضافة إلى الدم، فكذلك دم الشخص المعين يباح بالنسبة للدم الأعظم، وهو دماء المسلمين. ففي رمي الترس ارتكاب لأخف الضررين .
) يجوز للضرورة حيث إن حصون الكفرة لا تخلو من أسير مسلم .
) لأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد؛ لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد .
) لأنه لا يتعمد بالرمي المسلم وإنما يتعمد به العدو .
) أن الذي قتل في الترس من أجل الجهاد الذي أمر الله به ورسوله وهو في الباطن مظلوم يكون شهيدا، ويبعث على نيته، ولم يكن قتله أعظم فسادا من قتل من يقتل من المؤمنين المجاهدين .
) لأنه لو ترك الترس لانهزم المسلمون، وخيف من استئصال قاعدة الإسلام، وجمهور المسلمين، وأهل القوة منهم .
هذا وقد ذهب بعض أهل العلم كالإمام الشوكاني ، ومن وافقه إلى استثناء التحريق بالنار من جواز الضرب بهذه الأسلحة المدمرة، فيجوز الضرب بأسلحة الدمار الشامل من نووي، وكيمائي، وبيلوجي إلا ما تسبب في حرق العدو فلا يجوز أبدا.
واستدل الشوكاني على جواز الضرب ماعدا التحريق بأن النبي منع من ذلك، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لايعذب بها إلا الله؛ فإن وجدتموهما فاقتلوهما) .
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث على منع التحريق على كل حال، سواء كان المحرق مشركا، أوغير مشرك .
وأما التحريق من بعض الصحابة فهذا دليل على أنه لم يبلغهم الدليل .
وأجيب عن هذا المنع: بأن هذا صريح في النهي عن تحريق العدو بعد الأخذ، أي بعد إلقاء القبض عليه. أما حال القتال فلا يدخل في ذلك.
قال ابن حجر: (ومحله أي النهي عن التحريق بالنار إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب قال: واختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر، وابن عباس، وغيرهما مطلقا، سواء كان ذلك بسبب الكفر، أو في حال مقاتلة، أو قصاصا. وأجازه علي، وخالد بن الوليد وغيرهما ... وقال المهلب::ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع. ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها) .
قال - أي ابن حجر -: (وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم ... وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه) .
الترجيح
مما سبق يتضح لنا أن هنالك من ذهب إلى جواز الضرب بهذه الأسلحة مطلقا، سواء كان هناك قدرة للتغلب بأقل منها، أو لم يكن، في حين ذهب البعض إلى أنه لا تجوز إلا عند الضرورة، وذهب آخرون إلى جواز ذلك ما عدا التحريق، غير أنه لا يوجد من منع منها مطلقا.
والذي أراه راجحا هو أنه إذا كان يمكن التغلب على العدو بأقل من هذا السلاح في القوة؛ فإنه يجب الأخذ به وترك هذا السلاح، لأمر النبي بالإحسان في القتل، ولأجل سماحة الإسلام، وأنه إنما شرع الجهاد لإحياء البشر بالإسلام، وليس لفنائهم.
وأما إذا لم يمكن التغلب إلا به فإنه يجوز ذلك إذا خيف على الإسلام والمسلمين من الاعتداء عليهم من قبل الأعداء بما يكثر فيهم القتل والإبادة.
وكذلك إذا تيقن أن الأعداء سوف يستخدمون هذا السلاح لا محالة.
وإنما كان الجواز في استخدام هذه الأسلحة الحديثة في هذا الحال لأجل المعاملة بالمثل؛ ولما عرف عن هذه الأسلحة من التأثير في القوى المعنوية بإحداث الذعر والبلبلة التي هي من أشد عوامل الفشل في الحرب، ولا يضرب الخصم خصمه إذا كان عنده سلاح مثله؛ وذلك خوفا من ردة الفعل الانتقامية.
ونجد أن بعض الدول استخدمت الأسلحة الكيماوية في الحرب العالمية الأولى، وأما الحرب العالمية الثانية فلم يسجل استخدام لها، وما ذاك إلا لامتلاك كثير من الدول لهذا السلاح، فلم يضرب أحد بها خوفا من ردة الفعل"
قطعا لا يجوز استخدام أى سلاح ضد غير المحاربين وهم المقاتلين لقوله تعالى :
" وقاتلوا الذين يقاتلونكم "
وحكاية التترس بغير المحاربين وهم المقاتلين سواء مسلمين أو كفار الحكم فيها هو عدم ضرب الكل وتركهم حتى يستسلموا من خلال الحصار حيث سينفذ الطعام والذخيرة منهم بعد مدة شرط وقوف المحاصرين على بعد لا يصل لهم شىء من اسلحة المقاتلين وقد أمر الله المجاهدين المسلمين في فتح مكة بعدم القتال لوجود مسلمين وسط الكفار وبين لهم لأن الأفضل ألا يصيبهم معرة أى إثم بسبب قتل اخوانهم واخواتهم فقال :
"ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما"
وتحدث عن الرضا بقضاء الله فقال :
"الجانب الثالث
ينبغي للمسلم في هذا الزمان أن ينظر إلى أن هذه الأسلحة التي تتطور شيئا فشيئا؛ لأجل دمار البشرية، أو اجتياح الدول، وإبادة الأمم، ليست إلا من صنع البشر، وأن الله هو الواحد المتصرف في هذا الكون، وأنه قادر على دحض الباطل، وتدمير الكفر، وإبطال كيدهم، وأنه إذا أصاب المسلمين شيء من هذه فإنما هو بقضاء الله وقدره ومشيئته، وأنه قدر قبل أن يخلق هذا الكون، ولو لم يقدر الله أن يصاب المسلم بذلك فلن يصيبه شيء، ولو اجتمع أهل الأرض جميعا على أن يضروه بذلك فلن يستطيعوا ضره أبدا.
روى حنبل عن إسحاق قال: سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الإيمان بالقدر، قال: نؤمن به، ونعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا .
فالواجب على المسلمين الإيمان بالله تعالى وبما قدره، واليقين بأن ما يقدره ولو بدا في ظاهره ضرر كبير فإنه لا يخلو من نفع قد نعلمه، وقد لا نعلمه؛ لأن الله تعالى لا يخلق شرا محضا، كما يجب علينا التعلق بجناب الله تعالى، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، وعدم الخوف من أية قوة مهما كانت إلا من غضبه ونقمته تبارك وتعالى، فلنسارع إلى طاعته، وننتهي عن معصيته، ففي ذلك الأمن والطمأنينة إن كنا ننشد الأمن"
وبالقطع المسلم يرضى بقضاء الله ولكن هذا القضاء الكثير منه يصنع بأيدى البشر مسلمين وكفار ومن ثم يجب أن يستعد المسلمون للكفار في كل وقت وكل حين من خلال إنتاج السلاح المباح كما قال تعالى :
"خذوا حذركم"
استهل مؤلف الكتاب بالقول أن دول العالم تتسابق للحصول على الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية فقال :
"مع تطور الأزمان، وانفتاح العالم، والحرص على البقاء، ولأجل التحدي والحفاظ على الشخصية الدولية فقد تسارعت الدول إلى التنافس في صنع الأسلحة، وخصوصا في القرن العشرين الذي اكتشفت فيه الطاقات، وتفجرت فيه المعرفة، فظهرت لنا نوعيات من الأسلحة تسمى بأسلحة الدمار الشامل، وكثر الحديث بعد صناعتها عن الحروب النووية، والبيولوجية، والكيماوية، والحرب النفسية."
وتحدث المؤلف عن خيبة الظن في الطاقة الذرية فقال :
"وقد توقع الكثير أن الطاقة الذرية "النووية" سوف تنفع الكثير من البشر؛ ولكن ظهر جليا خلاف ما توقعه هؤلاء؛ حيث استخدمت فيما يدمر ويبيد البشرية بل إن الرعب والخوف قد دب في قلوب الكثير بسبب هذه الطاقة النووية، فتسارع الكثير إلى التسلح بأسلحة الدمار الشامل وتصنيع قنابل، وصواريخ نووية، وكيماوية، وجرثومية لاسيما السلاح النووي الذي له قدرة هائلة على التدمير، كما يقول أحدهم: "إن أربع قنابل هيدروجينية وزن كل واحدة منها .. طن تستطيع أن تقتل كل نسمة على وجه الأرض".
كما أن لهذه الطاقة النووية تأثيرا على أمن وسلامة البشرية، وهي تؤثر على عجلة النمو خلال فترة الحروب، وقد كانت القنبلة الذرية الملقاة على اليابان سببا في استسلامها في الحرب"
وكلام المؤلف عن قدرة السلاح النووى على إبادة البشرية وغيرها من المخلوقات كلام مبالغ فيه فالسلاح النووى مهما بلغت قدرته لا يقدر على إبادة البشرية لأن البشرية متوزعة هنا وهناك في أنحاء الأرض ومن ثم يحتاج البشر لإنتاج ما لا يقل عن مليون قنبلة نووية لذلك لذلك وهو عدد غير متوافر حتى عشره
والتجارب النووية التى أجريت في الصحارى أثبتت أن بعض أنواع الخلق للصراصير ستظل حية
وهذا كلام بشرى ولكن الله بين أن البشر عندما يظنون أنهم قادرون على إبادة الأرض فسينزل عليهم عذاب يهلكهم قبل أن يفعلوا ذلك وفى هذا قال تعالى :
"حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس"
زد على هذا أن البشر لن يصل جميعهم غلى مرحلة جنون إبادة حتى أنفسهم فمهما تجبر البعض فإنه يريد الحفاظ على حياته وحياة البعض حتى يتمتع بمتع الحياة
وتكلم المؤلف عن الأسلحة المرضية التى سماها الجرثومية فقال :
"وتأتي الأسلحة البيولوجية (الجرثومية) على قائمة الأسلحة في الحروب الحديثة، وهي أي الجرثومية استخدام عسكري للكائنات الحية الدقيقة؛ لإيصال الجراثيم إلى هدفها من الإنسان، والحيوان، والنبات، لأغراض عدائية؛ مما يسبب تعطل المناعة الدماغية الطبيعية في الجسم، وهي إما أمراض بكتيرية، تسببها البكتيريا، ومنها ما يسمى حاليا بالجمرة الخبيثة أو أمراض فيروسية، وهي المتسببة في الإيدز، والحمى الصفراء، أو أمراض الكساح، وتنتقل عن طريق الحشرات كالقراد، والقمل، وهي المسببة لمرض التيفوس الوبائي وهناك أنواع أخرى من الأمراض لهذه الأسلحة البيولوجية"
وهذه الأسلحة ليست آمنة فانتشار المرض قد يعود لناشريه ومن ثم لا يجرؤ أحد على استعمال هذا السلاح لأنه قد ينتقل إلى من نشروه عن طريق الريح والسفر وغير هذا ولعل الوباء الحالى المسمى الكورونا قد فاق تصور الناس حيث انتشر في كل الدول
ومن ثم فالسلاح الممرض لن يستعمله إلا مجنون يريد أن يقضى على نفسه وعلى شعبه
وتحدث عن السلاح الكيماوى فقال :
"ثم تأتي الأسلحة الكيماوية أيضا على قائمة الأسلحة في الحروب الحديثة، وقد استخدمت في الحرب العالمية الأولى؛ فأطلق غاز الكلور، وغاز الخردل اللذان أوديا بحياة الآلاف بل مئات الآلاف كما تذكر بعض المصادر وهذه الأسلحة الكيماوية هي مواد سامة ومؤثرة على الأعصاب، تصل للجسم من خلال الاستنشاق، أو البلع، أو عن طريق امتصاص الجلد لها، فتؤثر على الجسم وخاصة الجهاز العصبي، وهي على أقسام:
) التابون: وبقاؤه في الهواء يتراوح من يوم إلى يومين.
) سارين: وهو أثقل من الأول بأربعة أضعاف، وأشد منه.
) سومان: وهو من أشد الغازات فتكا.
ومن هذه المواد ما يؤثر على خلايا الدم، وتمتص عن طريق التنفس، ثم تدخل إلى الدورة الدموية بسرعة، وتدخل إلى الخلايا الحمراء، وتسبب الاختناق، ومن أهمها: سيانيد الهيدروجين، وكلورايد السيانوجين.
ومن هذه المواد ما يؤثر على الجهاز التنفسي (الخانقة) فيهيج الرئتين، ويدمر الجهاز التنفسي: كحامض البروسيك، وغاز الكلور، وغيرهما.
ومن هذه المواد ما يؤثر على الجلد سواء كانت سوائل أو غازات، وتدخل إلى الجسم عن طريق التنفس، أو الجلد، أو الأغشية المخاطية، وتسبب القروح الصديدية.
ومن هذه المواد الكيماوية ما يسمى بالمواد الكيميائية المعطلة، وهي مواد تشل الفرد عن الحركة الطبيعية جسميا، أو عقليا، أو جسميا وعقليا، ثم بعد ذلك يعود الشخص طبيعيا دون علاج، والفائدة منها هي وقت الحرب فقط ومن هذه المواد الكيماوية ما يهيج، ويكون على شكل سحب، وتستخدم لفض الاشتباكات والشغب وتؤثر على الأنف، أو على العين، فتسيل الدموع ومن هذه المواد الكيماوية مواد حارقة، تنتج نارا هائلة تسبب إصابات بالحروق، أو حرائق للمواد القابلة للاشتعال: كالمنشآت الصناعية، أو المستودعات الكبيرة للتموين، والذخيرة، والوقود"
واستعمال السلاح الكيماوى صعب للغاية وهو ذو كلفة عالية كما أن بعض الريح قد تقلب الوضع فيصيب المهاجم به بدلا من العدو
وتحدث المؤلف عن الحرب النفسية من خلال الحديث عن كميتها لدى الأعداء وإنتاجها فقال :
"هذا وإن من أهم أسلحة الحروب الحديثة الحرب النفسية؛ وذلك بنشر ما يثبط العزائم، ويؤثر في نفسيات المقاتلين، أو غيرهم من مؤيديهم، والغرض من ذلك هو خلق اعتقاد معين لديهم، وتوجيه سلوكهم والسيطرة على تصرفاتهم؛ وذلك عن طرق شتى، ويأتي في مقدمتها: وسائل الإعلام المسموعة، والمرئية، والمقروءة.
ولا شك أننا لو رجعنا إلى الوراء وقلبنا صفحات التاريخ لوجدنا أن إشاعة خبر مقتل النبي في غزوة أحد كان لها الأثر الكبير في نفسيات الصحابة رضي الله عنهم حتى إن بعضهم قعد عن مواصلة القتال.
إذا تبين لنا حجم هذه الأسلحة في الحروب الحديثة النووية والبيولوجية، والكيماوية وما لها من آثار كبيرة في حياة الأمم والشعوب، ومدى حرص الدول على الإكثار من تصنيع هذه المواد سواء لاستخدامها، أو الردع بها، فإنه ينبغي معرفة حكمها الشرعي تصنيعا، واقتناء، واستعمالا فإنها مالم تسبر بمقياس الشرع، وتوزن بمعيار الدين القويم لا يعرف حلها من حرمتها، ولا حقها من باطلها، وبيان ذلك من ثلاثة جوانب "
وتحدث المؤلف عن ضرورة إنتاج هذه الأسلحة أو شراءها فقال
"الجانب الأول؛ الإعداد الحربي باقتناء أو تصنيع هذه الأسلحة
لاشك أن الاستعداد والتأهب للحرب قبل أن تقع من أساسيات هذا الدين، كما قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}.
وأمر تعالى بالإنفاق في سبيله، ولأجل الجهاد فقال: {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}، وقال تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فترك الإنفاق في سبيل الله، وعدم الاستعداد للحرب باتخاذ العدة اللازمة للنصر تهلكة للنفس، وتهلكة للجماعة، والدعوة إلى الجهاد في التوجيهات القرآنية والنبوية تلازمها في الأغلب دعوة إلى الإنفاق .
قال الإمام الماوردي في تفسير قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}: (أي بأن تتركوا النفقة في سبيل الله فتهلكوا، ثم قال: "هذا قول ابن عباس، وقيل: لا تقحموا أنفسكم في الحرب بغير نكاية في العدو"، وقال: ابن كثير: "التهلكة أن تمسك يدك عن النفقة في سبيل الله تعالى") .
وقال أيضا: (من الأمور الواجبة على الإمام تحصين الثغور بالعدة المانعة، والقوة الدافعة؛ حتى لا يظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما؛ أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما) .
وإذا تبين هذا فإنه يجب أن يعلم أن الإسلام هو دين الرحمة والرأفة، والإحسان إلى البشر، ودين فيه حسن الخلق، وكريم المعاملة، والدعوة إليه بالتي هي أحسن من الحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}.
ولا يأمر الإسلام بتصنيع أو استخدام هذه الأسلحة المدمرة التي تزيد في التهاب جمرة الحرب، وتطحن طحن الحب، وتهلك الحرث والنسل، وتحطم حطم الهشيم، وتترك من تنوشه كالرميم بسبب وقعتها العظيمة، ووطأتها الأليمة.
وما شرع الله تعالى هذا الدين إلا ليحقن دماء البشرية، ويرفع رأس الإنسانية، ويحقق تمام وكمال العبودية لله رب البرية جل وعلا، ولكن حين يضيق بالمسلمين المجال، ويتحكم فيهم الأعداء بسبب هذه الأسلحة، فلا يجوز وقوفهم مكتوفي الأيدي، بحجة أن هذا قضاء وقدر، بل يجب عليهم أن يجدوا في إعداد القوة التي تجعل جانبهم مهابا، وتردع عدوهم عنهم.
والآية السابقة في سورة الأنفال، وهي قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} تدل على وجوب الأخذ بجميع أسباب القوة ، سواء كانت مادية أو معنوية؛ فالمادية كالإنفاق على السلاح، والتدريب في فنون الحرب، والمعنوية كالتآخي، والتصافي، والتواد، ومن أكبر أسباب القوة: الرمي، فعن عقبة بن عامر قال: (سمعت رسول الله يقول، وهو على المنبر: {وأعدوا لهم ما ستطعتم من قوة} ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي) .
وقد صح عن النبي أنه قال: (وإن ترموا خير من أن تركبوا) .
قلت: لاشك أن من أعظم أسباب القوة الرمي، ومن أقوى الإرهاب لأعداء الله بالرمي هو تملك كل الأسلحة التي ترمى عليهم أو أقواها، وامتلاك أسلحة التدمير الشامل من نووية، وكيماوية، وبيولوجية تعتبر من الأمور التي تعزز موقف الدول الإسلامية أمام الدول الكافرة، وتجعلها مهابة، ومحافظة على كيانها، وكلمتها، وقراراتها؛ لاسيما في هذه العصور التي تداعت على المسلمين فيها جميع الأمم التي أخبرنا عنها نبينا بقوله: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) .
لذا يجب على حكومات المسلمين الحرص على اقتناء هذه الأسلحة أو تصنيعها؛ حتى تحافظ على دينها، وبلدها، ومعتقدها، وسيادتها، بإرهابها لأعدائها، وردعهم عن الاعتداء عليها، والمساس بها؛ امتثالا لأمر ربها.
الجانب الثاني؛ حكم استخدام هذه الأسلحة
هناك أسلحة تدمير قديمة استخدمها السابقون؛ وذلك مثل: المنجنيق، والتحريق، والتغريق، وقطع الأشجار، وإتلاف المزروعات، وتخريب المباني، وقطع المياه، وإفسادها على العدو في بلاده عن طريق ما يلقى فيها من سموم، ودماء، وقاذورات، بقصد القضاء على العدو بمجرد تناولها .. وكذلك أن يرسل على العدو الحشرات، والكائنات الحية التي من شأنها أن تقتل من تصيبه، أو تلدغه، أو تلسعه كالحيات، والعقارب، وما شاكلها.
وقد تطرق لها أهل العلم من فقهاء المذاهب الإسلامية، ووضحوا ما يستخدم منها، ومتى يستخدم، إلى غير ذلك من الأحكام المنوطة بهذه الأسلحة القديمة .
والأسلحة الحديثة، الوحشية، المبيدة، والمدمرة، سواء كانت نووية، أو بيلوجية، أو كيماوية، لا تقارن في نتائجها وآثارها، وما تخلفه من خراب، ودمار، وخسائر بما ذكره الفقهاء من الأسلحة القديمة التي ذكرنا؛ ولكنها تشابهها من حيث اشتراكهما في قصد التدمير لجهة معينة؛ ولأنها قد تنوش النساء، والأطفال، والشيوخ الذين لم يشتركوا في القتال، وكذا الحيوان والنبات؛ ولذلك سوف ننزلها في الحكم على ما ذكره الفقهاء.
أولا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المقاتلين من دون أن يكون هناك إصابة لنسائهم أو أطفالهم أو أي مسلم
أولا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيولوجية وكيماوية، ضد المقاتلين على الأرض، أو المتحصنين في القلاع، أو المتخندقين بالخنادق من دون أن يكون هناك إصابة لنسائهم، أو أطفالهم، أو أي مسلم.
اختلف أهل العلم فيه على قولين:
القول الأول: يجوز ضربهم بهذه الأسلحة سواء كانوا متحصنين أو غير متحصنين ولو قدر على ضربهم بأقل من ذلك، والتغلب عليهم. وإليه ذهب أهل العلم من الشافعية ، وبعض الحنفية ، وهو مذهب المالكية ، والحنابلة .
القول الثاني: لا يجوز ضرب مقاتلي العدو بهذه الأسلحة إلا إذا تعذر الوصول إليهم بغيرها؛ كأن يكونوا متخندقين، أو متحصنين في قلاع قوية لا يستطاع الوصول إليهم إلا بهذه الأسلحة. وإليه ذهب باقي أهل العلم من الحنفية .
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلين بضربهم مطلقا بما يلي:
) قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم}.
وجه الاستدلال: أن الله أمر بقتل المشركين ولم يعين الصفة التي نقتلهم عليها، ولا أمرنا حين القتل أن نعمل هذا أو هذا، فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي، أو طعن، أو تغريق، أو هدم، أو دفع من شاهق، أو غير ذلك مما يسمى قتلا .
) حصاره للعدو في الطائف وضربهم بالمنجنيق .
) أمر عمر أبا موسى الأشعري وهو محاصر أهل تستر أن ينصب المنجنيق عليهم فنصبه أبو موسى .
) نصب عمرو بن العاص المنجنيق على الإسكندرية حين حاصرها .
) قطع رسول الله الماء عن أهل حصن من حصون النطاة بخيبر حين أخبر أن لهم ذيولا تحت الأرض يشربون منها، فقطعها عنهم حتى عطشوا، فخرجوا، وقاتلوا حتى ظفر الرسول وأصحابه بهم .
وجه الدلالة من الآثار السابقة:
أنه لا بأس بذلك كله ما داموا مقاتلين، فضربهم بالمنجنيق، ومنع الماء عنهم دليل على جواز قتلهم بأي نوع من أنواع السلاح.
) واستدلوا بأن ذلك من لوازم الجهاد، فلو قيل بمنعه لتعطلت هذه الفريضة .
واستدل باقي الحنفية القائلون بالمنع إلا إذا تعذر الوصول إليهم إلا بهذه الأسلحة بأن فعل النبي بضربه أهل الطائف بالمنجنيق، وكذلك صحابته من بعده إنما هو لأجل أنهم ممتنعون فجاز ضربهم بالمنجنيق وما شابهه، وأما إذا لم يكونوا متحصنين فلا يضربون بسلاح مدمر"
قلت سابقا أن استعمال السلاح الكيماوى والمرضى الجرثومى هو استعمال جنونى لا يقدم عليه إلا المجانين لأنه يرتد إلى أصحابه خاصة السلاح الممرض وأما استعمال السلاح الكيماوى فهو مكلف كلفة كبرى وهو الأخر قد يرتد إلى مطلقيه بسبب الريح ولأن يحتاج لأجواء خاصة غير مفتوحة وأما تأثيره في الأماكن المفتوحة فلا يكاد يذكر
ومن ثم لا يجوز إنتاج هذين النوعين من السلاح ولا شراءهم لضررهم على العدو والصديق معا وأما السلاح النووى فيجب إنتاجه ولكن ليس للاستخدام وإنما للتخويف فالمعروف أن دولة المسلمين لا تهاجم أولا بل تدافع ضد العدوان ومن ثم لو استعمله أحد ضدها فسوف تستعمله بعد لحظات ضد المعتدى كما قال تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وتحدث عن حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه فقال:
"ثانيا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه
ثانيا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيلوجية، وكيماوية، ضد العدو المتحصن والمتترس بأطفاله ونسائه:
من سماحة الإسلام ورأفته ورحمته أنه ينهى عن تدمير البشر، وليست إراقة الدماء غاية أو هدفا مرغوبا فيه؛ ولذلك كان من تعاليمه لجيشه ألايقتل النساء، ولا الولدان، ويدل عليه ما يلي:
) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله كان إذا بعث جيوشه قال: (لا تقتلوا الولدان) .
) عن رباح بن حنظلة الكاتب: (أنه خرج مع رسول الله في غزاة غزاها وخالد بن الوليد على مقدمته، حتى لحقهم رسول الله على ناقته، فأفرجوا عن امرأة ينظرون إليها مقتوله فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان) . وفي رواية قال: (ما كانت هذه تقاتل) ثم أتبع رسول الله خالدا: (أن لا تقتل امرأة ولا عسيفا) .
) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن قتل النساء والولدان)، وقال: (هما لمن غلب) .
) عن كعب بن مالك: (أن رسول الله نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل الولدان والنسوان) .
) عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله: هل كان النبي يقتل من صبيان المسلمين أحدا؟ فكتب إليه ابن عباس وأنا حاضر، إن رسول الله كان لا يقتل منهم أحدا) .
وإذا تبين مافي الإسلام من أمر للمسلمين بأن لا يقتلوا هؤلاء فإن العلماء اتفقوا على أنه لايجوز قتل نساء العدو، ولا أطفاله أبدا؛ لكن إذا كان العدو على معرفة بتعاليم الإسلام، وأنه لايقتل نساؤهم وأطفالهم، فقاموا بالتترس بهم لعلمهم أن المسلمين لن يضربوهم فما الحكم؟
اختلف فيه الفقهاء على قولين:
القول الأول: ذهب أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز ضربهم مطلقا ولو لم يكن هنالك ضرورة قصوى. القول الثاني: وذهب أهل العلم من المالكية إلى أنه لايجوز ضربهم أبدا إلا في حالة الضرورة القصوى.
وقد استدل الفريقان على جواز ضرب الترس من نساء العدو وأطفاله بهذه الأسلحة المدمرة بما يلي:
) عن الصعب بن جثامة، قال: (سئل رسول الله عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا فيصاب من نسائهم وصبيانهم، فقال: "هم منهم") . وفي رواية قيل يارسول الله: (أوطأت خيلنا أولادا من المشركين؟ فقال: رسول الله: "هم من آبائهم") . وفي رواية أخرى قلنا: (يارسول الله، الدار من دور المشركين نفتحها في الغارة فنصيب الولدان تحت بطون الخيل ولا نشعر؟ فقال: "إنهم منهم") .
وجه الاستدلال:
لما لم ينههم رسول الله عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم قصد قتلهم دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأن ما حظر في الآثار الأول هو قصد قتل النساء والولدان، والذي أباح هو قصد قتل المشركين وإن كان في ذلك تلف لغيرهم مما لايحل قصد تلفه .
) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يغير على العدو عند صلاة الصبح فيستمع، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار) .
) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار، فنزلنا خيبر، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبنا معه فاستقبلنا عمال خيبر قد أخرجوا مساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا النبي والجيش قالوا: محمد والخميس، فأدبروا هرابا، فقال النبي: "الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين") .
) عن جندب بن مكيث الجهني قال: (بعث رسول الله غالب بن عبدالله الليثي في سرية كنت فيهم، وأمره أن يشن الغارة على ابن الملوح بالكديد)، قال: (فراحت الماشية من إبلهم وغنمهم، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا نياما، شننا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النعم) .
) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما قربنا من المشركين أمرنا أبو بكر الصديق فشننا عليهم الغارة) .
وجه الاستدلال من الآثار السابقة:
أن النبي أمر بالغارة، وأغار على أهل خيبر ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، وقد كان يعلم فيما يبدو أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم؛ لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم .
) أن النظر يدل على جواز قتل النساء والولدان والمتترس بهم ولكن لايقصدون بالقتل، ويؤيده مارواه صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه، قال صفوان: (كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما صاحبه، فانتزع أصبعه فسقطت ثنيتاه، فجاء إلى رسول الله يلتمس العقل فأهدر ثنيته)، قال عطاء: (حسبت أن صفوان قال: قال رسول الله "أيدع يده في فيك فتقضمها كقضم الجمل؟) وفي رواية (كقضم البكر) ، وفي رواية (أردت أن تقضم يد أخيك كما يقضم الفحل، فأبطلها) .
وجه الاستدلال:
لما نزع المعضوض يده، وأتلف ثنايا غيره لم يكن عليه شيء ولو قصد إلى نزع الثنايا لحرم عليه ذلك، فكذلك العدو حرم علينا القصد إلى قتل نسائهم، وحلال لنا أن نقتل العدو فإذا أصيب النساء والولدان ولم يكونوا قصدنا بالقتل فلا شيء علينا .
قلت: ففيما مضى من الأحاديث في قتل نساء، وذراري، وأطفال المشركين دون تعمد قصدهم دليل للقائلين بجواز ضرب أطفال ونساء العدو المتترس بهم كما هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، ولو لم تكن ثمة ضرورة قصوى، وهو دليل أيضا للمالكية ولكن بشرط أن تلجئ إلى ذلك الضرورة القصوى.
وعلى كل حال فالأمر في ذلك إلى ولي أمر المسلمين للعمل بما يراه يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة.
ثالثا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو المتترس بمسلمين
ثالثا: حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل من نووية، وبيلوجية، وكيماوية ضد العدو المتترس بمسلمين:
إذا قام العدو بوضع أشخاص من المسلمين الأسرى ترسا لهم في خنادقهم، أو قلاعهم، أو مواقعهم، وذلك حتى يتفادوا ضربة المسلمين، فهل للمقاتلين من المسلمين ضرب موقعهم ولو أصابوا هؤلاء المسلمين المتترس بهم؟
الجواب:
لا يخلو الأمر من تفصيل:
فإن لم يكن هنالك أي خطر على جماعة المسلمين لو لم يضربوا عدوهم مع كون المسلمين لايقدرون على الحربيين إلا برمي الترس فقد اتفق أهل العلم من الفقهاء على أنه لايجوز ضربهم
وإذا كان الخوف من الخطر مظنونا، ولا يوجد خطر محقق فقد اختلف أهل العلم في ضربهم على قولين:
القول الأول: يجوز ضرب العدو وإن أصاب الترس من المسلمين، وإليه ذهب أهل العلم من الحنفية والشافعية .
القول الثاني: لايجوز ضرب العدو إذا كان سيصيب الترس من المسلمين عند خوف، أو ظن وجود خطر من العدو، وإليه ذهب أهل العلم من المالكية ، والحنابلة .
قال في المغني: قال الليث: "ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من أن يقتل مسلما بغير حق" ، وقال الأوزاعي:"كيف يرمون من لايرونه أنهم يرمون أطفال المسلمين" .
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بالجواز بما يلي:
) لأنه لا يتعمد رمي المسلم، وإنما يتعمد رمي العدو .
) أن في اعتبار وجود أسير مسلم يؤدي إلى انسداد باب الجهاد .
) أن الأمور بمقاصدها، فإذا تترس الكافر بمسلم؛ فإن رماه مسلم وقصد قتل المسلم حرم، وإن قصد قتل الكافر لم يحرم .
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بالمنع بما يلي:
) قوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}.
وجه الاستدلال:
أن كفار مكة حين منعوا النبي من أداء العمرة عام الحديبية هم النبي بقتالهم، واستشار أصحابه في ذلك؛ ولكن الله عز وجل صرف نبيه، وصرف المسلمين عن هذا القتال بسبب وجود بعض المؤمنين والمؤمنات بين أهل مكة، الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الهلاك في غمرة زحف المسلمين على مكة واجتياحها .
وأجيب عنه: بأنه لا دلالة في الآية على عدم الضرب بل أكثر ما فيها أن الله تعالى كف المسلمين عنهم؛ لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم؛ وذلك إنما يدل على إباحة ترك رميهم، والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين؛ لأنه جائز أن يبيح لهم الكف عنهم لأجل المسلمين، وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير، فإذا لا دلالة فيه على منع الإقدام .
) أن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز، ولا سيما بروح المسلم .
) لأن غايتنا أن نخاف على أنفسنا، ودم المسلم لا يباح بالخوف .
قلت: لا يخفى عليك مافي التحرز من ضرب الترس من المسلمين من أهمية بالغة مالم يكن هناك غلبة ظن، أو أمر راجح لا تحمد عواقبه، ومرجع ذلك وتقديره إلى إمام المسلمين بمشاورة أهل الرأي وأهل الحل والعقد منهم.
وإذا تبين لنا الخلاف في حالة عدم وجود خطر محقق، أو مجرد الظن، وأن هناك من يجيز، وهناك من يمنع؛ فإنه عند وجود خطر محقق، وضرر محدق بالمسلمين، ولايوجد سبيل إلا بضرب العدو بهذه الإسلحة، فإنه يجوز ضربهم بها، ولو أصيب في ذلك المسلمون المتترس بهم، وقد اتفق على ذلك أهل العلم من الفقهاء ، والأصوليين ، وغيرهم من أهل العلم، وهو مارجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه .
الأدلة:
) أن حفظ خطة الإسلام، ورقاب المسلمين أهم في مقاصد الشرع من حفظ شخص معين، في ساعة، أو نهار، وسيعود الكفار عليه بالقتل .
) حيث يباح أكل مال الغير بالإكراه لأن المال حقير في ميزان الشرع، بالإضافة إلى الدم، فكذلك دم الشخص المعين يباح بالنسبة للدم الأعظم، وهو دماء المسلمين. ففي رمي الترس ارتكاب لأخف الضررين .
) يجوز للضرورة حيث إن حصون الكفرة لا تخلو من أسير مسلم .
) لأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد؛ لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد .
) لأنه لا يتعمد بالرمي المسلم وإنما يتعمد به العدو .
) أن الذي قتل في الترس من أجل الجهاد الذي أمر الله به ورسوله وهو في الباطن مظلوم يكون شهيدا، ويبعث على نيته، ولم يكن قتله أعظم فسادا من قتل من يقتل من المؤمنين المجاهدين .
) لأنه لو ترك الترس لانهزم المسلمون، وخيف من استئصال قاعدة الإسلام، وجمهور المسلمين، وأهل القوة منهم .
هذا وقد ذهب بعض أهل العلم كالإمام الشوكاني ، ومن وافقه إلى استثناء التحريق بالنار من جواز الضرب بهذه الأسلحة المدمرة، فيجوز الضرب بأسلحة الدمار الشامل من نووي، وكيمائي، وبيلوجي إلا ما تسبب في حرق العدو فلا يجوز أبدا.
واستدل الشوكاني على جواز الضرب ماعدا التحريق بأن النبي منع من ذلك، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لايعذب بها إلا الله؛ فإن وجدتموهما فاقتلوهما) .
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث على منع التحريق على كل حال، سواء كان المحرق مشركا، أوغير مشرك .
وأما التحريق من بعض الصحابة فهذا دليل على أنه لم يبلغهم الدليل .
وأجيب عن هذا المنع: بأن هذا صريح في النهي عن تحريق العدو بعد الأخذ، أي بعد إلقاء القبض عليه. أما حال القتال فلا يدخل في ذلك.
قال ابن حجر: (ومحله أي النهي عن التحريق بالنار إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب قال: واختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر، وابن عباس، وغيرهما مطلقا، سواء كان ذلك بسبب الكفر، أو في حال مقاتلة، أو قصاصا. وأجازه علي، وخالد بن الوليد وغيرهما ... وقال المهلب::ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع. ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها) .
قال - أي ابن حجر -: (وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم ... وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه) .
الترجيح
مما سبق يتضح لنا أن هنالك من ذهب إلى جواز الضرب بهذه الأسلحة مطلقا، سواء كان هناك قدرة للتغلب بأقل منها، أو لم يكن، في حين ذهب البعض إلى أنه لا تجوز إلا عند الضرورة، وذهب آخرون إلى جواز ذلك ما عدا التحريق، غير أنه لا يوجد من منع منها مطلقا.
والذي أراه راجحا هو أنه إذا كان يمكن التغلب على العدو بأقل من هذا السلاح في القوة؛ فإنه يجب الأخذ به وترك هذا السلاح، لأمر النبي بالإحسان في القتل، ولأجل سماحة الإسلام، وأنه إنما شرع الجهاد لإحياء البشر بالإسلام، وليس لفنائهم.
وأما إذا لم يمكن التغلب إلا به فإنه يجوز ذلك إذا خيف على الإسلام والمسلمين من الاعتداء عليهم من قبل الأعداء بما يكثر فيهم القتل والإبادة.
وكذلك إذا تيقن أن الأعداء سوف يستخدمون هذا السلاح لا محالة.
وإنما كان الجواز في استخدام هذه الأسلحة الحديثة في هذا الحال لأجل المعاملة بالمثل؛ ولما عرف عن هذه الأسلحة من التأثير في القوى المعنوية بإحداث الذعر والبلبلة التي هي من أشد عوامل الفشل في الحرب، ولا يضرب الخصم خصمه إذا كان عنده سلاح مثله؛ وذلك خوفا من ردة الفعل الانتقامية.
ونجد أن بعض الدول استخدمت الأسلحة الكيماوية في الحرب العالمية الأولى، وأما الحرب العالمية الثانية فلم يسجل استخدام لها، وما ذاك إلا لامتلاك كثير من الدول لهذا السلاح، فلم يضرب أحد بها خوفا من ردة الفعل"
قطعا لا يجوز استخدام أى سلاح ضد غير المحاربين وهم المقاتلين لقوله تعالى :
" وقاتلوا الذين يقاتلونكم "
وحكاية التترس بغير المحاربين وهم المقاتلين سواء مسلمين أو كفار الحكم فيها هو عدم ضرب الكل وتركهم حتى يستسلموا من خلال الحصار حيث سينفذ الطعام والذخيرة منهم بعد مدة شرط وقوف المحاصرين على بعد لا يصل لهم شىء من اسلحة المقاتلين وقد أمر الله المجاهدين المسلمين في فتح مكة بعدم القتال لوجود مسلمين وسط الكفار وبين لهم لأن الأفضل ألا يصيبهم معرة أى إثم بسبب قتل اخوانهم واخواتهم فقال :
"ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما"
وتحدث عن الرضا بقضاء الله فقال :
"الجانب الثالث
ينبغي للمسلم في هذا الزمان أن ينظر إلى أن هذه الأسلحة التي تتطور شيئا فشيئا؛ لأجل دمار البشرية، أو اجتياح الدول، وإبادة الأمم، ليست إلا من صنع البشر، وأن الله هو الواحد المتصرف في هذا الكون، وأنه قادر على دحض الباطل، وتدمير الكفر، وإبطال كيدهم، وأنه إذا أصاب المسلمين شيء من هذه فإنما هو بقضاء الله وقدره ومشيئته، وأنه قدر قبل أن يخلق هذا الكون، ولو لم يقدر الله أن يصاب المسلم بذلك فلن يصيبه شيء، ولو اجتمع أهل الأرض جميعا على أن يضروه بذلك فلن يستطيعوا ضره أبدا.
روى حنبل عن إسحاق قال: سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الإيمان بالقدر، قال: نؤمن به، ونعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا .
فالواجب على المسلمين الإيمان بالله تعالى وبما قدره، واليقين بأن ما يقدره ولو بدا في ظاهره ضرر كبير فإنه لا يخلو من نفع قد نعلمه، وقد لا نعلمه؛ لأن الله تعالى لا يخلق شرا محضا، كما يجب علينا التعلق بجناب الله تعالى، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، وعدم الخوف من أية قوة مهما كانت إلا من غضبه ونقمته تبارك وتعالى، فلنسارع إلى طاعته، وننتهي عن معصيته، ففي ذلك الأمن والطمأنينة إن كنا ننشد الأمن"
وبالقطع المسلم يرضى بقضاء الله ولكن هذا القضاء الكثير منه يصنع بأيدى البشر مسلمين وكفار ومن ثم يجب أن يستعد المسلمون للكفار في كل وقت وكل حين من خلال إنتاج السلاح المباح كما قال تعالى :
"خذوا حذركم"
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب صحف إبراهيم (ص)
» قراءة في مقال الروح البشرية في الميزان
» نقد كتاب الميزان في القرآن الكريم
» قراءة فى كتاب الفلك عند ابن رشد
» قراءة فى كتاب بر الوالدين
» قراءة في مقال الروح البشرية في الميزان
» نقد كتاب الميزان في القرآن الكريم
» قراءة فى كتاب الفلك عند ابن رشد
» قراءة فى كتاب بر الوالدين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى