نقد كتاب أثر التأجيل في إسقاط زكاة الدين على الدائن
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب أثر التأجيل في إسقاط زكاة الدين على الدائن
نقد كتاب أثر التأجيل في إسقاط زكاة الدين على الدائن وتطبيقاته المعاصرة
المؤلف هو عبد السلام بن محمد الشويعر والكتاب يتناول بعض التعاملات المالية كزكاة الديون وفى هذا قال فى المقدمة:
"أما بعد فإن من المسائل التي تناولها العلماء بالبسط والتفصيل، مسألة (زكاة الدين) والفقهاء إذا أطلقوا هذه العبارة فإنما يعنون زكاة من الدين له (أي المقرض)"
وقد استهل الكتاب بتعريف التأجيل وأنواعه فى الديون فقال :
"1التأجيل في الديون:
1 1 معنى الدين المؤجل:
المراد بالدين المؤجل: هو ما يقابل الحال والدين الحال هو: (ما يجب أداؤه عند طلب الدائن, فتجوز المطالبة بأدائه على الفور, والمخاصمة فيه أمام القضاء بخلاف الدين المؤجل)
1 2 أنواع تأجيل الديون:
ينقسم تأجيل الديون باعتبار قبول العقد للتأجيل إلى أربعة أنواع:
1 - التأجيل اللازم؛ مثل الدية المؤجلة، ودين المسلم فيه
2 - التأجيل الباطل، ويجب فيه الحلول هذا في رأس مال السلم، والصرف
3 - ما يقبل التأجيل والحلول، أي يصح فيه التأجيل برضا صاحب الدين؛ وهو سائر العقود وهو ينقسم إلى نوعين باعتبار لزوم هذا التأجيل
(أ) ما يكون فيه التأجيل جائزا، فيجوز الرجوع فيه
(ب) ما يكون فيه هذا التأجيل لازما لا يجوز الرجوع فيه
والمقصود بالبحث النوع الأخير؛ وهو ما يكون تأجيل الدين لازما وناشئا عن عقود تقبل التأجيل والحلول، أي أن التأجيل رضائي لكنه لازم"
وتناول الشويعر الديون التي تقبل التأجيل فقال:
1 3 الديون التي تقبل التأجيل:
أي الديون التي يكون التأجيل الرضائي لازما، ولا يجوز الرجوع فيه فباتفاق الفقهاء يلزم التأجيل الرضائي في البيوع في الجملة؛ للآية: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} واختلفوا في الديون التي تكون ناشئة عن غيره؛ كالقرض ونحوه على رأيين أساسيين:
الأول: أنه لا يلزم تأجيلها وهو قول الجمهور، من الحنفية ، والشافعية، والحنابلة
القول الثاني: ذهب المالكية ورواية في مذهب الحنابلة اختارها الشيخ تقي الدين ، وتلميذه : إلى صحة تأجيل الدين ولزومه إلى أجله سواء كان قرضا أو غيره
وفائدة هذا الخلاف: أن كل دين لا يلزم تأجيله فإنه لا يحكم بأنه من الديون المؤجلة التي يتعلق بها البحث، بل هو من الديون الحالة
فعلى القول الثاني يكون نطاق المسألة شاملا لكل هذه القروض
وعلى القول الأول فإن (القروض) لا تتأجل بل هي حالة وإن اتفقا على التأجيل كذلك الدين الحال إذا أجل ، والثمن بعد الإقالة، وضمان المتلفات والمقبوض في العقود الفاسدة فإن الأصل فيها الحلول
فعلى ذلك فإن كل هذه الديون تكون خارجة عن محل البحث، ولا يبقى فيه إلا الديون الناشئة عن البيوع سواء كانت الديون ثمنا (كبيوع التقسيط)، أو مثمنا (كبيوع السلم)، شريطة أن تكون الأعيان مما تجب فيها الزكاة
2 الخلاف المحكي في إسقاط زكاة الدين المؤجل عن الدائن"
هذا الخلافات لا أساس لها لأن الآية صريحة فى أن الدين يؤجل فى حالة العسرة ولا يرجل فى حالة اليسر على الإطلاق وفى هذا قال تعالى "
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
وبعد ذلك تناول الشويعر زكاة الدين فقال :
"تمهيد:
أردت بهذا المبحث بيان من قال بهذا القول ومدى ثبوت هذا الرأي لهم؛ لأهمية ذلك في قوة القول، واعتماده؛ إذ من أسباب ترجيح القول قوة القائلين به والعكس أيضا صحيح، فإن من ضعف القول إنكاره وعدم الأخذ به
وهذه المسألة نسبت لعدد كبير من فقهاء المذاهب، ولكن عند التحقيق نجد أن في نسبة ذلك إليهم نظر وتأمل
إذ الخلاف في هذه المسألة مخصوص بمن اعتبر تأجيل الدين مانعا من وجوب الزكاة فيه، فهو متعلق بهذا الوصف بالخصوص
وبناء على ذلك فهناك ثلاث مسائل ليست داخلة في البحث ، لا بد من مراعاتها:
المسألة الأولى: أن الذين لا يوجبون الزكاة في الدين المؤجل نوعان:
1 - من يسقط الزكاة في الدين مطلقا ولو كان مستقرا (سواء كان حالا أو مؤجلا)، فمن يقول بسقوط زكاة الدين عن الدائن يجزم بسقوطه في الدين المؤجل وهذا قول محكي عن بعض فقهاء الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
2 - من لا يسقط الزكاة في الدين في الجملة، وإنما يسقط زكاة الدين المؤجل وهذا النوع الثاني هو محل البحث في هذه المسألة، إذ هذه المسألة متعلقة بالوصف أهو مؤثر في الحكم أم لا؟
المسألة الثانية: أن هذا البحث متعلق بالوجوب، لا اللزوم فمسألتنا في وجوب الزكاة، وليس في وقت لزومها إذ من الفقهاء من يرى أن الدين لا يلزم زكاته إلا عند قبضه عن السنوات الماضية ، فهذا الخلاف ليس متعلقا بمسألتنا إذ هو مبني على أن الزكاة هل هي واجبة في العين أو في الذمة
المسألة الثالثة: أن بعض الصور يحكم بعدم وجوب الزكاة، لا لوصف التأجيل لذاته، وإنما لأجل عدم استقرار الملك التام مثل رأي بعض الفقهاء أن مال دين الكتابة، ودين السلم ، وثمن المبيع غير المقبوض ، والمهر المؤجل لا زكاة فيها؛ لعدم استقرار الملك، لا لذات التأجيل، وإنما التأجيل وصف طردي فيها
* الخلاف في المسألة:
هذه المسألة فيها قولان عند من يرى أن الدين تجب فيه الزكاة:
القول الأول: نص جماهير أهل العلم على عدم اعتبار وصف التأجيل في الدين مانعا من وجوبه فيها، وممن نص على ذلك، علي بن أبي طالب ، وعبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عباس ولم أقف أن أحدا من الصحابة أفتى بإسقاط الزكاة عن الدين المؤجل فقط
ونص على ذلك فقهاء الحنفية، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة
القول الثاني: أن التأجيل في الديون يسقط وجوب الزكاة فيها، وحكي هذا الرأي: وجها في مذهب الشافعية ، ورواية في مذهب الإمام أحمد ، ونسب اختيارا لشيخ الإسلام ابن تيمية "
والملاحظ فى خلافات القوم أنها خلافات بلا دليل فهو كلام من عند النفس فليس هناك رواية أو آية عندهم
وهو أمر غريب لأن القوم غفلوا عن قوله تعالى :
"وآتوا حقه يوم حصاده "
فالزكاة تجب عند حضور وهو وجود المال ومن ثم لا زكاة فى مال الدين طالما لم يسدد
وحدثنا الشويعر هما سماه السبر لوصف التأجيل فقال:
3 السبر لوصف التأجيل
تمهيد:
هذه المسألة يقوم الدليل فيها في الأساس على التعليل، ولا يوجد نص فيها؛ كما قال الإمام الشافعي: (لا أعرف في الزكاة في الدين أثرا صحيحا نأخذ به ولا نتركه) ، ولذا فهي مبنية على التعليل والمعاني فحسب
1 - فأما الجمهور فإنهم مستمسكون بدليل وجوب الزكاة في الدين، وأن وصف التأجيل ليس بمؤثر فيه ومما يدل على أن الدين المؤجل مستقر ملك صاحبه عليه استقرارا تاما أمور:
(أ) أن مالك الدين يصح تصرفه في الدين، ويظهر ذلك في عدد من التصرفات، ومنها: صحة الإبراء منه، والصلح، والحوالة
(ب) أن غير المستقر لا يصح المعاوضة عليه لاحتمال وجوده وعدمه، وأما الدين المؤجل فإنه يصح أن يكون عوضا في البيع، مما يدل على أن الملك تام، وأن الوجوب متعلق بالذمة، لا الأجل
(ج) أنه عند إعسار المدين يكون الدائن أحق بماله، ولا يزال ملكه عنه
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟)
(د) أن الدائن له فائدة ومصلحة في التأخير والتأجيل ، فالتأجيل لا يكون إلا في مقابل ربح وفائدة للدائن، ولذا لا يكون إلا في عقود المعاوضات، فيستفيد صاحب الدين في مقابل الزمن، ولذا فإنه يزكيه كل عام، قال أبو إسحاق الشاطبي: (الأجل في أحد العوضين لا يكون عادة إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة؛ إذ لا يسلم الحاضر في الغائب إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة؛ وهو الزيادة)
2 - وأما الفقهاء -الذين قالوا: بأن وصف التأجيل مانع من إيجاب الزكاة على الدائن- فبنوا رأيهم على أن التأجيل يفوت شرطا من شروط الزكاة، وهو شرط (استقرار الملك)، فالدين المؤجل ملك صاحبه عليه غير تام
ودليلهم على عدم استقرار الملك في الدين المؤجل:
(أ) أن الدين المؤجل يتعذر قبضه في الحال فيكون في حكم الدين على المعسر ، والدين على المعسر ليس مستقر الملك
(ب) أن تصرف مالكه فيه ممتنع ، فيكون الملك غير تام
(ج) أنه لا يملك المطالبة به، فيكون ملكه غير تام
(د) ومما يؤكد عدم استحقاق الدين المؤجل: أن صاحبه لو حلف أنه لا يستحقه لكان بارا في يمينه
ويجاب عن تعليلهم:
بأن الدين المؤجل الملك عليه تام وثابت، إذ يوجد فرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء، فالأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء, والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بد له من سبق حق في ذمته؛ فإذا اشترى شيئا فإن الثمن يثبت في الذمة -وهو نفس الوجوب-، وأما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الوجوب
ولو لم يكن ثبوت الدين المؤجل في الذمة أصليا، لما جاز البيع بالثمن المؤجل عند عدم العذر ولنهى الشارع عنه
وأما الأوصاف التي ذكروها فإنها لا تصح أن تجعل ملكه غير تام، وذلك على النحو التالي:
1 - قولهم: أنه يتعذر قبضه في الحال فيكون في حكم الدين على المعسر
يجاب: بأن إلحاق الدين المؤجل بالدين على المعسر لأجل عدم القبض، غير صحيح؛ لأن الدين على المعسر متردد بين الحصول والعدم، والغالب عدم حصوله، بل إن الدائن يمنع من المطالبة به حال إعساره مطلقا
أما الدين المؤجل فإنه يغلب على الظن حصوله، لأن الشخص لا يعقد معاوضة بثمن مؤجل إلا ويغلب على ظنه حصوله فإن جحده المدين أو مطله أو أعسر به، تغير وصف الدين فلم تجب فيه الزكاة
كما يجاب بالقول بالموجب، فالدين على المعسر لا يسقط الزكاة باتفاق، فالحنفية ، وغيرهم يوجبون الزكاة فيه عند قبضه
2 - قولهم: أن تصرف الدائن في الدين المؤجل ممتنع ويجاب: أن عدم قدرته على التصرف ليس على إطلاقه، بل تصح بعض تصرفاته؛ كالحوالة، والصلح، والإبراء وليس كل نقص في التصرف ينفي تمام الملك، بدليل أن مالك العين المرهونة ناقص التصرف فيها فلا يستطيع بيعها، وملكه تام عليها، ومثلها العين المؤجر فإن مالكها ممنوع من الانتفاع بها فيما تعوقد عليه منها، ونظائر ذلك كثيرة جدا
والضابط في ذلك: أن الامتناع عن بعض التصرفات إذا كان بإرادة صاحب المال، فإنه لا ينفي الملك التام عليه، ولا يكون مانعا من وجوب الزكاة وأما نقص الملك فيكون بأمر طارئ عليه فالذي يكون باختيار الشخص هو نقل الملك وإزالته وأما نقص الملك فإنه لا يكون باختياره
والتأجيل في الدين ثابت باختيار الدائن فلا يؤثر ، وإنما يكون الدين مؤثرا في تمام الملك حينما يكون من غير اختيار من الدائن؛ كما لو كان دينا على معسر، ونحوه، أو كان مثل الدية المؤجلة وبعض الفقهاء ذكر ضابطا آخر يفرق به بين الملك التام وغيره، فما كان لا يمكن الانتفاع به فلا تجب زكاته؛ كالمال الضمار ونحوه، وما أخر الانتفاع به -كالدين المؤجل- فتجب زكاته
3 - قولهم: أنه لا يملك المطالبة به، فيكون ملكه غير تام فيجاب: أنه إن كان المقصود بالمطالبة إثبات الحق، فهذا غير صحيح، بل للدائن أن يطالب به ويترافع ويخاصم وأما إن قصد نوع من أنواع المطالبة وهو المطالبة بالقبض، فهذا صحيح، لكن ليس على إطلاق، وإنما هو أخر قبضه فقط فالدين المؤجل مملوك لصاحبه، ولكنه لا يملك المطالبة به إلى حين الحلول
4 - قولهم: أن الدائن لو حلف أنه لا يستحقه لكان بارا في يمينه فيجاب: بأنه لا يسلم بصحة ذلك بل هو مستحق له بلا إشكال بين الفقهاء وأما اليمين فإنها تكون على عرف الناس، فإن كان قصده بالاستحقاق عدم حلول الأجل فهذا معنى صحيح فلا يحنث به، وأما إن قصد به الاستحقاق الشرعي بمعنى الثبوت فإنه يحنث وعلى ذلك: فالراجح: أن الدين المؤجل تام الملك للدائن، ولا يصح نفي استقرار الملك عنه
فلا تأثير لتأجيل الدين في الزكاة بالنسبة للدائن، ولا يصح جعل وصف (التأجيل) وصفا مؤثرا في منع الزكاة على الدائن مطلقا، بل يعد وصفا طرديا في زكاة الدين، لا تأثير له في الحكم
فالدين المؤجل باختيار صاحبه تجب فيه الزكاة، ولكن لا يلزم بذلها إلا عند قبض الدين؛ لتعلق الدين بعين المال، فإن تبين إعساره أو جحده سقطت الزكاة أما إن بذلها قبل قبضها فإن بذلها صحيح ومجزئ، ويكون في حكم تعجيل الزكاة قبل شرط أدائها، فإن ثبت الإعسار بعد ذلك فإنه لا يرجع بها، مثل من يعجل الزكاة قبل الحول، فإذا تم الحول عليه كان ماله دون النصاب
ومما يضعف القول الثاني أمران:
1 - نقض العلة: وهو تخلف الحكم مع وجود العلة فإن التأجيل موجود في بعض الصور، وتجب الزكاة فيها، ولم يؤثر في إسقاطها، ومن أمثلة ذلك:
(أ) مال المضاربة، فإن رأس مال شركة المضاربة مؤجل، ولا يمكن صاحب المال كامل التصرف فيه، ومع ذلك تجب فيه الزكاة وجها واحدا، فهنا وجد التأجيل ووجبت الزكاة
(ب) الديون التي يكون التأجيل فيها غير لازم بل رضائي جائز؛ كالقرض الذي أجله صاحبه، فتعتبر ديونا حالة فإنه يتحقق فيه معنى عدم القدرة على التصرف فيه باختيار الشخص ووعده، ومع ذلك يلزم بأداء الزكاة عنها عند من اعتبر التأجيل مانعا من الزكاة في الدين
2 - لازم القول: أن له لازما مخالفا لمقاصد الشريعة، وذلك أن أموال التجار مبنية على البيع بالثمن المؤجل، سواء كان التأجيل نصيا، أو عرفيا ، ولو قيل بهذا القول لأدى إلى إسقاط الزكاة عن كثير من الأموال الزكوية بل إن بعض الأنشطة التجارية الحالية قائمة على الإقراض والمتاجرة بالديون ا لمؤجلة؛ كحال البنوك، وشركات التقسيط وغيرها
كما أن من لوازمه: أن من باع عروض تجارة قبل الحول بيوم على أن يحل بعده بيوم: فلا زكاة عليه ولا قائل بذلك"
كل هذا الأقوال والخلافات سببها أن القوم بعدوا عن كتاب الله فكما سبق القول :
الزكاة لا تجب إلا بقبض المال وطالما الدين غير مقبوض فلا زكاة ومن ثم يتم إخراج مبلغ الدين من مال صاحب الدين فلا تجب فيه زكاة إلا عندما يتم قبضه له كما فى آية زكاة الحصاد وقد تلغى زكاة هذا المال بسبب تناول وهو تصدق المدين عن الدين كما قال تعالى فى الآية :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
وحدثنا الشويعر عن حساب زكاة الدين فقال :
4 كيفية حساب زكاة الدين المؤجل
تمهيد:
الدين المؤجل إنما ينشأ عن عقد معاوضة، فالبائع باع سلعة في مقابل دين ثابت في الذمة فإذا وجبت الزكاة فهل تقدر بمقدار الدين الثابت (أي بالريالات مثلا)، أم يكون تقديرها بقيمة السلعة المباعة؟ هذا هو محل البحث في المسألة
وبذلك يظهر أن الديون التي تكون ناتجة عن عقد تبرعات كالقروض -إن قيل بتأجيله-، أو بسبب أروش الجنايات أنها ليست داخلة في هذه المسألة؛ لأنها ليست من الديون المؤجلة بل هي حالة، أو لكونها ليست في مقابل سلع تقوم
* تحرير محل النزاع في المسألة:
الخلاف في هذه المسألة بين الجمهور والمالكية ليس مطردا في كل دين مؤجل، وإنما هناك مواضع اتفاق بينهم فيه، على النحو التالي:
1 - إذا كان الدين عروضا؛ بأن كان الثمن والمثمن كلاهما من العروض، فيقوم الدين نقدا، وتخرج الزكاة من قيمته
2 - إذا كان الدين عروضا؛ وكان الثمن نقدا؛ كدين السلم فإنه يزكى بعدد الدين؛ لأن السلعة نقد، والمباع مما يجب في عينه الزكاة، فإنه يزكى بدون تقويم
3 - وأما محل الخلاف: فإنه إذا كان الدين نقدا
* الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حساب الدين المؤجل على قولين:
القول الأول: أن الدين يزكى بقيمته الثابتة في الذمة (أي الثمن)؛ وهو قول الجمهور
القول الثاني: أن الدين يزكى بقيمة السلعة التي بيعت (المثمن)، فتقوم قيمة عروض تجارة بثمن حال كل عام، ويزكي هذه القيمة، وهو القول المشهور عند المالكية
ودليلهم: أنه في حال ثبوت الإعسار على المدين، فإن الغريم لا يرجع إلا بعين ما باعه فقط، دون قيمة بيعه لها
فالمالكية جعلوا تعلق الزكاة بالعروض دون الدين؛ ولذا فإنهم أسقطوا الزكاة في دين غير المدير (وهو المحتكر) ، تبعا لإسقاطهم الزكاة في العروض غير المدارة
والسبب في ذلك أنهم يرون أن الثمن لم يثبت بعد في الذمة، ولذا فإنه عند الفسخ يرجع بالعين المباعة
ويجاب عن ذلك: بأنه في حال البيع بالدين المؤجل فإن الذمة تنشغل بهذا الدين انشغالا أصليا لا تبعيا، إذ كما سبق فإنه يوجد فرق بين نفس الوجوب وبين وجوب الأداء، فالأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء, والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بد له من سبق حق في ذمته؛ فإذا اشترى شيئا فإن الثمن يثبت في الذمة -وهو نفس الوجوب-، وأما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الوجوب والأقرب -والله أعلم- أن الدين المؤجل يزكى بقدره الثابت في الذمة، وليس بقيمة المثمن؛ لأن هذا هو الثابت في الذمة وقد رأيت عددا من الباحثين المعاصرين مال للقول الثاني ترجيحا لمصلحة التاجر باذل الزكاة؛ نظرا لانخفاض أسعار السلع لتقادمها وهذا التعليل المصلحي بغض النظر عن صحته، إلا أنه ليس على إطلاقه فإن من عروض التجارة ما ترتفع قيمته مع طول الأجل؛ كالعقار مثلا"
قطعا مال الدين أيا كان نوع الدين لا تحسب زكاته بمعزل عن باقى مال الشخص وإنما الزكاة تحسب على مجمل المال مهما اختلفت أنواعه ولكن كما سبق القول زكاة الدين تحسب عند قبضه مع زكاة باقى المال
وحدثنا الشويعر عن وقت إخراج زكاة الدين المؤجل فقال :
5 وقت إخراج زكاة الدين المؤجل
للقائلين بلزوم زكاة الدين رأيان في وقت إخراج زكاتها:
الأول: أنها تخرج في كل سنة في وقتها وهو قول عند الشافعية ، ومروي عن بعض متقدمي الفقهاء
والثاني: أنها تخرج عند قبض الدين عن السنوات الماضية وهو قول الحنفية ، والمالكية ، والأظهر عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة
فهذا الخلاف ليس متعلقا بمسألتنا إذ هو مبني على أن الزكاة هل هي واجبة في العين أو في الذمة ولا شك أن قول جمهور العلماء، وهو المعتمد في المذاهب الأربعة جميعا هو المرجح"
الديون عند التسديد تكون إما فى صورة أقساط وإما فى صورة دفع مرة واحدة وفى صورة الأقساط يحسب عدد الأقساط المقبوضة من قبل صاحب الدين فى السنة المالية الحالية وأما فى حالة الدفع مرة واحدة فتحسب فى سنة دفعها وقبضها
وحدثنا عن بعض أشكال الديون والتى لا تبدو ديونا فى ظاهرها فقال:
6 التطبيقات المعاصرة لزكاة الدين
الخلاف الفقهي في هذه المسألة مؤثر في طريقة حساب الوعاء الزكوي فإن من وجبت عليه الزكاة، فإنه يجمع في وعائه الزكوي بين ما يملكه من نقد وقيمة عروض، إضافة للديون التي له على غيره، ثم يخرج من جميعها ربع العشر وبناء على الخلاف المذكور سابقا، فإنه على رأي جماهير أهل العلم لا ينظر لوصف تأجيل الدين في الحساب، بل يحسب كل الديون التي له سواء كانت حالة أو مؤجلة، -ما لم يكن مانع من الزكاة غير التأجيل- وأما على قول بعض الفقهاء فإن الدين المؤجل لا يحسب في الوعاء الزكوي، ولا يؤدي زكاتها إذ يرون أن وصف التأجيل مانع من وجوب الزكاة فيها وبالنظر لهذه المسألة نجد أن أثرها كبير جدا في حساب العديد من الأموال، والميزانيات الكبيرة للأشخاص والمؤسسات، وسأذكر بعضا من التطبيقات المعاصرة لهذا المبدأ الفقهي، وسأذكر الحكم فيها على القول الثاني:
1 - المؤسسات المالية والإقراضية فإن نشاطها الأساس قائم على الديون المؤجلة، سواء كان الدين بسبب عقود مشروعة (كالتقسيط، والتورق، والتمويل، ونحوها)، أو بالعقود التقليدية الربوية
فإذا حل موعد الزكاة، فإن هذه المؤسسات المالية لا تحسب في وعائها الزكوي جميع الأموال المقرضة بالأجل شاملا رأس المال والأرباح معا - ولو كان الأجل سيحل بعد يوم الزكاة- وتكتفي في حساب الوعاء الزكوي بالسيولة النقدية المتوفرة إضافة للديون الحالة وقت وجوب الزكاة فقط
بل إن من تفريعات هذا القول: أن الدين المؤجل إذا قبضته المؤسسات المالية فإنه يأخذ حكم المال المستفاد فيستقبل به حول جديد، ولا يكون حوله حول المال الأصولي فإن أقرضه قرضا مؤجلا قبل تمام الحول فلا زكاة فيه أيضا وعلى ذلك فإن السيولة النقدية التي تكون متوفرة لمثل هذه المؤسسات لا تجب فيها الزكاة ولا تحسب ضمن الوعاء الزكوي؛ لأنها ناتجة عن وفاء بمديونيات سابقة، وفي الغالب أنها لا تتم حولا كاملا دون إقراض آخر فلم يبق لهذه المؤسسات المالية إلا الديون الحالة بدون تأجيل وهذه نادرة وبهذه الحسبة نجد أن الزكاة لا تجب على مثل هذه المؤسسات الإقراضية التي ربما تبلغ نشاطاتها ملايين الريالات"
ما ذكره الرجل عن تلك المؤسسات فهى ليست مؤسسات إسلامية وإنما مؤسسات تستغل الأموال فى عملها عبر عليات معظمها محرمة فإن سلم عملها من الحرمة فقروضها تجب فيها الزكاة حسب ما تقبض فإن كان صورة أقساط حسبت الأقساط المقبوضة ضمن مالها وكذلك ما قبض من الديون التى تدفع مرة واحدة فى نفس السنة وأما الديوان المقسطة التى لم يحل موعدها والديون التى لم تدفع مرة واحدة فى تلك السنة فلا تدخل ضمن مال المؤسسة ثم قال :
2 - الصناديق الاستثمارية التي تقوم على نشاط التمويل: فهذا النوع من الصناديق الاستثمارية يقوم على مبدأ الإقراض للغير والمتاجرة في أموال الصندوق بتمويل مشاريع ومشتروات
فعلى القول الثاني: فإنه يلزم أن لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها تقوم على الديون المؤجلة، وما يتوفر منها ويسدد من هذه الديون فإنها تصرف في عمليات تمويلية أخرى قبل تمام حول كامل عليها من حين القبض، وعلى ذلك فإنه لا تجب الزكاة في هذه الصناديق
3 - السندات المالية إذ تكيف السندات المالية -في الغالب- على أنها ديون مؤجلة بغض النظر عن اشتمالها على فائدة ربوية من عدمه
فإذا قيل بالقول الثاني وهو سقوط الزكاة عن الدين المؤجل مطلقا، فإن هذه السندات المالية لا تجب فيها الزكاة على ملاكها؛ لأن التأجيل مانع من وجوب الزكاة فيها عندهم
4 - الودائع البنكية في حسابات التوفير الحسابات التي لا تكون تحت الطلب هي مؤجلة بحسب تعاقد العميل مع البنك وغالب الباحثين المعاصرين يكيف هذه الودائع البنكية أنها قروض، وعلى ذلك فإن التأجيل فيها يكون مانعا من وجوب الزكاة فيها على القول الثاني"
وما سبق من عمل مؤسسات الدول التى تتعامل بالمحرمات كالبيع بالتقسيط وغيره من الصور المحرمة فهذا ليس فيه زكاة لكونه مالا حراما ولو حسبت الزكاة فغنها تحسب فيه حسب ما قلت فى أول الصور وهى المؤسسات الاقراضية والصورة ألأخيرة فهى صورة اخترعها بعض الناس لمساعدة بعضهم البعض وفيها قال :
5 - جمعية الموظفين وهي صيغة من التعامل القرضي بين عدد من الموظفين أو الأصدقاء يقوم كل واحد منهم ببذل مبلغ مالي بصفة دورية (شهرية مثلا)، والمتحصل في كل مرة يأخذه أحد الأعضاءوهذه الصيغة واضح أنها قرض، والتأجيل فيه عقدي يكون لازما عند عدد من الفقهاء
فعلى القول الثاني: فإن باذل القسط الشهري لا يلزمه بذل الزكاة عن الأقساط التي بذلها؛ لأنها قرض منه لباقي الأعضاء، وهو مؤجل السداد"
هذه الصورة أو الصيغة لا تجب فيها الزكاة فى الغالب لأن من يقومون بها 99% منهم من المحتاجين الذين لا يبلغ مالهم نصاب الزكاة وإنما الزكاة فيها تجب على من بلغ ماله الأخر ومال الجمعية النصاب عند القبض لأنه فى حالة القبض خاصة فى أول ووسط الجمعية لا يكون المال المقبوض كله ماله لأنه يسدد منه بعض الأقساط وهى لا تسمى جمعية الموظفين وإنما يطلق عليها جمعية فقط
وحدثنا الشويعر فقال :
"فنجد في هذه التطبيقات أن في إعمال القول الثاني نفي وجوب الزكاة عن مبالغ كبيرة جدا تكاد تكون الأغلب من التعاملات المالية المعاصرة
ولا شك أن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة التي توجب الزكاة على الأموال النامية أو المعدة للنماء، ولا شك أن هذه الأموال جميعا من الأموال النامية
كذلك من المعاني الشرعية إيجاب الزكاة بنسبة أكبر على التجار مقارنة بمن يقوم بالاستثمار كالمصانع والمستغلات وهذه الأمور السابقة من التعاملات التجارية هي الأعلى ربحية ففي إلغاء الزكاة عنها -حسب ما تقدم- فيه مخالفة للمقاصد الشرعية العامة والخاصة
بيد أن هناك مسائل يختلف في تنزيلها تحت هذا المناط، ومن ذلك:
مكافأة نهاية الخدمة فمن نظر إلى أنها دين مؤجل للموظف على صاحب العمل فإنه يوجب على الموظف زكاتها كل عام والأقرب عدم وجوب الزكاة لا لأجل التأجيل، وإنما لعدم استقرار الملك"
والخلاصة فى الأمر هو :
أنه لا زكاة فى مال الديون غير المقبوض والزكاة فيه إذا قبض وبلغ معه المال الأخر للفرد أو للمؤسسة نصاب الزكاة
المؤلف هو عبد السلام بن محمد الشويعر والكتاب يتناول بعض التعاملات المالية كزكاة الديون وفى هذا قال فى المقدمة:
"أما بعد فإن من المسائل التي تناولها العلماء بالبسط والتفصيل، مسألة (زكاة الدين) والفقهاء إذا أطلقوا هذه العبارة فإنما يعنون زكاة من الدين له (أي المقرض)"
وقد استهل الكتاب بتعريف التأجيل وأنواعه فى الديون فقال :
"1التأجيل في الديون:
1 1 معنى الدين المؤجل:
المراد بالدين المؤجل: هو ما يقابل الحال والدين الحال هو: (ما يجب أداؤه عند طلب الدائن, فتجوز المطالبة بأدائه على الفور, والمخاصمة فيه أمام القضاء بخلاف الدين المؤجل)
1 2 أنواع تأجيل الديون:
ينقسم تأجيل الديون باعتبار قبول العقد للتأجيل إلى أربعة أنواع:
1 - التأجيل اللازم؛ مثل الدية المؤجلة، ودين المسلم فيه
2 - التأجيل الباطل، ويجب فيه الحلول هذا في رأس مال السلم، والصرف
3 - ما يقبل التأجيل والحلول، أي يصح فيه التأجيل برضا صاحب الدين؛ وهو سائر العقود وهو ينقسم إلى نوعين باعتبار لزوم هذا التأجيل
(أ) ما يكون فيه التأجيل جائزا، فيجوز الرجوع فيه
(ب) ما يكون فيه هذا التأجيل لازما لا يجوز الرجوع فيه
والمقصود بالبحث النوع الأخير؛ وهو ما يكون تأجيل الدين لازما وناشئا عن عقود تقبل التأجيل والحلول، أي أن التأجيل رضائي لكنه لازم"
وتناول الشويعر الديون التي تقبل التأجيل فقال:
1 3 الديون التي تقبل التأجيل:
أي الديون التي يكون التأجيل الرضائي لازما، ولا يجوز الرجوع فيه فباتفاق الفقهاء يلزم التأجيل الرضائي في البيوع في الجملة؛ للآية: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} واختلفوا في الديون التي تكون ناشئة عن غيره؛ كالقرض ونحوه على رأيين أساسيين:
الأول: أنه لا يلزم تأجيلها وهو قول الجمهور، من الحنفية ، والشافعية، والحنابلة
القول الثاني: ذهب المالكية ورواية في مذهب الحنابلة اختارها الشيخ تقي الدين ، وتلميذه : إلى صحة تأجيل الدين ولزومه إلى أجله سواء كان قرضا أو غيره
وفائدة هذا الخلاف: أن كل دين لا يلزم تأجيله فإنه لا يحكم بأنه من الديون المؤجلة التي يتعلق بها البحث، بل هو من الديون الحالة
فعلى القول الثاني يكون نطاق المسألة شاملا لكل هذه القروض
وعلى القول الأول فإن (القروض) لا تتأجل بل هي حالة وإن اتفقا على التأجيل كذلك الدين الحال إذا أجل ، والثمن بعد الإقالة، وضمان المتلفات والمقبوض في العقود الفاسدة فإن الأصل فيها الحلول
فعلى ذلك فإن كل هذه الديون تكون خارجة عن محل البحث، ولا يبقى فيه إلا الديون الناشئة عن البيوع سواء كانت الديون ثمنا (كبيوع التقسيط)، أو مثمنا (كبيوع السلم)، شريطة أن تكون الأعيان مما تجب فيها الزكاة
2 الخلاف المحكي في إسقاط زكاة الدين المؤجل عن الدائن"
هذا الخلافات لا أساس لها لأن الآية صريحة فى أن الدين يؤجل فى حالة العسرة ولا يرجل فى حالة اليسر على الإطلاق وفى هذا قال تعالى "
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
وبعد ذلك تناول الشويعر زكاة الدين فقال :
"تمهيد:
أردت بهذا المبحث بيان من قال بهذا القول ومدى ثبوت هذا الرأي لهم؛ لأهمية ذلك في قوة القول، واعتماده؛ إذ من أسباب ترجيح القول قوة القائلين به والعكس أيضا صحيح، فإن من ضعف القول إنكاره وعدم الأخذ به
وهذه المسألة نسبت لعدد كبير من فقهاء المذاهب، ولكن عند التحقيق نجد أن في نسبة ذلك إليهم نظر وتأمل
إذ الخلاف في هذه المسألة مخصوص بمن اعتبر تأجيل الدين مانعا من وجوب الزكاة فيه، فهو متعلق بهذا الوصف بالخصوص
وبناء على ذلك فهناك ثلاث مسائل ليست داخلة في البحث ، لا بد من مراعاتها:
المسألة الأولى: أن الذين لا يوجبون الزكاة في الدين المؤجل نوعان:
1 - من يسقط الزكاة في الدين مطلقا ولو كان مستقرا (سواء كان حالا أو مؤجلا)، فمن يقول بسقوط زكاة الدين عن الدائن يجزم بسقوطه في الدين المؤجل وهذا قول محكي عن بعض فقهاء الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
2 - من لا يسقط الزكاة في الدين في الجملة، وإنما يسقط زكاة الدين المؤجل وهذا النوع الثاني هو محل البحث في هذه المسألة، إذ هذه المسألة متعلقة بالوصف أهو مؤثر في الحكم أم لا؟
المسألة الثانية: أن هذا البحث متعلق بالوجوب، لا اللزوم فمسألتنا في وجوب الزكاة، وليس في وقت لزومها إذ من الفقهاء من يرى أن الدين لا يلزم زكاته إلا عند قبضه عن السنوات الماضية ، فهذا الخلاف ليس متعلقا بمسألتنا إذ هو مبني على أن الزكاة هل هي واجبة في العين أو في الذمة
المسألة الثالثة: أن بعض الصور يحكم بعدم وجوب الزكاة، لا لوصف التأجيل لذاته، وإنما لأجل عدم استقرار الملك التام مثل رأي بعض الفقهاء أن مال دين الكتابة، ودين السلم ، وثمن المبيع غير المقبوض ، والمهر المؤجل لا زكاة فيها؛ لعدم استقرار الملك، لا لذات التأجيل، وإنما التأجيل وصف طردي فيها
* الخلاف في المسألة:
هذه المسألة فيها قولان عند من يرى أن الدين تجب فيه الزكاة:
القول الأول: نص جماهير أهل العلم على عدم اعتبار وصف التأجيل في الدين مانعا من وجوبه فيها، وممن نص على ذلك، علي بن أبي طالب ، وعبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عباس ولم أقف أن أحدا من الصحابة أفتى بإسقاط الزكاة عن الدين المؤجل فقط
ونص على ذلك فقهاء الحنفية، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة
القول الثاني: أن التأجيل في الديون يسقط وجوب الزكاة فيها، وحكي هذا الرأي: وجها في مذهب الشافعية ، ورواية في مذهب الإمام أحمد ، ونسب اختيارا لشيخ الإسلام ابن تيمية "
والملاحظ فى خلافات القوم أنها خلافات بلا دليل فهو كلام من عند النفس فليس هناك رواية أو آية عندهم
وهو أمر غريب لأن القوم غفلوا عن قوله تعالى :
"وآتوا حقه يوم حصاده "
فالزكاة تجب عند حضور وهو وجود المال ومن ثم لا زكاة فى مال الدين طالما لم يسدد
وحدثنا الشويعر هما سماه السبر لوصف التأجيل فقال:
3 السبر لوصف التأجيل
تمهيد:
هذه المسألة يقوم الدليل فيها في الأساس على التعليل، ولا يوجد نص فيها؛ كما قال الإمام الشافعي: (لا أعرف في الزكاة في الدين أثرا صحيحا نأخذ به ولا نتركه) ، ولذا فهي مبنية على التعليل والمعاني فحسب
1 - فأما الجمهور فإنهم مستمسكون بدليل وجوب الزكاة في الدين، وأن وصف التأجيل ليس بمؤثر فيه ومما يدل على أن الدين المؤجل مستقر ملك صاحبه عليه استقرارا تاما أمور:
(أ) أن مالك الدين يصح تصرفه في الدين، ويظهر ذلك في عدد من التصرفات، ومنها: صحة الإبراء منه، والصلح، والحوالة
(ب) أن غير المستقر لا يصح المعاوضة عليه لاحتمال وجوده وعدمه، وأما الدين المؤجل فإنه يصح أن يكون عوضا في البيع، مما يدل على أن الملك تام، وأن الوجوب متعلق بالذمة، لا الأجل
(ج) أنه عند إعسار المدين يكون الدائن أحق بماله، ولا يزال ملكه عنه
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟)
(د) أن الدائن له فائدة ومصلحة في التأخير والتأجيل ، فالتأجيل لا يكون إلا في مقابل ربح وفائدة للدائن، ولذا لا يكون إلا في عقود المعاوضات، فيستفيد صاحب الدين في مقابل الزمن، ولذا فإنه يزكيه كل عام، قال أبو إسحاق الشاطبي: (الأجل في أحد العوضين لا يكون عادة إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة؛ إذ لا يسلم الحاضر في الغائب إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة؛ وهو الزيادة)
2 - وأما الفقهاء -الذين قالوا: بأن وصف التأجيل مانع من إيجاب الزكاة على الدائن- فبنوا رأيهم على أن التأجيل يفوت شرطا من شروط الزكاة، وهو شرط (استقرار الملك)، فالدين المؤجل ملك صاحبه عليه غير تام
ودليلهم على عدم استقرار الملك في الدين المؤجل:
(أ) أن الدين المؤجل يتعذر قبضه في الحال فيكون في حكم الدين على المعسر ، والدين على المعسر ليس مستقر الملك
(ب) أن تصرف مالكه فيه ممتنع ، فيكون الملك غير تام
(ج) أنه لا يملك المطالبة به، فيكون ملكه غير تام
(د) ومما يؤكد عدم استحقاق الدين المؤجل: أن صاحبه لو حلف أنه لا يستحقه لكان بارا في يمينه
ويجاب عن تعليلهم:
بأن الدين المؤجل الملك عليه تام وثابت، إذ يوجد فرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء، فالأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء, والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بد له من سبق حق في ذمته؛ فإذا اشترى شيئا فإن الثمن يثبت في الذمة -وهو نفس الوجوب-، وأما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الوجوب
ولو لم يكن ثبوت الدين المؤجل في الذمة أصليا، لما جاز البيع بالثمن المؤجل عند عدم العذر ولنهى الشارع عنه
وأما الأوصاف التي ذكروها فإنها لا تصح أن تجعل ملكه غير تام، وذلك على النحو التالي:
1 - قولهم: أنه يتعذر قبضه في الحال فيكون في حكم الدين على المعسر
يجاب: بأن إلحاق الدين المؤجل بالدين على المعسر لأجل عدم القبض، غير صحيح؛ لأن الدين على المعسر متردد بين الحصول والعدم، والغالب عدم حصوله، بل إن الدائن يمنع من المطالبة به حال إعساره مطلقا
أما الدين المؤجل فإنه يغلب على الظن حصوله، لأن الشخص لا يعقد معاوضة بثمن مؤجل إلا ويغلب على ظنه حصوله فإن جحده المدين أو مطله أو أعسر به، تغير وصف الدين فلم تجب فيه الزكاة
كما يجاب بالقول بالموجب، فالدين على المعسر لا يسقط الزكاة باتفاق، فالحنفية ، وغيرهم يوجبون الزكاة فيه عند قبضه
2 - قولهم: أن تصرف الدائن في الدين المؤجل ممتنع ويجاب: أن عدم قدرته على التصرف ليس على إطلاقه، بل تصح بعض تصرفاته؛ كالحوالة، والصلح، والإبراء وليس كل نقص في التصرف ينفي تمام الملك، بدليل أن مالك العين المرهونة ناقص التصرف فيها فلا يستطيع بيعها، وملكه تام عليها، ومثلها العين المؤجر فإن مالكها ممنوع من الانتفاع بها فيما تعوقد عليه منها، ونظائر ذلك كثيرة جدا
والضابط في ذلك: أن الامتناع عن بعض التصرفات إذا كان بإرادة صاحب المال، فإنه لا ينفي الملك التام عليه، ولا يكون مانعا من وجوب الزكاة وأما نقص الملك فيكون بأمر طارئ عليه فالذي يكون باختيار الشخص هو نقل الملك وإزالته وأما نقص الملك فإنه لا يكون باختياره
والتأجيل في الدين ثابت باختيار الدائن فلا يؤثر ، وإنما يكون الدين مؤثرا في تمام الملك حينما يكون من غير اختيار من الدائن؛ كما لو كان دينا على معسر، ونحوه، أو كان مثل الدية المؤجلة وبعض الفقهاء ذكر ضابطا آخر يفرق به بين الملك التام وغيره، فما كان لا يمكن الانتفاع به فلا تجب زكاته؛ كالمال الضمار ونحوه، وما أخر الانتفاع به -كالدين المؤجل- فتجب زكاته
3 - قولهم: أنه لا يملك المطالبة به، فيكون ملكه غير تام فيجاب: أنه إن كان المقصود بالمطالبة إثبات الحق، فهذا غير صحيح، بل للدائن أن يطالب به ويترافع ويخاصم وأما إن قصد نوع من أنواع المطالبة وهو المطالبة بالقبض، فهذا صحيح، لكن ليس على إطلاق، وإنما هو أخر قبضه فقط فالدين المؤجل مملوك لصاحبه، ولكنه لا يملك المطالبة به إلى حين الحلول
4 - قولهم: أن الدائن لو حلف أنه لا يستحقه لكان بارا في يمينه فيجاب: بأنه لا يسلم بصحة ذلك بل هو مستحق له بلا إشكال بين الفقهاء وأما اليمين فإنها تكون على عرف الناس، فإن كان قصده بالاستحقاق عدم حلول الأجل فهذا معنى صحيح فلا يحنث به، وأما إن قصد به الاستحقاق الشرعي بمعنى الثبوت فإنه يحنث وعلى ذلك: فالراجح: أن الدين المؤجل تام الملك للدائن، ولا يصح نفي استقرار الملك عنه
فلا تأثير لتأجيل الدين في الزكاة بالنسبة للدائن، ولا يصح جعل وصف (التأجيل) وصفا مؤثرا في منع الزكاة على الدائن مطلقا، بل يعد وصفا طرديا في زكاة الدين، لا تأثير له في الحكم
فالدين المؤجل باختيار صاحبه تجب فيه الزكاة، ولكن لا يلزم بذلها إلا عند قبض الدين؛ لتعلق الدين بعين المال، فإن تبين إعساره أو جحده سقطت الزكاة أما إن بذلها قبل قبضها فإن بذلها صحيح ومجزئ، ويكون في حكم تعجيل الزكاة قبل شرط أدائها، فإن ثبت الإعسار بعد ذلك فإنه لا يرجع بها، مثل من يعجل الزكاة قبل الحول، فإذا تم الحول عليه كان ماله دون النصاب
ومما يضعف القول الثاني أمران:
1 - نقض العلة: وهو تخلف الحكم مع وجود العلة فإن التأجيل موجود في بعض الصور، وتجب الزكاة فيها، ولم يؤثر في إسقاطها، ومن أمثلة ذلك:
(أ) مال المضاربة، فإن رأس مال شركة المضاربة مؤجل، ولا يمكن صاحب المال كامل التصرف فيه، ومع ذلك تجب فيه الزكاة وجها واحدا، فهنا وجد التأجيل ووجبت الزكاة
(ب) الديون التي يكون التأجيل فيها غير لازم بل رضائي جائز؛ كالقرض الذي أجله صاحبه، فتعتبر ديونا حالة فإنه يتحقق فيه معنى عدم القدرة على التصرف فيه باختيار الشخص ووعده، ومع ذلك يلزم بأداء الزكاة عنها عند من اعتبر التأجيل مانعا من الزكاة في الدين
2 - لازم القول: أن له لازما مخالفا لمقاصد الشريعة، وذلك أن أموال التجار مبنية على البيع بالثمن المؤجل، سواء كان التأجيل نصيا، أو عرفيا ، ولو قيل بهذا القول لأدى إلى إسقاط الزكاة عن كثير من الأموال الزكوية بل إن بعض الأنشطة التجارية الحالية قائمة على الإقراض والمتاجرة بالديون ا لمؤجلة؛ كحال البنوك، وشركات التقسيط وغيرها
كما أن من لوازمه: أن من باع عروض تجارة قبل الحول بيوم على أن يحل بعده بيوم: فلا زكاة عليه ولا قائل بذلك"
كل هذا الأقوال والخلافات سببها أن القوم بعدوا عن كتاب الله فكما سبق القول :
الزكاة لا تجب إلا بقبض المال وطالما الدين غير مقبوض فلا زكاة ومن ثم يتم إخراج مبلغ الدين من مال صاحب الدين فلا تجب فيه زكاة إلا عندما يتم قبضه له كما فى آية زكاة الحصاد وقد تلغى زكاة هذا المال بسبب تناول وهو تصدق المدين عن الدين كما قال تعالى فى الآية :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
وحدثنا الشويعر عن حساب زكاة الدين فقال :
4 كيفية حساب زكاة الدين المؤجل
تمهيد:
الدين المؤجل إنما ينشأ عن عقد معاوضة، فالبائع باع سلعة في مقابل دين ثابت في الذمة فإذا وجبت الزكاة فهل تقدر بمقدار الدين الثابت (أي بالريالات مثلا)، أم يكون تقديرها بقيمة السلعة المباعة؟ هذا هو محل البحث في المسألة
وبذلك يظهر أن الديون التي تكون ناتجة عن عقد تبرعات كالقروض -إن قيل بتأجيله-، أو بسبب أروش الجنايات أنها ليست داخلة في هذه المسألة؛ لأنها ليست من الديون المؤجلة بل هي حالة، أو لكونها ليست في مقابل سلع تقوم
* تحرير محل النزاع في المسألة:
الخلاف في هذه المسألة بين الجمهور والمالكية ليس مطردا في كل دين مؤجل، وإنما هناك مواضع اتفاق بينهم فيه، على النحو التالي:
1 - إذا كان الدين عروضا؛ بأن كان الثمن والمثمن كلاهما من العروض، فيقوم الدين نقدا، وتخرج الزكاة من قيمته
2 - إذا كان الدين عروضا؛ وكان الثمن نقدا؛ كدين السلم فإنه يزكى بعدد الدين؛ لأن السلعة نقد، والمباع مما يجب في عينه الزكاة، فإنه يزكى بدون تقويم
3 - وأما محل الخلاف: فإنه إذا كان الدين نقدا
* الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حساب الدين المؤجل على قولين:
القول الأول: أن الدين يزكى بقيمته الثابتة في الذمة (أي الثمن)؛ وهو قول الجمهور
القول الثاني: أن الدين يزكى بقيمة السلعة التي بيعت (المثمن)، فتقوم قيمة عروض تجارة بثمن حال كل عام، ويزكي هذه القيمة، وهو القول المشهور عند المالكية
ودليلهم: أنه في حال ثبوت الإعسار على المدين، فإن الغريم لا يرجع إلا بعين ما باعه فقط، دون قيمة بيعه لها
فالمالكية جعلوا تعلق الزكاة بالعروض دون الدين؛ ولذا فإنهم أسقطوا الزكاة في دين غير المدير (وهو المحتكر) ، تبعا لإسقاطهم الزكاة في العروض غير المدارة
والسبب في ذلك أنهم يرون أن الثمن لم يثبت بعد في الذمة، ولذا فإنه عند الفسخ يرجع بالعين المباعة
ويجاب عن ذلك: بأنه في حال البيع بالدين المؤجل فإن الذمة تنشغل بهذا الدين انشغالا أصليا لا تبعيا، إذ كما سبق فإنه يوجد فرق بين نفس الوجوب وبين وجوب الأداء، فالأول هو اشتغال ذمة المكلف بالشيء, والثاني هو لزوم تفريغ الذمة عما تعلق بها فلا بد له من سبق حق في ذمته؛ فإذا اشترى شيئا فإن الثمن يثبت في الذمة -وهو نفس الوجوب-، وأما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الوجوب والأقرب -والله أعلم- أن الدين المؤجل يزكى بقدره الثابت في الذمة، وليس بقيمة المثمن؛ لأن هذا هو الثابت في الذمة وقد رأيت عددا من الباحثين المعاصرين مال للقول الثاني ترجيحا لمصلحة التاجر باذل الزكاة؛ نظرا لانخفاض أسعار السلع لتقادمها وهذا التعليل المصلحي بغض النظر عن صحته، إلا أنه ليس على إطلاقه فإن من عروض التجارة ما ترتفع قيمته مع طول الأجل؛ كالعقار مثلا"
قطعا مال الدين أيا كان نوع الدين لا تحسب زكاته بمعزل عن باقى مال الشخص وإنما الزكاة تحسب على مجمل المال مهما اختلفت أنواعه ولكن كما سبق القول زكاة الدين تحسب عند قبضه مع زكاة باقى المال
وحدثنا الشويعر عن وقت إخراج زكاة الدين المؤجل فقال :
5 وقت إخراج زكاة الدين المؤجل
للقائلين بلزوم زكاة الدين رأيان في وقت إخراج زكاتها:
الأول: أنها تخرج في كل سنة في وقتها وهو قول عند الشافعية ، ومروي عن بعض متقدمي الفقهاء
والثاني: أنها تخرج عند قبض الدين عن السنوات الماضية وهو قول الحنفية ، والمالكية ، والأظهر عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة
فهذا الخلاف ليس متعلقا بمسألتنا إذ هو مبني على أن الزكاة هل هي واجبة في العين أو في الذمة ولا شك أن قول جمهور العلماء، وهو المعتمد في المذاهب الأربعة جميعا هو المرجح"
الديون عند التسديد تكون إما فى صورة أقساط وإما فى صورة دفع مرة واحدة وفى صورة الأقساط يحسب عدد الأقساط المقبوضة من قبل صاحب الدين فى السنة المالية الحالية وأما فى حالة الدفع مرة واحدة فتحسب فى سنة دفعها وقبضها
وحدثنا عن بعض أشكال الديون والتى لا تبدو ديونا فى ظاهرها فقال:
6 التطبيقات المعاصرة لزكاة الدين
الخلاف الفقهي في هذه المسألة مؤثر في طريقة حساب الوعاء الزكوي فإن من وجبت عليه الزكاة، فإنه يجمع في وعائه الزكوي بين ما يملكه من نقد وقيمة عروض، إضافة للديون التي له على غيره، ثم يخرج من جميعها ربع العشر وبناء على الخلاف المذكور سابقا، فإنه على رأي جماهير أهل العلم لا ينظر لوصف تأجيل الدين في الحساب، بل يحسب كل الديون التي له سواء كانت حالة أو مؤجلة، -ما لم يكن مانع من الزكاة غير التأجيل- وأما على قول بعض الفقهاء فإن الدين المؤجل لا يحسب في الوعاء الزكوي، ولا يؤدي زكاتها إذ يرون أن وصف التأجيل مانع من وجوب الزكاة فيها وبالنظر لهذه المسألة نجد أن أثرها كبير جدا في حساب العديد من الأموال، والميزانيات الكبيرة للأشخاص والمؤسسات، وسأذكر بعضا من التطبيقات المعاصرة لهذا المبدأ الفقهي، وسأذكر الحكم فيها على القول الثاني:
1 - المؤسسات المالية والإقراضية فإن نشاطها الأساس قائم على الديون المؤجلة، سواء كان الدين بسبب عقود مشروعة (كالتقسيط، والتورق، والتمويل، ونحوها)، أو بالعقود التقليدية الربوية
فإذا حل موعد الزكاة، فإن هذه المؤسسات المالية لا تحسب في وعائها الزكوي جميع الأموال المقرضة بالأجل شاملا رأس المال والأرباح معا - ولو كان الأجل سيحل بعد يوم الزكاة- وتكتفي في حساب الوعاء الزكوي بالسيولة النقدية المتوفرة إضافة للديون الحالة وقت وجوب الزكاة فقط
بل إن من تفريعات هذا القول: أن الدين المؤجل إذا قبضته المؤسسات المالية فإنه يأخذ حكم المال المستفاد فيستقبل به حول جديد، ولا يكون حوله حول المال الأصولي فإن أقرضه قرضا مؤجلا قبل تمام الحول فلا زكاة فيه أيضا وعلى ذلك فإن السيولة النقدية التي تكون متوفرة لمثل هذه المؤسسات لا تجب فيها الزكاة ولا تحسب ضمن الوعاء الزكوي؛ لأنها ناتجة عن وفاء بمديونيات سابقة، وفي الغالب أنها لا تتم حولا كاملا دون إقراض آخر فلم يبق لهذه المؤسسات المالية إلا الديون الحالة بدون تأجيل وهذه نادرة وبهذه الحسبة نجد أن الزكاة لا تجب على مثل هذه المؤسسات الإقراضية التي ربما تبلغ نشاطاتها ملايين الريالات"
ما ذكره الرجل عن تلك المؤسسات فهى ليست مؤسسات إسلامية وإنما مؤسسات تستغل الأموال فى عملها عبر عليات معظمها محرمة فإن سلم عملها من الحرمة فقروضها تجب فيها الزكاة حسب ما تقبض فإن كان صورة أقساط حسبت الأقساط المقبوضة ضمن مالها وكذلك ما قبض من الديون التى تدفع مرة واحدة فى نفس السنة وأما الديوان المقسطة التى لم يحل موعدها والديون التى لم تدفع مرة واحدة فى تلك السنة فلا تدخل ضمن مال المؤسسة ثم قال :
2 - الصناديق الاستثمارية التي تقوم على نشاط التمويل: فهذا النوع من الصناديق الاستثمارية يقوم على مبدأ الإقراض للغير والمتاجرة في أموال الصندوق بتمويل مشاريع ومشتروات
فعلى القول الثاني: فإنه يلزم أن لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها تقوم على الديون المؤجلة، وما يتوفر منها ويسدد من هذه الديون فإنها تصرف في عمليات تمويلية أخرى قبل تمام حول كامل عليها من حين القبض، وعلى ذلك فإنه لا تجب الزكاة في هذه الصناديق
3 - السندات المالية إذ تكيف السندات المالية -في الغالب- على أنها ديون مؤجلة بغض النظر عن اشتمالها على فائدة ربوية من عدمه
فإذا قيل بالقول الثاني وهو سقوط الزكاة عن الدين المؤجل مطلقا، فإن هذه السندات المالية لا تجب فيها الزكاة على ملاكها؛ لأن التأجيل مانع من وجوب الزكاة فيها عندهم
4 - الودائع البنكية في حسابات التوفير الحسابات التي لا تكون تحت الطلب هي مؤجلة بحسب تعاقد العميل مع البنك وغالب الباحثين المعاصرين يكيف هذه الودائع البنكية أنها قروض، وعلى ذلك فإن التأجيل فيها يكون مانعا من وجوب الزكاة فيها على القول الثاني"
وما سبق من عمل مؤسسات الدول التى تتعامل بالمحرمات كالبيع بالتقسيط وغيره من الصور المحرمة فهذا ليس فيه زكاة لكونه مالا حراما ولو حسبت الزكاة فغنها تحسب فيه حسب ما قلت فى أول الصور وهى المؤسسات الاقراضية والصورة ألأخيرة فهى صورة اخترعها بعض الناس لمساعدة بعضهم البعض وفيها قال :
5 - جمعية الموظفين وهي صيغة من التعامل القرضي بين عدد من الموظفين أو الأصدقاء يقوم كل واحد منهم ببذل مبلغ مالي بصفة دورية (شهرية مثلا)، والمتحصل في كل مرة يأخذه أحد الأعضاءوهذه الصيغة واضح أنها قرض، والتأجيل فيه عقدي يكون لازما عند عدد من الفقهاء
فعلى القول الثاني: فإن باذل القسط الشهري لا يلزمه بذل الزكاة عن الأقساط التي بذلها؛ لأنها قرض منه لباقي الأعضاء، وهو مؤجل السداد"
هذه الصورة أو الصيغة لا تجب فيها الزكاة فى الغالب لأن من يقومون بها 99% منهم من المحتاجين الذين لا يبلغ مالهم نصاب الزكاة وإنما الزكاة فيها تجب على من بلغ ماله الأخر ومال الجمعية النصاب عند القبض لأنه فى حالة القبض خاصة فى أول ووسط الجمعية لا يكون المال المقبوض كله ماله لأنه يسدد منه بعض الأقساط وهى لا تسمى جمعية الموظفين وإنما يطلق عليها جمعية فقط
وحدثنا الشويعر فقال :
"فنجد في هذه التطبيقات أن في إعمال القول الثاني نفي وجوب الزكاة عن مبالغ كبيرة جدا تكاد تكون الأغلب من التعاملات المالية المعاصرة
ولا شك أن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة التي توجب الزكاة على الأموال النامية أو المعدة للنماء، ولا شك أن هذه الأموال جميعا من الأموال النامية
كذلك من المعاني الشرعية إيجاب الزكاة بنسبة أكبر على التجار مقارنة بمن يقوم بالاستثمار كالمصانع والمستغلات وهذه الأمور السابقة من التعاملات التجارية هي الأعلى ربحية ففي إلغاء الزكاة عنها -حسب ما تقدم- فيه مخالفة للمقاصد الشرعية العامة والخاصة
بيد أن هناك مسائل يختلف في تنزيلها تحت هذا المناط، ومن ذلك:
مكافأة نهاية الخدمة فمن نظر إلى أنها دين مؤجل للموظف على صاحب العمل فإنه يوجب على الموظف زكاتها كل عام والأقرب عدم وجوب الزكاة لا لأجل التأجيل، وإنما لعدم استقرار الملك"
والخلاصة فى الأمر هو :
أنه لا زكاة فى مال الديون غير المقبوض والزكاة فيه إذا قبض وبلغ معه المال الأخر للفرد أو للمؤسسة نصاب الزكاة
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3617
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر
» قراءة في كتاب تحقيق المذهب في حكم زكاة العنب
» نقد كتاب الدين والعلم
» نقد كتاب الإنسان الجامع مولانا جلال الدين
» قراءة فى كتاب مفهوم الدين في الاصطلاح الإسلامي
» قراءة في كتاب تحقيق المذهب في حكم زكاة العنب
» نقد كتاب الدين والعلم
» نقد كتاب الإنسان الجامع مولانا جلال الدين
» قراءة فى كتاب مفهوم الدين في الاصطلاح الإسلامي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى