نقد كتاب القلوب
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب القلوب
نقد كتاب القلوب
الكتاب هو محاضرة ألقاها صالح بن عواد المغامسي وهو يدور حول القلوب وفى مقدمته قال :
"أما بعد...فيا أيها المؤمنون ما أصلح الإنسان من نفسه شيئا أعظم من قلبه ، ولا التمس طريقا اجل من رضوان ربه ، ولا التمس كتابا اصدق من كتاب الله ولا هديا ابلغ من هدي محمد (ص)..."
وفى الوقفة الأولى معرفة الخالق بين المغامسى أن الدعوة بنيت على أساس التفرقة بين الله وبين آلهة الكفار المزعومة ومن ثم المسلم يملأ قلبه بالله والكافر يملأ قلبه بغير الله و هو ما قاله المغامسى هنا:
"الوقفة الأولى:- معرفة الخالق - جل جلاله -
أيها المؤمنون يقوم القرآن على قاعدة عظيمة يراد إيصالها لمن يقرؤه ألا وهي أن النبي (ص)خاصمه الملأ من قريش فيما أنزل إليه وفي دعواه للنبوة ، وفي أنهم كانت لهم آلهة يعبدونها من دون الرب -تبارك وتعالى- يفيئون إليها ويعكفون عليها وهذه القاعدة التي تبناها القرآن أن الفصل بيننا وبينكم أي بين من ينتسبون إلى القرآن وبين هؤلاء الوثنيين من اثبت أن هناك خالقا غير الله فليعبده ، هذا من قواطع الدين لا احد يخلق إلا الرب -تبارك وتعالى- قال الله : {هل من خالق غير الله، وقال - جل جلاله - : {فتبارك الله أحسن الخالقين}، وقال : {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}وهذا المبدأ العظيم يبدأ الإنسان به حياته كلها وهو يسير على نهج صراط الله المستقيم ، ذلك أن المرء إذا استقر في قلبه وذهنه أن الله هو خالقه ، هو رازقه ، هو المنعم عليه ، لم يقع في قلبه -إن كان على الفطرة- أن يصرف عبادة أو طاعة أو أمرا أمره الله أن لا يصرف إلا له -تبارك وتعالى- ، ومن هنا يأتي مسألة إن القلوب أوعية ، إما أن تملأ بحب الله وتعظيمه وإجلاله -تبارك وتعالى- ؛ لأنه هو الخلاق العظيم ، وإما أن تملأ بغيره ، ولن تملأ بهذه الأمر حتى يستقر في القلوب يستقر في العقول أن الله وحده هو الخلاق ، والمؤمن إذا أراد أن يقرأ القرآن فليقرأ تلك الآيات التي يثني الله -تبارك وتعالى- فيها على نفسه ويمجد الله - جل جلاله - فيها على ذاته العلية ، يقرأ تلك الآيات التي تنطق بشواهد الوحدانية ودلائل الربوبية ، إن الإنسان لا يمكن أن يأتي طاعة ولا أن يحجم عن معصية ولن يقع في قلبه تعظيم الله بل إن الطاعة لا يكون لها اثر والبعد عن المعصية لا يكون له اثر إن لم يقع في القلب تعظيم الرب –تبارك وتعالى- ، الله ما أراد من عباده شيئا أعظم من أن يعظموه ، وما أنزل القران وما بعث الرسل إلا لشيء واحد كل شيء يندرج فيه ألا وهو أن يعرف بالرب -تبارك وتعالى- ، وأعظم التعريف برب العالمين - جل جلاله - توحيده -تبارك وتعالى- فما توحيده إلا ناجم عن المعرفة الحقة به ولهذا قال الأخيار من قبلنا :- (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) ، ولما أراد النبي (ص)أن يملي في سؤاله لأبي:- ((أي آية في القران أعظم)) ، قال أبي:- {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}قال (ص):- ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) لأن هذه الآية فيها شواهد الربوبية ودلائل الوحدانية وكمال الأسماء والصفات لرب العالمين -جل جلاله- ، الله عظيم ولا احد أعظم من الله ، والله رحيم ولا احد ارحم من الله ، والله معط ولا يمنع احد ما أعطاه الله ، والله يمنع ولا يعطي احد ما منعه الله "
والخطأ الأول فى السطور الأخيرة هو أن أعظم التعريف برب العالمين توحيده وقطعا الله ذات واحدة لا يمكن أن تعرف بالتوحيد فقط وإنما بكل كمال قاله الله عه نفسه
والثانى أن ما يسمونها آية الكرٍى أعظم آيات القرآن والقرآن كله عظيم كما قال تعالى " ولقد أتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم" كما أن ألاية تكررت بألفاظ أخرى فى سور أخرى وبنفس اللفظ فى الرواية تكررن فى أول سورة آل عمران وفى آيات مثل:
"الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" و"الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" و"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون"
ثم قال المغامسى:
" ولن يصل احد إلى ما عند الله من النعيم والفضل حتى يستقر في قلبه أولا انه لا احد أعظم من الله بل لا احد مثله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}صدر الله آية الكرسي بقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}لفظ الجلالة {الله} علم على الرب -تبارك و تعالى- حتى من نازعوا الله في ربوبيته ، وجادلوا الله في إلوهيته ، لم يجرؤ احد منهم صرف بقدرة الله أن يتسمى بهذا الاسم فهو علم الأعلام على الملك العلام - جل جلاله - قال الله يذكر أدب ملائكته ويختم بقوله: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا - رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا وهذا استفهام في مقام الإنكار أي لا احد مثل الله أبدا ، ولن تعبد الله حق العبودية حتى يستقر في قلبك أولا أنه لا أحد مثل الرب -تبارك وتعالى- قال الله: {هل تعلم له سميا} ، ثم ذكر الله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وهو الحي حين لا حي ، والحي يحيي الموتى ، وهو -تبارك وتعالى- حي حياة لم يسبقها زوال ولا يلحقها عدم ، وكل أحد غيره حياته سبقها زوال و بعضها يلحقها العدم إلا من كتب الله له الخلود ، فحياة ربنا حياة تليق بجلاله وعظمته لم يسبقها زوال ولم يلحقها عدم ،وحتى يستقر هذا المفهوم الذي حررناه من دلائل معرفة الله أن ترى النقص في نفسك وفي الخلق يدلك على الكمال في الخالق ، وهذا من أعظم ما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة ، النقص في الخلق يدل على الكمال في الخالق ، نبينا (ص)كان نور النبوة يملأ وجهه (ص)في يوم أحد شج رأسه ، وكسرت رباعيته ودخل المغفر في وجنتيه سال الدم على وجهه والله قادر على أن يحفظ نبيه من كل هذا لكن الناس إذا رأوا النقص في وجه سيد الخلق تبين لهم أن الكمال لا يكون إلا في وجه الخالق ، فالله وحده له الاسم الأعظم وله الوجه الأكرم وله العطية الجزلى قال الله يثني على ذاته العلية: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} ،ليبين الله كمال قوته "
والأخطاء فى السطور الأخيرة هى :
ألأول أن النقص فى الخلق يدل على الكمال في الخالق وهو اتهام لله لعدم لإتقان عمله وهو ما يناقض قوله تعالى :
" صنع الله الذى أتقن كل شىء"
وقال فى إحسانه الخلق :
"الذى أحسن كل شىء خلقه"
الثانى وصول الأذى لجسم النبى(ص) وهو ما يخالف عصمته من أذى الناس كما قل تعالى " والله يعصمك من الناس" ثم قال :
"ولما ساوى القرشيون الأوثان بربهم عابهم الله بقوله: {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}وحتى يتأكد هذا المفهوم العظيم في نفس كل مؤمن ، جاءت بعض آيات القرآن تعرف بالرحيم الرحمن - جل جلاله - تدلل على كمال ربوبيته وعظيم وحدانيته ، يأتي الملأ من عباده يدخلون البحر وقد خلفوا في معابدهم أوثانا وأصناما كانوا ذات يوم يعكفون عليها ، فإذا مسهم الضر في البحر نسوا تلك الآلهة ولجأوا إلى الله ، فلما نجاهم بلطفه ورحمته إلى البر نسوا ربهم وعادوا إلى ألهتهم ، فخاطبهم الله بقوله إن قلوبهم بين يديه فالله قادر على أن يخسف بهم جانب البر لأن خرجهم من البحر خروج من الغرق لكنه ليس خروجا من سلطان الله فله البر والبحر ، ثم يبين الله عظيم قدرته ، الله قادر على أن يقنعهم يملي في قلوبهم أن يعودوا إلى البحر مرة أخرى ، فإذا عادوا للبحر مرة أخرى نكل الله بهم: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا - أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا - أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا" هذه الآيات يقرأها المؤمن وهو يتأمل عظيم وجلال ربه -تبارك وتعالى- ، يخسف القمر وأنا لا أريد أن أحدث حديث ترتيب ولا حديث بيان ولا بلاغة ولا فصاحة كل لفظة تؤدي إلى أن تعرف عظمة الله أنعم بها من لفظة ، وكل لفظ لا يؤدي إلى أن نعرف عظمة الله فلا أنطقنا الله به ، فنقول إن الإنسان يرى في خسوف القمر كمال وحدانية ربه وجلال قدرته ، فالناس إذا ضربت الجمال ضربته بالقمر فيخسف ليبين الله لك النقص في مخلوقاته حتى يتبين لك عظيم قدرة وجلال صنعته وانه وحده -تبارك وتعالى- مالك الملك قال الله -تبارك وتعالى- : {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا - وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن} ثم قال الله :- {ونخوفهم} وبهذه الآية يخاطب كل احد ، فمن وجد في آيات الله ما يخوفه فقد فاز وساد وأما بعدها فأن الله يقول {ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}"
فى الوقفة الثانية طالب المغامسى مستمعيه بتدبر آيات الله ومعرفة قدرته فقال:
"الوقفة الثانية : التدبر في آيات الله وقدرته
ثم قال -جل قدره- : {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، فما الشمس والقمر إلا آيات من آيات الله ، تجري بقضائه وقدره تجري لحكمة اقتضتها مشيئته وحكمته وإرادته قال سبحانه يبين إذعانها لأمره وانقيادها لمشيئته قال -جل ذكره- : {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم - لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} ، وقبله ما قال : {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} ثم يبين بعد ذكر هذه الآيات قال –سبحانه- : {ألا له الخلق والأمر} واللام هنا لام الملك :الملك المطلق الذي لا يكون إلا لله ثم قال : {الخلق والأمر} ، ففصل بينهما بواو العطف والواو في اللغة الأصل إنها تقتضي المغايرة فالخلق غير الأمر ، فالخلق المراد بها جميع المخلوقات ، وأمره كلامه -تبارك وتعالى- قال -جل ذكره- : {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا}صدقا في أخباره وعدلا في أوامره ونواهيه ، وبهذه الآية احتج الإمام احمد على المعتزلة على إن القران كلام الله منزل وغير مخلوق بقول الله : {ألا له الخلق والأمر} ، فان الله فرق ما بين الخلق وبين الأمر فالقران كلام الله وهو أمره -تبارك وتعالى- ثم قال -سبحانه- خاتما هذه الآية التي عرف فيها بذاته وأثنى فيها على ذاته قال: {تبارك الله رب العالمين}والفعل تبارك لا يأتي منه مضارع ولا أمر يسميه علماء النحو فعل جامد أي غير متصرف ولا يقال إلا للرب -تبارك وتعالى- ، فلا يقال لأحد غير الله تبارك لأنه وحده الذي تعاظم وتقدس ومنه البركات ومنه الخير العميم كما جاء في الحديث (( والخير كله بيديك والشر ليس إليك تباركت ربنا وتعاليت )) هذه آية واحدة أخذناها ودرسناها على عجل تبين ما لله من نعوت الجلال وصفات الكمال وانه سبحانه وبحمده هو الرب الواحد الكبير المتعال ، وإلا الآيات التي بين الله فيها ما له -تبارك وتعالى- من جليل العظمة وعظيم الصفات آيات كثر عدة منثورة في القران العظيم ، كأول سورة الحديد ، وخواتيم سورة الحشر ، وأية الكرسي ، وغيرها كما في الفرقان ، وغيرها من السور "
المغامسى هنا أدخل الأمور فى بعضها فهو يتحدث عن آيات الله الدالة على قدرته وفجأة خرج عن الموضوع ليكلمنا على موضوع خلق القرآن والمفترض أن يسير على نهج كلامه فى آيات القدرة لأن هذا يشوش على المستمع أو القارىء فينشغل بالموضوع الثانى عن الأول ثم قال:
"والمقصود من هذا جملة انه حتى توجل القلوب من الله لابد أن يكون هناك علم بالله ولهذا قال السلف: (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) وقال (ص)((مررت ليلة أعرج بي وجبريل كالحلس البالي من خشية الله)) والذي جعل جبريل بهذا المقام او بهذه الحالة علم جبريل بربه -تبارك وتعالى- ، والإنسان كلما ازداد علما بالله وبأسمائه وصفاته كان أكثر وجلا وأعظم رجاءا واشد محبة لله ، قال سبحانه: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وجاء في الحديث (حديث داود) انه كان يقول: ((اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك)) والمقصود جملة إن معرفة الرب -تبارك وتعالى- لها على العبد من الآثار الحميدة والخصال المطلوبة والمرغوبة شرعا ما الله به عليم ، ولقد كان سلف الأمة نبينا (ص)وأصحابه لهم في هذا ارفع المقامات واجل العطايا ألحقنا الله بهم ورزقنا وإياهم حسن إتباعه ."
والفقرة الأخيرة لا دخل لها بتدير آيات الله وقدرته فهى تتحدث عن الخوف من الله نتيجة المعرفة به وليس عن قدرة الله وآياته ثم قال :
"الوقفة الثالثة :- (تحقيق التوحيد الخالص )
ثمة أمور يجعلها الإنسان وفق مداركه وهو يتعبد الله -تبارك وتعالى- ، أولها : أن تعلم إن التوفيق للطاعة أمر بيد الرب وحده قال الله : {يهدي الله لنوره من يشاء} فالتماس التوفيق في الأعمال الصالحة وفي غيرها من مطالب الدنيا المباحة إنما يكون من عند الرب -تبارك وتعالى- ، والإنسان لو وكل إلى اجتهاده وقدراته لهلك ولكن الهادي والموفق هو الرب .وأكثر ذكره في الأرض دأبا لتذكر في السماء إذا ذكرت او سل من ربك التوفيق فيها واخلص في السؤال إذا سالتا ونادي إذا سجدت به اعترافا كما ناداه ذي النون بن متى فالمقصود أن يعلم العبد في أول الأمر انه لا خير يجلب ولا شر يدفع إلا بالله ، قال العز بن عبد السلام : (والله لن يصلوا إلى شيء يبتغونه بغير الله فكيف يوصل إلى الله بغير الله) ، فإذا كان ما لا يتعلق به أجر لا ينال إلا بالله ، فكيف ما علق الله عليه الأجر ووعد الله عليه الحسنى وذكر عليه الجنان والعطايا والهبات هذا لا ينال من باب أولى إلا بتوفيق الرب -تبارك وتعالى- ، من ما يعينك على أن تستثمر الباقيات الصالحات وتأتيها أن تتذكر أحاديث للنبي (ص)أن تتذكر المحرمات على النار ، والممنوعين من دخول الجنة فما الجنة والنار؟ خلقان من مخلوقات الله يدخل الله فيهما من يشاء فإذا تذكرت من حرم الله على النار كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك أن تأتي الأعمال الصالحة ، وإذا تذكرت من حرمه الله على الجنة أو منعه الجنة كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك ان تبتعد عن تلك الأعمال ، قال (ص): ((إن الله حرم على النار أعضاء السجود)) ، فلو أن العبد وهو يسجد تذكر أن هذه الأعضاء إذا أخلصت لله وكان سجودها موافقا لشرع محمد (ص)فإنها محرمة بأمر الله على النار ، أن تتذكر قوله (ص): ((عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله))
فأما الأولى فإنها رقة القلب ولين الفؤاد واقشعرار الجلد وذروف الدمع ، ذلك من مناقب أولياء الله الصالحين ، خاصة إذا كان الأمر في الخلاء في معزل عن الناس كان ذلك إلى الله اقرب ، ومن قدر له أن يستبطن أقوال العلماء من المفسرين يجد والله ما من كلمة قالها أهل العلم من المفسرين أشد على من يقرأها من قول سفيان ابن عيينة وهو يفسر قول الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ، قال (العدل أن تستوي العلانية والسريرة ، والإحسان أن تكون سريرة المرء أعظم من علانيته) ، ودون ذلك خرط القتاد ، وانه ليسير على من يسره الله ، عليه فأمثال هذه الثلاثة أحاديث من أعظم البواعث على الأعمال الصالحة يقابلها قوله (ص)((لا يدخل الجنة عاق)) ، ((لا يدخل الجنة قاطع)) أي: قاطع رحم ، ((لا يدخل الجنة مدمن)) أي مدمن خمر ، ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) ،فهذه الأربع إذا تذكرها العبد قبل أن يأتيها ويعلم أنها ستحول بينه وبين الجنان ، لجأ إلى الله يستعصم به ويسأله -تبارك وتعالى- من هديه ونوره وانعكف على الأعمال الصالحة يتقرب بها إلى الله ودرأ عن نفسه كل ما يحول بينه وبين عذاب ربه مما يعين العبد على الأعمال الصالحة أن يعلم إن المقام يوم القيامة مقام تغابن بين العباد ولهذا قال سبحانه: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} وقد قال الخليل إبراهيم (ص) يلجأ إلى ربه ويسأله ويتضرع إليه قال {ولا تخزني يوم يبعثون - يوم لا ينفع مال ولا بنون} فتذكر الخوف من الخزي الأعظم وذل الفضيحة بين يدي الله ، من أعظم ما يعين المرء ان يأتي الأعمال الصالحة التي نعتها الله بقوله في وصفه إياها: {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} خير ثوابا من غيرها من المباحات وخير أملا أي أعظم ما يكون ذخرا للعبد يوم يلقى الله ما قدمه من عمل صالح يلقى الله به ."
العنوان الذى عنونبه الوقفة وهو التوحيد لم يذكر المغامسى عنه شىء فى كلامه كله وهو كلام دار حول التوفيق الإلهى وبعض الطاعات والخوف من الله ثم بعد ذلك تحدث عن الأعمال التى تحيا بها القلوب فقال:
"أعمال تحيى بها القلوب :-
من أعظمها الانكسار بين يدي الله في مكان لا يراك فيه احد ، هذا من أعظم ما يحيي القلوب ، الإنسان حياته البرزخية صورة مثلى لحياته في السرائر ، أو بتعبير أصح حياة السرائر صورة للحياة البرزخية ، الإنسان إذا كان في السريرة يسجد ويدعوا الله أو يقوم في مكان لا يراه فيه احد يذكر الله يعظم الله في ظلمة غرفة ، أو في ظلمة سفر ، أو في ظلمة جماعة ، أو في بيته ، أو بين أبنائه ، أو في أي مكان يعظم الله جدا في السرائر ويخشاه ويخافه ويرى في نفسه ، وذروف عين ودمع هذا غالبا منعم في قبره ، أما الذي -نسأل الله العافية- في السرائر مسرف على نفسه فهذه صورة لحياته في قبره ، إن الإنسان يبحث عن طرائق عديدة لان تحيي قلبه ، من أعظمها عدم احتقار الناس ، وأكثر من يتأمل الناس يجد فيهم حفظه فقهاء منفقين لكن -والعياذ بالله- يجد في نفسه علوا على الغير ، هذا العلو قد هو لا يصرح به ، ويقول التواضع ويذكر أمثالا وأشعارا فيه لكن الحياة اليومية في مخالطة الناس يظهر منه ، يوجد إنسان قد يركب سيارة توافق ثراه فارهة جدا لكن قلبه منكسر ، ويوجد إنسان يمشي على قدميه وفي قلبه كبر والعتو ما الله به عليم ، ومن قدر له أن يكثر من السفر والترحال ومخالطة الناس سيرى أمورا عجبا في أحوال الناس والله لا تخطر له ببال ، أنا كنت ذات يوما في فندق قبل أسبوعين في الرياض ، وفي الفندق احد الذين يحرسون الفنادق وهو يلبس بنطال ، ومصفف شعره ، وحليق اللحية ، لو قيل لك: تزكيه طرفة عين في هيئته؟ لا تزكيه ، فتأخرت في النزول لصلاة الفجر في ذلك اليوم في مصلى الفندق ، فلما نزلت وجدت بعض من نزل من أهل الفندق قد سبقني إلى الصلاة ولله الحمد وأقاموا الصلاة وصلوا وكان أكثرهم الذين نزلوا غير سعوديين ، فقدموا هذا لأنه سعودي فوالله كان يقرأ قراءة صحيحة ويغالي في البكاء ، ثم سلم فلولا إنك رأيت هذا بعينك لا تكاد تصدق ، فقد يكون ثمة عوائق حالت بينه وبين أن يصلح مظهره ، وما زال باقيا على إصلاح جوهره ، وثمة أناس قد يعانون على إصلاح الظاهر ولم يعانوا بعد على إصلاح الباطن ، والله لما ذكر يوم القيامة قال: {يوم تبلى السرائر} فالمحك عند الله وحده سريرة الإنسان ولذلك الناس تبالغ في مدح زيد أو عمر ، فلان بكاء فلان واعظ فلان فقيه فلان تالي فلان قارئ فلان ... فلان خطيب فلان مفوه فلان يرقق فلان ... فلان ولا يعلمون شيئا عن سريرته ، وقد يوجد إنسان لم ير الناس يوما دمعته وهو إذا خلا بالله في ظلمات الليل اظهر لله الرقة والانكسار والخوف والوجل والحياء من الله في كل موطن ، فلا يمكن أن يستويان عند الله لكن المقصود كما قلت عن سفيان أن العدل صلاح السريرة والعلانية والإحسان أن تكون سريرة الإنسان خير من علانيته ."
وكلام الرجل هنا ليس موافقا للعنوان وقطعا كل عمل صالح يحيى قلب صاحبه وليس الانكسار الذى طلبه المغامسى خاصة فى السر وتحدث عنه فما يحيى القلب هو الطاعة فى السر والعلن ثم حدثنا عما سماه الداء والدواء فقال:
"الداء والدواء :-
وإن من درر القول وجميل الكلام ما قال الإمام ابن القيم حتى تعلموا أن القضية قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية قال : (إن في القلوب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفي القلوب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفي القلوب نيران حسرة لا يطفئها إلا الرضا بأمر الله وقدره و قضائه ، والتزام الصبر على ذلك إلى يوم لقائه) هذه القواعد التي ذكرها الإمام ابن القيم إنما استنبطها من كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فالقلوب كما قال فيها من نيران الحسرة تريد أن ترى تريد أن تروى ظمأها فيها من الشعث تتمنى أن تجتمع فيها من الحسرة على فوات المطلوب وعلى ذهاب المرغوب ، فيها من الوحشة تريد أن تقر أعينها وتحاول هنا وهناك ، يجلس الرجل يجلس الشاب تجلس الفتاة الساعات الطوال أمام القنوات تقلبها من قناة إلى قناة ومن عرض إلى آخر فيرى وترى مرارا وتكرارا لكنه لا يشعر بان روحه قد ملئت وان قلبه قد اطمأن فيزداد ويزداد والزيادة في الشيء دليل على عدم الوصول إلى النهاية قال (ص)((ولا يملأ فم ابن آدم إلا التراب))
لكن المقبل على الله ما إن يضع جبهته على الأرض ويمكنها من التراب ، ويضع يديه ، وقدماه تنتصب ثم يدخل في التسبيح (سبحان ربي الأعلى) ، ثم يأخذ في الحمد لله -تبارك وتعالى- ويثني على الله بما هو أهله ويتذكر انه عبد لله وان الله -تبارك وتعالى- ولي نعمته وملاذه عند كربته ، ويأخذ يدعو ويناجي ويستغفر ربه إلا ويشعر بالسكينة والطمأنينة والرضا ما لو دفع إليه مال الدنيا لم يقبل به ثمنا ، فينبغي على المؤمن أن يسعى أول الأمر وآخره في إصلاح قلبه ، قال الله وان من درر القول: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وهذه القلوب أعظم أسباب أن تفيء إلى ربها أن تكون عارفة بالله فان العبد كلما كان بالله أعرف كان من الله -تبارك وتعالى- أخوف فاقرأوا القرآن كثيرا ، قفوا عند الآيات التي يعظم الله فيها ذاته العلية ويرشد فيها إلى ما له -تبارك وتعالى- من جلال الصفات وكمال النعوت قفوا عند الآيات التي فيها من توحيد الربوبية ما فيها يقول -سبحانه وتعالى- : {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}، ويقول –سبحانه- : {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا - ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا - وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا - وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا - لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا - ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا - ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا - فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا - وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا - وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا} فلما عدد آلاءه ذكر أصول الناس {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا} إلى أن قال -سبحانه وجل- ذكره: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا - قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا} ثم لما علم الناس من ربهم أرشدهم إلى أمرين أن يعبدوه ويتوكلوا عليه {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا} فهذا ربكم يعرف بذاته العلية في قرآنه ، إذا وقف المؤمن عند هذه الآيات وهي كثيرة في القرآن عندما تقوم الليل رددها بعد مرة اعد قراءتها الفينة بعد الفينة ولو تنظر في المصحف حتى يقع في قلبك أن لا اله إلا الله حقا ، فتخرج من مكانك وتقوم من مقامك وليس هناك احد أحب إليك من الله فإذا خرجت إلى أهل الدنيا علمت أن ما عند الله -تبارك وتعالى- خير وأبقى من عند أهل الدنيا تسمع كلمة الضر فلا تلقي لها بالا ، وتسمع كلمات النفع فلا تتعلق بها لأنك تعلم أن لا اله إلا الله حقا ."
ركز المغامسى هنا على أن القضية قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية والحقيقة أن القضية قلبية ومسلكية فى نفس الوقت فلا ينفع إيمان بلا سلوك صالح كما لا ينفع سلوك صالح بلا إيمان قلبى ولذا ربط الله بين الاثنين ربطا لا ينفك حتى لام المؤمنين على عدم السلوك مع القول وهو الإيمان فقال :
"لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
ثم حدثنا عن الشوق والحنين فتحدث عن حكاية من الحكايات التى تروى عن الرسل(ص) فقال :
"شوق وحنين :-
مما لا ارتياب فيه في سنن الله في خلقه أن الأمور يذكر بعضها ببعض فان يعقوب - عليه السلام - لما فقد بنيامين تذكر يوسف ، لما اخبره أبناؤه بأن بنيامين فقد تذكر يوسف ، وهذا أمر لا أظن أحدا يعارض فيه ومقصود الحديث هنا الغاية من إيراد هذا أن تعلم أن ثمة أمور وقعت في الأيام النضرة والسيرة العطرة لرسونا (ص)يذكر بعضها ببعض ثم سنحورها إلى تذكرة الآخرة ، أما ما ورد في السنة فان نبينا (ص)مر على قبر ثم اخذ يبكي فسأله الصحابة لماذا بكيت ؟ قال: ((هذا قبر أمي آمنة بن وهب وإنني استأذنت ربي أن أزورها فأذن لي واستأذنته أن استغفر لها فلم يأذن لي)) ، فلما زار قبرها (ص) تذكر رقة أمه أيام طفولته الأولى عليه
وذو الشوق القديم وان تعزى مشوق حين يلقى العاشقينا وهذا أمر يوافق الفطرة تذكر (ص)أيام رقة أمه عليه وهو صبي صغير يدرج في بيتها فأدركته الرقة عليها فبكى (ص) ، هذا كله كما بينت مما لا اختلاف بين الناس فيه ، لكن ما علاقة هذا بالآخرة ؟ علاقة هذا انه ما من شوق في القلوب أعظم من الشوق إلى لقاء الله -تبارك وتعالى- والنبي (ص)في آخر حياته أو في اللحظات الأخيرة قبل حلول اجله خير ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنة ، وما بين لقاء الله ثم الجنة ، فاختار لقاء الله ثم الجنة فسمعته عائشة وهو يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} "
فى الفقرة أخطاء عدة هى:
الوا كون اسم أخو يوسف(ص) الشقيق بنيامين وهو ما لم يرد فى الوحى
الثانى حكاية زيارة النبى(ص) لقبر أمه وهو كلام ليس معقور فالمعروف أن الرجل لم يزر مكة سوى فى عمرة القضاء وفى فتح مكة ولم يرد أنه زار أحد فيهما فمتى زار القبر فى مكة وهو لم يزرها إلا مرتين بعد هجرته؟
الثالث تخيير النبى(ص) بين الخلد في الدنيا ثم الجنة ، وما بين لقاء الله ثم الجنة فالموت لا تخيير فيه لأحد وقد لام الله نبيه (ص) على حديثه نفسه عن الخلد الدنيوى فقال"وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون"
ثم قال :
"المؤمن تمر به في حياته أشياء كثيرة في مدرج حياته اليومية ينبغي عليه كلما عظم إيمانه وكمل يقينه أن يربطها بالآخرة ، فالمؤمن كلما رأى ازدحاما على أبواب سواء على أبواب مساجد أو أبواب غيرها يتذكر ازدحام المؤمنين على أبواب الجنة فيسال الله أن يكون ممن يتنافس على ذلك الزحام ، فان النبي (ص)أخبر أن ما بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليها يوم وهي كضيض من الزحام"
والخطأ أن مصاريع الجنة مسيرة 40 سنة وهو يخالف أن المسافة لا تقاس بالزمن وإنما تقاس بالأطوال المكانية كالميل والذراع والفرسخ كما أن مسيرة الأربعين تختلف من وسيلة لأخرى فالسير على الأقدام سرعته أقل من سرعة الخيل المركوبة وهى غير سرعة الحمير غير البغال كما أن ليس هناك سنين فى الأخرة لعدم وجود ليل أو نهار ووجود سنين متعددة منها السنة الإلهية والسنة الأرضية فأيها تحدث عنه القائل ؟
ثم قال :
"المؤمن كلما صام يوما وافطر وفرح أن الله أعانه على انه أكمل ذلك اليوم حتى غابت الشمس وافطر تذكر فرحه أن الله يثبته على دينه حتى تغيب شمسه هو ، وتفنى أيامه وتقضى أعوامه وتقوض خيامه ويلقى الله ، قال (ص)((للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه)) .
المؤمن كلما حياه احد بتحية الإسلام تذكر الكلمة التي ترقبها أسماع المؤمنين قال الله -تبارك وتعالى- : {ادخلوها بسلام آمنين، وقال : {سلام قولا من رب رحيم} ، فهي كلمة لا تحن أسماع المؤمنين إلى شيء أعظم منها بلغنا الله وإياكم ."
وفى أخر الوقفات حدثنا عن عرض القلب على القرآن فقال:
"الوقفة الأخيرة :- اعرض قلبك على القران .
قيل إن أبا حازم سأله احد خلفاء بني أمية عن حاله فقال: يا أمير المؤمنين اعرض نفسك على القران، قال وأين أجد هذا، قال: في قول الله: { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } ، يقول عمر : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ، ويقول: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل) والسير إلى الله سير كادح ذو مشقة قال الله: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} وقال وهو اصدق القائلين: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} فالوقوف بين يدي أمر وحتم لازم لا محيد عنه ، والسير على طريق الله يحتاج في أول الأمر ومنتهاه إلى توفيق من الرب -تبارك وتعالى- "
والحكايات لا تفيد فى الدين طالما من خارج الوحى فالمعروض هو العمل على كلام الله ومن ضمن العمل ما يدور فى القلوب وبعد ذلك أوصانا المغامسى بوصايا هى:
"وهذه بعض الوصايا فيما يعينك على أن تصل إلى ربك على النحو الذي أراد والوجه الذي أتم :-
1- الأمر الأول: لا تقدم على رضوان الله رضوان احد كائن من كان فالله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .
2- الأمر الثاني: كل شيء أمر بالمسابقة إليه فسابق إليه ، فان الله لا يدلك إلا على الخير ولا يحثك إلا على ما يقربك اليه ، لكن افعله وأنت محتسب لما تصنع ، وأنت تسير الخطوات إلى المسجد تذكر يوم يسير الخلق إلى ربهم ، وأنت تمشي في الظلمات تذكر يوم تعطى النور التام برحمة الله يوم القيامة ، وأنت تقف بين يدي الله في المسجد تأكد أن هناك ساعة ويوما ستقف بين يدي الله يوم العرض الأكبر ، وأنت تركع لربك وتسجد المنة لله عليك أن جعلك تركع له وتسجد وليست لك المنة على الله ، واعلم يا أخي انه كم من لله من عبد صالح في السموات والأرض خاضع لربه وليس لك وأنت راكع أو ساجد احد يجيرك ولا يعينك ولا يهديك إلا ربك -تبارك وتعالى- ، قل في سجودك وأنت تسجد اللهم كم من عبد لك صالح في السماء والأرض يسجد لك ويرجوك ويعبدك وليس لي رب غيرك ولا إله سواك اسأله وارجوه ، فإذا أظهرت لله فقرك وحاجتك وإلحاحك على ربك رأيت من الله فضلا كبيرا .
3- الوصية الثالثة: كل من استدام على أمر في الغالب انه يموت عليه ، كل من استدام على طاعة في الغالب انه يموت عليها ، وهذا ما يسمى بحسن الخواتيم ، والناس إذا رأوا زيدا أو عمرا من الناس على طاعة ظنوا به خيرا ، وإذا رأوه على معصية ظنوا به سوءا والله وحده من يعلم ما في سريرة هذا العبد والله لا يظلم أحدا مثقال ذرة فيكافئه بان يميته على نحو -إن كانت سريرته حسنة- يكون حسن اللقاء لربه فيقبل على الله -تبارك وتعالى- في لحظات يكون فيها قريبا من ربه ، من كره لقاء الله كره الله لقاءه ، على الإنسان يحتاط لنفسه وهو يرى خواتيم الخلق ، فإنك لا تدري ولو رأيت ظاهر الأمر انه حسن ، أو ظاهر الأمر انه سيء تبقى شهادتك معلقة بما ترى ، أما السرائر فأمرها إلى الله ، وسأذكر لك خبرا افتراضيا في أن السرائر ولو انتهت بالخواتيم لا يعلمها إلا الله وفي بعض أحوال الناس التي تقع ولو كانت أمورا قد يأنف منها أهل العلم والبلاغة لكن قد يكون هيها إظهارا لما يمكن أن يطوى عن الإنسان من خبر ، أعرف رجلا خرج ذات مرة مع قرابة له منهم بعض الأيتام فوصل إلى منطقة سياحية في بلادنا فيها ما يسمى بـ(التلفريك) ، وهو يأنف أن يركبه أو أن يحمل عليه لكن من حوله من الصغار أصروا عليه أن يكون معهم فأراد أن يجبر لهم كسرا فركب معهم ، فركب معهم وهو أصلا لا يحب المواطن العالية ، وفي نفس الوقت أراد أن يتعبد الله في هذا المكان ، فصلى ركعتين منذ أن ركب إلى أن نزل ، أين موضع الشاهد في القصة ؟ الرجل لم يمت اعرفه إلى الآن حي يرزق ، أين موضع الشاهد في القصة ؟ هذا يعلمك ويؤدبك أن كنت تعقل ، وأنت تعقل ، كيف يؤدبك ويعلمك هذا الرجل عندما ركب إلى أن نزل وهو يصلي ، فلو قدرنا فرضا أن هذا المركب سقط ، وغالب الظن أن من يسقط من هذا العلو يموت ، بالله عليك ماذا سيقول الناس ؟ سيقولون أن فلانا مات في حديقة ملهى ،سقط من مركب كذا وكذا ومات ، لان أحدا من الناس لا يعلم ولا يدري انه كان يصلي ، الآن تأمل كم من عبد صالح مات وأنت تسيء به الظن وهو عند الله حسن ، وهذا يعلمك أن العبرة كل العبرة بسريرتك مع الله لهذا قال الله: {يوم تبلى السرائر} ومن هنا تعلم إن من رحمة الله أن الله لم يجعل الجنة بيد أحد من خلقه ، وعلى هذا أيها المبارك وهذا تيسير لمفاهيم الدين إذا عملت واجتهدت كثيرا أن يكون لله فلا تبال بأي احد من الخلق علمه أو لم يعلمه لأن الذي وحده يقدر على أن يكافئك علمه وكفى بعلم الله علما وكفى بثواب الله ثوابا ، فبالله عليك رجل صلى ركعتين فعلم الله منه صدق نيته واعد الله له ذلك نزلا عظيما في جنته ما الذي سينفعه الناس لو علموا عنه ذلك ؟ لن ينفعوه بشيء فخير له أن لا يعلم الناس عنه ، لكن المثل الذي قلته في الأول أردت به شيئا واحدا ، أن لا يكون في لسانك مسارعة إلى القدح في الناس على أي حال رايتها ، إنما ترجوا لمن غلبت عليه الطاعة الجنة ، ولمن غلبت عليه المعصية تخش عليه من النار ، أما الخلق فسرائرهم إلى رب العزة والجلال {إن إلينا إيابهم - ثم إن علينا حسابهم} الله وحده يتولى محاسبة خلقه وهو القيوم عليهم تبارك وتعالى ، وكلهم فقراء إليه ، فحسبك أيها المبارك أن توطن نفسك على أن تكثر من أعمال السرائر التي هي خافية على الناس وهي عند الله بواد ظاهرة فالله لا رب غيره ولا إله سواه ، القلوب له مفضية والسرائر عنده علانية ، وحده -تبارك وتعالى- يقدم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله ، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله ، وحتى تكون هناك أعمال سرائر في الخلاء ، لابد أن يكون في القلب تعظيم لرب العزة والجلال لا بدان يكون هناك علم بالله وهذا ينجم عن تدبر القران وتلاوة آياته ، الله يقول: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد - ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } فكلها تذكر الإنسان سعة رحمة الله ازداد أملا في دخول جنته ، وكلما تذكر الإنسان عظيم قدرة الله وان له مواطن سخط وغضب خاف من ناره ، فإذا تذكر ما لله من صفات الجلال والجمال والكمال زاد حبا لربه -تبارك وتعالى- ومن جمع هذه الثلاث: حب الله ، والخوف منه ، والرجاء فيما عنده ، وقف على صراط مستقيم ."
قطعا الكلام عن الخواتيم وحسنها هو كلام يوجد فيه فهم خطأ من الناس فحسن الخاتمة هو أن تموت وأنت تعمل صالحا مخلصا فيه لله وليس أن تموت ميتة سيئة فلو كان ألأمر كذلك لدخل الشهداء كلهم النار لأنهم يموتون ميتة سيئة حيث تقطع أجسادهم أو تضرب بالنار أو تحرق أو غير هذا
ميتة السوء هى وأنت تموت على معصية متعمدا لها ومن ثم حسن الخاتمة أى الميتة الحسنة أن تموت وأنت طائع مخلص لله ولو كنت محروقا أو مدوهسا تحت سيارة أو غير ذلك مما يصفه الناس بأنه ميتة سوء أو ميتة شنيعة
الكتاب هو محاضرة ألقاها صالح بن عواد المغامسي وهو يدور حول القلوب وفى مقدمته قال :
"أما بعد...فيا أيها المؤمنون ما أصلح الإنسان من نفسه شيئا أعظم من قلبه ، ولا التمس طريقا اجل من رضوان ربه ، ولا التمس كتابا اصدق من كتاب الله ولا هديا ابلغ من هدي محمد (ص)..."
وفى الوقفة الأولى معرفة الخالق بين المغامسى أن الدعوة بنيت على أساس التفرقة بين الله وبين آلهة الكفار المزعومة ومن ثم المسلم يملأ قلبه بالله والكافر يملأ قلبه بغير الله و هو ما قاله المغامسى هنا:
"الوقفة الأولى:- معرفة الخالق - جل جلاله -
أيها المؤمنون يقوم القرآن على قاعدة عظيمة يراد إيصالها لمن يقرؤه ألا وهي أن النبي (ص)خاصمه الملأ من قريش فيما أنزل إليه وفي دعواه للنبوة ، وفي أنهم كانت لهم آلهة يعبدونها من دون الرب -تبارك وتعالى- يفيئون إليها ويعكفون عليها وهذه القاعدة التي تبناها القرآن أن الفصل بيننا وبينكم أي بين من ينتسبون إلى القرآن وبين هؤلاء الوثنيين من اثبت أن هناك خالقا غير الله فليعبده ، هذا من قواطع الدين لا احد يخلق إلا الرب -تبارك وتعالى- قال الله : {هل من خالق غير الله، وقال - جل جلاله - : {فتبارك الله أحسن الخالقين}، وقال : {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}وهذا المبدأ العظيم يبدأ الإنسان به حياته كلها وهو يسير على نهج صراط الله المستقيم ، ذلك أن المرء إذا استقر في قلبه وذهنه أن الله هو خالقه ، هو رازقه ، هو المنعم عليه ، لم يقع في قلبه -إن كان على الفطرة- أن يصرف عبادة أو طاعة أو أمرا أمره الله أن لا يصرف إلا له -تبارك وتعالى- ، ومن هنا يأتي مسألة إن القلوب أوعية ، إما أن تملأ بحب الله وتعظيمه وإجلاله -تبارك وتعالى- ؛ لأنه هو الخلاق العظيم ، وإما أن تملأ بغيره ، ولن تملأ بهذه الأمر حتى يستقر في القلوب يستقر في العقول أن الله وحده هو الخلاق ، والمؤمن إذا أراد أن يقرأ القرآن فليقرأ تلك الآيات التي يثني الله -تبارك وتعالى- فيها على نفسه ويمجد الله - جل جلاله - فيها على ذاته العلية ، يقرأ تلك الآيات التي تنطق بشواهد الوحدانية ودلائل الربوبية ، إن الإنسان لا يمكن أن يأتي طاعة ولا أن يحجم عن معصية ولن يقع في قلبه تعظيم الله بل إن الطاعة لا يكون لها اثر والبعد عن المعصية لا يكون له اثر إن لم يقع في القلب تعظيم الرب –تبارك وتعالى- ، الله ما أراد من عباده شيئا أعظم من أن يعظموه ، وما أنزل القران وما بعث الرسل إلا لشيء واحد كل شيء يندرج فيه ألا وهو أن يعرف بالرب -تبارك وتعالى- ، وأعظم التعريف برب العالمين - جل جلاله - توحيده -تبارك وتعالى- فما توحيده إلا ناجم عن المعرفة الحقة به ولهذا قال الأخيار من قبلنا :- (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) ، ولما أراد النبي (ص)أن يملي في سؤاله لأبي:- ((أي آية في القران أعظم)) ، قال أبي:- {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}قال (ص):- ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) لأن هذه الآية فيها شواهد الربوبية ودلائل الوحدانية وكمال الأسماء والصفات لرب العالمين -جل جلاله- ، الله عظيم ولا احد أعظم من الله ، والله رحيم ولا احد ارحم من الله ، والله معط ولا يمنع احد ما أعطاه الله ، والله يمنع ولا يعطي احد ما منعه الله "
والخطأ الأول فى السطور الأخيرة هو أن أعظم التعريف برب العالمين توحيده وقطعا الله ذات واحدة لا يمكن أن تعرف بالتوحيد فقط وإنما بكل كمال قاله الله عه نفسه
والثانى أن ما يسمونها آية الكرٍى أعظم آيات القرآن والقرآن كله عظيم كما قال تعالى " ولقد أتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم" كما أن ألاية تكررت بألفاظ أخرى فى سور أخرى وبنفس اللفظ فى الرواية تكررن فى أول سورة آل عمران وفى آيات مثل:
"الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" و"الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" و"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون"
ثم قال المغامسى:
" ولن يصل احد إلى ما عند الله من النعيم والفضل حتى يستقر في قلبه أولا انه لا احد أعظم من الله بل لا احد مثله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}صدر الله آية الكرسي بقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}لفظ الجلالة {الله} علم على الرب -تبارك و تعالى- حتى من نازعوا الله في ربوبيته ، وجادلوا الله في إلوهيته ، لم يجرؤ احد منهم صرف بقدرة الله أن يتسمى بهذا الاسم فهو علم الأعلام على الملك العلام - جل جلاله - قال الله يذكر أدب ملائكته ويختم بقوله: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا - رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا وهذا استفهام في مقام الإنكار أي لا احد مثل الله أبدا ، ولن تعبد الله حق العبودية حتى يستقر في قلبك أولا أنه لا أحد مثل الرب -تبارك وتعالى- قال الله: {هل تعلم له سميا} ، ثم ذكر الله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وهو الحي حين لا حي ، والحي يحيي الموتى ، وهو -تبارك وتعالى- حي حياة لم يسبقها زوال ولا يلحقها عدم ، وكل أحد غيره حياته سبقها زوال و بعضها يلحقها العدم إلا من كتب الله له الخلود ، فحياة ربنا حياة تليق بجلاله وعظمته لم يسبقها زوال ولم يلحقها عدم ،وحتى يستقر هذا المفهوم الذي حررناه من دلائل معرفة الله أن ترى النقص في نفسك وفي الخلق يدلك على الكمال في الخالق ، وهذا من أعظم ما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة ، النقص في الخلق يدل على الكمال في الخالق ، نبينا (ص)كان نور النبوة يملأ وجهه (ص)في يوم أحد شج رأسه ، وكسرت رباعيته ودخل المغفر في وجنتيه سال الدم على وجهه والله قادر على أن يحفظ نبيه من كل هذا لكن الناس إذا رأوا النقص في وجه سيد الخلق تبين لهم أن الكمال لا يكون إلا في وجه الخالق ، فالله وحده له الاسم الأعظم وله الوجه الأكرم وله العطية الجزلى قال الله يثني على ذاته العلية: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} ،ليبين الله كمال قوته "
والأخطاء فى السطور الأخيرة هى :
ألأول أن النقص فى الخلق يدل على الكمال في الخالق وهو اتهام لله لعدم لإتقان عمله وهو ما يناقض قوله تعالى :
" صنع الله الذى أتقن كل شىء"
وقال فى إحسانه الخلق :
"الذى أحسن كل شىء خلقه"
الثانى وصول الأذى لجسم النبى(ص) وهو ما يخالف عصمته من أذى الناس كما قل تعالى " والله يعصمك من الناس" ثم قال :
"ولما ساوى القرشيون الأوثان بربهم عابهم الله بقوله: {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}وحتى يتأكد هذا المفهوم العظيم في نفس كل مؤمن ، جاءت بعض آيات القرآن تعرف بالرحيم الرحمن - جل جلاله - تدلل على كمال ربوبيته وعظيم وحدانيته ، يأتي الملأ من عباده يدخلون البحر وقد خلفوا في معابدهم أوثانا وأصناما كانوا ذات يوم يعكفون عليها ، فإذا مسهم الضر في البحر نسوا تلك الآلهة ولجأوا إلى الله ، فلما نجاهم بلطفه ورحمته إلى البر نسوا ربهم وعادوا إلى ألهتهم ، فخاطبهم الله بقوله إن قلوبهم بين يديه فالله قادر على أن يخسف بهم جانب البر لأن خرجهم من البحر خروج من الغرق لكنه ليس خروجا من سلطان الله فله البر والبحر ، ثم يبين الله عظيم قدرته ، الله قادر على أن يقنعهم يملي في قلوبهم أن يعودوا إلى البحر مرة أخرى ، فإذا عادوا للبحر مرة أخرى نكل الله بهم: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا - أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا - أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا" هذه الآيات يقرأها المؤمن وهو يتأمل عظيم وجلال ربه -تبارك وتعالى- ، يخسف القمر وأنا لا أريد أن أحدث حديث ترتيب ولا حديث بيان ولا بلاغة ولا فصاحة كل لفظة تؤدي إلى أن تعرف عظمة الله أنعم بها من لفظة ، وكل لفظ لا يؤدي إلى أن نعرف عظمة الله فلا أنطقنا الله به ، فنقول إن الإنسان يرى في خسوف القمر كمال وحدانية ربه وجلال قدرته ، فالناس إذا ضربت الجمال ضربته بالقمر فيخسف ليبين الله لك النقص في مخلوقاته حتى يتبين لك عظيم قدرة وجلال صنعته وانه وحده -تبارك وتعالى- مالك الملك قال الله -تبارك وتعالى- : {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا - وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن} ثم قال الله :- {ونخوفهم} وبهذه الآية يخاطب كل احد ، فمن وجد في آيات الله ما يخوفه فقد فاز وساد وأما بعدها فأن الله يقول {ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}"
فى الوقفة الثانية طالب المغامسى مستمعيه بتدبر آيات الله ومعرفة قدرته فقال:
"الوقفة الثانية : التدبر في آيات الله وقدرته
ثم قال -جل قدره- : {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، فما الشمس والقمر إلا آيات من آيات الله ، تجري بقضائه وقدره تجري لحكمة اقتضتها مشيئته وحكمته وإرادته قال سبحانه يبين إذعانها لأمره وانقيادها لمشيئته قال -جل ذكره- : {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم - لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} ، وقبله ما قال : {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} ثم يبين بعد ذكر هذه الآيات قال –سبحانه- : {ألا له الخلق والأمر} واللام هنا لام الملك :الملك المطلق الذي لا يكون إلا لله ثم قال : {الخلق والأمر} ، ففصل بينهما بواو العطف والواو في اللغة الأصل إنها تقتضي المغايرة فالخلق غير الأمر ، فالخلق المراد بها جميع المخلوقات ، وأمره كلامه -تبارك وتعالى- قال -جل ذكره- : {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا}صدقا في أخباره وعدلا في أوامره ونواهيه ، وبهذه الآية احتج الإمام احمد على المعتزلة على إن القران كلام الله منزل وغير مخلوق بقول الله : {ألا له الخلق والأمر} ، فان الله فرق ما بين الخلق وبين الأمر فالقران كلام الله وهو أمره -تبارك وتعالى- ثم قال -سبحانه- خاتما هذه الآية التي عرف فيها بذاته وأثنى فيها على ذاته قال: {تبارك الله رب العالمين}والفعل تبارك لا يأتي منه مضارع ولا أمر يسميه علماء النحو فعل جامد أي غير متصرف ولا يقال إلا للرب -تبارك وتعالى- ، فلا يقال لأحد غير الله تبارك لأنه وحده الذي تعاظم وتقدس ومنه البركات ومنه الخير العميم كما جاء في الحديث (( والخير كله بيديك والشر ليس إليك تباركت ربنا وتعاليت )) هذه آية واحدة أخذناها ودرسناها على عجل تبين ما لله من نعوت الجلال وصفات الكمال وانه سبحانه وبحمده هو الرب الواحد الكبير المتعال ، وإلا الآيات التي بين الله فيها ما له -تبارك وتعالى- من جليل العظمة وعظيم الصفات آيات كثر عدة منثورة في القران العظيم ، كأول سورة الحديد ، وخواتيم سورة الحشر ، وأية الكرسي ، وغيرها كما في الفرقان ، وغيرها من السور "
المغامسى هنا أدخل الأمور فى بعضها فهو يتحدث عن آيات الله الدالة على قدرته وفجأة خرج عن الموضوع ليكلمنا على موضوع خلق القرآن والمفترض أن يسير على نهج كلامه فى آيات القدرة لأن هذا يشوش على المستمع أو القارىء فينشغل بالموضوع الثانى عن الأول ثم قال:
"والمقصود من هذا جملة انه حتى توجل القلوب من الله لابد أن يكون هناك علم بالله ولهذا قال السلف: (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) وقال (ص)((مررت ليلة أعرج بي وجبريل كالحلس البالي من خشية الله)) والذي جعل جبريل بهذا المقام او بهذه الحالة علم جبريل بربه -تبارك وتعالى- ، والإنسان كلما ازداد علما بالله وبأسمائه وصفاته كان أكثر وجلا وأعظم رجاءا واشد محبة لله ، قال سبحانه: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وجاء في الحديث (حديث داود) انه كان يقول: ((اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك)) والمقصود جملة إن معرفة الرب -تبارك وتعالى- لها على العبد من الآثار الحميدة والخصال المطلوبة والمرغوبة شرعا ما الله به عليم ، ولقد كان سلف الأمة نبينا (ص)وأصحابه لهم في هذا ارفع المقامات واجل العطايا ألحقنا الله بهم ورزقنا وإياهم حسن إتباعه ."
والفقرة الأخيرة لا دخل لها بتدير آيات الله وقدرته فهى تتحدث عن الخوف من الله نتيجة المعرفة به وليس عن قدرة الله وآياته ثم قال :
"الوقفة الثالثة :- (تحقيق التوحيد الخالص )
ثمة أمور يجعلها الإنسان وفق مداركه وهو يتعبد الله -تبارك وتعالى- ، أولها : أن تعلم إن التوفيق للطاعة أمر بيد الرب وحده قال الله : {يهدي الله لنوره من يشاء} فالتماس التوفيق في الأعمال الصالحة وفي غيرها من مطالب الدنيا المباحة إنما يكون من عند الرب -تبارك وتعالى- ، والإنسان لو وكل إلى اجتهاده وقدراته لهلك ولكن الهادي والموفق هو الرب .وأكثر ذكره في الأرض دأبا لتذكر في السماء إذا ذكرت او سل من ربك التوفيق فيها واخلص في السؤال إذا سالتا ونادي إذا سجدت به اعترافا كما ناداه ذي النون بن متى فالمقصود أن يعلم العبد في أول الأمر انه لا خير يجلب ولا شر يدفع إلا بالله ، قال العز بن عبد السلام : (والله لن يصلوا إلى شيء يبتغونه بغير الله فكيف يوصل إلى الله بغير الله) ، فإذا كان ما لا يتعلق به أجر لا ينال إلا بالله ، فكيف ما علق الله عليه الأجر ووعد الله عليه الحسنى وذكر عليه الجنان والعطايا والهبات هذا لا ينال من باب أولى إلا بتوفيق الرب -تبارك وتعالى- ، من ما يعينك على أن تستثمر الباقيات الصالحات وتأتيها أن تتذكر أحاديث للنبي (ص)أن تتذكر المحرمات على النار ، والممنوعين من دخول الجنة فما الجنة والنار؟ خلقان من مخلوقات الله يدخل الله فيهما من يشاء فإذا تذكرت من حرم الله على النار كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك أن تأتي الأعمال الصالحة ، وإذا تذكرت من حرمه الله على الجنة أو منعه الجنة كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك ان تبتعد عن تلك الأعمال ، قال (ص): ((إن الله حرم على النار أعضاء السجود)) ، فلو أن العبد وهو يسجد تذكر أن هذه الأعضاء إذا أخلصت لله وكان سجودها موافقا لشرع محمد (ص)فإنها محرمة بأمر الله على النار ، أن تتذكر قوله (ص): ((عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله))
فأما الأولى فإنها رقة القلب ولين الفؤاد واقشعرار الجلد وذروف الدمع ، ذلك من مناقب أولياء الله الصالحين ، خاصة إذا كان الأمر في الخلاء في معزل عن الناس كان ذلك إلى الله اقرب ، ومن قدر له أن يستبطن أقوال العلماء من المفسرين يجد والله ما من كلمة قالها أهل العلم من المفسرين أشد على من يقرأها من قول سفيان ابن عيينة وهو يفسر قول الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ، قال (العدل أن تستوي العلانية والسريرة ، والإحسان أن تكون سريرة المرء أعظم من علانيته) ، ودون ذلك خرط القتاد ، وانه ليسير على من يسره الله ، عليه فأمثال هذه الثلاثة أحاديث من أعظم البواعث على الأعمال الصالحة يقابلها قوله (ص)((لا يدخل الجنة عاق)) ، ((لا يدخل الجنة قاطع)) أي: قاطع رحم ، ((لا يدخل الجنة مدمن)) أي مدمن خمر ، ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) ،فهذه الأربع إذا تذكرها العبد قبل أن يأتيها ويعلم أنها ستحول بينه وبين الجنان ، لجأ إلى الله يستعصم به ويسأله -تبارك وتعالى- من هديه ونوره وانعكف على الأعمال الصالحة يتقرب بها إلى الله ودرأ عن نفسه كل ما يحول بينه وبين عذاب ربه مما يعين العبد على الأعمال الصالحة أن يعلم إن المقام يوم القيامة مقام تغابن بين العباد ولهذا قال سبحانه: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} وقد قال الخليل إبراهيم (ص) يلجأ إلى ربه ويسأله ويتضرع إليه قال {ولا تخزني يوم يبعثون - يوم لا ينفع مال ولا بنون} فتذكر الخوف من الخزي الأعظم وذل الفضيحة بين يدي الله ، من أعظم ما يعين المرء ان يأتي الأعمال الصالحة التي نعتها الله بقوله في وصفه إياها: {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} خير ثوابا من غيرها من المباحات وخير أملا أي أعظم ما يكون ذخرا للعبد يوم يلقى الله ما قدمه من عمل صالح يلقى الله به ."
العنوان الذى عنونبه الوقفة وهو التوحيد لم يذكر المغامسى عنه شىء فى كلامه كله وهو كلام دار حول التوفيق الإلهى وبعض الطاعات والخوف من الله ثم بعد ذلك تحدث عن الأعمال التى تحيا بها القلوب فقال:
"أعمال تحيى بها القلوب :-
من أعظمها الانكسار بين يدي الله في مكان لا يراك فيه احد ، هذا من أعظم ما يحيي القلوب ، الإنسان حياته البرزخية صورة مثلى لحياته في السرائر ، أو بتعبير أصح حياة السرائر صورة للحياة البرزخية ، الإنسان إذا كان في السريرة يسجد ويدعوا الله أو يقوم في مكان لا يراه فيه احد يذكر الله يعظم الله في ظلمة غرفة ، أو في ظلمة سفر ، أو في ظلمة جماعة ، أو في بيته ، أو بين أبنائه ، أو في أي مكان يعظم الله جدا في السرائر ويخشاه ويخافه ويرى في نفسه ، وذروف عين ودمع هذا غالبا منعم في قبره ، أما الذي -نسأل الله العافية- في السرائر مسرف على نفسه فهذه صورة لحياته في قبره ، إن الإنسان يبحث عن طرائق عديدة لان تحيي قلبه ، من أعظمها عدم احتقار الناس ، وأكثر من يتأمل الناس يجد فيهم حفظه فقهاء منفقين لكن -والعياذ بالله- يجد في نفسه علوا على الغير ، هذا العلو قد هو لا يصرح به ، ويقول التواضع ويذكر أمثالا وأشعارا فيه لكن الحياة اليومية في مخالطة الناس يظهر منه ، يوجد إنسان قد يركب سيارة توافق ثراه فارهة جدا لكن قلبه منكسر ، ويوجد إنسان يمشي على قدميه وفي قلبه كبر والعتو ما الله به عليم ، ومن قدر له أن يكثر من السفر والترحال ومخالطة الناس سيرى أمورا عجبا في أحوال الناس والله لا تخطر له ببال ، أنا كنت ذات يوما في فندق قبل أسبوعين في الرياض ، وفي الفندق احد الذين يحرسون الفنادق وهو يلبس بنطال ، ومصفف شعره ، وحليق اللحية ، لو قيل لك: تزكيه طرفة عين في هيئته؟ لا تزكيه ، فتأخرت في النزول لصلاة الفجر في ذلك اليوم في مصلى الفندق ، فلما نزلت وجدت بعض من نزل من أهل الفندق قد سبقني إلى الصلاة ولله الحمد وأقاموا الصلاة وصلوا وكان أكثرهم الذين نزلوا غير سعوديين ، فقدموا هذا لأنه سعودي فوالله كان يقرأ قراءة صحيحة ويغالي في البكاء ، ثم سلم فلولا إنك رأيت هذا بعينك لا تكاد تصدق ، فقد يكون ثمة عوائق حالت بينه وبين أن يصلح مظهره ، وما زال باقيا على إصلاح جوهره ، وثمة أناس قد يعانون على إصلاح الظاهر ولم يعانوا بعد على إصلاح الباطن ، والله لما ذكر يوم القيامة قال: {يوم تبلى السرائر} فالمحك عند الله وحده سريرة الإنسان ولذلك الناس تبالغ في مدح زيد أو عمر ، فلان بكاء فلان واعظ فلان فقيه فلان تالي فلان قارئ فلان ... فلان خطيب فلان مفوه فلان يرقق فلان ... فلان ولا يعلمون شيئا عن سريرته ، وقد يوجد إنسان لم ير الناس يوما دمعته وهو إذا خلا بالله في ظلمات الليل اظهر لله الرقة والانكسار والخوف والوجل والحياء من الله في كل موطن ، فلا يمكن أن يستويان عند الله لكن المقصود كما قلت عن سفيان أن العدل صلاح السريرة والعلانية والإحسان أن تكون سريرة الإنسان خير من علانيته ."
وكلام الرجل هنا ليس موافقا للعنوان وقطعا كل عمل صالح يحيى قلب صاحبه وليس الانكسار الذى طلبه المغامسى خاصة فى السر وتحدث عنه فما يحيى القلب هو الطاعة فى السر والعلن ثم حدثنا عما سماه الداء والدواء فقال:
"الداء والدواء :-
وإن من درر القول وجميل الكلام ما قال الإمام ابن القيم حتى تعلموا أن القضية قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية قال : (إن في القلوب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفي القلوب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفي القلوب نيران حسرة لا يطفئها إلا الرضا بأمر الله وقدره و قضائه ، والتزام الصبر على ذلك إلى يوم لقائه) هذه القواعد التي ذكرها الإمام ابن القيم إنما استنبطها من كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فالقلوب كما قال فيها من نيران الحسرة تريد أن ترى تريد أن تروى ظمأها فيها من الشعث تتمنى أن تجتمع فيها من الحسرة على فوات المطلوب وعلى ذهاب المرغوب ، فيها من الوحشة تريد أن تقر أعينها وتحاول هنا وهناك ، يجلس الرجل يجلس الشاب تجلس الفتاة الساعات الطوال أمام القنوات تقلبها من قناة إلى قناة ومن عرض إلى آخر فيرى وترى مرارا وتكرارا لكنه لا يشعر بان روحه قد ملئت وان قلبه قد اطمأن فيزداد ويزداد والزيادة في الشيء دليل على عدم الوصول إلى النهاية قال (ص)((ولا يملأ فم ابن آدم إلا التراب))
لكن المقبل على الله ما إن يضع جبهته على الأرض ويمكنها من التراب ، ويضع يديه ، وقدماه تنتصب ثم يدخل في التسبيح (سبحان ربي الأعلى) ، ثم يأخذ في الحمد لله -تبارك وتعالى- ويثني على الله بما هو أهله ويتذكر انه عبد لله وان الله -تبارك وتعالى- ولي نعمته وملاذه عند كربته ، ويأخذ يدعو ويناجي ويستغفر ربه إلا ويشعر بالسكينة والطمأنينة والرضا ما لو دفع إليه مال الدنيا لم يقبل به ثمنا ، فينبغي على المؤمن أن يسعى أول الأمر وآخره في إصلاح قلبه ، قال الله وان من درر القول: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وهذه القلوب أعظم أسباب أن تفيء إلى ربها أن تكون عارفة بالله فان العبد كلما كان بالله أعرف كان من الله -تبارك وتعالى- أخوف فاقرأوا القرآن كثيرا ، قفوا عند الآيات التي يعظم الله فيها ذاته العلية ويرشد فيها إلى ما له -تبارك وتعالى- من جلال الصفات وكمال النعوت قفوا عند الآيات التي فيها من توحيد الربوبية ما فيها يقول -سبحانه وتعالى- : {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}، ويقول –سبحانه- : {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا - ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا - وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا - وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا - لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا - ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا - ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا - فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا - وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا - وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا} فلما عدد آلاءه ذكر أصول الناس {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا} إلى أن قال -سبحانه وجل- ذكره: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا - قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا} ثم لما علم الناس من ربهم أرشدهم إلى أمرين أن يعبدوه ويتوكلوا عليه {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا} فهذا ربكم يعرف بذاته العلية في قرآنه ، إذا وقف المؤمن عند هذه الآيات وهي كثيرة في القرآن عندما تقوم الليل رددها بعد مرة اعد قراءتها الفينة بعد الفينة ولو تنظر في المصحف حتى يقع في قلبك أن لا اله إلا الله حقا ، فتخرج من مكانك وتقوم من مقامك وليس هناك احد أحب إليك من الله فإذا خرجت إلى أهل الدنيا علمت أن ما عند الله -تبارك وتعالى- خير وأبقى من عند أهل الدنيا تسمع كلمة الضر فلا تلقي لها بالا ، وتسمع كلمات النفع فلا تتعلق بها لأنك تعلم أن لا اله إلا الله حقا ."
ركز المغامسى هنا على أن القضية قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية والحقيقة أن القضية قلبية ومسلكية فى نفس الوقت فلا ينفع إيمان بلا سلوك صالح كما لا ينفع سلوك صالح بلا إيمان قلبى ولذا ربط الله بين الاثنين ربطا لا ينفك حتى لام المؤمنين على عدم السلوك مع القول وهو الإيمان فقال :
"لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
ثم حدثنا عن الشوق والحنين فتحدث عن حكاية من الحكايات التى تروى عن الرسل(ص) فقال :
"شوق وحنين :-
مما لا ارتياب فيه في سنن الله في خلقه أن الأمور يذكر بعضها ببعض فان يعقوب - عليه السلام - لما فقد بنيامين تذكر يوسف ، لما اخبره أبناؤه بأن بنيامين فقد تذكر يوسف ، وهذا أمر لا أظن أحدا يعارض فيه ومقصود الحديث هنا الغاية من إيراد هذا أن تعلم أن ثمة أمور وقعت في الأيام النضرة والسيرة العطرة لرسونا (ص)يذكر بعضها ببعض ثم سنحورها إلى تذكرة الآخرة ، أما ما ورد في السنة فان نبينا (ص)مر على قبر ثم اخذ يبكي فسأله الصحابة لماذا بكيت ؟ قال: ((هذا قبر أمي آمنة بن وهب وإنني استأذنت ربي أن أزورها فأذن لي واستأذنته أن استغفر لها فلم يأذن لي)) ، فلما زار قبرها (ص) تذكر رقة أمه أيام طفولته الأولى عليه
وذو الشوق القديم وان تعزى مشوق حين يلقى العاشقينا وهذا أمر يوافق الفطرة تذكر (ص)أيام رقة أمه عليه وهو صبي صغير يدرج في بيتها فأدركته الرقة عليها فبكى (ص) ، هذا كله كما بينت مما لا اختلاف بين الناس فيه ، لكن ما علاقة هذا بالآخرة ؟ علاقة هذا انه ما من شوق في القلوب أعظم من الشوق إلى لقاء الله -تبارك وتعالى- والنبي (ص)في آخر حياته أو في اللحظات الأخيرة قبل حلول اجله خير ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنة ، وما بين لقاء الله ثم الجنة ، فاختار لقاء الله ثم الجنة فسمعته عائشة وهو يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} "
فى الفقرة أخطاء عدة هى:
الوا كون اسم أخو يوسف(ص) الشقيق بنيامين وهو ما لم يرد فى الوحى
الثانى حكاية زيارة النبى(ص) لقبر أمه وهو كلام ليس معقور فالمعروف أن الرجل لم يزر مكة سوى فى عمرة القضاء وفى فتح مكة ولم يرد أنه زار أحد فيهما فمتى زار القبر فى مكة وهو لم يزرها إلا مرتين بعد هجرته؟
الثالث تخيير النبى(ص) بين الخلد في الدنيا ثم الجنة ، وما بين لقاء الله ثم الجنة فالموت لا تخيير فيه لأحد وقد لام الله نبيه (ص) على حديثه نفسه عن الخلد الدنيوى فقال"وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون"
ثم قال :
"المؤمن تمر به في حياته أشياء كثيرة في مدرج حياته اليومية ينبغي عليه كلما عظم إيمانه وكمل يقينه أن يربطها بالآخرة ، فالمؤمن كلما رأى ازدحاما على أبواب سواء على أبواب مساجد أو أبواب غيرها يتذكر ازدحام المؤمنين على أبواب الجنة فيسال الله أن يكون ممن يتنافس على ذلك الزحام ، فان النبي (ص)أخبر أن ما بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليها يوم وهي كضيض من الزحام"
والخطأ أن مصاريع الجنة مسيرة 40 سنة وهو يخالف أن المسافة لا تقاس بالزمن وإنما تقاس بالأطوال المكانية كالميل والذراع والفرسخ كما أن مسيرة الأربعين تختلف من وسيلة لأخرى فالسير على الأقدام سرعته أقل من سرعة الخيل المركوبة وهى غير سرعة الحمير غير البغال كما أن ليس هناك سنين فى الأخرة لعدم وجود ليل أو نهار ووجود سنين متعددة منها السنة الإلهية والسنة الأرضية فأيها تحدث عنه القائل ؟
ثم قال :
"المؤمن كلما صام يوما وافطر وفرح أن الله أعانه على انه أكمل ذلك اليوم حتى غابت الشمس وافطر تذكر فرحه أن الله يثبته على دينه حتى تغيب شمسه هو ، وتفنى أيامه وتقضى أعوامه وتقوض خيامه ويلقى الله ، قال (ص)((للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه)) .
المؤمن كلما حياه احد بتحية الإسلام تذكر الكلمة التي ترقبها أسماع المؤمنين قال الله -تبارك وتعالى- : {ادخلوها بسلام آمنين، وقال : {سلام قولا من رب رحيم} ، فهي كلمة لا تحن أسماع المؤمنين إلى شيء أعظم منها بلغنا الله وإياكم ."
وفى أخر الوقفات حدثنا عن عرض القلب على القرآن فقال:
"الوقفة الأخيرة :- اعرض قلبك على القران .
قيل إن أبا حازم سأله احد خلفاء بني أمية عن حاله فقال: يا أمير المؤمنين اعرض نفسك على القران، قال وأين أجد هذا، قال: في قول الله: { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } ، يقول عمر : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ، ويقول: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل) والسير إلى الله سير كادح ذو مشقة قال الله: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} وقال وهو اصدق القائلين: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} فالوقوف بين يدي أمر وحتم لازم لا محيد عنه ، والسير على طريق الله يحتاج في أول الأمر ومنتهاه إلى توفيق من الرب -تبارك وتعالى- "
والحكايات لا تفيد فى الدين طالما من خارج الوحى فالمعروض هو العمل على كلام الله ومن ضمن العمل ما يدور فى القلوب وبعد ذلك أوصانا المغامسى بوصايا هى:
"وهذه بعض الوصايا فيما يعينك على أن تصل إلى ربك على النحو الذي أراد والوجه الذي أتم :-
1- الأمر الأول: لا تقدم على رضوان الله رضوان احد كائن من كان فالله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .
2- الأمر الثاني: كل شيء أمر بالمسابقة إليه فسابق إليه ، فان الله لا يدلك إلا على الخير ولا يحثك إلا على ما يقربك اليه ، لكن افعله وأنت محتسب لما تصنع ، وأنت تسير الخطوات إلى المسجد تذكر يوم يسير الخلق إلى ربهم ، وأنت تمشي في الظلمات تذكر يوم تعطى النور التام برحمة الله يوم القيامة ، وأنت تقف بين يدي الله في المسجد تأكد أن هناك ساعة ويوما ستقف بين يدي الله يوم العرض الأكبر ، وأنت تركع لربك وتسجد المنة لله عليك أن جعلك تركع له وتسجد وليست لك المنة على الله ، واعلم يا أخي انه كم من لله من عبد صالح في السموات والأرض خاضع لربه وليس لك وأنت راكع أو ساجد احد يجيرك ولا يعينك ولا يهديك إلا ربك -تبارك وتعالى- ، قل في سجودك وأنت تسجد اللهم كم من عبد لك صالح في السماء والأرض يسجد لك ويرجوك ويعبدك وليس لي رب غيرك ولا إله سواك اسأله وارجوه ، فإذا أظهرت لله فقرك وحاجتك وإلحاحك على ربك رأيت من الله فضلا كبيرا .
3- الوصية الثالثة: كل من استدام على أمر في الغالب انه يموت عليه ، كل من استدام على طاعة في الغالب انه يموت عليها ، وهذا ما يسمى بحسن الخواتيم ، والناس إذا رأوا زيدا أو عمرا من الناس على طاعة ظنوا به خيرا ، وإذا رأوه على معصية ظنوا به سوءا والله وحده من يعلم ما في سريرة هذا العبد والله لا يظلم أحدا مثقال ذرة فيكافئه بان يميته على نحو -إن كانت سريرته حسنة- يكون حسن اللقاء لربه فيقبل على الله -تبارك وتعالى- في لحظات يكون فيها قريبا من ربه ، من كره لقاء الله كره الله لقاءه ، على الإنسان يحتاط لنفسه وهو يرى خواتيم الخلق ، فإنك لا تدري ولو رأيت ظاهر الأمر انه حسن ، أو ظاهر الأمر انه سيء تبقى شهادتك معلقة بما ترى ، أما السرائر فأمرها إلى الله ، وسأذكر لك خبرا افتراضيا في أن السرائر ولو انتهت بالخواتيم لا يعلمها إلا الله وفي بعض أحوال الناس التي تقع ولو كانت أمورا قد يأنف منها أهل العلم والبلاغة لكن قد يكون هيها إظهارا لما يمكن أن يطوى عن الإنسان من خبر ، أعرف رجلا خرج ذات مرة مع قرابة له منهم بعض الأيتام فوصل إلى منطقة سياحية في بلادنا فيها ما يسمى بـ(التلفريك) ، وهو يأنف أن يركبه أو أن يحمل عليه لكن من حوله من الصغار أصروا عليه أن يكون معهم فأراد أن يجبر لهم كسرا فركب معهم ، فركب معهم وهو أصلا لا يحب المواطن العالية ، وفي نفس الوقت أراد أن يتعبد الله في هذا المكان ، فصلى ركعتين منذ أن ركب إلى أن نزل ، أين موضع الشاهد في القصة ؟ الرجل لم يمت اعرفه إلى الآن حي يرزق ، أين موضع الشاهد في القصة ؟ هذا يعلمك ويؤدبك أن كنت تعقل ، وأنت تعقل ، كيف يؤدبك ويعلمك هذا الرجل عندما ركب إلى أن نزل وهو يصلي ، فلو قدرنا فرضا أن هذا المركب سقط ، وغالب الظن أن من يسقط من هذا العلو يموت ، بالله عليك ماذا سيقول الناس ؟ سيقولون أن فلانا مات في حديقة ملهى ،سقط من مركب كذا وكذا ومات ، لان أحدا من الناس لا يعلم ولا يدري انه كان يصلي ، الآن تأمل كم من عبد صالح مات وأنت تسيء به الظن وهو عند الله حسن ، وهذا يعلمك أن العبرة كل العبرة بسريرتك مع الله لهذا قال الله: {يوم تبلى السرائر} ومن هنا تعلم إن من رحمة الله أن الله لم يجعل الجنة بيد أحد من خلقه ، وعلى هذا أيها المبارك وهذا تيسير لمفاهيم الدين إذا عملت واجتهدت كثيرا أن يكون لله فلا تبال بأي احد من الخلق علمه أو لم يعلمه لأن الذي وحده يقدر على أن يكافئك علمه وكفى بعلم الله علما وكفى بثواب الله ثوابا ، فبالله عليك رجل صلى ركعتين فعلم الله منه صدق نيته واعد الله له ذلك نزلا عظيما في جنته ما الذي سينفعه الناس لو علموا عنه ذلك ؟ لن ينفعوه بشيء فخير له أن لا يعلم الناس عنه ، لكن المثل الذي قلته في الأول أردت به شيئا واحدا ، أن لا يكون في لسانك مسارعة إلى القدح في الناس على أي حال رايتها ، إنما ترجوا لمن غلبت عليه الطاعة الجنة ، ولمن غلبت عليه المعصية تخش عليه من النار ، أما الخلق فسرائرهم إلى رب العزة والجلال {إن إلينا إيابهم - ثم إن علينا حسابهم} الله وحده يتولى محاسبة خلقه وهو القيوم عليهم تبارك وتعالى ، وكلهم فقراء إليه ، فحسبك أيها المبارك أن توطن نفسك على أن تكثر من أعمال السرائر التي هي خافية على الناس وهي عند الله بواد ظاهرة فالله لا رب غيره ولا إله سواه ، القلوب له مفضية والسرائر عنده علانية ، وحده -تبارك وتعالى- يقدم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله ، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله ، وحتى تكون هناك أعمال سرائر في الخلاء ، لابد أن يكون في القلب تعظيم لرب العزة والجلال لا بدان يكون هناك علم بالله وهذا ينجم عن تدبر القران وتلاوة آياته ، الله يقول: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد - ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } فكلها تذكر الإنسان سعة رحمة الله ازداد أملا في دخول جنته ، وكلما تذكر الإنسان عظيم قدرة الله وان له مواطن سخط وغضب خاف من ناره ، فإذا تذكر ما لله من صفات الجلال والجمال والكمال زاد حبا لربه -تبارك وتعالى- ومن جمع هذه الثلاث: حب الله ، والخوف منه ، والرجاء فيما عنده ، وقف على صراط مستقيم ."
قطعا الكلام عن الخواتيم وحسنها هو كلام يوجد فيه فهم خطأ من الناس فحسن الخاتمة هو أن تموت وأنت تعمل صالحا مخلصا فيه لله وليس أن تموت ميتة سيئة فلو كان ألأمر كذلك لدخل الشهداء كلهم النار لأنهم يموتون ميتة سيئة حيث تقطع أجسادهم أو تضرب بالنار أو تحرق أو غير هذا
ميتة السوء هى وأنت تموت على معصية متعمدا لها ومن ثم حسن الخاتمة أى الميتة الحسنة أن تموت وأنت طائع مخلص لله ولو كنت محروقا أو مدوهسا تحت سيارة أو غير ذلك مما يصفه الناس بأنه ميتة سوء أو ميتة شنيعة
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب نحو القلوب
» قراءة فى كتاب آثار صفة الله في القلوب
» نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
» زراعة القلوب العضلية
» نقد كتاب أربعون حديثا من الجزء الرابع من كتاب الطب
» قراءة فى كتاب آثار صفة الله في القلوب
» نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
» زراعة القلوب العضلية
» نقد كتاب أربعون حديثا من الجزء الرابع من كتاب الطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى