نقد كتاب المسائل العشر في الغيبة
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب المسائل العشر في الغيبة
نقد كتاب المسائل العشر في الغيبة
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وفى موضوع الكتاب قال :
"وبعد، فإني قد خلدت من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقيها عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلى ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجلي المقال وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاص من الناس والعام، واشتهرت بين الجمهور من الأنام وبينت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمت المتقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والإشفاق على مهجهم من المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلاف قتله النبيين والمرسلين فيما استحلوه من ذلك بما ضمه الفرقان والقرآن المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمة المهديين ، واستتاره من دولة الظالمين، ما دل على إيجابه إلى ذلك وضرورته إليه مثمر العلم به واليقين وتجدد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحت معانيه على وجه السؤال فيه والجواب، وشواهد الحق فيه بحجة العقل والسنة والكتاب، رغبة ممن أجب له حقا، وأعظم له محلا وقدرا، وأعتقد في قضاء حقه ووفاق مشربه لازما وفرضا، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها، يختص القول فيها بإمامة صاحب الزمان ، وآثر أن يكون القول فيها على ترتيب عينه وميزه من جملة ما في بابه وبينه فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكر يمتد زمانه ويطول، ويستغني به عن الرجوع إلى العمد التي أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذبه فيها من الأصول"
وقد قسم المفيد الكتاب لعشر فصول ذكرهم مجملين كل فصل فى عدة سطور ثم بعد ذلك تناول الكلام فى كل فصل بالتفصيل ومن ثم فقد حذفت المجمل لعدم وجود أدلة أو مناقشة فيه والآن لمناقشة ما حاء فى تلك الفصول وأولها:
"الكلام في الفصل الأول:
وأقول: إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفا لحكم العادات، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقة، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء
فمنها: أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أسترت ملكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرعلى ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك،
وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرف به عند حضورها، وتحرجا من تضييع نسبه، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه وقد يولد للملك ولد يؤذن به حتى ينشأ ويترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه … وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند في الدولتين معا، فسطروا أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس، الذي جمع ملك بابل والمشرق،وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكي خسرو، وأمه هذه المسماة بوسفا فريدبنت فراسياب ملك الترك، فخفي أمره مع الجد كان من كيقاوس ـ جده الملك الأعظم ـ في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حينا طويلا
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس، وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ
وملخص القصة: أنه ولد لكيقاوس ابن، لم ير مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسماه أبوه سياوخش … ورباه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوس تزوج ابنة فراسياب ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنه امتنع عليها، فلما رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير كيقاوس على ابنه، وتوجه سياوخش لحرب فراسياب ـ لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند انكاحه ابنته إياه ـ مريدا بذلك البعد عن والده والتنحي عما تكيده به زوجة والده، فلما صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه أبوه عارا عليه، فمتنع من انفاذ أمر أبيه وأرسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلما صار سياوخش إلى فراسياب بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفافريد ثم لم يزل له مكرما حتى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب واخ، حتى قتل فراسياب سياوخش ومثل به، وامرأته ـ أبنة فراسياب ـ حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى ان تضع ليقتل الطفل، فلما وضعت فراسياب حملها: كيخسرو، رق فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود فوجه كيقاوس إلى بلاد الترك بى ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أمه، وان بي لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا حينا من الزمان فلا يعرف له خبرا ولا يدله عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أمه حتى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس …
إلى آخر القصة، وهي طويلة جدا اقتصرنا على محل الشاهد منها، من أرادها فليراجعها وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي، واستتار شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب
ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من
إظهار على أمان منه عليه ممن سميناه ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة، وقد شاهدنا من فعل ذلك، والخبر عن النساء به أظهر منه عن الرجال واشتهر من الملوك من ستر ولد وإخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير، وفي إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون انه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلف عن المقام، على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات وكم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداع دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد، إلا من شهد به من بعد عليه بإقراره به على الستر لذلك والوصية بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده
فصل:
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي إبراهيم الخليل وأمه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه وبستر ولادة موسى بن عمران ، وبمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان، والخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا لمصالح العباد
فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله
والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي: أنه اعترف بولده المهدي ، وآذنهم بوجوده، ونص لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلا، وبعضهم له يافعا وشابا كاملا، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه
وقد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي عليهما السلام وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبت ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم النص بالإمامة عليه
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصة في كتابي المعروف أحدهما: بـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، والثاني: بـ الايضاح في الإمامة والغيبة ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف إثباته في هذا الكتاب"
ما ذكره المفيد من أن المهدى المزعوم أخفى والده خبر وجوده وحمله ومن قبله زواجه بأمه مخالف للشرع فى التالى:
-وجوب إعلان أى زواج للمسلمين لقوله تعالى "أنكحوهن بإذن أهلهن"وقوله تعالى "ولا تواعدوهن سرا"
- وجوب إعلان نسب أى طفل لقوله تعالى "ادعوهم لآباءهم فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
- ما حكاه عن موسى(ص) فهذا أمر كان بالوحى وليس رجل عادى حتى ولو نسبوه للنبى(ص)او ابن عمه والمفترض أنه لو كان إماما مطلوبا عند الله لذكره الله فى الوحى حتى يمكن أن يصدق الناس فيما بعد هذه الغيبة المزعومة وفى هذا قال تعالى "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
وأما استدلاله على أن الملوك والسوقة يقومون بإخفاء أولادهم وزوجاتهم عن زوجاتهم المعروفات وأقاربهم وأعداءهم لأهداف في نفوسهم فلا يصلح للاستدلال به على أمر هو أساس في المذهب الشيعى فلو أردنا الاستدلال على أمر كهذا فلابد من آية وهى غير موجودة أو رواية حتى يخترعها البعض حتى تكون برهان وإن كان باطلا
وتكلم فى الفصل التالى عن إنكار جعفر بن على ولادة المهدى ابن أخيه فقال:
"الكلام في الفصل الثاني:
وأما المتعلق بإنكار جعفر بن علي شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن ابن علي ولد في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلا دون ولد له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن واستبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد بقية لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفا من بعده كان أحق بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممن حواه فليس بشبهة يعتمدها عاقل في ذلك، فضلا عن حجة، لاتفاق الأمة على أن جعفرا لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقع منها الضلال
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافة المرسلين الصلاة الدائمة والتحية والسلام ـ في ظلم أخيهم يوسف ، وإلقائهم له في غيابة الجب، وتغريرهم بدمه بذلك، وبيعهم إياه بالثمن البخس، ونقضهم عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في ذلك وعقوقه، وإدخال الهم عليه بما صنعوه بأحب ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغم بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم على براءتهم مما اقترفوه في ظلمه من الإثم، وهم لما أنكروه متحققون، وببطلان ما ادعوه في أمر يوسف عارفون هذا وهو أسباط النبيين، وأقرب الخلق نسبا بنبي الله وخليله إبراهيم فما الذي ينكر ممن هو دونهم في الدنيا والدين: أن اعتمد باطلا يعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقا قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين"
لا يهمنا إنكار العم ولادة هذا الابن مع أنه أثبت ذلك بالوسائل الشرعية وهو استبراء أرحام الزوجات والجوارى ولا يهمنا أنه ورث أخيه ميراثا شرعيا
ولكن القول أنه غير معصوم طبقا للمذهب كلام ينفيه أنه وارث أخيه ولا أحد بعده يقوم بالإمامة سواه فحتى مع وجود الطفل فهو الإمام حتى يشب الولد
كلامه هذا هو تطبيق للمذهب ولكنه ليس حجة فى غير المذهب الشيعة
وأما استدلاله على انه غير معصوم بفعل اخوة يوسف(ص) فهو استدلال خاطىء فلا أحد معصوم حتى الرسل (ص)بدليل قتل موسى للرجل من قوم فرعون واقراره بذلك واستغفاره لهذا الذنب فى قوله تعالى "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
وقال"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "
فلا يمكن إنكار ذنب القتل كما لا يمكن إنكار وجود ذنوب لمحمد(ص) نفسه بقوله تعالى" إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
فمن يقولون بالعصمة يريدون منا أن نكذب كلام الله وهونصوص واضحة جلية قاطعة لا يمكن تأويلها أى تأويل غير ما فيها
ثم قال المفيد:
"فصل:
وما أرى المتعلق في إنكار وجود ولد الحسن بن علي بن محمد وقد قامت بينة العقل والسمع به، ودل الاعتبار الصحيح على صواب معتقده، بدفع عمه لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى مقامه الذي جل قدره عند الكافة، باستحقاقه له دون من عداه من الناس، وبخعت الشيعة كلها بالطاعة له بما انطوت عليه من اعتقادها ولوجوبه له دون من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها على ذلك بعد وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلى مستحقها من فقراء أصحابه إلا كتعلق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه أبي لهب صدق دعوته، وجحد الحق في نبوته، والكفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أمية لعمه في ذلك، واجتماعهم على عداوته، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتبعيه على ملته هذا مع ظهور حجته، ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته
ومن صار في إنكار شيء أو إثباته أو صحته وفساده إلى مثل التعلق بجعفر بن علي في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان من أبي جهل وشركائه من أقارب النبي (ص)وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأكثر سر أمره وجهره وأحواله في دفع نبوته وإنكاره صدقه في دعوته سقط كلامه عند العلماء ولم يعد في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي الجهل والسفهاء"
اعتبار المفيد عمل جعفر كعمل أبى لهب هو كلام رغم أن ما قام به كان إثباتا شرعيا هو
مغالطة فالعم كذب الإسلام وجعفر طبقا لرواية الشيعة طبق الأحكام باستبراء رحم نساء أخيه مدة الحمل كما أن الشيعة الكثير منهم أدوا له الخمس وجعلوه إماما
وأما حكاية الابن المخفى فلا يوجد إثبات لها حتى لو شهد مع الأم وابنها العشرات لأن الأب مات وهو الوحيد الذى يمكن تصديقه فى الحكاية فى زواجه وإنجابه
ثم قال المفيد عن أحوال جعفر بن علي:
"فصل:
وبعد، فإن الشيعة وغيرهم ممن عني بأخبار الناس والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخبارا عن أحوال جعفر بن علي في حياة أخيه أبي محمد الحسن بن علي ، وأسباب إنكاره خلفا له من بعده، وجحد ولد كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار به في مخلفيه وشيعته، لو أوردتها على وجهها لتصور الأمر في ذلك على حقيقته، ولم يخف على متأمل بحاله، وعرفه على خطيئته
لكنه يمنعني عن ذلك موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة من يعترف بالحق من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا، ويظهر التدين بوجود ولد الحسن بن علي في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويكره إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جده ، بل لا أعلم أحدا من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن الحسن والتدين بحياته والانتظار لقيامه والعشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيدهم الله بترك إثبات ما سبق به من سميت في الأخبار التي خلدوها فيما وصفت أولى مع غناي عن ذلك بما أثبت من موجز القول في بطلان الشبهة، لتعلق ضعفاء المعتزلة والحشوية والزيدية و الخوارج والمرجئة في إنكار جعفر بن علي لوجود ابن الحسن بن علي، حسب ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك"
هنا المفيد يذكر نقيض ما قاله فى الفصل السابق وهو أن جعفر أنكر الولد بعد موت أخيه وكلامه فى هذا الفصل أن الإنكار كان فى حياة أخيه وهذا التناقض يدل على أن الحكاية من الأصل لم تقع
ثم تناول وصية الحسن بن على الذى يسمونه المهدى لأمه فقال :
"الكلام في الفصل الثالث:
وأما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن ، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها فليس بشيء يعتمد في إنكار ولد له قائم من بعده مقامه، من قبل أنه أمر بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن متملك الأمر في زمانه ومن يسلك سبيله في إباحة دم داع إلى الله تعالى منتظر لدولة الحق
ولو ذكر في وصيته ولدا له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه، ولا سيما مع اضطراره كان إلى شهادة خواص الدولة العباسية عليه في الوصية وثبوت خطوطهم فيهما ـ كالمعروف بتدبر مولى الواثق وعسكر الخادم مولى محمد بن المأمون والفتح بن عبد ربه وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحكامه ـ لما قصد بذلك من حراسة قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر على ولده، وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده، والكف لأعدائه بذلك عن الجد والاجتهاد في طلبه، والتبريد عن شيعته لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته ومن اشتبه عليه الأمر فيما ذكرناه، حتى ظن أنه دليل على بطلان مقال الإمامية في وجود ولد للحسن مستور عن جمهور الأنام، كان بعيدا من الفهم والفطنة، بائنا عن الذكاء والمعرفة، عاجزا بالجهل عن التصور أحوال العقلاء وتدبيرهم في المصالح وما يعتمدونه في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات
فصل:
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وحراسته ابنه موسى بن جعفر بعد وفاته من ضرر يلحقه: بوصيته إليه، وأـشاع الخبر عن الشيعة إذا ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أولهم المنصور ـ وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ـ ثم صاحبه الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر ، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه وفي هذه المصادر أنه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة ولم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده، ويتعلق بادخاله في وصيته ولو لم يكن موسى ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن ولده، لما ذكره في وصيته، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه وهذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمد في وصيته إلى والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولد له، ونظر له في معناه على ما بيناه"
ادخلنا المفيد فى متاهة فبعد أن ذكر وصية المهدى لأمه خوفا على ولده المخفى هو الأخر وهذه الوصية إن كان لها وجود فهى تقضى على مقولة المهدى لأنه طالما كان هناك وريث للمهدى المزعوم فلا يمكن أن يكون هناك مهدى لأنه يكون فى أخر الزمان وبعهده تأتى القيامة كما معروف فى الأخباروهو ما قاله فى الفصل الرابع حيث قال:
طوالذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر ائمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل ط
وبدلا من أن ينفى ولدية الوريث المخفى حتى لا يقضى على مقولة المهدوية نجده يثبت الوريث الخفى بأمر سبق أن فعله فى الرواية واحد من الأئمة هو جعفر بن محمد عندما جعل وريثه موسى واحد من ضمن خمسة ليسوا من أولاده خوفا عليه من أن يقتل
ثم تناول فى الفصل الرابع حكاية السرية فى أمر المهدى فقال :
"الكلام في الفصل الرابع:
فأما الكلام في الفصل الرابع، وهو: الاستبعاد الداع (كذا) للحسن إلى ستر ولده، وتدبير الأمر في إخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه وانتشارهم في البلاد وثروتهم بالأموال وحسن الأحوال، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه واعتقاد ملوكه فيهم، وشد غلظهم على الدائنين بإمامتهم، واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم ولا مؤهل الأمر من بعدهم وقول الخصوم: إن هذا متناقض في أحوال العقلاء فليس الأمر كما ظنوه، ولا كان على ما استبعدوه والذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل
وكانوا لا يكبرون بوجود من يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا بدعوة من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتق يكون عليهم به، ولاعتقادهم قلة عدد من يصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم، أو يصدقهم فيما يخبرون به من منتظر يكون لهم فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف، ووجدنا الشيعة الإمامية مطبقة على تحقيق أمره وتعيينه والاشارة إليه دون غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول الشبهة في التعلق به، ويحصل الأمان في الفتنة بالاشارة إليه والدعوة إلى نصرته ولو لم يكن ما ذكرناه شيئا ظاهرا وعلة صحيحة وجهة ثابتة، لكان غير منكر أن يكون في معلوم الله جل اسمه أن من سلف من آبائه يأمن مع ظهوره، وأنه هو لو ظهر لم يأمن على دمه، وأنه متى قتل أحد من آبائه عند ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم مقامه وأن ابن الحسن لو يظهر لسفك القوم دمه، ولم تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحق صلاح بإقامة إمام من بعده لكفى في الحجة وأقنع في إيضاح المحجة، فكيف وقد بينا عن سبب ذلك بما لايحيل على ناظر"
الكلام عن كون الإمام أخفى أمر ابنه تماما يتناقض أساسا مع أن إمامة الب ظاهرة فلماذا خاف على ابنه ولم يخف على نفسه ؟وأيضا المشكلة تكمن ان ملوك الزمان قادرين على دس جواسيسهم داخل بيت الإمام ومعرفة كل ما يفعله فى ليله ونهاره وحكاية الجوارى هى أسهل طريق لذلك ومن ثم لا يمكن اخفاء أمر كهذا مهما كان حرص الرجل وحكاية الاخفاء التام تجعل تصديق الشيعة فيما بهد امر صعب جدا لجهلهم كما أن رواية من لم يعرف إمامه عصره فقد كفر أو دخل النار تجعل الإمام المخفى لابنه يدخل شيعته كلهم النار لأنهم لا يعرفون بامر هذا الإمام الخفى الذى لا يعرف له اسم ولا مكان
ثم تناول حكاية استتار الإمام مع طول مدة الاستتار حتى عدت بمئات السنين فقال:
"الفصل الخامس:
وأما الكلام في الفصل الخامس، وهو قول الخصوم: إن دعوى الإمامية لصاحبهم أنه منذ ولد إلى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد مستتر لا يعرف أحد مكانه ولا يعلم مستقره، ولا يدعي عدل من الناس لقاءه ولا يأتي بخبر عنه ولا يعرف له أثرا خارجة عن العرف، إذ لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك، إذ كان كل من اتفق له الاستتار عن الظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الأغراض، تكون مدة استتاره مرتبة، ولا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد عليها، ولا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه، بل لابد من أن يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه، وبخبر منه يأتي إليهم عنه وإذا خرج قول الإمامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يرج قيام حجة
فصل:
وليس الأمر كما توهمه الخصوم في هذا الباب، والإمامية بأجمعها تدفعهم عن دعواهم وتقول:
إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد قد شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره: ينقلون إليهم عن معالم الدين، ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه لديهم
وهم جماعة كان الحسن بن علي عدلهم في حياته، واختصهم أمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم كأبي عمر وعثمان بن سعيد السمان ، وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وبني الرحبا من نصيبين، وبني سعيد، وبني مهزيار بالأهواز، وبني الركولي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد،وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرها من الجبال، مشهورون بذلك عند الإماميه والزيدية، معروفون بالإشارة إليه به عند كثير من العامة ومن الكوفة: العاصمي ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ومن أهل همدان: محمد بن صالحومن أهل الري: البسامي، والأسدي، يعني: نفسه ومن أهل آذربايجان: القاسم بن العلاءومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان ومن غير الوكلاء:من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبدالله الكندي، وأبو عبدالله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبدالله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصرة المختومة ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمرانومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن اخية، وأبو الحسن ومن اصفهان: ابن باذشالة ومن الصيمرة: زيدان ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وابوه، والحسن بن يعقوب ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد ومن فاقتر: رجلان ومن شهرزور: ابن الخال ومن فارس: المحروجومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكة، وأبو رجاء ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء ومن الأهواز: الحصيني وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم الظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم، ضنا بهم واعتقادا لبطلان قذفهم به، وذلك لما كان من شدة تحرزهم، وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب تدبيرهم
وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الإمامية لهم: أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان، ولا خبر أحد بلقائه فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه ، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد متناصرة: بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى، إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجده ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم ، وبإن صدق رواتها بالغيبة الطولى، فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه
وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى، في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو، وامتحان لهم بذلك في عبادته، مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم ـ كما ادعاه الخصوم ـ يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره وكم ولي لله تعالى، يقطع الأرض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعد بدينه عن محل الفاسقين، لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ولا يدعي انسان له لقاء ولا معه اجتماعا وهو الخضر ، موجود قبل زمان موسى إلى وقتنا هذا، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار، سائحا في الأرض، لا يعرف له أحد مستقرا ولا يدعي له اصطحابا، إلا ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى ، وما يذكره بعض الناس من أنه يظهر أحيانا ولا يعرف، ويظن بعض من رآه أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر، وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا ظنه، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان وقد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عز وجل وبعثه نبيا، فدعا إليه وعرفه الولي والعدو إذ ذاك وكان من قصة يوسف بن يعقوب ما جاءت به سورة كاملة بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحا ومساء، وأمره مطوي عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه، حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه عليه ـ لفقده، ويأسه من لقائه، وظنه خروجه من الدنيا بوفاته ـ ما انحنى له ظهره، وأنهك به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه وكان من أمر يونس نبي الله مع قومه وفراره عنهم عند تطاوله المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى، إذ كان المتولي لحبسه في جوف الحوت في قرار بحر، وقد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيا، ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض ولم يخطر له ببال سكناه وهذا أيضا خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم: في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد، ودبر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير، فكان يقلبهم ذات اليمين وذات شمال كالحي الذي يتقلب في منامه بالطبع والأختيار، ويقيهم حر الشمس التي تغير الألوان، والرياح التي تمزق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم أحياهم فعادوا إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحل الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمن القرآن من شرح قصتهم، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم وليس في عادتنا مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به، وقد تقول: لن يكون في المقدور وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن، وأهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى، وقد كان (مر على قرية وهي خاوية على عروشها) فاستبعد عمارتها وعودها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة، فـ (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وبقي طعامه وشرابه بحاله لم يغيره تغيير طبائع الزمان كل طعام وشراب عن حاله، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه، وبقي حماره قائما في مكانه لم ينفق ولم يتغير عن حاله حي يأكل ويشرب، لم يضره طول عمره ولا أضعف ولا غير له صفة من صفاته فلما أحياه الله تعالى ـ المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام ـ قال له: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه)، يريد به: لم يتغير بطول مدة بقائه، (وانظر إلى العظام كيف ننشزها)، يعني: عظام الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب (ثم نكسوها لحما) فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق أجزائها واندراسها بالموت (فلما تبين له) ذلك وشاهد الأعجوبة فيه (قال اعلم أن الله على كل شيء قدير) وهذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر والبيان لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهريين والمنجمين وأصحاب الطبائع من اليونانيين وغيرهم من المدعين الفلسفة والمتطببين على أن ما يذهب إليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن فأي الطريق للمقر بالاسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك، لولا أنهم بعداء من التوفيق مستمالون بالخذلان
وأمثال ما ذكرناه ـ وإن لم يكن قد جاء به القرآن ـ كثير، قد رواه أصحاب الأخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والآثار: من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من التدبيرات، لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا ولا عثر لهم على موضع ولا مكان، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند وملوكهم فكم كانت لهم غيبات وأخبار بأحوال تخرج عن العادات
لم نتعرض لذكر شيء من ذلك، لعلمنا بتسرع الخصوم إلى إنكاره، لجهلهم ودفعهم صحة الاخبار به وتعويلهم في إبطاله على بعده من عاداتهم وعرفهم فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الاسلام، الإقرار الخصم بصحة ذلك وأنه من عند الله تعالى، واعترافهم بحجة الاجماع وإن كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك، ونتحقق استبطانهم بخلافه، لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به، وأنهم كانوا ينحلون بظاهره خوفا من السيف وتصنعا أيضا، لا كتساب الحطام به من الدنيا، ولولا ذلك لصرحوا بما ينتمون وظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها يدينون ولها يعتقدون "
المفيد هنا يزعم ان الغيبة حدثت لبعض الأنبياء(ص)ومن ثم فطبقا لذلك يمكن حدوثها للمهدى المزعوم وهو ليس صحيحا فقد أخطأ فى التالى :
1-وجود نبى اسمه الخضر كان فى زمان موسى(ص) وما زال حيا حتى الآن وهذا كذب مخالف لقوله تعالى " ولكن رسول الله وخاتم النبيين" فلو كان الخضر حيا حتى ألآن ما كان محمد(ص) أخر الأنبياء كما يناقض لأنه الخضر كما يزعم المفيد عاش بعده
كما أنه لو كان حيا فما هى الحاجة للأئمة المزعومين جميعا بما فيهم المهدى فالنبى أعظم من الوصى ومن ثم سيكون هو الإمام ولا إمامة لوصى فى وجود نبى
2- اعتبر يوسف(ص) كان فى غيبة وهو خبل فالغيبة أن لا يعرفه أحد باسمه ولكنه كان يعيش فى مصر حياة علنية بنفس الاسم ويعلم اسم أبيه وجده الأول والثانى بدليل قوله تعالى " ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس"
3-اعتبر أن يونس(ص) كانت له غيبة بفراره من قومه وهو لم يهرب من قومه وإنما ظن ظن خاطىء فى الله وهو ما قاله الله فى قوله " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه"
ومن ثم فلم تكن هناك غيبة فحتى الثلاث ايام كان الناس في السفينة يعرفونه بغرقه في البحر وهو ما حدث أمامهم ومن ثم فلا توجد غيبة
4- اعتبر موسى (ص) كان في غيبة مع أنه أخبر القوم بذهابه للميقات وولى هارون(ص)عليهم وفى هذا قال تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"وقال "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون"
ومن ثم فالأمر كان معلنا باختيار هارون(ص) خليفة له أمامهم ومن ثم فلم تكن غيبة للجهل بها
5- اعتبر أهل الكهف والرجل المار على قرية كانوا في غيبة والموت ليس غيبة بالإرادة فحتى لو قارنا بينه وبين غيبة المهدى فلا وجه لأنه حى وكانوا هم موتى كما أن موت القوم كان لهدف أوضحه الله في كل قصة ففى أهل الكهف قال "فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"فالهدف " لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" والهدف في قصة المار قال تعالى "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شىء قدير" فالهدف " قال أعلم أن الله على كل شىء قدير"
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وفى موضوع الكتاب قال :
"وبعد، فإني قد خلدت من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقيها عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلى ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجلي المقال وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاص من الناس والعام، واشتهرت بين الجمهور من الأنام وبينت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمت المتقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والإشفاق على مهجهم من المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلاف قتله النبيين والمرسلين فيما استحلوه من ذلك بما ضمه الفرقان والقرآن المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمة المهديين ، واستتاره من دولة الظالمين، ما دل على إيجابه إلى ذلك وضرورته إليه مثمر العلم به واليقين وتجدد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحت معانيه على وجه السؤال فيه والجواب، وشواهد الحق فيه بحجة العقل والسنة والكتاب، رغبة ممن أجب له حقا، وأعظم له محلا وقدرا، وأعتقد في قضاء حقه ووفاق مشربه لازما وفرضا، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها، يختص القول فيها بإمامة صاحب الزمان ، وآثر أن يكون القول فيها على ترتيب عينه وميزه من جملة ما في بابه وبينه فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكر يمتد زمانه ويطول، ويستغني به عن الرجوع إلى العمد التي أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذبه فيها من الأصول"
وقد قسم المفيد الكتاب لعشر فصول ذكرهم مجملين كل فصل فى عدة سطور ثم بعد ذلك تناول الكلام فى كل فصل بالتفصيل ومن ثم فقد حذفت المجمل لعدم وجود أدلة أو مناقشة فيه والآن لمناقشة ما حاء فى تلك الفصول وأولها:
"الكلام في الفصل الأول:
وأقول: إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفا لحكم العادات، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقة، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء
فمنها: أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أسترت ملكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرعلى ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك،
وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرف به عند حضورها، وتحرجا من تضييع نسبه، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه وقد يولد للملك ولد يؤذن به حتى ينشأ ويترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه … وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند في الدولتين معا، فسطروا أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس، الذي جمع ملك بابل والمشرق،وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكي خسرو، وأمه هذه المسماة بوسفا فريدبنت فراسياب ملك الترك، فخفي أمره مع الجد كان من كيقاوس ـ جده الملك الأعظم ـ في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حينا طويلا
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس، وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ
وملخص القصة: أنه ولد لكيقاوس ابن، لم ير مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسماه أبوه سياوخش … ورباه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوس تزوج ابنة فراسياب ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنه امتنع عليها، فلما رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير كيقاوس على ابنه، وتوجه سياوخش لحرب فراسياب ـ لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند انكاحه ابنته إياه ـ مريدا بذلك البعد عن والده والتنحي عما تكيده به زوجة والده، فلما صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه أبوه عارا عليه، فمتنع من انفاذ أمر أبيه وأرسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلما صار سياوخش إلى فراسياب بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفافريد ثم لم يزل له مكرما حتى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب واخ، حتى قتل فراسياب سياوخش ومثل به، وامرأته ـ أبنة فراسياب ـ حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى ان تضع ليقتل الطفل، فلما وضعت فراسياب حملها: كيخسرو، رق فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود فوجه كيقاوس إلى بلاد الترك بى ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أمه، وان بي لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا حينا من الزمان فلا يعرف له خبرا ولا يدله عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أمه حتى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس …
إلى آخر القصة، وهي طويلة جدا اقتصرنا على محل الشاهد منها، من أرادها فليراجعها وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي، واستتار شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب
ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من
إظهار على أمان منه عليه ممن سميناه ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة، وقد شاهدنا من فعل ذلك، والخبر عن النساء به أظهر منه عن الرجال واشتهر من الملوك من ستر ولد وإخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير، وفي إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون انه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلف عن المقام، على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات وكم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداع دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد، إلا من شهد به من بعد عليه بإقراره به على الستر لذلك والوصية بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده
فصل:
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي إبراهيم الخليل وأمه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه وبستر ولادة موسى بن عمران ، وبمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان، والخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا لمصالح العباد
فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله
والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي: أنه اعترف بولده المهدي ، وآذنهم بوجوده، ونص لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلا، وبعضهم له يافعا وشابا كاملا، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه
وقد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي عليهما السلام وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبت ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم النص بالإمامة عليه
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصة في كتابي المعروف أحدهما: بـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، والثاني: بـ الايضاح في الإمامة والغيبة ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف إثباته في هذا الكتاب"
ما ذكره المفيد من أن المهدى المزعوم أخفى والده خبر وجوده وحمله ومن قبله زواجه بأمه مخالف للشرع فى التالى:
-وجوب إعلان أى زواج للمسلمين لقوله تعالى "أنكحوهن بإذن أهلهن"وقوله تعالى "ولا تواعدوهن سرا"
- وجوب إعلان نسب أى طفل لقوله تعالى "ادعوهم لآباءهم فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
- ما حكاه عن موسى(ص) فهذا أمر كان بالوحى وليس رجل عادى حتى ولو نسبوه للنبى(ص)او ابن عمه والمفترض أنه لو كان إماما مطلوبا عند الله لذكره الله فى الوحى حتى يمكن أن يصدق الناس فيما بعد هذه الغيبة المزعومة وفى هذا قال تعالى "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
وأما استدلاله على أن الملوك والسوقة يقومون بإخفاء أولادهم وزوجاتهم عن زوجاتهم المعروفات وأقاربهم وأعداءهم لأهداف في نفوسهم فلا يصلح للاستدلال به على أمر هو أساس في المذهب الشيعى فلو أردنا الاستدلال على أمر كهذا فلابد من آية وهى غير موجودة أو رواية حتى يخترعها البعض حتى تكون برهان وإن كان باطلا
وتكلم فى الفصل التالى عن إنكار جعفر بن على ولادة المهدى ابن أخيه فقال:
"الكلام في الفصل الثاني:
وأما المتعلق بإنكار جعفر بن علي شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن ابن علي ولد في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلا دون ولد له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن واستبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد بقية لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفا من بعده كان أحق بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممن حواه فليس بشبهة يعتمدها عاقل في ذلك، فضلا عن حجة، لاتفاق الأمة على أن جعفرا لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقع منها الضلال
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافة المرسلين الصلاة الدائمة والتحية والسلام ـ في ظلم أخيهم يوسف ، وإلقائهم له في غيابة الجب، وتغريرهم بدمه بذلك، وبيعهم إياه بالثمن البخس، ونقضهم عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في ذلك وعقوقه، وإدخال الهم عليه بما صنعوه بأحب ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغم بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم على براءتهم مما اقترفوه في ظلمه من الإثم، وهم لما أنكروه متحققون، وببطلان ما ادعوه في أمر يوسف عارفون هذا وهو أسباط النبيين، وأقرب الخلق نسبا بنبي الله وخليله إبراهيم فما الذي ينكر ممن هو دونهم في الدنيا والدين: أن اعتمد باطلا يعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقا قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين"
لا يهمنا إنكار العم ولادة هذا الابن مع أنه أثبت ذلك بالوسائل الشرعية وهو استبراء أرحام الزوجات والجوارى ولا يهمنا أنه ورث أخيه ميراثا شرعيا
ولكن القول أنه غير معصوم طبقا للمذهب كلام ينفيه أنه وارث أخيه ولا أحد بعده يقوم بالإمامة سواه فحتى مع وجود الطفل فهو الإمام حتى يشب الولد
كلامه هذا هو تطبيق للمذهب ولكنه ليس حجة فى غير المذهب الشيعة
وأما استدلاله على انه غير معصوم بفعل اخوة يوسف(ص) فهو استدلال خاطىء فلا أحد معصوم حتى الرسل (ص)بدليل قتل موسى للرجل من قوم فرعون واقراره بذلك واستغفاره لهذا الذنب فى قوله تعالى "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
وقال"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "
فلا يمكن إنكار ذنب القتل كما لا يمكن إنكار وجود ذنوب لمحمد(ص) نفسه بقوله تعالى" إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
فمن يقولون بالعصمة يريدون منا أن نكذب كلام الله وهونصوص واضحة جلية قاطعة لا يمكن تأويلها أى تأويل غير ما فيها
ثم قال المفيد:
"فصل:
وما أرى المتعلق في إنكار وجود ولد الحسن بن علي بن محمد وقد قامت بينة العقل والسمع به، ودل الاعتبار الصحيح على صواب معتقده، بدفع عمه لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى مقامه الذي جل قدره عند الكافة، باستحقاقه له دون من عداه من الناس، وبخعت الشيعة كلها بالطاعة له بما انطوت عليه من اعتقادها ولوجوبه له دون من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها على ذلك بعد وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلى مستحقها من فقراء أصحابه إلا كتعلق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه أبي لهب صدق دعوته، وجحد الحق في نبوته، والكفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أمية لعمه في ذلك، واجتماعهم على عداوته، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتبعيه على ملته هذا مع ظهور حجته، ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته
ومن صار في إنكار شيء أو إثباته أو صحته وفساده إلى مثل التعلق بجعفر بن علي في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان من أبي جهل وشركائه من أقارب النبي (ص)وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأكثر سر أمره وجهره وأحواله في دفع نبوته وإنكاره صدقه في دعوته سقط كلامه عند العلماء ولم يعد في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي الجهل والسفهاء"
اعتبار المفيد عمل جعفر كعمل أبى لهب هو كلام رغم أن ما قام به كان إثباتا شرعيا هو
مغالطة فالعم كذب الإسلام وجعفر طبقا لرواية الشيعة طبق الأحكام باستبراء رحم نساء أخيه مدة الحمل كما أن الشيعة الكثير منهم أدوا له الخمس وجعلوه إماما
وأما حكاية الابن المخفى فلا يوجد إثبات لها حتى لو شهد مع الأم وابنها العشرات لأن الأب مات وهو الوحيد الذى يمكن تصديقه فى الحكاية فى زواجه وإنجابه
ثم قال المفيد عن أحوال جعفر بن علي:
"فصل:
وبعد، فإن الشيعة وغيرهم ممن عني بأخبار الناس والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخبارا عن أحوال جعفر بن علي في حياة أخيه أبي محمد الحسن بن علي ، وأسباب إنكاره خلفا له من بعده، وجحد ولد كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار به في مخلفيه وشيعته، لو أوردتها على وجهها لتصور الأمر في ذلك على حقيقته، ولم يخف على متأمل بحاله، وعرفه على خطيئته
لكنه يمنعني عن ذلك موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة من يعترف بالحق من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا، ويظهر التدين بوجود ولد الحسن بن علي في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويكره إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جده ، بل لا أعلم أحدا من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن الحسن والتدين بحياته والانتظار لقيامه والعشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيدهم الله بترك إثبات ما سبق به من سميت في الأخبار التي خلدوها فيما وصفت أولى مع غناي عن ذلك بما أثبت من موجز القول في بطلان الشبهة، لتعلق ضعفاء المعتزلة والحشوية والزيدية و الخوارج والمرجئة في إنكار جعفر بن علي لوجود ابن الحسن بن علي، حسب ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك"
هنا المفيد يذكر نقيض ما قاله فى الفصل السابق وهو أن جعفر أنكر الولد بعد موت أخيه وكلامه فى هذا الفصل أن الإنكار كان فى حياة أخيه وهذا التناقض يدل على أن الحكاية من الأصل لم تقع
ثم تناول وصية الحسن بن على الذى يسمونه المهدى لأمه فقال :
"الكلام في الفصل الثالث:
وأما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن ، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها فليس بشيء يعتمد في إنكار ولد له قائم من بعده مقامه، من قبل أنه أمر بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن متملك الأمر في زمانه ومن يسلك سبيله في إباحة دم داع إلى الله تعالى منتظر لدولة الحق
ولو ذكر في وصيته ولدا له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه، ولا سيما مع اضطراره كان إلى شهادة خواص الدولة العباسية عليه في الوصية وثبوت خطوطهم فيهما ـ كالمعروف بتدبر مولى الواثق وعسكر الخادم مولى محمد بن المأمون والفتح بن عبد ربه وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحكامه ـ لما قصد بذلك من حراسة قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر على ولده، وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده، والكف لأعدائه بذلك عن الجد والاجتهاد في طلبه، والتبريد عن شيعته لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته ومن اشتبه عليه الأمر فيما ذكرناه، حتى ظن أنه دليل على بطلان مقال الإمامية في وجود ولد للحسن مستور عن جمهور الأنام، كان بعيدا من الفهم والفطنة، بائنا عن الذكاء والمعرفة، عاجزا بالجهل عن التصور أحوال العقلاء وتدبيرهم في المصالح وما يعتمدونه في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات
فصل:
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وحراسته ابنه موسى بن جعفر بعد وفاته من ضرر يلحقه: بوصيته إليه، وأـشاع الخبر عن الشيعة إذا ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أولهم المنصور ـ وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ـ ثم صاحبه الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر ، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه وفي هذه المصادر أنه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة ولم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده، ويتعلق بادخاله في وصيته ولو لم يكن موسى ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن ولده، لما ذكره في وصيته، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه وهذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمد في وصيته إلى والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولد له، ونظر له في معناه على ما بيناه"
ادخلنا المفيد فى متاهة فبعد أن ذكر وصية المهدى لأمه خوفا على ولده المخفى هو الأخر وهذه الوصية إن كان لها وجود فهى تقضى على مقولة المهدى لأنه طالما كان هناك وريث للمهدى المزعوم فلا يمكن أن يكون هناك مهدى لأنه يكون فى أخر الزمان وبعهده تأتى القيامة كما معروف فى الأخباروهو ما قاله فى الفصل الرابع حيث قال:
طوالذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر ائمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل ط
وبدلا من أن ينفى ولدية الوريث المخفى حتى لا يقضى على مقولة المهدوية نجده يثبت الوريث الخفى بأمر سبق أن فعله فى الرواية واحد من الأئمة هو جعفر بن محمد عندما جعل وريثه موسى واحد من ضمن خمسة ليسوا من أولاده خوفا عليه من أن يقتل
ثم تناول فى الفصل الرابع حكاية السرية فى أمر المهدى فقال :
"الكلام في الفصل الرابع:
فأما الكلام في الفصل الرابع، وهو: الاستبعاد الداع (كذا) للحسن إلى ستر ولده، وتدبير الأمر في إخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه وانتشارهم في البلاد وثروتهم بالأموال وحسن الأحوال، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه واعتقاد ملوكه فيهم، وشد غلظهم على الدائنين بإمامتهم، واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم ولا مؤهل الأمر من بعدهم وقول الخصوم: إن هذا متناقض في أحوال العقلاء فليس الأمر كما ظنوه، ولا كان على ما استبعدوه والذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل
وكانوا لا يكبرون بوجود من يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا بدعوة من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتق يكون عليهم به، ولاعتقادهم قلة عدد من يصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم، أو يصدقهم فيما يخبرون به من منتظر يكون لهم فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف، ووجدنا الشيعة الإمامية مطبقة على تحقيق أمره وتعيينه والاشارة إليه دون غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول الشبهة في التعلق به، ويحصل الأمان في الفتنة بالاشارة إليه والدعوة إلى نصرته ولو لم يكن ما ذكرناه شيئا ظاهرا وعلة صحيحة وجهة ثابتة، لكان غير منكر أن يكون في معلوم الله جل اسمه أن من سلف من آبائه يأمن مع ظهوره، وأنه هو لو ظهر لم يأمن على دمه، وأنه متى قتل أحد من آبائه عند ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم مقامه وأن ابن الحسن لو يظهر لسفك القوم دمه، ولم تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحق صلاح بإقامة إمام من بعده لكفى في الحجة وأقنع في إيضاح المحجة، فكيف وقد بينا عن سبب ذلك بما لايحيل على ناظر"
الكلام عن كون الإمام أخفى أمر ابنه تماما يتناقض أساسا مع أن إمامة الب ظاهرة فلماذا خاف على ابنه ولم يخف على نفسه ؟وأيضا المشكلة تكمن ان ملوك الزمان قادرين على دس جواسيسهم داخل بيت الإمام ومعرفة كل ما يفعله فى ليله ونهاره وحكاية الجوارى هى أسهل طريق لذلك ومن ثم لا يمكن اخفاء أمر كهذا مهما كان حرص الرجل وحكاية الاخفاء التام تجعل تصديق الشيعة فيما بهد امر صعب جدا لجهلهم كما أن رواية من لم يعرف إمامه عصره فقد كفر أو دخل النار تجعل الإمام المخفى لابنه يدخل شيعته كلهم النار لأنهم لا يعرفون بامر هذا الإمام الخفى الذى لا يعرف له اسم ولا مكان
ثم تناول حكاية استتار الإمام مع طول مدة الاستتار حتى عدت بمئات السنين فقال:
"الفصل الخامس:
وأما الكلام في الفصل الخامس، وهو قول الخصوم: إن دعوى الإمامية لصاحبهم أنه منذ ولد إلى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد مستتر لا يعرف أحد مكانه ولا يعلم مستقره، ولا يدعي عدل من الناس لقاءه ولا يأتي بخبر عنه ولا يعرف له أثرا خارجة عن العرف، إذ لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك، إذ كان كل من اتفق له الاستتار عن الظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الأغراض، تكون مدة استتاره مرتبة، ولا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد عليها، ولا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه، بل لابد من أن يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه، وبخبر منه يأتي إليهم عنه وإذا خرج قول الإمامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يرج قيام حجة
فصل:
وليس الأمر كما توهمه الخصوم في هذا الباب، والإمامية بأجمعها تدفعهم عن دعواهم وتقول:
إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد قد شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره: ينقلون إليهم عن معالم الدين، ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه لديهم
وهم جماعة كان الحسن بن علي عدلهم في حياته، واختصهم أمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم كأبي عمر وعثمان بن سعيد السمان ، وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وبني الرحبا من نصيبين، وبني سعيد، وبني مهزيار بالأهواز، وبني الركولي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد،وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرها من الجبال، مشهورون بذلك عند الإماميه والزيدية، معروفون بالإشارة إليه به عند كثير من العامة ومن الكوفة: العاصمي ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ومن أهل همدان: محمد بن صالحومن أهل الري: البسامي، والأسدي، يعني: نفسه ومن أهل آذربايجان: القاسم بن العلاءومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان ومن غير الوكلاء:من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبدالله الكندي، وأبو عبدالله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبدالله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصرة المختومة ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمرانومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن اخية، وأبو الحسن ومن اصفهان: ابن باذشالة ومن الصيمرة: زيدان ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وابوه، والحسن بن يعقوب ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد ومن فاقتر: رجلان ومن شهرزور: ابن الخال ومن فارس: المحروجومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكة، وأبو رجاء ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء ومن الأهواز: الحصيني وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم الظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم، ضنا بهم واعتقادا لبطلان قذفهم به، وذلك لما كان من شدة تحرزهم، وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب تدبيرهم
وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الإمامية لهم: أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان، ولا خبر أحد بلقائه فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه ، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد متناصرة: بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى، إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجده ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم ، وبإن صدق رواتها بالغيبة الطولى، فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه
وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى، في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو، وامتحان لهم بذلك في عبادته، مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم ـ كما ادعاه الخصوم ـ يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره وكم ولي لله تعالى، يقطع الأرض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعد بدينه عن محل الفاسقين، لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ولا يدعي انسان له لقاء ولا معه اجتماعا وهو الخضر ، موجود قبل زمان موسى إلى وقتنا هذا، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار، سائحا في الأرض، لا يعرف له أحد مستقرا ولا يدعي له اصطحابا، إلا ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى ، وما يذكره بعض الناس من أنه يظهر أحيانا ولا يعرف، ويظن بعض من رآه أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر، وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا ظنه، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان وقد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عز وجل وبعثه نبيا، فدعا إليه وعرفه الولي والعدو إذ ذاك وكان من قصة يوسف بن يعقوب ما جاءت به سورة كاملة بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحا ومساء، وأمره مطوي عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه، حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه عليه ـ لفقده، ويأسه من لقائه، وظنه خروجه من الدنيا بوفاته ـ ما انحنى له ظهره، وأنهك به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه وكان من أمر يونس نبي الله مع قومه وفراره عنهم عند تطاوله المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى، إذ كان المتولي لحبسه في جوف الحوت في قرار بحر، وقد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيا، ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض ولم يخطر له ببال سكناه وهذا أيضا خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم: في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد، ودبر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير، فكان يقلبهم ذات اليمين وذات شمال كالحي الذي يتقلب في منامه بالطبع والأختيار، ويقيهم حر الشمس التي تغير الألوان، والرياح التي تمزق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم أحياهم فعادوا إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحل الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمن القرآن من شرح قصتهم، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم وليس في عادتنا مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به، وقد تقول: لن يكون في المقدور وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن، وأهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى، وقد كان (مر على قرية وهي خاوية على عروشها) فاستبعد عمارتها وعودها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة، فـ (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وبقي طعامه وشرابه بحاله لم يغيره تغيير طبائع الزمان كل طعام وشراب عن حاله، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه، وبقي حماره قائما في مكانه لم ينفق ولم يتغير عن حاله حي يأكل ويشرب، لم يضره طول عمره ولا أضعف ولا غير له صفة من صفاته فلما أحياه الله تعالى ـ المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام ـ قال له: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه)، يريد به: لم يتغير بطول مدة بقائه، (وانظر إلى العظام كيف ننشزها)، يعني: عظام الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب (ثم نكسوها لحما) فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق أجزائها واندراسها بالموت (فلما تبين له) ذلك وشاهد الأعجوبة فيه (قال اعلم أن الله على كل شيء قدير) وهذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر والبيان لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهريين والمنجمين وأصحاب الطبائع من اليونانيين وغيرهم من المدعين الفلسفة والمتطببين على أن ما يذهب إليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن فأي الطريق للمقر بالاسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك، لولا أنهم بعداء من التوفيق مستمالون بالخذلان
وأمثال ما ذكرناه ـ وإن لم يكن قد جاء به القرآن ـ كثير، قد رواه أصحاب الأخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والآثار: من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من التدبيرات، لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا ولا عثر لهم على موضع ولا مكان، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند وملوكهم فكم كانت لهم غيبات وأخبار بأحوال تخرج عن العادات
لم نتعرض لذكر شيء من ذلك، لعلمنا بتسرع الخصوم إلى إنكاره، لجهلهم ودفعهم صحة الاخبار به وتعويلهم في إبطاله على بعده من عاداتهم وعرفهم فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الاسلام، الإقرار الخصم بصحة ذلك وأنه من عند الله تعالى، واعترافهم بحجة الاجماع وإن كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك، ونتحقق استبطانهم بخلافه، لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به، وأنهم كانوا ينحلون بظاهره خوفا من السيف وتصنعا أيضا، لا كتساب الحطام به من الدنيا، ولولا ذلك لصرحوا بما ينتمون وظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها يدينون ولها يعتقدون "
المفيد هنا يزعم ان الغيبة حدثت لبعض الأنبياء(ص)ومن ثم فطبقا لذلك يمكن حدوثها للمهدى المزعوم وهو ليس صحيحا فقد أخطأ فى التالى :
1-وجود نبى اسمه الخضر كان فى زمان موسى(ص) وما زال حيا حتى الآن وهذا كذب مخالف لقوله تعالى " ولكن رسول الله وخاتم النبيين" فلو كان الخضر حيا حتى ألآن ما كان محمد(ص) أخر الأنبياء كما يناقض لأنه الخضر كما يزعم المفيد عاش بعده
كما أنه لو كان حيا فما هى الحاجة للأئمة المزعومين جميعا بما فيهم المهدى فالنبى أعظم من الوصى ومن ثم سيكون هو الإمام ولا إمامة لوصى فى وجود نبى
2- اعتبر يوسف(ص) كان فى غيبة وهو خبل فالغيبة أن لا يعرفه أحد باسمه ولكنه كان يعيش فى مصر حياة علنية بنفس الاسم ويعلم اسم أبيه وجده الأول والثانى بدليل قوله تعالى " ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس"
3-اعتبر أن يونس(ص) كانت له غيبة بفراره من قومه وهو لم يهرب من قومه وإنما ظن ظن خاطىء فى الله وهو ما قاله الله فى قوله " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه"
ومن ثم فلم تكن هناك غيبة فحتى الثلاث ايام كان الناس في السفينة يعرفونه بغرقه في البحر وهو ما حدث أمامهم ومن ثم فلا توجد غيبة
4- اعتبر موسى (ص) كان في غيبة مع أنه أخبر القوم بذهابه للميقات وولى هارون(ص)عليهم وفى هذا قال تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"وقال "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون"
ومن ثم فالأمر كان معلنا باختيار هارون(ص) خليفة له أمامهم ومن ثم فلم تكن غيبة للجهل بها
5- اعتبر أهل الكهف والرجل المار على قرية كانوا في غيبة والموت ليس غيبة بالإرادة فحتى لو قارنا بينه وبين غيبة المهدى فلا وجه لأنه حى وكانوا هم موتى كما أن موت القوم كان لهدف أوضحه الله في كل قصة ففى أهل الكهف قال "فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"فالهدف " لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" والهدف في قصة المار قال تعالى "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شىء قدير" فالهدف " قال أعلم أن الله على كل شىء قدير"
رضا البطاوى- عضو ممتاز
-
عدد الرسائل : 3602
العمر : 56
العمل : معلم
تاريخ التسجيل : 18/07/2011
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب المسائل العشر في الغيبة2
» قراءة فى كتاب أريد أن أتوب من الغيبة فما الوسيلة؟
» قراءة فى كتاب أجوبة المسائل الفرنسية
» نقد كتاب أبواب الأجر في الأيام العشر
» نقد كتاب بيان مسألة العذر بالجهل في المسائل الاعتقادية
» قراءة فى كتاب أريد أن أتوب من الغيبة فما الوسيلة؟
» قراءة فى كتاب أجوبة المسائل الفرنسية
» نقد كتاب أبواب الأجر في الأيام العشر
» نقد كتاب بيان مسألة العذر بالجهل في المسائل الاعتقادية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى