البرق Telegraph
البرق Telegraph
البرق
البرق Telegraph تقنية تختص بتوفير الاتصالات وإرسال الرسائل والمعلومات والصور عن بعد بين نقطتين أو أكثر، باستخدام رموز وإشارات بالاتصال المباشر بالنظر أو سلكياً أو لاسلكياً، يستقبلها مركز استقبال، ويفك ترميزها، ويسلمها إلى عنواناتها في صورة برقيات جاهزة على الورق. وتعد البرقيات وثائق معتمدة لدى المراجع المعنية. وهذا ما يميز منظومات البرق من بقية منظومات الاتصال، كالهاتف مثلاً.
شاع استخدام مصطلح «البرق» في اللغة العربية للدلالة على هذا النوع من الاتصالات منذ أوائل القرن العشرين، في مقابل مصطلح تلغراف telegraph الذي أطلقه المهندس الفرنسي كلود شاب Claude Chappe سنة 1792 على أول منظومة ملوّحات semaphore system ابتكرها لإرسال الإشارات بين نقطتين على اتصال بالنظر. وقد اتسع مفهوم البرق في الزمن الحاضر ليشمل جميع أنواع الاتصالات المسجلة عن بعد، ومنها الاتصال البرقي السلكي واللاسلكي وخدمة التلكس والفاكس والاتصال البرقي الفضائي والاتصال عن طريق شبكات الحواسيب المحلية والدولية وعن طريق الكبول المحورية والألياف الضوئية.
لمحة تاريخية
مر تبادل الاتصالات عن بعد بعدة مراحل هي: البرق غير المكتوب nonliteral telegraph، بإرسال إشارات مصطلحة أو إشارات أبجدية والبرق المرئي، والبرق المكتوب بالإرسال السلكي واللاسلكي.
البرق غير المكتوب: مارس إنسان ما قبل التاريخ الاتصال بالآخرين بالقرع على الأشياء المجوفة وجذوع الأشجار والطبول والصفير وطوّر على أساسها مجموعات من الرموز الصوتية، كما استخدم الدخان والنيران والسطوح المعاكسة لإرسال الإشارات.
البرق الأبجدي: ترجع بدايات استعمال الإشارات الأبجدية إلى نحو عام 300 ق م، حين ابتكر اليونانيون شبكة مربعات من خمسة صفوف أفقية وخمسة صفوف عمودية، خصص كل مربع من مربعاتها لحرف من الحروف اليونانية الأربعة والعشرين، واستخدموا للدلالة على كل حرف منها جراراً من الفخار ترتب وفق تلك الشبكة فوق جدارين. طبقت هذه الطريقة فيما بعد على الحروف اللاتينية فرمز إلى كل منها بزوج من الأرقام، وطورت الفكرة فيما بعد حين اقترح رياضي إيطالي يدعى جيرولامو كاردانو Gerolamo Cardano استخدام خمسة مشاعل على خمسة أبراج للدلالة على حروف الأبجدية كلها على أساس التناوب بين المضيء والمعتم (الصفر والواحد في المفهوم الحديث).
البرق المرئي: ثمة منظومتان تسترعيان الانتباه من البرق المرئي غير المكتوب عرفت إحداهما في فرنسة سنة 1794 باسم «ملوّحات الجمهورية الأولى»، وأنشئت الثانية في إنكلترة لصالح الأدميرالية البحرية عام 1795.
وصاحب الابتكار الأول هو المهندس الفرنسي كلود شاب، وكانت تتألف من ملوّحة semaphore بذراعين متمفصلين فوق عارضة، ولكل ذراع سبع وضعيات بزاوية 45 درجة بين الوضعية والأخرى، ترمز كل وضعية منها إلى حرف من حروف الهجاء ورموز أخرى. تُنصب الملوّحة على برج فوق ذروة مرتفع يرى من نقطة أخرى مماثلة على مسافة 5-10 كم ويعاد إرسال الإشارة من نقطة إلى أخرى حتى تبلغ غايتها إذا توافرت شروط الرؤية الجيدة. وشاع استخدام منظومة شاب أو ما شاكلها في كثير من دول العالم (الشكل 1- أ، ب).
أما صاحب الابتكار الثاني فهو أسقف إنكليزي يدعى جورج موراي George Murray، طور منظومة سميت «البرق اللوحي» استخدمتها قيادة القوى البحرية الإنكليزية بنجاح، وكانت تتألف من ستة ألواح يدور كل منها بزاوية مقدارها 90 درجة على محور أفقي، وقد رتبت هذه الألواح في صفين، ونصبت على حامل مرتفع، ويشار إلى الحرف أو الرمز المطلوب بعدد الألواح المفتوحة في الوضع الشاقولي وترتيبها. وسرعان ما ظهرت أشكال أخرى مختلفة من منظومة موراي انتشرت في بريطانية والولايات المتحدة الأمريكية (الشكل-2) وظلت مستخدمة إلى تاريخ استخدام البرق الكهربائي (المورس).
البرق باستخدام الكهرباء: كان اكتشاف الكهرباء نقطة تحول جديدة في مجال الاتصال البرقي حين توصل الفيزيائي الإيطالي ألساندرو فولتا[ر] Alessandro Volta إلى إقامة خط لإرسال الإشارات بين كومو وميلانو في إيطالية عن طريق سلك من الحديد مثبت على أعمدة، واقترح استعمال أجهزة متماثلة عند نهايتي خط الاتصال تعمل وفق مبدأ الساعة فتشير إلى أرقام يمكن ترجمتها إلى حروف بالاستعانة بكتاب «التشفير». وفي عام 1816 أنتج جهاز برق على مبدأ الساعة في إنكلترة. ومع أن هذا الحل لم يكن مقنعاً فقد كان الأساس الذي بشر بظهور «التلغراف الكاتب» stock ticker والطابعة البرقية printing telegraph فيما بعد.
التسجيل البرقي بالإبر المغنطيسية
دخل الاتصال البرقي عصراً جديداً باستخدام الأثر المغنطيسي للتيار الكهربائي وكانت أول منظومة برق كهربائية عملية من إنجاز المخترع والمستشرق الروسي بافل شيلينغ (1786- 1837) Pavel Shieling استخدم فيها ست إبر ممغنطة يتحكم فيها مجال مغنطيسي من تيار كهربائي يمر في ملف من أسلاك نحاسية معزولة، فتتحرك كل إبرة في إحدى وضعيتين بحسب اتجاه سريان التيار في الملف المستقْبِل، الذي يتحكم فيه وضع المفاتيح في جهاز الإرسال، وبذلك يمكن إرسال 64 إشارة مرمزة تدل على حروف الألفبائية والأرقام وعلامات الترقيم. وقد تمكن شيلينغ من إقامة خط برقي بين مقري إقامة القيصر الروسي في بطرسبرغ، واستخدم سلكاً معزولاً في أنابيب زجاجية تحت الأرض (الشكل 3).
ثمة منظومة برقية أخرى من هذا القبيل أقيمت سنة 1833 في مدينة غوتنغن (ألمانية) كانت تتألف من خطين سلكيين برقيين من النحاس على مسافة 2.3 كم فوق أسطح المنازل.
وفي العام 1836 اقترح الإنكليزي وليم كوك W.F.Kooke مع تشارلز ويتستون Charles Wheatstone إقامة خط للبرق الكهربائي على السكك الحديدية إلى جانب البرق المرئي في إنكلترة، عن طريق منظومة من خمس إبر مغنطيسية وستة أسلاك موصلة (الشكل 4).
وكان المستقبِل يتألف من خمسة مؤشرات ظاهرة على قضيب أفقي متصل بإبر خمسة يمكن أن تنحرف باتجاه دوران عقارب الساعة وعكسه بدءاً من نقطة التوقف، بحسب مرور التيار في الأسلاك التي تتحكم فيها مفاتيح تغذيها بطارية كهربائية. وقد وضعت هذه المنظومة في الاستخدام بدءاً من العام 1839 وبسبب ارتفاع تكلفة مد ستة أسلاك ابتكر المخترعان سنة 1845 جهازا من إبرة واحدة فقط تبنته عدة شركات للبرق في إنكلترة إلا أنه تعرض لمنافسة شديدة من منظومة مورس (1844) في البر الأوربي. وفي الحقبة نفسها توصل فيزيائي ألماني يدعى كارل أوغست فون شتاينهايل (1801-1870) Carl August von Steinheil إلى صنع أول جهاز برقي طابع بإبرة مغنطيسية واحدة استخدم فيه سلكاً واحداً مستعيضاً بالأرض عن السلك الآخر.
البرق باستخدام المغنطيس الكهربائي
في عام 1832 اقترح صموئيل مورس أفكاراً عدة لاستخدام المغنطيس الكهربائي في الاتصال البرقي. وتوصل في العام 1835 إلى وضع نظام ترميز سمي باسمه يعتمد على طول النبضة وقصرها (النقطة والخط) باستخدام مغنطيس كهربائي يتغذى من بطارية لترميز الحروف والأرقام وعلامات الترقيم، وأدخلت تعديلات فيما بعد على هذا النظام وتُبنِّي عالمياً ووضع له مقابل باللغة العربية (الشكل 5). وأتم مورس في العام 1837 صنع جهاز عملي قليل التعقيد أقنع المسؤولين في حكومة الولايات المتحدة بصلاحيته، وفي عام 1844 دُشِّن أول خط برقي على أعمدة لمنظومة مورس بين مدينتي بلتيمور وواشنطن من سلك واحد من حديد بطول 60 كم. وكان في وسع العامل المرسل الماهر إرسال 20-25 كلمة في الدقيقة، وسرعان ما انتشرت خطوط البرق المحمولة على أعمدة في طول الولايات المتحدة أو عرضها بجهود شركات خاصة بعد الحصول على ترخيص من مورس. وانتشرت هذه المنظومة بسرعة في البر الأوربي بدءاً من فرنسة (1845). وظلت الأسلاك الحديدية على أعمدة هي المستعملة في خطوط البرق حتى نهاية القرن التاسع عشر حين استبدلت بها الأسلاك النحاسية المقواة.
كانت الحاجة إلى منظومة سلكية خاصة، لا تتطلب معرفة الترميز البرقي، سبباً في ظهور منظومة قراءة مباشرة للرسائل البرقية، عرفت باسم «منظومة ا ـ ب ـ ث A-B-C» تعمل وفق مبدأ أساسه قرص دائري على شكل وجه الساعة يحمل كل الحروف والأرقام، وعليه مؤشر يدور ويتوقف عند الحرف المطلوب، فيسجله العامل المستقبل، ولدى المرسل جهاز مماثل تقريباً، وحول قرصه أزرار تدل على الحروف والأرقام، فإذا أراد المرسل إرسال برقية يضغط بيد على زر الحرف المطلوب ثم يدير بيده الأخرى ذراع إدارة في جانب الجهاز، مربوط بمولد كهرباء مغنطيسي يولد تياراً متناوبا لكل حرف مرسل، ويمكن بهذه الوسيلة إرسال 8- 15 كلمة في الدقيقة.
البرق الطابع
ينسب اختراع أول طابعة برقية إلى شركة أمريكية وضعتها في الخدمة بعد عامين من منظومة مورس، ومع أن هذه المنظومة كانت معقدة وتتطلب وجود عاملين للإرسال وعاملين للاستقبال ولم يدم استخدامها طويلاً فإنها كانت الأساس الذي بني عليه أول جهاز عملي استخدم على نطاق عالمي.
وفي عام 1872 نجح الفرنسي جان موريس إميل بودو (1845- 1903) Jean-Maurice-Emile Baudot في تصميم طابعة متعددة القنوات وفق مبدأ «الإرسال المضاعف بتخصيص الزمن» time-division multiplex تبنتها إدارة البريد و البرق الفرنسية. وأساس هذا المبدأ هو إقامة عدة اتصالات برقية في دارة واحدة في آن واحد بتخصيص مدة زمنية قصيرة جداً لكل اتصال. وقد أدخل بودو تحسينات كثيرة على منظومته تزامنت مع اختراع الآلة الكاتبة في سبعينات القرن التاسع عشر، وصار في الوسع منذ العقد الأخير من ذلك القرن طبع البرقية على صفحة ورق بدلاً من الشريط الورقي (الشكل 6).
وفي عام 1903 ابتكر الإنكليزي دونالد موراي Donald Murray منظومة إرسال مضاعف بالتخصيص الزمني تبنتها إدارة البريد والبرق البريطانية مستفيداً من أكثر عناصر منظومة بودو. وقد باع موراي حقوق استثمار اختراعه سنة 1912 إلى الأمريكيين الذين أضافوا إليه جهاز تحكم تلقائي وبلغت سرعة إرساله 40- 66 كلمة في الدقيقة، وطوُرت في بريطانية وألمانية وفرنسة بعد ذلك أجهزة طابعة تصل سرعاتها إلى أكثر من مئة كلمة في الدقيقة.
الطابعة البرقية عن بعد
أدخلت إبان الحرب العالمية الأولى تحسينات كثيرة على أجهزة الاتصال البرقي أدت إلى ظهور «الطابعة عن بعد» teleprinter [ر.الآلات المكتبية]، وكان الهدف منها استخدامها من الأشخاص العاديين أسوة بأجهزة الهاتف. وقد مهد ظهورها لتعميم خدمات البرق في شبكات تربط بين المشتركين العاديين.
وقد حددت الاتفاقيات الدولية ألفبائية برقية دولية للطابعات عن بعد بموجب توصيات اللجنة الاستشارية الدولية للبرق والهاتف CCITT عرفت باسم «الألفبائية البرقية الدولية رقم 2» International Telegraph Alphabet no 2 (ITA2) ، وفرضت معايير وشروطا فنية دقيقة لاستخدام الألفبائية منها: تحديد مدة النبضة الواحدة، ويلجأ غالباً إلى تحضير النص في البدء على شريط مثقب يوضع على جهاز قارئ tape reader، ملحق بالطابعة يتحرى الثقوب ويترجمها إلى نبضات كهربائية ترسل بالسرعة القصوى (الشكلان 7 و.
الطابعة البرقية الثنائية اللغة
كان للتطور التقني الكبير في مجال الإلكترونيات فضل ظهور «طابعة عن بعد» يمكن بها التراسل بلغتين مختلفتين، ومنها الطابعة العربية اللاتينية الثنائية اللغة. وقد اعتمدت الدول العربية مجتمعة عام 1980 مواصفة لهذه الطابعة الثنائية اللغة التي أعدها خبراء عرب بإشراف «الاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية»[ر] لتحل محل الطابعة عن بعد العربية اللغة التي كان الاتحاد قد اعتمدها في العام 1970، غير أن استخدام المعالج الصغري micro processor وتطبيق مبدأ تحليل «سياق الكلام» context analysis مكنا من تذليل الصعوبات جميعها ووضع الحلول المناسبة لها، ويبين الشكل 9 منظومة الترميز المطبقة في الطابعة الثنائية اللغة العربية اللاتينية. ويلاحظ هنا وجود أربع وضعيات، اثنتين منها للحروف والأرقام كما هو الحال في الألفبائية الدولية رقم 2، ووضعية ثالثة ثابتة للحروف العربية التي تتواتر كثيراً، ووضعية رابعة متبدلة للحروف العربية القليلة التواتر تعود بعدها تلقائياً إلى الوضعية الثابتة السابقة لهذه الحروف.
أساليب الإبراق ووسائله
الإبراق بالتيار المستمر: ويتم باستعمال منبع للتيار المستمر يصدر تياراً يسري في اتجاه واحد أو باستعمال منبعين لتيارين مستمرين يسري التيار الأول منهما في اتجاه ويسري التيار الثاني في الاتجاه المعاكس. ففي الحالة الأولى تسري النبضات الكهربائية عند وصل في الدارة بين المرسل والمستقبل، وتتوقف عند قطعها، وقد اصطلح على تسميتها «دارة برقية وحيدة القطب» single current circuit، ويستخدم فيها مغنطيس كهربائي غير مستقطب لاستقبال النبضات (الشكل 10).
أما الحالة الثانية فتوفر نبضات كهربائية متتابعة موجبة أو سالبة بحسب جهة سريان التيار تبعاً لوضعية مفتاح الإرسال، وقد اصطلح على تسميتها «دارة برقية ثنائية القطبية» double current circuit، ويستخدم فيها مغنطيس كهربائي مستقطب (الشكل 11).
الإبراق بالتيار المتناوب: ويسمى كذلك «البرق الترددي» ويتم باستعمال تيار متناوب ثابت التردد، أو تيارين متناوبين مختلفي التردد. ويطلق على الحالة الأولى اسم «البرق الترددي ذي التعديل السعوي» amplitude modulation، وفيه يؤدي إغلاق (وصل) الدارة إلى إرسال نبضات بتردد معين، ويؤدي قطعها إلى توقف سريان التيار. ويطلق على الحالة الثانية اسم «البرق الترددي ذي التعديل الترددي» frequency modulation ويستخدم فيها ترددان مختلفان أحدهما f1 لتيار العمل والثاني f2 لتيار الراحة. ولكي يتمكن المغنطيس الكهربائي في المستقبل من التقاط نبضات التيار المتناوب القادمة إليه يجب تحويلها إلى تيار مستمر بوساطة مقوم أو مرشح (الشكل 12).
زيادة فاعلية خطوط الاتصالات البرقية
كان الاستخدام الأمثل لخطوط البرق المشكلة الرئيسية التي اعترضت تطوير الاتصالات البرقية، وقد أمكن عن طريق استخدام الدارات الهاتفية نفسها في الاتصال البرقي مضاعفة مردود تلك الدارات وخفض تكاليفها. واستمرت المحاولات منذ أواسط القرن التاسع عشر من أجل تحسين نوعية الاتصالات و زيادة مردودها، وكان من أبرز تلك المحاولات:
استخدام دارات الهاتف: في ثمانينات القرن التاسع عشر استحدثت دارة وحيدة القطب بسلك واحد مع وصلة أرضية تستفيد من خطوط الهاتف المزدوجة من دون أي تشويش أو تداخل (الشكل 13)، ثم اسْتُحدثت مجموعة مركبة من خطين برقيين عن طريق دارة الهاتف موصولين بالأرض، وقد ظلت هذه المجموعات قيد العمل حتى سبعينات القرن العشرين في الاتصالات بين المدن.
الاستخدام المزدوج للدارة البرقية: أي تحقيق الإرسال في الاتجاهين duplex operation في آن واحد بدلاً من قصر استخدام الدارة على الإرسال في أحد الاتجاهين simplex operation. وذلك باعتماد ما يسمى «جسر ويتستون» أو الجسر الثنائي القطب bridge polar duplex circuit عن طـريق وصل المغنطيس الكهربائي في المُستقبِل عند طرفي خط الاتصال بجسر من المقاومات قطرياً، ووصل المرسل عند كل طرف بنقطة التقاء ضلعي الجسر (الشكل 14) ويمثل الخط الواصل بين الطرفيتين جسر المقاومة الكلية، وعند كل طرفية مقاومةٌ متغيرة لتحقيق التوازن مع المقاومة الكلية منعاً لتأثر المغنطيس الكهربائي في هذه الطرفية عند الإرسال بالإشارة التي ترسلها، وعلى هذا النحو يمكن لأربعة عمال تبادل برقيتين منفصلتين عن طريق خط اتصال واحد.
الإرسال المضاعف بتخصيص الزمن: سبقت الإشارة إلى أن مبدأ الإرسال المضاعف بتخصيص الزمن TDM طبق على نطاق واسع لتحقيق عدة اتصالات برقية عن طريق دارة واحدة في آن واحد بتخصيص مدة زمنية قصيرة لكل اتصال.
الإرسال المضاعف بتخصيص التردد: يقوم هذا المبدأ على استخدام التيار المتناوب في الإرسال البرقي. وعلى هذا الأساس يخصص تردد للنبضات الموجبة وتردد للنبضات السالبة. ويمكن على هذا النحو تحميل 24 قناة برقية على قناة هاتفية واحدة. وبعد ربط أجهزة الإرسال والاستقبال البرقية بأجهزة التحميل في طرفي الدارة الهاتفية، تتولى أجهزة التحميل مزج ترددات تلك القنوات على مدخل الدارة الهاتفية ثم تَفْصِل كلا منها على حدة عند المخرج باستخدام المرشحات.
شبكات البرق
كان البرق قبل انتشار استخدام الهاتف الوسيلة الرئيسية للاتصالات ضمن المدن الكبرى وبين المدن المختلفة. ومنذ العام 1859 بدأت تظهر في العواصم والمدن الكبرى شبكات برق تتألف من مكاتب تحويل وسيطة متباعدة ترتبط مع المكاتب المركزية بخطوط هوائية أو أرضية، وتتولى وصل المشتركين يدوياً حسب الحاجة. وكان بعض الخطوط البرقية يؤجر للشركات التجارية والصحف المهمة ويربط بها ربطاً دائماً من دون تدخل المكاتب الوسيطة، وهو ما اصطلح على تسميته الاتصال «نقطة إلى نقطة». وتطورت مكاتب التحويل الوسيطة أو مقاسم التحويل البرقي لتصبح نصف آلية مع استخدام معدات التثقيب والأشرطة المثقبة والقارئات ثم غدت مراكز مؤتمتة تحول البرقيات الواردة والصادرة إلى عنواناتها باستخدام الحواسيب.
شبكات التلكس: كان من أهم إنجازات تطوير الاتصالات البرقية اختراع الطابعات عن بعد واستخدامها طرفيات للإرسال والاستقبال، واستخدام أجهزة البرق المتعددة القنوات بالتخصيص الترددي. وقد مهد ذلك لظهور شبكات ما اصطلح على تسميته «تلكس»، وهو اختصار للعبارة الإنكليزية teleprinter exchange (مقسم الطابعات عن بعد). ويمكن لكل مشترك عن طريق شبكات التلكس الاتصال برقياً بالمشتركين الآخرين اتصالاً مباشراً كما لو كان يستخدم الهاتف، بل يتيح للمشترك اتصالاً برقياً يضع بين يديه وثيقة مادية معترفاً بها قانوناً.
تتألف شبكة التلكس عادة من أجهزة المشتركين ومن مراكز التحويل الوسيطة (المقاسم) ومن خطوط الاتصال بين تلك المقاسم. ومع تطوير تقنيات المعلومات صارت مقاسم التلكس تدار بالحواسيب زيادة في السرعة والضمان.
ومقاسم التلكس على أنواع، شأنها شأن مقاسم الهاتف، فهي إما محلية وإما مقاسم عبور وإما مقاسم دولية وإما مقاسم مختلطة تجمع بين الأنواع السابقة. وتوفر عدة طرق بديلة في حال انشغال الطريق الرئيسية.
شبكة الجنتكس: الجنتكس gentex مصطلح نحت من العبارة الإنكليزية general teleprinter exchange وتعني «مقسم الطابعات العامة عن بعد»، وقد أطلق هذا المصطلح على الشبكة الأوربية للطابعات عن بعد التي تبنتها إدارات الاتصالات (البريد والبرق والهاتف) الأوربية لتبادل البرقيات بين عامة الناس، في مقابل شبكة التلكس التي اقتصرت على الاستعمال الخاص.
شبكات تراسل المعطيات: مع انتشار استخدام الحواسيب على نطاق واسع ازدادت الحاجة إلى وسائل لنقل المعطيات التي تعالجها الحواسيب إلى مسافات بعيدة، وهذا ما دفع إدارات الاتصالات إلى تطوير شبكاتها ليمكن ربط طرفياتها بالحواسيب. وقد استخدمت أكثر إدارات الاتصالات الشبكات الهاتفية لهذه الغاية في بادئ الأمر. وصممت لهذه الغاية دارات خاصة وتجهيزات تربط أجهزة المستثمر بشبكة الهاتف، وتحول الإشارات والنبضات الصادرة عنها إلى إشارات متوافقة مع عمل الشبكة، وقد سميت هذه التجهيزات «المعدلات ـ كاشفات التعديل» modulators-demodulators، واختصرت إلى كلمة «مودم» MODEM. وكان لابد أيضاً من تطوير منظومات ترميز غير المستعملة في الألفبائية الدولية. ومع ذلك فقد تبينت ضرورة استخدام شبكات مستقلة لتراسل المعطيات تلبي متطلبات شبكات الحواسيب وطرفياتها بمواصفات عالية، وكان من أهم الحلول التي تُبُنِّيَت ثلاثة أنواع من الشبكات:
ـ شبكات تحويل الدارات circuit switching networks ويُوصيل فيها طرفا الاتصال، كما هي الحال في شبكات الهاتف التقليدية، عن طريق دارة تربط الطرفين طوال مدة الاتصال.
ـ شبكات تحويل الرسائل message switching networks وتُنقل فيها الرسائل كاملة عن طريق الشبكة من دون تخصيص دارة مباشرة بين طرفي الاتصال. وبهذه الطريقة يقوم المرسل بإيداع رسالته لدى أحد مقاسم الشبكة، ويتولى ذلك المقسم إرسالها إلى العنوان المحدد في مستهل الرسالة. وعلى هذا الأساس يجب أن تتوافر لدى مثل هذه المقاسم قدرة تخزين عالية.
ـ شبكات تحويل الرزم وفيها تُقَسَّم الرسالة إلى رزم packets، تضم كل رزمة منها كتلة معطيات من الرسالة مرتبة ترتيباً معيناً، وفي مستهلها جملة معلومات تخص الشبكة وتحدد عائدية الكتلة المرسلة. وغالباً ما تفصل بين الرزمة والأخرى من الرسالة الواحدة رزم من رسائل أخرى تسلك الطريق نفسه ولا علاقة لها بها. كذلك قد تسلك كل رزمة من الرسالة الواحدة طريقاً مختلفة عن الرزم الأخرى من تلك الرسالة، أي إن هذا النوع من الشبكات لا يخصص دارة اتصال محددة للمرسل والمستقبل طوال مدة الاتصال بينهما.
خدمات الاتصال الحديثة
أتاح تطور تقنيات الاتصال على هذا النحو إدخال خدمات كثيرة في مجال الاتصالات، وتستطيع شبكات تراسل المعطيات تقديم الكثير من الخدمات التي تستجيب لمتطلبات العصر في المستويين المحلي والدولي، وتدخل كلها في نطاق ما يسمى البرق التحليلي الذي يختص بنقل صور طبق الأصل للوثائق المتبادلة، بوساطة ماسح صور scanner عن طريق التحكم في الإشارة الكهربائية الناتجة تبعاً لمستوى التدرج اللوني في الوثيقة، ويقوم جهاز الاستقبال بتحليل الإشارة القادمة وتحويلها إلى نسخة طبق الأصل عن تلك الوثيقة. ويميز من هذه الخدمات الحديثة:
1ـ الفاكسيميل facsimile (الفاكس اختصاراً) نوع من البرق التحليلي وتقنية تسمح بالحصول على نسخ طبق الأصل من الوثائق من بُعد. وثمة نوعان من خدمات الفاكسيميل هما:
ـ التلفاكس telefax وهي خدمة الفاكس المخصصة لمشتركين خاصين عن طريق شبكة الاتصالات العامة (شبكة الهاتف أو شبكة تراسل المعطيات).
ـ البيروفاكس bureaufax وهي خدمة فاكس عامة في مكاتب الاتصالات مخصصة لتلبية احتياجات الجمهور.
2 ـ التلتكس teletex وهي خدمة حديثة لتبادل النصوص المطبوعة باستخدام الترميز الثماني (256حرفا) وبسرعة فائقة تزيد على أربعين ضعفاً موازنة مع سرعة التلكس، ويمكن عن طريق هذه الخدمة إرسال صفحة كاملة في أقل من عشر ثوان، ولذلك يتم التراسل بين طرفي الاتصال بعد إعداد النص كاملاً وحفظه في ذاكرة الجهاز المرسل قبل إقامة الاتصال. ويمكن لمشتركي التلتكس مراسلة مشتركي التلكس وبالعكس عن طريق عقد اتصال خاصة تملك إمكانية تحويل منظومات الترميز والتحكم في سرعة الإرسال.
3 ـ الفيديوتكس videotex تتيح هذه الخدمة للمشتركين إمكانية الاتصال بقواعد المعطيات الحاسوبية أو غيرها بوساطة طرفية الفيديوتكس videotex terminal عن طريق الشبكة العامة للاتصالات. ومن مميزات هذه الخدمة أنها توفر إمكانية تبادل المعلومات نصاً وصورة ثابتة أو متحركة، وقد ترافق بالصوت أيضاً، كما يمكن للمشترك أن يدخل معلومات إلى قواعد المعطيات أو يعدل فيها إن كان يملك ذلك الحق، وأن يستفيد من تطبيقاتها المختلفة كمعالجة المعلومات والألعاب والاستعلامات وغيرها.
4 ـ خدمة تداول الرسائل message handling service تسمح هذه الخدمة بتبادل الرسائل المتنوعة الأشكال بوساطة طرفيات ذوات سرعات ومنظومات ترميز مختلفة على أساس تخزين المعطيات ثم إعادة إرسالها أو تسليمها بالبريد إلى عناوينها التي يمكن أن تكون عائدة إلى أشخاص أو جهات غير مشتركة بهذه الخدمة.
ولابد من الإشارة إلى أن ثمة محاولات حثيثة من أجل دمج خدمات الاتصالات المختلفة في شبكة خدمات واحدة توفر الاتصالات الهاتفية والخدمات الحديثة والمستقبلية كافة، ومثال ذلك «الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة» Integrated services digital network (ISDN).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى