الترجمة والبحث العلمي
2 مشترك
الترجمة والبحث العلمي
الترجمة والبحث العلمي
د. فؤاد عبدالمطلب
قسم اللغة الانجليزية
كلية المعلمين بالرياض
ثارت مؤخراً في ندوات ولقاءات مخصصة للتداول في شؤون البحث العلمي مناقشات
حول مدى ارتباط الترجمة بعملية البحث العلمي. وطرح رهط من المناقشين رأياً
مؤداه أن عملية الترجمة ليس فيها شيء من البحث العلمي، أو بمعنى أدق أن
الترجمة لا تنطوي على استقصاء علمي ولا تمت إليه بصلة، وما هي إلا عملية
نقل لغوي لهذا العمل أو ذاك، وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان بوصفها
عملاً علمياً في حياتنا الثقافية بعامة وفي شؤوننا الجامعية بخاصة. وفي
الحقيقة، لا يزال هناك عدد من الجامعيين العرب هنا وهناك يعتقدون هذا
الاعتقاد وينظرون إلى الترجمة نظرة انتقاص لأسباب معينة. إن مثل هذا
الاعتقاد ومثل هذا الوضع يستدعي البحث الحالي من أجل الدفاع عن الترجمة لا
بوصفها عملية مؤسسِة أو مرافقة للبحث العلمي فحسب وإنما هي نشاط يقع في صلب
البحث العلمي بل هي ضرب من ضروبه الأساسية والمختلفة.
ولكي نستطيع تعرف حقل الموضوع وتُخومه وتثبيت أهدافه لا بدَّ بادئ ذي بدء
من الخوض في تبين المصطلح وتحديده: البحث العلمي والترجمة على التوالي. إن
كلمة بحث في اللغة العربية تعني أن تطلب الشيء في التراب، كما تعني أن
تسأل عن شيء أو أن تفتش عنه، واتسع معناها في أيامنا هذه ليدل على حقل من
حقول العمل العلمي الرئيسة. والبحث في لغتنا المعاصرة مرادف لكلمتين
شائعتين في اللغتين الإنكليزية والفرنسية وهما Search و Chercher وهما
تعنيان التفتيش عن الشيء، وبعد أن تضاف لهاتين الكلمتين البادئة ( re )
التي تعني المحاولة ثانية أو استمرار السعي، يصبح معناها البحث العلمي
بمعناه الدارج اليوم، وتتطابق تقريباً الصفة علمي مع الصفة الإنكليزية
Scientific والفرنسية Scientifique. بيد أن الكلمة الإنكليزية Science لا
تطابق تمام المطابقة كلمة علم العربية، فهذه كلمة عامة تعني كل ما يعلمه
الإنسان أو يعرفه فكلمة علم في العربية ترادف كلمة معرفة مثلها مثل
الكلمة الروسية الواسعة المعنى Nauka والإنكليزية Knowledge وهي تشمل فيما
تشمله العلوم الإنسانية التي تدرس الإنسان وعلاقته بمحيطه أو السلوك
الاجتماعي من جوانبه المختلفة. لهذا يمكننا أن نميز الفرق بين هذا المعنى
ومعنى كلمة علم Science عندما نتحدث عن العلوم الطبيعية مثلاً Natural
Science أو Sciences of Nature أو ما تعنى به الكليات العلمية اليوم
ونقصد الطب والهندسة والصيدلة والزراعة. وعبارة علوم إنسانية هي ترجمة
لكلمة Humanities أي الإنسانيات، وهي تدل على ما تعنى به الكليات التي تدرس
اللغات والآداب والتاريخ والسياسة والفلسفة والقانون والفن وغيرها.
لو استخدمنا، على أية حال ، أي معجم موثوق للغة الإنكليزية لوجدنا أن الاسم
بحث Research أصبح يستخدم فعلاً أيضاً ويعني أن نتقصى أو ننشد أو نتفحص
الشيء ثانية بعناية عبر دراسة نظامية من أجل الوصول إلى نتائج وحقائق جديدة
(1). إن إضافة صفة علمي هنا إلى كلمة بحث ليست مجرد إضافة لغوية، بل
هي أمر فلسفي وعلمي وعملي في الوقت نفسه. فكلمة علمي في أنواع العمل
العلمي كلها لا تضفي صفة موضوعية فقط بل تشير إلى نظامية أو منهجية الطريقة
المتبعة Systematic أو Methodological. إن المنهجية هي السمة الأساسية
التي يعرفها كل من عمل في هذا المجال أو ذاك من مجالات البحث العلمي.
والمنهج أو النهج في اللغة هو الطريق الواضح، لذلك كان أي حديث في مناهج
العمل العلمي بالضرورة حديثاً في فلسفة العلم، التي فيها يكمن سعي
الإنسانية المتواصل منذ أقدم العصور لتحسين فهمنا للإنسان والطبيعة
والمجتمع وزيادة رصيدنا من هذا الفهم.
دارت في أوساطنا الجامعية في الآونة الأخيرة نقاشات حول تعريف البحث العلمي
وتحديد مجالاته، إذ حاول البعض النظر إلى الموضوع من زاوية اختصاصه فجعله
في قلب العملية البحثية وهَمَّشَ اختصاصات أخرى لا يعرفُ الكثيرَ عن
طبيعتها ووظيفتها، كما حاول البعض الآخر طرح تعاريف أكثر شمولاً وموضوعية.
ففي المحاولة الأولى استبعد مثلاً التوثيق أو تحقيق المخطوطات وكتب التراث
العلمي وجمع أشعار القبائل العربية وأخبارها المتناثرة، ورفضت عملية
التأليف بوصفها عملاً علمياً ؛ عملية التأليف التي تعنى بإضافة معلومات
جديدة إلى جانب معارف قديمة أو مهملة فيرد لهل اعتبارها عبر تقديمها بأسلوب
جديد ويتم التعبير عنها في شكل يمكن إدراكه على نحو أفضل، كما رفضت
الترجمة بأنواعها فوصفت بأنها مجرد عملية نقل يمكن أن يقوم بها أي شخص يتقن
لغتين أو أكثر.
وفي الحقيقة إنه لمن الصعب تعريف البحث العلمي تعريفاً محدداً أو شاملاً
تقبل به جميع الأطراف. فقد تحدث أحد خبراء اليونسكو في مجال البحث العلمي
د. جون ديكنسون عن البحث العلمي بأنه: استقصاء منهجي في سبيل زيادة مجموع
المعرفة(2) كما عرفته
د. صالحة سنقر بأنه: استقصاء دقيق، نافذ وشامل، يهدف إلى تحصيل حقائق
جديدة، تساعد على وضع فرض جديد موضع الاختبار، أو مراجعة نتائج مسلم بها
(3). ويعرفه
د. سيدي محمود ولد محمد على النحو التالي: إن البحث العلمي هو وسيلة
الوصول إلى الحقيقة النسبية، واكتشاف الظواهر ودرجة الارتباط فيما بينها،
وذلك في مختلف مجالات المعرفة. و البحث العلمي ليس مقتصراً على أسرار
المادة والكون المحيط بنا، بل يشمل الأحداث اليومية لحياة الإنسان (4).
ويحدد د. محمد نضال الريس مفهوم البحث العلمي بأنه كل دراسة تتم أو بحث أو
اختبار يجري عن موضوع أو مشكلة على أسس علمية للتوصل إلى نتائج موضوعية
(5). وفي إطار حديثه عن كيفية إعداد البحث وعن المنهجية يطرح د. إميل يعقوب
تعريفه للبحث بأنه: محاولة لاكتشاف جزء من المعرفة لإذاعته بين الناس
والاستفادة منه. وتختلف البحوث باختلاف الحقول... (6) إن هذا التعريف
العام المبسط يكتسب أهمية نسبية وخصوصاً عندما يذكر الترجمة بوصفها مجالاً
رئيساً من مجالات البحث العلمي الجامعي التي يوردها على النحو التالي:
أولاً، معالجة موضوع معين ؛ ثانياً، تعريب كتاب شرط أن يكون الكتاب على صلة
باختصاص الباحث وأن يقدمه بمقدمة واسعة يعرض فيها خصائص الكتاب المعرب،
وأن يلحق معجماً للمصطلحات، والفهارس الفنية اللازمة؛ ثالثاً، تحقيق
مخطوط؛ رابعاً، فهرسة بعض المؤلفات أو المجلدات (7).
إن هذه التعاريف في جلها صحيحة، وعندما ننعم النظر في الموضوع فإنه ستتوفر
لدينا أيضاً آراء ومفاهيم أخرى عن البحث العلمي. إننا لن نخوض في مناقشة
هذه المفاهيم فهي تحتاج إلى دراسة متأنية ومستقلة، لكن حسبنا أن نشير إلى
تعدد تعريفات البحث العلمي التي تفيد بسعة الموضوع وعمقه. لنقتبس ما ذكره
ديكنسون بهذا الصدد عندما لاحظ أن الاستخدام المعاصر لكلمة بحث في
البلد1ن الناطقة بالإنكليزية يثير غضب العلماء من ذوي الخبرة لأنه يستعمل
لوصف كثير من الأنشطة التي يبدو للوهلة الأولى أن لها روابط ظاهرية قليلة
فيما بينها، أو حتى بينها وبين العلم، وأن لها أيضاً عدداً من الروابط
الأخرى. إن مثل هذا الاختلاف في استخدام كلمة بحث واسع الانتشار فهو يوحي
بتعدد التفسيرات الممكنة، وقد يكون كل منها صحيحاً في الواقع ولو بصورة
جزئية. لذا فإن أحد التفسيرات الممكنة يتمثل في أن أولئك الذين يعتقدون
أنهم يستخدمون الكلمة بمعنى صحيح وحصري هم أقلية محدودة ومنطوية على نفسها
ولا تقيم اتصالاً بالفعل مع سائر المجتمع. وبالمقابل قد يكون هناك تعريف
ضعيف أو غامض للكلمة، وحيث إن اللغة شيء حي ومتغير، فإن معنى بحث يصاغ
ويعاد تعريفه من خلال استخدام غير دقيق. ووفقاً لتفسير محتمل آخر، فإن كلمة
"بحث"، وعلى وجه الخصوص غير محددة، ومتعددة الوجوه، ولكنها تتسم بالمرونة
مثل العقل، ولا يمكن حتى لمن يتعمق في الدراسة والتفكير أن يأمل في إدراك
أكثر من جزء صغير من هذا التفسير (.
إن تحليل التعاريف والاستخدامات الشائعة المتعلقة بكلمة بحث لا يمكن إلا
أن يثير الخلاف بين الاختصاصيين والعلماء. ويذكر ديكنسون هنا أن العالم
روتشيلد قد خصص منذ عقد مقالة علمية لتحليل ما لا يقل عن خمسة وأربعين
نوعاً من أنواع البحث. وقد استرعى هذا الباحث انتباه الجمهور عندما نبه إلى
المناقشات الكثيرة المطولة التي تدور حول المسائل الخاصة للتعاريف في حد
ذاتها. وعندما وقف أمام لجنة العلم والتكنولوجيا في مجلس العموم البريطاني
لإقامة الدليل على وجهة نظره أجاب بالنفي عندما سألته اللجنة عما إذا كان
يرغب في تعديل شيء مما كتبه عن الأنواع المختلفة للبحث.(9)
أما فيما يتعلق بمصطلح الترجمة ، فإنه يعني اليوم نقل كلام من لغة إلى
لغة، مفردات أو نصوصاً أو كتباً كاملة. إن كلمة ترجمة عربية أصيلة،
وردت في اللغة الأكادية (10) وفي الآرامية والسريانية(11) (اللهجة الغربية
من الآرامية) وفي العبرية والحبشية (12)، ومعناها الأصلي: تفسير الكلام
(13). وكلمة ترجمة في تلك اللغات القديمة هي: ترجمانو (بالجيم غير
المعطّشة كما في جمل، والواو علامة الرفع)، وتأتي التاء فيها بالفتح أو
بالضم، وكذلك تأتي الجيم فيها مفتوحة ومضمومة). أما في الآرامية والسريانية
والآرامية اليهودية فهي: ترجمانا (بفتح التاء في السريانية، وضم التاء في
الآرامية اليهودية ثم بإمالة الجيم فيهما). وعلى الأغلب إن الكلمة انحدرت
من الأكادية إلى عرب الجاهلية، أو إنها رحلت مع الأكاديين من اليمن إلى
جنوب العراق (14).
وربما كان من المفيد أن نذكر العلاقة بين الفعل تَرْجَمَ في العربية
وأخواتها من اللغات الشرقية التي وجدت في منطقتنا كالسريانية وهو تَرْجمْ
Targhem ويعني ترجم ونشر وشرح وخَطب وتكلم وفي العبرية تِرْجِمْ Tirghem
ويعني ترجم ونقل من لغة إلى أخرى، ونذكر أن التَرجُوم Targhum هو الترجمة
الآرامية للتوراة (15). وما كلمة درغمان Drogman (16) في الفرنسية
والإنكليزية أيضاً إلا كلمة ترجمان العربية التي طرأ عليها التعديل كما
حدث لكثير من الكلمات التي تدخل بين اللغات.
وللترجمة عموماً معنيان: سيرة فرد من الناس أو تاريخ حياته ثم تفسير الكلام
أو شرحه أو نقله من لغة إلى لغة (17). إن المعنى الثاني هو موضوع هذا
الجزء من البحث. ولقد ورد بخصوص الفعل تَرْجَمَ والاسم منه في لسان العرب (
يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أخرى، والشخص يسمى الترجمان وهو
الذي يفسر الكلام)، وجاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي (الترجمان
كعنفوان: المفسر، وترجمه وترجم عنه، والفعل يدل على أصالة التاء). وفي هذا
الإطار يناقش بعض دارسي اللغات الشرقية أن أساس الفعل كلمة رَجَمَ كما وردت
في العربية والآرامية والأوغاريتية وغيرها وأن التاء زائدة وسبب زيادتها
يحتاج إلى بحث لغوي في تاريخ الكلمة ويؤكدون ندرة ورود كلمة ترجم أو ترجمة
بالمعنى المتعارف عليه حديثاً في النصوص العربية القديمة. وجاء في المعجم
الوسيط أيضاً (ترجم الكلام: بينه ووضحه، وترجم كلام غيره وعنه: نقله من لغة
إلى أخرى، وترجم لفلان: ذكر ترجمته، والترجمان: وجمعه تراجم وتراجمة،
وترجمة فلان: سيرته وحياته وجمعها تراجم). وقد جاء في الصحاح في اللغة
والعلوم (ترجم - يقال: قد ترجم كلامه، إذا فسَّره بلسان آخر، ومنه
الترجمان، والجمع التراجم، والترجمة: النقل من لغة إلى أخرى). بيد أن
المعاجم العربية لا تقدم تأريخاً عاماً أو مفصلاً لتطور معاني تلك الكلمات
ودلالاتها على غرار بعض المعاجم مثل The Shorter Oxford English Dictionary
. وقد ورد لكلمة ترجم معنى عام هو فسر وأبان وأوضح. ولم يستخدم ابن النديم
هذه الكلمة (الترجمة) وإنما استخدم النقل فيقول في ص (304) من الفهرست
(ط. تجدُّد) أسماء النقلة من اللغات إلى اللسان العربي ، وفي (305)
يقول: أسماء النقلة من الفارسي إلى العربي نقلة الهند والنبط وهو
يستخدم الفعل نقل من...إلى. ويمكن النظر إلى حديثه عن عبد الله بن المقفع
ص (32) وكان أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى العربي... وتجده يذكر في
ص (91) أن للمفجَّع البصري كتاباً عنوانه الترجمان في معاني الشعر وهو
ضائع، وقد توفي المفجَّع واسمه محمد بن أحمد بن عبيد الله البصري سنة 320
هـ. وفي (197) يذكر كتاب ترجمة كتاب الفلاحة للروم وهو ضائع. ويستخدم
كلمة الترجمة بمعنى العنوان وفي ص (378) كتاب ترْجمتهُ... أي
عنوانه ويقول في (211) وما ترجمته من كتب الجاحظ: رسالةً أي عنوانه
.
وفيما يخص كلمة الترجمان فإنها تأتي بالعربية بفتح التاء وضمِّها لضمِّ
الجيم، وتأتي أيضاً بفتح التاء والجيم. وما يدل على أن الكلمة أصيلة في
العربية أن العرب سمَوْا بها، ففي القاموس المحبط ) 4: 83) التَرجُمان (
بفتح التاء وضم الجيم ) ابن هريم بن أبي طَخْمة(18). وهناك علاء الدين محمد
بن محمود الترجماني المكي الخوارزمي (ت 654 هـ ـ 1257 م)، وله يتيمة
الدهر في فتاوى أهل العصر(19). كما وردت كلمة ترجمان في الشعر العربي
القديم مرات عديدة، قال الراجز نُقادةُ الأسدي (20):
... فَهُنّ يَلْغِطْنَ به إلغاطا كالتُرْجمان لقِيَ الأنْباطا.
وقال عوف بن محلّم الخزاعي (21):
إن الثمانين - وبُلِّغْتها - قد أحوجت سمعي إلى ترْجمان
ووردت كلمة ترجمان مفردة وجمعاً عند المتنبي:
ملاعب جِنَةٍ لو سار فيها ســـليمانٌ لســار بتَرْجُمَانِ(22)
تجمَّع فيه كل لِسْنٍ وأمةٍ فما تُفْهمُ الحُدَّاثَ إلاَ
التراجِم(23)
وقال كذلك ابن الرومي يصف مغنيةً تعْزِفُ على العود ( وهو يُشبِه العود
بأنه طفل في حضن أُمُّهُ ) (24).
أُمُهُ، دهرها، تترجمُ عنه وهو بادي الغِنى عن التَّرجُمان
غير أن ليس ينطق الدهرَ إلاَّ بالتزامٍ من أمّه واحتضان.
إن معظم اللغات تستخدم على نحو مهم كلمة أخرى للدلالة على تلك العملية
الفنية والعلمية المعقدة التي تدعى: الترجمة. فاللغة الأندونيسية مثلاً
تستخدم الألفاظ Terjemahn و Pertalan و Pernjalinan واللفظ الأخير أتى من
جذر كلمة يعني حملت طفلاً أو يبدل المرء ثيابه. وتستخدم اللغة الألمانية
كلمة Übertragen التي تعني النقل أو التفاوض أو كلمة
Übersetzen وتعني العبور أو القفز فوق شيء أو أمر. كما أن
الفرنسية، مثلها مثل الإنكليزية، اشتقت كلمتها عن الترجمة من اللفظة
اللاتينية Translatio وهي ذات معنى أولي يفيد في الحمل أو النقل، فهي
تستخدم كلمتي Traduction وVersion (25) وتعنيان الترجمة أو النقل من لغة
أجنبية إلى اللغة الأم، وهذا ينطبق أيضاً على اللغة الإسبانية التي تستخدم
Traduzioire و Transferimentio (26). ولا يخفى على القارئ المدقق استمرار
حدوث الصورة اللفظية لكلمة ترجمة أو وجود وجه شبه من نوع ما بين الكلمة
العربية ومعادلاتها في الأندونيسية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية
والإيطالية. ويبقى وجه الشبه المذكور موضوعاً للتقصي يقوم به الباحث اللغوي
المقارِن.
إن هدف هذا الجزء من البحث التأسيس للنقاش اللاحق، ومنه نستخلص أيضاً أن
الفعل ترجم والترجمان والترجمة - بالتاء أو دونها - فصيحة تماماً وعربية
الأصل، وهي ليست من أصل أجنبي وليست محرفة عن أية كلمة أخرى، وأن الترجمة
قد مثلت فعلاً حضارياً أصيلاً في التراث العربي العلمي والثقافي العام
(27). فعلى سبيل المثال، يذكر الفهرست عدداً كبيراً من الكتب التي
ترجمت وأسماء المترجمين.
وتنقسم الترجمة عموماً إلى نوعين: الأول، الترجمة الشفوية أو الفورية أو
التتبعية (28) وهي قديمة قدم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
بين البشر وتزداد الحاجة إليها في عصرنا هذا - عصر الاتصالات الدولية (29)،
وقد كان حظ الترجمة العلمية والأدبية في هذا النوع قليلاً. أما النوع
الثاني فهو الترجمة الكتابية وهي أوسع انتشاراً وأكثر ديمومة من حيث كونها
وسيلة الاتصال والمثاقفة والنقل الحضاري العام بين الأمم، وهي تمتاز بالدقة
والتأني والأهمية الثقافية بالمقارنة مع الترجمة الفورية، وقد تحققت
الترجمة العلمية والأدبية وانتشرت عن طريق الكتابة. ويتخصص المترجمون عادةً
في ثلاثة حقول: العلم والتكنولوجيا، والموضوعات الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والإبداعية والحقوقية، والأعمال الفلسفية والفنية واللغوية
والأدبية. ولقد أصبحت الترجمة بفرعيها الشفهي والكتابي اختصاصاً قائماً بحد
ذاته يدرس في الجامعات وله طرائقه وبرامجه الخاصة. ومن المعروف الآن أن
جامعات أجنبية وعربية عديدة قد افتتحت أقساماً وكليات تعنى بدراسة الترجمة
بوصفها حقلاً علمياً مستقلاً وأخذت تمنح شهادات علمية اختصاصية وعلى كافة
المستويات في هذا الحقل.
يتفق كثير من المترجمين والكتاب على اعتبار الترجمة فناً وعلماً في آنٍ
معاً (30). إن الترجمة فنٌّ دون شك وهي بحاجة إلى مران وممارسة دائمين،
وهذا موضوعٌ له قضاياه ومشاكله، غير أن اهتمامنا هنا يتركز حول دراسة ظاهرة
الترجمة بوصفها علماً. وفي هذا الإطار نستطيع القول وبقوة إن الترجمة يمكن
أن تعد بحثاً علمياً عندما تتسم ببعض المواصفات المميزة. والحقيقة أن هذه
المواصفات يجب أن تتوفر في معظم الترجمات بصورة من الصور. أولى هذه
المواصفات هي أن يُشكِّلُ النص المترجم، نص لغة المصدر، تحدياً وضرورةً
ملحةً من حيث الشكل أو المضمون، مثال ذلك أن يختصَّ النص بفرع من فروع
المعرفة العلمية التكنولوجية الجديدة، أو أن يكون نصاً أدبياً أو فلسفياً
كتب بلغة إبداعية ذات أسلوب مبتكر أو غامض أو صعب أو بلغة أيام غابرة ؛
وثانياً، عندما يكون النص المترجم محتاجاً لشرح أو تفسير أو استهلال ينبغي
وضعه في مقدمة النص بقلم المترجم ؛ وثالثاً، عندما يكون النص بحاجة إلى
شروح إضافية موضوعية يمكن وضعها على شكل ملاحظات أو تعليقات في ذيل كل صفحة
أو في قائمة خاصة بالمترجم في نهاية النص أو نهاية كل قسم منه(31)، وهذا
النوع من الترجمة يُعرف عادةً باسم الترجمة المشروحة Annotated
Translation . لهذا كان النص المترجم الذي يتمتع بمواصفات البحث العلمي
يتطلب عملاً علمياً ولغوياً ملموساً ويتطلب مقدمة مفصلة مكتوبة على نحو
وافٍ يقدم من خلالها المترجم بينات واضحة عن جهده ويطرح نهجه في تناول النص
وأسلوبه في الترجمة، وعندما تكون الترجمة مصحوبة بجملة من الملاحظات
وقائمة بالمصطلحات المعربة وثبت بالمراجع التي تم استخدامها.
وأضرب مثالاً معروفاً لدى المتخصصين بالترجمة الأدبية للدلالة على صحة ما
ذكر آنفاً. إن الشاعر الأمريكي بيارد تيلر معروف بوصفه مترجماً لعمل الشاعر
الألماني غوته فاوست أكثر منه مؤلفاً ذا كتابات متميزة. لقد كان تيلر
دارساً حقيقياً للشاعر الألماني عندما نقل ملحمته فاوست بجزأيها إلى
الإنكليزية فكان أول أمريكي يحاول نقل الجزء الثاني (الذي صدر في بوسطن
ونيويورك عام 1871 ). ولكي يكون منصفاً للنص الألماني قام تيلر بدراسة
الأساطير الإغريقية والتعمق فيها ودرس بعض النظريات الجغرافية التي يشير
إليها النص الأصلي، وقام بتوسيع عمله فدرس كل ما وصل إلى يديه من نسخ محققة
للنص والدراسات النقدية الصادرة حوله في مختلف أرجاء العالم، كما درس حياة
الشاعر الألماني وأعماله ولغته، ثم قام بمحاولة لفهم العلاقة بين جزأي
العمل من خلال قراءة خاصة، وبعدها شرع في عمله موظفاً كل قواه الأدبية
ومعارفه بعملية النقل فخلق عملاً عاش طويلاً بعد أيامه فغدا لاحقاً نموذجاً
احتذاه تقريباً كل من حاول إعادة ترجمة النص الألماني(32). إن النفاذ إلى
روح النص الأدبي ومعرفة أفكاره، ثم نقل ذلك كله إلى لغة ثانية يتطلب دراسة
وتقصياً دؤوبين ونفاذ بصيرة وتأنياً وخبرة. إن نقل الروائع والأعمال
الجديدة الصادرة في أرجاء العالم في مختلف العلوم وخصوصاً الحقول
والموضوعات التي لا يتوفر فيها إلا كتب قليلة أو لا يتوفر على الإطلاق،
والمجالات التي لم تستقر فيها المصطلحات الاختصاصية بعد، ليست مجرد عملية
نقل عادية أو عملاً فنياً صرفاً مفصولاً عن مجمل النشاط الثقافي والحضاري
للمجتمع، بل هي على العكس عملية تدخل فيها آليات وعناصر الحوار والتفاعل
ويتم فيها التجادل والمثاقفة بين اللغة والأدب والفكر والتراث والمجتمع.
ثمة أمر آخر يتعلق بالترجمة بوصفها علماً لا نشاطاً ثانوياً يمكن أن يطرح
للنقاش هنا. إن هدف نظرية الترجمة هو الوصول إلى فهم العمليات الجارية في
أثناء ممارسة الترجمة، وليس كما هو مفهوم خطاً، تقديم مجموعة من القواعد من
أجل إنجاز ترجمة أفضل. وبالطريقة نفسها يحاول النقد الأدبي فهم البنى
الداخلية والخارجية التي تفعل فعلها في النص الأدبي وحوله، وليس تقديم
مجموعة من التعليمات التي تؤدي إلى كتابة قصيدة أو رواية أو قصة. والشيء
نفسه يمكن أن يقال عن الأدب المقارن الذي يبحث في العلاقات بين آداب العالم
وثقافاته وآليات التأثر والتأثير وطرائق التفاعل والتثاقف والتشابه
والاختلاف، وليس مجرد تزويد قواعد تتعلق بكيفية إجراء مقارنات بين عمل أدبي
وآخر. من هنا يمكن أن نلحظ سوء الفهم حول علم الترجمة الذي يؤدي في
النهاية إلى اعتبار الترجمة نشاطاً ثانوياً، ليس فيه من العلم إلاّ الشيء
القليل(33).
إن النقاش الدائر حول عدم وجود بحث علمي ترجمي يبدو في أيامنا هذه نقاشاً
بالياً، فعلم الترجمة موجود مسبقاً، ومع دراسات الترجمة التي تجري الآن،
يوجد حقل معرفي رصين يستقصي عمليات الترجمة، ويبحث في مسألة إيجاد النص
المعادل ويدرس مكونات المعاني ضمن تلك العمليات، ويتوسع هذا العلم ليشمل
تقديم دليل نظري من أجل إنتاج الترجمات على نحو أفضل. كما أن خرافة اعتبار
الترجمة نشاطاً ثانوياً مع كل الإشارات التي توحي بأنه ذو قيمة أقل في
أثناء عمليات التقويم، يغدو كلاماً لا معنى له عندما نتفهم حدود العنصر
البراغماتي في الترجمة والعلاقة بين المؤلف والمترجم والقارئ. وتظهر هذه
العلاقة في أثناء عملية الترجمة عندما توضح أن المترجم هو مُستقبل ومرسل في
آن معاً، وهو بداية ونهاية عملية الاتصال. لقد تخطت دراسات الترجمة الآن
الكلام القديم الذي يحاول الحط من قيمة دراسة الترجمة وممارستها. والحق،
أنَّ نظرية الترجمة وممارستها مرتبطتان ارتباطاً لا تنفصم عراه، وتتم عملية
الإغناء بينهما على نحو متبادل ومستمر. إن فهم عمليات الترجمة يسهم في
إنتاج الترجمة وممارستها، لأن النتاج الترجمي هو ثمرة لعلاقات معقدة على
الصعيد الدلالي والنحوي والعملي، وهذه العلاقات يجب ألا ينظر إليها بأي حال
من الأحوال من خلال نظرة عتيقة تنظر إلى الترجمة على أنها عمل ثانوي.
ويلخص اوكتافيو باز على نحو موجز حالة الترجمة وممارستها في أحد أعماله،
بأن النصوص كلها هي جزء من نظام أدبي ينحدر أساساً من أنظمة أخرى ويتصل
بها، وهي ترجماتُ ترجماتِ ترجماتٍ. وفي هذا الصدد يقول:
كل نص فريد في حد ذاته، وهو في الوقت نفسه، ترجمة لنص آخر. ليس هناك نص
أصيل كلياً لأن اللغة ذاتها، من حيث الجوهر، هي ترجمة سابقة، أولاً: للعالم
غير الشفوي، وثانياً: لأن كل إشارة وكل فقرة هي ترجمة لإشارة أخرى وفقرة
أخرى. على أية حال، يمكن تدوير هذه النظرية دون أن تفقد صحتها: فالنصوص
كلها أصيلة لأن كل ترجمة متميزة. وكل ترجمة إلى حد ما، هي ابتكار وعلى هذا
النحو تشكل نصاً فريداً .(34)
احتفلت مدارس الترجمة العربية في 30 أيلول 1995 ومثيلاتها في العالم وكذلك
الهيئات والمنظمات والمحافل العربية والدولية باليوم العالمي للترجمة. فبعد
شعار
الترجمة جوهر التواصل لعام 1992، و الترجمة حضور نافذ لعام 1993،
و الأوجه المتعددة للترجمة لعام 1994، خلد اليوم العالمي للترجمة لعام
1996 في ذكراه الخامسة تحت شعار الترجمة أداة للتنمية (35). إن هذا
الشعار يكتسب أهمية خاصة في أيامنا هذه لا لاعتبارات ترجمية فحسب بل
لاعتبارات تنموية عامة، فإذا كان من شأن هذا الشعار أن يذكرنا بأننا في
منتصف عقد التنمية الذي دعت إليه اليونسكو، فإنه من ناحية ثانية يسلط الضوء
على أهمية الدور الذي يقوم به المترجمون والتراجمة والمصطلحيون في عملية
التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية واللغوية لدول العالم وشعوبه.
لقد أدت الترجمة دوراً علمياً وحضارياً فعالاً عبر التاريخ، كما أن الترجمة
تؤدي دوراً أساسياً مهماً من حيث ربط الماضي بالحاضر. فتراث الحضارات
الكبيرة تم تناقله على مر السنين بفضل ترجمته إلى لغات أمم مختلفة وعبوره
إلى ثقافاتها المتنوعة ليصل إلينا اليوم، فيكون إثراء لمختلف جوانب حياتنا
المعاصرة. فالترجمة قديمة، إذ وجدت في الرقم الطينية عند البابليين
والآشوريين والآكاديين للاستعانة بها لفهم الأمور الرسمية والجارية بين
أقطار العالم المعروفة، لأن الأكادية كانت لغة العالم كاللاتينية في العصور
الوسطى والفرنسية بعد ذلك والإنكليزية في العصر الحديث، واللغة العربية في
زهو الحضارة الإسلامية (36). فلقد قام اليونانيون بإرسال أبنائهم للدراسة
في مصر القديمة ونقل المعارف في الحساب والفلك والزراعة والطب والآداب إلى
اللغة الإغريقية، وأتى الرومان فنقلوا عن الإغريقية آدابها وفلسفتها
وعلومها، ثم أتى العرب فنقلوا عن الإغريقية واللاتينية والفارسية وغيرها،
وجاءت أوروبا خلال العصور الوسطى لتنقل عن العرب المسلمين مختلف العلوم مثل
الطب والفلك والنبات والجغرافيا والتاريخ والأدب، ثم وجد العرب أنفسهم
متخلفين عن الركب العلمي والحضاري مضطرين للترجمة عن أمم سبقتهم. وههنا
نلحظ أن الترجمة كانت تنشط وتقوى كلما التقت ثقافة بأخرى وكلما احتاجت
إليها، ونفهم الدور الذي تقوم به في التقريب بين ثقافات العالم وتسهم به
إسهاماً كبيراً في تعزيز التفاعل الحضاري الإنساني العام.
إن عملية قراءة سريعة لتاريخ الثقافة العربية كفيلة بأن تظهر أن الترجمة
كانت دائماً ظاهرة سابقة ومرافقة لمحاولات النهوض الحضاري. لقد استفاق
العرب في بداية القرن الماضي وأدركوا البون الشاسع الذي يفصلهم عن الركب
العلمي والحضاري الأوروبي فكان عصر النهضة الذي يعرفه البعض بأنه عصر
تكوين ثان للعقل العربي (37). وبدأت حركة الترجمة في بلاد الشام في مطلع
القرن التاسع عشر، ولكنها اقتصرت في البداية على الكتب الدينية والأدبية
(38). أما في مصر فقد اعتمد عليها محمد علي باشا وسيلةً من وسائل تحديث
الدولة المصرية الناشئة. فأسس مدرسة للألسن عام 1835،وتولى الشيخ رفاعة
الطهطاوي الإشراف عليها. ثم أنشأ قلماً للترجمة عام 1841. واهتم محمد علي
بترجمة الكتب العلمية والأدبية الهامة من اللغات الفرنسية والإيطالية
والتركية والفارسية. كما ساهم عدد من الكتاب والأدباء الذين وفدوا إلى مصر
من بلاد الشام بصورة فعالة في حركة الترجمة والنهضة العلمية والأدبية التي
عاشتها مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وتولت الصحف والمجلات
أمثال المقتطف و الهلال وغيرهما ترجمة البحوث والمقالات ونشرها على
صفحاتها. ولا يخفى أن حركة الترجمة هذه قد مكنت العرب من الإطلاع على
ثقافة الغرب وعلومه وما توصل إليه من آراء ومبادئ سياسية واقتصادية
واجتماعية. ويشير د. علي شلش إلى أهمية الترجمة في عملية النهوض فيقول:
... لم نستيقظ إلا في القرن 19. وعندئذٍ أدركنا بسرعة أننا مثل أهل الكهف
فشرعنا في تلك العملية النهضوية التي لم تنته بعد، للحاق بالذين أيقظونا من
نومنا الطويل. ومرة أخرى كانت الترجمة أداة من أدوات السباق مع الزمن.
وروى لنا المؤرخون كيف أن حاكماً أمياً مستبداً، مثل محمد علي في مصر، أشرف
بنفسه على إرسال البعثات، وتعلم اللغات وتحرير الصحيفة الوحيدة التي
أسسها، وتكليف كل مبعوث في الخارج بترجمة كتاب أو أكثر في العلم الذي تعلمه
(39). لم تعد الثقافة الآن محصورة داخل الحدود القومية، فقد جعلت الترجمة
المؤلفات في مختلف الحقول متوفرة بسهولة في كثير من اللغات، وأصبح في
مقدور شعوب العالم المختلفة التعرف على الحياة الثقافية والأدبية والفنية
للشعوب الأخرى المجاورة منها والبعيدة. وما ترجمة الروايات والقصص
والمسرحيات والقصائد عموماً والأشرطة التلفزيونية والأفلام السينمائية
خصوصاً إلا اختراقاتٌ لغويةٌ يقوم بها المترجمون من أجل تعزيز عملية
المثاقفة بين الأمم.
إن موضوع نقل التكنولوجيا موضوع يشغل البلدان المتقدمة والبلدان
النامية، والبلدان العربية منها، على حدٍ سواء، ولا يستطيع أحد أن ينكر
الدور الحيوي الذي يمكن أن يقوم به المترجمون الاختصاصيون في ميادين معينة
من نقل لأعمال علمية حديثة وهامة بهدف التأسيس لعملية نهوض تكنولوجية في
بلدانهم. وما يجدر ذكره هنا أن البلدان النامية، والبلدان العربية في
مقدمتها، معفاة لحسن حظها، واقعياً لا قانونياً، مما يسمى بحقوق المؤلفين،
وأن الترجمة والتعريب عملية مسموح بها للجميع،إن المرء ليستغرب الإحجام عن
ترجمة المؤلفات العلمية الحديثة على أساس مبرمج وفعال ؟ كما أن بروز
الخلافات والنزعات القومية والسياسية والدينية والجغرافية أدى إلى خلق
مترجمين، تحريريين وفوريين، يعملون على نحوٍ حثيثٍ ودؤوب في منظمات وهيئات
محلية ودولية من أجل تحقيق حوارات واتفاقات ومعاهدات بين الأطراف
المتنازعة، وقد غدا عصرنا الحالي عصراً للاتصال والتفاهم الدولي. ومن المهم
أن نضيف أنه مع تنامي التوجه إلى الاقتصاديات الشمولية أو التعاونية
المتمثلة في المنظمة العالمية للتجارة والوحدة الأوروبية واتفاقية التبادل
الحر لدول أمريكا الشمالية وغيرها من التكتلات الاقتصادية في منطقتنا
العربية والعالم، أصبح دور الترجمة في التنمية الاقتصادية والتجارية أكثر
جلاءً. وبالفعل كانت الترجمة دائماً عاملاً من عوامل التنمية، وإن اعتقد
البعض لفترةٍ طويلة أنها مجرد عامل وسيط في التبادل التجاري. فالترجمة تقوم
الآن بدور حيوي في نشاطات الاستثمار والتوفير وتدريب القوى العاملة
والاستهلاك وعمليات الاستيراد والتصدير وغير ذلك. وهي التي تتيح لنا دخول
أسواق رأس المال ونقل التقنيات الاقتصادية والبرامج التجارية بوصفها أداة
متخصصة في نقل المفاهيم والنظريات والخبرات الجديدة. إنها تسمح لنا
بالاستفادة من نتائج إحصائيات وبحوث في بلدان أخرى، وبدونها لم يكن
بالإمكان توحيد المواصفات الفنية والتجارية. كما أن الترجمة تقوم بدور
أساسي في التجارة الدولية من خلال الحفز على الإنتاج والاستهلاك المتبادل.
وفي معرض حديثه عن دور الترجمة في عملية الاتصال أو الاحتكاك بين الأمم
يشير د. شلش: وفي الحرب والقتال يظهر الاحتكاك المباشر، وإطلاع كل طرف
على ما عند الآخر من معارف وتكنولوجيا. فإذا ساد السلام صارت التجارة أو
التبادل التجاري، أداة الاحتكاك من جديد، وهكذا. (40)
وتقوم الترجمة بدورٍ هام في المجتمعات الثنائية اللغة أو المتعددة اللغات
يتنوع بتنوع الخدمات التي تقدمها. وتكتسب الترجمة، بنوعيها الكتابي
والشفهي، أهمية خاصة في المجتمعات التي تستقبل أعداداً كبيرةً من
المهاجرين. وتصبح الإدارات الحكومية مصدر إرباك لا يمكن تفاديه إذا كانت
تستخدم لغة غير لغة من تسعى لخدمتهم. فالمترجمون الاجتماعيون يمكنون
المهاجرين من التواصل مع المسؤولين في مختلف الإدارات ومن ثم يمكن الحصول
على تسهيلات في المدارس والمشافي والمحاكم ومختلف الدوائر الحكومية في
موطنهم الجديد. بالإضافة إلى أن الترجمة الفورية الإشارية تمنح الصم صوتاً
للتعبير عن احتياجاتهم في مواقف حياتية عديدة.
لقد أصبحت الترجمة عنصراً أساسياً في عملية التربية والتعليم، وذلك لأن
الكتب الدراسية ومناهج التربية والتعليم التي تعتمدها المدارس لا تأتي من
فراغ ولا تنشأ من العدم بل غالباً ما تتكون بصورة تدريجية معتمدةً في ذلك
اعتماداً واضحاً على الترجمة مع مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية لكل
أمة(41). ومما هو أهم من ذلك أن الترجمة قد سادت تاريخياً في طرائق تعليم
اللغات الأجنبية في أوروبا على نحو أساسي ما بين 1840 و 1940، وما زالت
مستمرة بأشكال مختلفة في مناهج تعليم اللغات في أصقاع مختلفة من العالم
(42). ويؤكد عدد من الاختصاصيين صلاحية طريقة القواعد - الترجمة Grammar -
Translation Method وإيجابيتها في تدريس اللغات الأجنبية ليس في أيامنا
وحسب يل إنَّ هذه الطريقة التي كانت تدعى بالطريقة التقليدية Classical
Method استخدمت منذ زمنٍ بعيد في تعليم اللاتينية والإغريقية(43). ومع تطور
علم اللغة وتطبيقاته المتعددة كثرت الآراء والأفكار منذ الستينات من هذا
القرن حول تعلم وتعليم اللغات الأجنبية، وبذلت جهود واسعة وحثيثة من أجل
إيجاد الطريقة الأمثل للحصول على نتائج أفضل في هذا الحقل. وقام بعض أصحاب
تلك الآراء بشن حملة قوية على الطرق التقليدية في حقل تعلم وتعليم اللغات
وخصوصاً طريقة القواعد - الترجمة. ويكاد يجمع أصحاب النظريات المختلفة من
بنيوية وتوليدية وتحويلية، واجتماعية ونفسية وغيرها، وأصحاب الطرائق
السمعية البصرية والسمعية الشفوية والتواصلية وغيرها على إقصاء اللغة
القومية تماماً كما لو أنهم قادرون على إعادة المتعلمين إلى طفولتهم
المبكرة ليتعلموا لغة قومية جديدة. وأصبحت الترجمة تخلق هلعاً يعرقل
سير العملية التعليمية وتحول دون تعليم أجيال جديدة ناطقة بلغتين قوميتين
. بيد أن النتائج البسيطة التي حققتها تلك الأفكار والطرائق، واستحالة
منع المتعلم من إجراء مقارنات لغوية بين لغته القومية واللغة الجديدة
وبالعكس، ووجود تداخل طبيعي بين اللغتين، دفع باللغويين إلى إعادة النظر في
برامجهم التعليمية ومناهجهم اللغوية، فأصبح الرجوع إلى اللغة القومية
أمراً ضرورياً ومشروعاً من الناحيتين العملية والعلمية. إذ إن التحليل
اللغوي المقارن بين جوانب من اللغة القومية وأخرى من اللغة الأجنبية يعين
في تثبيت المعلومات في ذهن المتعلم ويفضي إلى تمكن أفضل ليس فقط من اللغة
الجديدة بل من اللغة القومية أيضاً. لذلك توفر الترجمة، في هذا المجال،
ميادين واسعة للتدرب على استخدام اللغة الجديدة والتمكن من تراكيبها.
انطلاقاً من ذلك، كان لا بد من وجود أسس علمية منهجية جديدة لتدريب مُدرسي
ودارسي اللغات الأجنبية على هذه المهارة مستفيدين في ذلك من النتائج التي
توصل إليها علم اللغة الاجتماعي والنفسي في حقل تعلم اللغات الأجنبية
وتعليمها(44).
علاوة على ما ذكر فقد أسهمت الترجمة، بنوعيها الكتابي والشفهي، إلى جانب
المصطلحية، في عملية نمو اللغات وبقائها. فالترجمة والمصطلحية تساعدان على
تجديد الأساليب والمفردات العامة والمتخصصة لجميع اللغات بصرف النظر عن مدى
انتشارها. وذلك لأن الميادين الجديدة التي تخوضها الترجمة تقتضي منها
بالضرورة أن تبحث عن صيغ ومصطلحات حديثة تلائم الواقع المعيش وهذا يعد
وسيلة من وسائل تطوير اللغة وإغنائها(45). فعلى سبيل المثال، يؤدي التلفاز
والمذياع في أيامنا هذه دوراً فعالاً في تنمية المهارات اللغوية لدى
الناشئين الصغار. إن تنمية الحصيلة اللغوية لدى الناشئة يقتضي بالإضافة إلى
أمور أخرى متابعة ما يحصل للبرامج الأجنبية المترجمة من تطورات في الأصول،
والسعي لتطوير ما يترجم من هذه البرامج، والحرص على ربطها بالواقع الفعلي
للجمهور، واستيحاء الصور والمشاهد المشوقة والحركات أو الفعاليات المثيرة
التي تجسد الألفاظ ومعانيها في أذهان الناشئة، أو تقربها إليهم وتثبتها في
ذاكرة كل منهم، لا أن تترجم المشاهد والمناظر والشخصيات من الأصل الأجنبي
ترجمة حرفية بعيدة عن النظر إلى المحيط أو الوسط الاجتماعي الذي تعرض فيه.
لذلك كان من الواجب تجنب ترجمة مسلسلات الأطفال، كالقصص والمغامرات، ترجمة
حرفية لأن ذلك يؤدي إلى صعوبة فهم العبارات أو الألفاظ المستخدمة فيها على
النحو المطلوب (46). كما أن الترجمات الأدبية التي ازدهرت في الخمسينات
والستينات والسبعينات من القرن العشرين بالإضافة إلى الاحتكاك المباشر
بالغرب جعل الترجمة عاملاً أساسياً من عوامل إغناء المكتبة العربية، وإلى
إحداث تغييرات أساسية في أشكال الأدب العربي انعكست في شكل أجناس أدبية
جديدة كل الجدة أحياناً، وإلى تعديلات لأجناس أدبية أخرى موجودة من قبل
أحياناً أخرى، كل ذلك أدى إلى إغناء اللغة العربية من خلال تفاعل الأدب
العربي مع الأدب العالمي(47). بالإضافة إلى ذلك تعد الترجمة حقل اختبار في
شتى الميادين الأدبية والعلمية والحقوقية والاقتصادية وغيرها توفر مواد
خاماً أو مصادر لا ينضب معينها لدراسة المفردات والتراكيب والأساليب
وصياغتها. ولا بد في هذا الإطار أن نشير إلى المزية الخاصة التي تتمتع بها
اللغة العربية بوصفها لغة مضيافة تستقبل بمرونة لافتةً للنظر ألفاظاً
وصيغاً جديدةً تستخدم في لغات أخرى. فمن المعروف أن علوم اليونان وفارس
والهند بُدئ بنقلها إلى العربية في أواخر عهد الأمويين، ومنذ ذلك التاريخ
ظهرت بدايات جديدة لحركة تأليف وترجمة. وقد تقدمت هذه الحركة الثقافية
قليلاً في أيام المنصور وهارون الرشيد، ولم تبلغ أوجها إلا في أيام ابنه
المأمون. فعصر المأمون هو العصر الذهبي الذي نقلت فيه جملة كبيرة من علوم
القدماء. ومن الطبيعي أن تؤدي ترجمة هذه العلوم إلى خلق مصطلحاتٍ علمية
كثيرة دخلت اللغة العربية، واندمجت في جملة ألفاظها، وأدمج معظمها في
معجماتنا القديمة. ولقد كانت هذه المصطلحات صالحة للتعبير عن علوم القدماء
إجمالاً. وهي اليوم صالحة للتعبير عن بعض موضوعات العلوم الحديثة. ويتضح من
هذه الإشارة السريعة أن المصطلحات العلمية التي أدمجت في لساننا في تلك
الأيام هي آلاف مؤلفة من الألفاظ العربية ومئات من الألفاظ المعربة(48).
ومن الواضح أن العربية قد نمت بالترجمة والتعريب والاشتقاق والمجاز والنحت
واكتسبت بذلك كثيراً من المصطلحات والألفاظ. وفي هذا الإطار يتحدث د. يوسف
عز الدين عن المقالات الطبية التي كانت تصدر في مجلة يعسوب الطب في مصر
في القرن التاسع عشر: وقد تتبعت تلك الترجمات ودرست ما توافر لي من
أعداد يعسوب الطب ... فوجدت المترجم قد برهن على قدرة اللغة العربية
الكبيرة ومرونتها في احتواء علوم الغرب الجديدة وفهم مصطلحاتها المتعددة
واستيعاب علومها، وأحيا ثروة كبيرة من المفردات الموجودة في كتب الطب
العربية القديمة، إضافةً إلى الاشتقاق والنحت في وضع المصطلحات دون غموض أو
إبهام، وتمكنت المؤسسات العلمية من وضع أكثر من معجم، ثم وضعت قاموس
القواميس الطبية مترجماً من اللغات الفرنسية والإيطالية
والإنكليزية(49).
وما يهم هذا البحث هنا إثارة قضية الترجمة والتعريب بوصفها إحدى وسائل
المثاقفة والنهوض العلمي الحديث في الوطن الكبير بعامة والوطن الصغير
بخاصة. ولا بد من طرح بعض النقاط التي تتعلق بواقع الحال لدينا فيما يخص
هذا الموضوع. لقد حظي التعريب بمعنى استخدام العربية لغةً للتدريس الجامعي
باهتمام بالغ في سورية، بل إنها غدت خطوة لغوية علمية قومية رائدة. بيد أن
قضية الترجمة والتعريب لم تحظ في أوساط التعليم العالي والبحث العلمي
تحديداً بالعناية الكافية. ومع أن الأساتذة الجامعيين قد قاموا بتأليف
وتوفير الكتب الجامعية بلغة عربية مقبولة في مختلف الكليات، إلا أن
الإدارات الجامعية والجهات المعنية على علم أن أكثر هذه الكتب هو مترجم عن
لغات أجنبية وخصوصاً في المجالات العلمية والتكنولوجية والجميع يأبى التحدث
عن هذه الكتب أو أجزاء منها بوصفها ترجمات وكأن إطلاق كلمة ترجمة وتعريب
عليها يحط من شأنها. إضافةً إلى ذلك لم تقم الجامعات ولا وزارة التعليم
العالي أو أية جهة أخرى خلال سنوات عديدة بوضع برامج لنشر ترجمات لأطروحات
ماجستير أو دكتوراه جرت في جامعات أجنبية لباحثين عادوا مجدداً من الإيفاد.
ومع أن تقديم ترجمات بالعربية شرط من شروط التعيين للتدريس في الجامعات،
فإن تلك الترجمات تودع على الرفوف ولا تنشر ولا يتم الحصول على الفائدة
المرجوة منها. ويشخص في هذا المجال مثال محمد علي باشا كمثال تاريخي حيوي
جدير بالاهتمام. علاوة على ذلك لا توجد مجلة أو دورية متخصصة من أي نوع
تتولى أمور الترجمة والتعريب في الجامعات أو مؤسسات التعليم العالي.
والأَدهى من ذلك كله أن البحوث المترجمة لا تعد أعمالاً علمية تدخل في عداد
الأعمال الأصيلة التي يمكن أن ترقى بعضو هيئة التدريس ليُرَفَّع إلى
وظيفة أعلى. ونضع كلمة أصيلة ضمن فواصل صغيرة للدلالة على عدم الدقة في
الاستخدام لأنه لا يوجد هناك عمل علمي يمكن أن يعد أصيلاً على النحو الذي
تستخدم به الكلمة، فالأصالة في البحث هي ميزة نسبية وهي في أفضل أحوالها
ضئيلة. فالبحث يقوم أساساً على منهج علمي يعتمد الملاحظة والتجريب
والمقارنة والنقد والمراجعة والتدقيق بعيداً عن الوحي والإلهام، إذ إنه لا
يوجد اكتشاف أو اختراع أو سبق علمي ينتج عن لحظة إلهام، بل هو وليد تراكم
علمي سابق وسعي دؤوب باتجاه تحقيق فهم أفضل للمشكلة المعنية. ولو انتقلنا
إلى الأوساط الثقافية المحلية والعربية لوجدنا أن الترجمة تعاني من أزمة
مستفحلة، وهي لا تكمن في نقص المترجمين الأكفاء، وإنما تتجلى في أمرين
اثنين: أولهما، أجور الترجمة المتدنية في البلدان العربية على الصعيدين
الحكومي والخاص، إذ لم يطرأ عليها في معظم هذه البلدان تغيير منذ سنين
عديدة، لذا فإن البلدان العربية الغنية مطالبة بتنشيط حركة الترجمة
والتعريب وتشجيعها على نحو أوسع وأغنى؛ وثانيهما، أن عملية الترجمة ما زالت
لدينا عشوائية أو انتقائية وتقع المسؤولية فيها على المترجم وحسن اختياره
للعمل المترجم، وينجم عن ذلك عدد من المشكلات أكبرها تكرار ترجمة عمل لا
لزوم لترجمته أكثر من مرة، فلا بد من عملية تنسيق عربية في هذا الإطار
لتلافي ضياع الجهود والوقت والنفقات(50).
ويبدو أنه لا مفر من التأكيد على بدهيات غدت معروفة في أيامنا وهي أن
الترجمة عصب الحياة الحديثة وأداة اتصال دولي وحضاري وأننا بوصفنا عرباً
ننتمي إلى أمة متخلفة هي أشد ما تكون حاجة إلى عمليات ترجمية وتعريبية
واسعة وعميقة لكثير من العلوم التي قد لا يتوفر منها إلا القليل باللغة
العربية وأن العرب كانوا يوماً من الأيام يحترمون ترجمة العلوم احتراماً قل
نظيره. والحق أن هذا الكلام قد قيل كثيراً منذ بداية النهضة العربية
الحديثة. كما كان أحمد لطفي السيد وبعض تلامذته يعتقدون أن عصرنا عصر ترجمة
لا عصر تأليف. وكانوا يعنون بذلك أن الإبداع والتأليف حتى أواخر العشرينات
لم يصلا بعد إلى ما وصلت إليه الأمم واللغات التي تنقل آدابها وعلومها.
وعلى الرغم من المحاولات الترجمية المتقطعة، الجارية في مصر وسوريا والكويت
والمغرب ولبنان، ما زالت نسبة المترجم إلى المؤلف في هذه الأقطار لا
تتجاوز الواحد بالمائة، في حين تصل هذه النسبة في بلد مثل بريطانيا إلى 10 %
وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى 15 %. وإذا أخذنا هاتين
النسبتين في بريطانيا والولايات المتحدة كدليل على أهمية الترجمة في وجود
تقدم الإبداع والتأليف فهذا يعني بوضوح شديد أن الترجمة ليست عاراً، ولا
عجزاً عن التأليف، ولا إفلاساً في الإبداع (51)، وإنما هي مجال حيوي يتحرك
في أجوائه الإبداع فيغتني وينتج على نحو أفضل. وعندما ترتفع نسبة الترجمة
لدينا إلى نسبة تقارب النسبة البريطانية على الأقل، نكون قد بدأنا بالسير
علمياً وثقافياً في الطريق الصحيح. ويجب ألاَ يغيب هنا مثال اليابان عن
أذهاننا إذ قامت بترجمة علوم الغرب قبل وأثناء نهضتها العلمية الحديثة.
إن عملية الترجمة والتعريب ركن من أركان العمل العلمي الذي يمكن أن يسهم
فعلياً في تطوير المجتمع العربي وفي إغناء المعرفة الإنسانية لذلك لابد
لهذه العملية أن تتم في إطار مشروع بني على أساس وضوح الرؤية والارتباط
الوثيق بواقع واحتياجات الأمة، ومن أجل تحقيق هذا الوضوح والارتباط لا بد
من الإشارة إلى الشروط التالية:
أولاً: ضرورة ربط عمليتي الترجمة والتعريب بالبحث العلمي واستمالة
الفعاليات العلمية والثقافية باختلاف اهتماماتها وتوجهاتها للإسهام في هذا
المضمار، وذلك لأن الر
د. فؤاد عبدالمطلب
قسم اللغة الانجليزية
كلية المعلمين بالرياض
ثارت مؤخراً في ندوات ولقاءات مخصصة للتداول في شؤون البحث العلمي مناقشات
حول مدى ارتباط الترجمة بعملية البحث العلمي. وطرح رهط من المناقشين رأياً
مؤداه أن عملية الترجمة ليس فيها شيء من البحث العلمي، أو بمعنى أدق أن
الترجمة لا تنطوي على استقصاء علمي ولا تمت إليه بصلة، وما هي إلا عملية
نقل لغوي لهذا العمل أو ذاك، وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان بوصفها
عملاً علمياً في حياتنا الثقافية بعامة وفي شؤوننا الجامعية بخاصة. وفي
الحقيقة، لا يزال هناك عدد من الجامعيين العرب هنا وهناك يعتقدون هذا
الاعتقاد وينظرون إلى الترجمة نظرة انتقاص لأسباب معينة. إن مثل هذا
الاعتقاد ومثل هذا الوضع يستدعي البحث الحالي من أجل الدفاع عن الترجمة لا
بوصفها عملية مؤسسِة أو مرافقة للبحث العلمي فحسب وإنما هي نشاط يقع في صلب
البحث العلمي بل هي ضرب من ضروبه الأساسية والمختلفة.
ولكي نستطيع تعرف حقل الموضوع وتُخومه وتثبيت أهدافه لا بدَّ بادئ ذي بدء
من الخوض في تبين المصطلح وتحديده: البحث العلمي والترجمة على التوالي. إن
كلمة بحث في اللغة العربية تعني أن تطلب الشيء في التراب، كما تعني أن
تسأل عن شيء أو أن تفتش عنه، واتسع معناها في أيامنا هذه ليدل على حقل من
حقول العمل العلمي الرئيسة. والبحث في لغتنا المعاصرة مرادف لكلمتين
شائعتين في اللغتين الإنكليزية والفرنسية وهما Search و Chercher وهما
تعنيان التفتيش عن الشيء، وبعد أن تضاف لهاتين الكلمتين البادئة ( re )
التي تعني المحاولة ثانية أو استمرار السعي، يصبح معناها البحث العلمي
بمعناه الدارج اليوم، وتتطابق تقريباً الصفة علمي مع الصفة الإنكليزية
Scientific والفرنسية Scientifique. بيد أن الكلمة الإنكليزية Science لا
تطابق تمام المطابقة كلمة علم العربية، فهذه كلمة عامة تعني كل ما يعلمه
الإنسان أو يعرفه فكلمة علم في العربية ترادف كلمة معرفة مثلها مثل
الكلمة الروسية الواسعة المعنى Nauka والإنكليزية Knowledge وهي تشمل فيما
تشمله العلوم الإنسانية التي تدرس الإنسان وعلاقته بمحيطه أو السلوك
الاجتماعي من جوانبه المختلفة. لهذا يمكننا أن نميز الفرق بين هذا المعنى
ومعنى كلمة علم Science عندما نتحدث عن العلوم الطبيعية مثلاً Natural
Science أو Sciences of Nature أو ما تعنى به الكليات العلمية اليوم
ونقصد الطب والهندسة والصيدلة والزراعة. وعبارة علوم إنسانية هي ترجمة
لكلمة Humanities أي الإنسانيات، وهي تدل على ما تعنى به الكليات التي تدرس
اللغات والآداب والتاريخ والسياسة والفلسفة والقانون والفن وغيرها.
لو استخدمنا، على أية حال ، أي معجم موثوق للغة الإنكليزية لوجدنا أن الاسم
بحث Research أصبح يستخدم فعلاً أيضاً ويعني أن نتقصى أو ننشد أو نتفحص
الشيء ثانية بعناية عبر دراسة نظامية من أجل الوصول إلى نتائج وحقائق جديدة
(1). إن إضافة صفة علمي هنا إلى كلمة بحث ليست مجرد إضافة لغوية، بل
هي أمر فلسفي وعلمي وعملي في الوقت نفسه. فكلمة علمي في أنواع العمل
العلمي كلها لا تضفي صفة موضوعية فقط بل تشير إلى نظامية أو منهجية الطريقة
المتبعة Systematic أو Methodological. إن المنهجية هي السمة الأساسية
التي يعرفها كل من عمل في هذا المجال أو ذاك من مجالات البحث العلمي.
والمنهج أو النهج في اللغة هو الطريق الواضح، لذلك كان أي حديث في مناهج
العمل العلمي بالضرورة حديثاً في فلسفة العلم، التي فيها يكمن سعي
الإنسانية المتواصل منذ أقدم العصور لتحسين فهمنا للإنسان والطبيعة
والمجتمع وزيادة رصيدنا من هذا الفهم.
دارت في أوساطنا الجامعية في الآونة الأخيرة نقاشات حول تعريف البحث العلمي
وتحديد مجالاته، إذ حاول البعض النظر إلى الموضوع من زاوية اختصاصه فجعله
في قلب العملية البحثية وهَمَّشَ اختصاصات أخرى لا يعرفُ الكثيرَ عن
طبيعتها ووظيفتها، كما حاول البعض الآخر طرح تعاريف أكثر شمولاً وموضوعية.
ففي المحاولة الأولى استبعد مثلاً التوثيق أو تحقيق المخطوطات وكتب التراث
العلمي وجمع أشعار القبائل العربية وأخبارها المتناثرة، ورفضت عملية
التأليف بوصفها عملاً علمياً ؛ عملية التأليف التي تعنى بإضافة معلومات
جديدة إلى جانب معارف قديمة أو مهملة فيرد لهل اعتبارها عبر تقديمها بأسلوب
جديد ويتم التعبير عنها في شكل يمكن إدراكه على نحو أفضل، كما رفضت
الترجمة بأنواعها فوصفت بأنها مجرد عملية نقل يمكن أن يقوم بها أي شخص يتقن
لغتين أو أكثر.
وفي الحقيقة إنه لمن الصعب تعريف البحث العلمي تعريفاً محدداً أو شاملاً
تقبل به جميع الأطراف. فقد تحدث أحد خبراء اليونسكو في مجال البحث العلمي
د. جون ديكنسون عن البحث العلمي بأنه: استقصاء منهجي في سبيل زيادة مجموع
المعرفة(2) كما عرفته
د. صالحة سنقر بأنه: استقصاء دقيق، نافذ وشامل، يهدف إلى تحصيل حقائق
جديدة، تساعد على وضع فرض جديد موضع الاختبار، أو مراجعة نتائج مسلم بها
(3). ويعرفه
د. سيدي محمود ولد محمد على النحو التالي: إن البحث العلمي هو وسيلة
الوصول إلى الحقيقة النسبية، واكتشاف الظواهر ودرجة الارتباط فيما بينها،
وذلك في مختلف مجالات المعرفة. و البحث العلمي ليس مقتصراً على أسرار
المادة والكون المحيط بنا، بل يشمل الأحداث اليومية لحياة الإنسان (4).
ويحدد د. محمد نضال الريس مفهوم البحث العلمي بأنه كل دراسة تتم أو بحث أو
اختبار يجري عن موضوع أو مشكلة على أسس علمية للتوصل إلى نتائج موضوعية
(5). وفي إطار حديثه عن كيفية إعداد البحث وعن المنهجية يطرح د. إميل يعقوب
تعريفه للبحث بأنه: محاولة لاكتشاف جزء من المعرفة لإذاعته بين الناس
والاستفادة منه. وتختلف البحوث باختلاف الحقول... (6) إن هذا التعريف
العام المبسط يكتسب أهمية نسبية وخصوصاً عندما يذكر الترجمة بوصفها مجالاً
رئيساً من مجالات البحث العلمي الجامعي التي يوردها على النحو التالي:
أولاً، معالجة موضوع معين ؛ ثانياً، تعريب كتاب شرط أن يكون الكتاب على صلة
باختصاص الباحث وأن يقدمه بمقدمة واسعة يعرض فيها خصائص الكتاب المعرب،
وأن يلحق معجماً للمصطلحات، والفهارس الفنية اللازمة؛ ثالثاً، تحقيق
مخطوط؛ رابعاً، فهرسة بعض المؤلفات أو المجلدات (7).
إن هذه التعاريف في جلها صحيحة، وعندما ننعم النظر في الموضوع فإنه ستتوفر
لدينا أيضاً آراء ومفاهيم أخرى عن البحث العلمي. إننا لن نخوض في مناقشة
هذه المفاهيم فهي تحتاج إلى دراسة متأنية ومستقلة، لكن حسبنا أن نشير إلى
تعدد تعريفات البحث العلمي التي تفيد بسعة الموضوع وعمقه. لنقتبس ما ذكره
ديكنسون بهذا الصدد عندما لاحظ أن الاستخدام المعاصر لكلمة بحث في
البلد1ن الناطقة بالإنكليزية يثير غضب العلماء من ذوي الخبرة لأنه يستعمل
لوصف كثير من الأنشطة التي يبدو للوهلة الأولى أن لها روابط ظاهرية قليلة
فيما بينها، أو حتى بينها وبين العلم، وأن لها أيضاً عدداً من الروابط
الأخرى. إن مثل هذا الاختلاف في استخدام كلمة بحث واسع الانتشار فهو يوحي
بتعدد التفسيرات الممكنة، وقد يكون كل منها صحيحاً في الواقع ولو بصورة
جزئية. لذا فإن أحد التفسيرات الممكنة يتمثل في أن أولئك الذين يعتقدون
أنهم يستخدمون الكلمة بمعنى صحيح وحصري هم أقلية محدودة ومنطوية على نفسها
ولا تقيم اتصالاً بالفعل مع سائر المجتمع. وبالمقابل قد يكون هناك تعريف
ضعيف أو غامض للكلمة، وحيث إن اللغة شيء حي ومتغير، فإن معنى بحث يصاغ
ويعاد تعريفه من خلال استخدام غير دقيق. ووفقاً لتفسير محتمل آخر، فإن كلمة
"بحث"، وعلى وجه الخصوص غير محددة، ومتعددة الوجوه، ولكنها تتسم بالمرونة
مثل العقل، ولا يمكن حتى لمن يتعمق في الدراسة والتفكير أن يأمل في إدراك
أكثر من جزء صغير من هذا التفسير (.
إن تحليل التعاريف والاستخدامات الشائعة المتعلقة بكلمة بحث لا يمكن إلا
أن يثير الخلاف بين الاختصاصيين والعلماء. ويذكر ديكنسون هنا أن العالم
روتشيلد قد خصص منذ عقد مقالة علمية لتحليل ما لا يقل عن خمسة وأربعين
نوعاً من أنواع البحث. وقد استرعى هذا الباحث انتباه الجمهور عندما نبه إلى
المناقشات الكثيرة المطولة التي تدور حول المسائل الخاصة للتعاريف في حد
ذاتها. وعندما وقف أمام لجنة العلم والتكنولوجيا في مجلس العموم البريطاني
لإقامة الدليل على وجهة نظره أجاب بالنفي عندما سألته اللجنة عما إذا كان
يرغب في تعديل شيء مما كتبه عن الأنواع المختلفة للبحث.(9)
أما فيما يتعلق بمصطلح الترجمة ، فإنه يعني اليوم نقل كلام من لغة إلى
لغة، مفردات أو نصوصاً أو كتباً كاملة. إن كلمة ترجمة عربية أصيلة،
وردت في اللغة الأكادية (10) وفي الآرامية والسريانية(11) (اللهجة الغربية
من الآرامية) وفي العبرية والحبشية (12)، ومعناها الأصلي: تفسير الكلام
(13). وكلمة ترجمة في تلك اللغات القديمة هي: ترجمانو (بالجيم غير
المعطّشة كما في جمل، والواو علامة الرفع)، وتأتي التاء فيها بالفتح أو
بالضم، وكذلك تأتي الجيم فيها مفتوحة ومضمومة). أما في الآرامية والسريانية
والآرامية اليهودية فهي: ترجمانا (بفتح التاء في السريانية، وضم التاء في
الآرامية اليهودية ثم بإمالة الجيم فيهما). وعلى الأغلب إن الكلمة انحدرت
من الأكادية إلى عرب الجاهلية، أو إنها رحلت مع الأكاديين من اليمن إلى
جنوب العراق (14).
وربما كان من المفيد أن نذكر العلاقة بين الفعل تَرْجَمَ في العربية
وأخواتها من اللغات الشرقية التي وجدت في منطقتنا كالسريانية وهو تَرْجمْ
Targhem ويعني ترجم ونشر وشرح وخَطب وتكلم وفي العبرية تِرْجِمْ Tirghem
ويعني ترجم ونقل من لغة إلى أخرى، ونذكر أن التَرجُوم Targhum هو الترجمة
الآرامية للتوراة (15). وما كلمة درغمان Drogman (16) في الفرنسية
والإنكليزية أيضاً إلا كلمة ترجمان العربية التي طرأ عليها التعديل كما
حدث لكثير من الكلمات التي تدخل بين اللغات.
وللترجمة عموماً معنيان: سيرة فرد من الناس أو تاريخ حياته ثم تفسير الكلام
أو شرحه أو نقله من لغة إلى لغة (17). إن المعنى الثاني هو موضوع هذا
الجزء من البحث. ولقد ورد بخصوص الفعل تَرْجَمَ والاسم منه في لسان العرب (
يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أخرى، والشخص يسمى الترجمان وهو
الذي يفسر الكلام)، وجاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي (الترجمان
كعنفوان: المفسر، وترجمه وترجم عنه، والفعل يدل على أصالة التاء). وفي هذا
الإطار يناقش بعض دارسي اللغات الشرقية أن أساس الفعل كلمة رَجَمَ كما وردت
في العربية والآرامية والأوغاريتية وغيرها وأن التاء زائدة وسبب زيادتها
يحتاج إلى بحث لغوي في تاريخ الكلمة ويؤكدون ندرة ورود كلمة ترجم أو ترجمة
بالمعنى المتعارف عليه حديثاً في النصوص العربية القديمة. وجاء في المعجم
الوسيط أيضاً (ترجم الكلام: بينه ووضحه، وترجم كلام غيره وعنه: نقله من لغة
إلى أخرى، وترجم لفلان: ذكر ترجمته، والترجمان: وجمعه تراجم وتراجمة،
وترجمة فلان: سيرته وحياته وجمعها تراجم). وقد جاء في الصحاح في اللغة
والعلوم (ترجم - يقال: قد ترجم كلامه، إذا فسَّره بلسان آخر، ومنه
الترجمان، والجمع التراجم، والترجمة: النقل من لغة إلى أخرى). بيد أن
المعاجم العربية لا تقدم تأريخاً عاماً أو مفصلاً لتطور معاني تلك الكلمات
ودلالاتها على غرار بعض المعاجم مثل The Shorter Oxford English Dictionary
. وقد ورد لكلمة ترجم معنى عام هو فسر وأبان وأوضح. ولم يستخدم ابن النديم
هذه الكلمة (الترجمة) وإنما استخدم النقل فيقول في ص (304) من الفهرست
(ط. تجدُّد) أسماء النقلة من اللغات إلى اللسان العربي ، وفي (305)
يقول: أسماء النقلة من الفارسي إلى العربي نقلة الهند والنبط وهو
يستخدم الفعل نقل من...إلى. ويمكن النظر إلى حديثه عن عبد الله بن المقفع
ص (32) وكان أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى العربي... وتجده يذكر في
ص (91) أن للمفجَّع البصري كتاباً عنوانه الترجمان في معاني الشعر وهو
ضائع، وقد توفي المفجَّع واسمه محمد بن أحمد بن عبيد الله البصري سنة 320
هـ. وفي (197) يذكر كتاب ترجمة كتاب الفلاحة للروم وهو ضائع. ويستخدم
كلمة الترجمة بمعنى العنوان وفي ص (378) كتاب ترْجمتهُ... أي
عنوانه ويقول في (211) وما ترجمته من كتب الجاحظ: رسالةً أي عنوانه
.
وفيما يخص كلمة الترجمان فإنها تأتي بالعربية بفتح التاء وضمِّها لضمِّ
الجيم، وتأتي أيضاً بفتح التاء والجيم. وما يدل على أن الكلمة أصيلة في
العربية أن العرب سمَوْا بها، ففي القاموس المحبط ) 4: 83) التَرجُمان (
بفتح التاء وضم الجيم ) ابن هريم بن أبي طَخْمة(18). وهناك علاء الدين محمد
بن محمود الترجماني المكي الخوارزمي (ت 654 هـ ـ 1257 م)، وله يتيمة
الدهر في فتاوى أهل العصر(19). كما وردت كلمة ترجمان في الشعر العربي
القديم مرات عديدة، قال الراجز نُقادةُ الأسدي (20):
... فَهُنّ يَلْغِطْنَ به إلغاطا كالتُرْجمان لقِيَ الأنْباطا.
وقال عوف بن محلّم الخزاعي (21):
إن الثمانين - وبُلِّغْتها - قد أحوجت سمعي إلى ترْجمان
ووردت كلمة ترجمان مفردة وجمعاً عند المتنبي:
ملاعب جِنَةٍ لو سار فيها ســـليمانٌ لســار بتَرْجُمَانِ(22)
تجمَّع فيه كل لِسْنٍ وأمةٍ فما تُفْهمُ الحُدَّاثَ إلاَ
التراجِم(23)
وقال كذلك ابن الرومي يصف مغنيةً تعْزِفُ على العود ( وهو يُشبِه العود
بأنه طفل في حضن أُمُّهُ ) (24).
أُمُهُ، دهرها، تترجمُ عنه وهو بادي الغِنى عن التَّرجُمان
غير أن ليس ينطق الدهرَ إلاَّ بالتزامٍ من أمّه واحتضان.
إن معظم اللغات تستخدم على نحو مهم كلمة أخرى للدلالة على تلك العملية
الفنية والعلمية المعقدة التي تدعى: الترجمة. فاللغة الأندونيسية مثلاً
تستخدم الألفاظ Terjemahn و Pertalan و Pernjalinan واللفظ الأخير أتى من
جذر كلمة يعني حملت طفلاً أو يبدل المرء ثيابه. وتستخدم اللغة الألمانية
كلمة Übertragen التي تعني النقل أو التفاوض أو كلمة
Übersetzen وتعني العبور أو القفز فوق شيء أو أمر. كما أن
الفرنسية، مثلها مثل الإنكليزية، اشتقت كلمتها عن الترجمة من اللفظة
اللاتينية Translatio وهي ذات معنى أولي يفيد في الحمل أو النقل، فهي
تستخدم كلمتي Traduction وVersion (25) وتعنيان الترجمة أو النقل من لغة
أجنبية إلى اللغة الأم، وهذا ينطبق أيضاً على اللغة الإسبانية التي تستخدم
Traduzioire و Transferimentio (26). ولا يخفى على القارئ المدقق استمرار
حدوث الصورة اللفظية لكلمة ترجمة أو وجود وجه شبه من نوع ما بين الكلمة
العربية ومعادلاتها في الأندونيسية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية
والإيطالية. ويبقى وجه الشبه المذكور موضوعاً للتقصي يقوم به الباحث اللغوي
المقارِن.
إن هدف هذا الجزء من البحث التأسيس للنقاش اللاحق، ومنه نستخلص أيضاً أن
الفعل ترجم والترجمان والترجمة - بالتاء أو دونها - فصيحة تماماً وعربية
الأصل، وهي ليست من أصل أجنبي وليست محرفة عن أية كلمة أخرى، وأن الترجمة
قد مثلت فعلاً حضارياً أصيلاً في التراث العربي العلمي والثقافي العام
(27). فعلى سبيل المثال، يذكر الفهرست عدداً كبيراً من الكتب التي
ترجمت وأسماء المترجمين.
وتنقسم الترجمة عموماً إلى نوعين: الأول، الترجمة الشفوية أو الفورية أو
التتبعية (28) وهي قديمة قدم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
بين البشر وتزداد الحاجة إليها في عصرنا هذا - عصر الاتصالات الدولية (29)،
وقد كان حظ الترجمة العلمية والأدبية في هذا النوع قليلاً. أما النوع
الثاني فهو الترجمة الكتابية وهي أوسع انتشاراً وأكثر ديمومة من حيث كونها
وسيلة الاتصال والمثاقفة والنقل الحضاري العام بين الأمم، وهي تمتاز بالدقة
والتأني والأهمية الثقافية بالمقارنة مع الترجمة الفورية، وقد تحققت
الترجمة العلمية والأدبية وانتشرت عن طريق الكتابة. ويتخصص المترجمون عادةً
في ثلاثة حقول: العلم والتكنولوجيا، والموضوعات الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والإبداعية والحقوقية، والأعمال الفلسفية والفنية واللغوية
والأدبية. ولقد أصبحت الترجمة بفرعيها الشفهي والكتابي اختصاصاً قائماً بحد
ذاته يدرس في الجامعات وله طرائقه وبرامجه الخاصة. ومن المعروف الآن أن
جامعات أجنبية وعربية عديدة قد افتتحت أقساماً وكليات تعنى بدراسة الترجمة
بوصفها حقلاً علمياً مستقلاً وأخذت تمنح شهادات علمية اختصاصية وعلى كافة
المستويات في هذا الحقل.
يتفق كثير من المترجمين والكتاب على اعتبار الترجمة فناً وعلماً في آنٍ
معاً (30). إن الترجمة فنٌّ دون شك وهي بحاجة إلى مران وممارسة دائمين،
وهذا موضوعٌ له قضاياه ومشاكله، غير أن اهتمامنا هنا يتركز حول دراسة ظاهرة
الترجمة بوصفها علماً. وفي هذا الإطار نستطيع القول وبقوة إن الترجمة يمكن
أن تعد بحثاً علمياً عندما تتسم ببعض المواصفات المميزة. والحقيقة أن هذه
المواصفات يجب أن تتوفر في معظم الترجمات بصورة من الصور. أولى هذه
المواصفات هي أن يُشكِّلُ النص المترجم، نص لغة المصدر، تحدياً وضرورةً
ملحةً من حيث الشكل أو المضمون، مثال ذلك أن يختصَّ النص بفرع من فروع
المعرفة العلمية التكنولوجية الجديدة، أو أن يكون نصاً أدبياً أو فلسفياً
كتب بلغة إبداعية ذات أسلوب مبتكر أو غامض أو صعب أو بلغة أيام غابرة ؛
وثانياً، عندما يكون النص المترجم محتاجاً لشرح أو تفسير أو استهلال ينبغي
وضعه في مقدمة النص بقلم المترجم ؛ وثالثاً، عندما يكون النص بحاجة إلى
شروح إضافية موضوعية يمكن وضعها على شكل ملاحظات أو تعليقات في ذيل كل صفحة
أو في قائمة خاصة بالمترجم في نهاية النص أو نهاية كل قسم منه(31)، وهذا
النوع من الترجمة يُعرف عادةً باسم الترجمة المشروحة Annotated
Translation . لهذا كان النص المترجم الذي يتمتع بمواصفات البحث العلمي
يتطلب عملاً علمياً ولغوياً ملموساً ويتطلب مقدمة مفصلة مكتوبة على نحو
وافٍ يقدم من خلالها المترجم بينات واضحة عن جهده ويطرح نهجه في تناول النص
وأسلوبه في الترجمة، وعندما تكون الترجمة مصحوبة بجملة من الملاحظات
وقائمة بالمصطلحات المعربة وثبت بالمراجع التي تم استخدامها.
وأضرب مثالاً معروفاً لدى المتخصصين بالترجمة الأدبية للدلالة على صحة ما
ذكر آنفاً. إن الشاعر الأمريكي بيارد تيلر معروف بوصفه مترجماً لعمل الشاعر
الألماني غوته فاوست أكثر منه مؤلفاً ذا كتابات متميزة. لقد كان تيلر
دارساً حقيقياً للشاعر الألماني عندما نقل ملحمته فاوست بجزأيها إلى
الإنكليزية فكان أول أمريكي يحاول نقل الجزء الثاني (الذي صدر في بوسطن
ونيويورك عام 1871 ). ولكي يكون منصفاً للنص الألماني قام تيلر بدراسة
الأساطير الإغريقية والتعمق فيها ودرس بعض النظريات الجغرافية التي يشير
إليها النص الأصلي، وقام بتوسيع عمله فدرس كل ما وصل إلى يديه من نسخ محققة
للنص والدراسات النقدية الصادرة حوله في مختلف أرجاء العالم، كما درس حياة
الشاعر الألماني وأعماله ولغته، ثم قام بمحاولة لفهم العلاقة بين جزأي
العمل من خلال قراءة خاصة، وبعدها شرع في عمله موظفاً كل قواه الأدبية
ومعارفه بعملية النقل فخلق عملاً عاش طويلاً بعد أيامه فغدا لاحقاً نموذجاً
احتذاه تقريباً كل من حاول إعادة ترجمة النص الألماني(32). إن النفاذ إلى
روح النص الأدبي ومعرفة أفكاره، ثم نقل ذلك كله إلى لغة ثانية يتطلب دراسة
وتقصياً دؤوبين ونفاذ بصيرة وتأنياً وخبرة. إن نقل الروائع والأعمال
الجديدة الصادرة في أرجاء العالم في مختلف العلوم وخصوصاً الحقول
والموضوعات التي لا يتوفر فيها إلا كتب قليلة أو لا يتوفر على الإطلاق،
والمجالات التي لم تستقر فيها المصطلحات الاختصاصية بعد، ليست مجرد عملية
نقل عادية أو عملاً فنياً صرفاً مفصولاً عن مجمل النشاط الثقافي والحضاري
للمجتمع، بل هي على العكس عملية تدخل فيها آليات وعناصر الحوار والتفاعل
ويتم فيها التجادل والمثاقفة بين اللغة والأدب والفكر والتراث والمجتمع.
ثمة أمر آخر يتعلق بالترجمة بوصفها علماً لا نشاطاً ثانوياً يمكن أن يطرح
للنقاش هنا. إن هدف نظرية الترجمة هو الوصول إلى فهم العمليات الجارية في
أثناء ممارسة الترجمة، وليس كما هو مفهوم خطاً، تقديم مجموعة من القواعد من
أجل إنجاز ترجمة أفضل. وبالطريقة نفسها يحاول النقد الأدبي فهم البنى
الداخلية والخارجية التي تفعل فعلها في النص الأدبي وحوله، وليس تقديم
مجموعة من التعليمات التي تؤدي إلى كتابة قصيدة أو رواية أو قصة. والشيء
نفسه يمكن أن يقال عن الأدب المقارن الذي يبحث في العلاقات بين آداب العالم
وثقافاته وآليات التأثر والتأثير وطرائق التفاعل والتثاقف والتشابه
والاختلاف، وليس مجرد تزويد قواعد تتعلق بكيفية إجراء مقارنات بين عمل أدبي
وآخر. من هنا يمكن أن نلحظ سوء الفهم حول علم الترجمة الذي يؤدي في
النهاية إلى اعتبار الترجمة نشاطاً ثانوياً، ليس فيه من العلم إلاّ الشيء
القليل(33).
إن النقاش الدائر حول عدم وجود بحث علمي ترجمي يبدو في أيامنا هذه نقاشاً
بالياً، فعلم الترجمة موجود مسبقاً، ومع دراسات الترجمة التي تجري الآن،
يوجد حقل معرفي رصين يستقصي عمليات الترجمة، ويبحث في مسألة إيجاد النص
المعادل ويدرس مكونات المعاني ضمن تلك العمليات، ويتوسع هذا العلم ليشمل
تقديم دليل نظري من أجل إنتاج الترجمات على نحو أفضل. كما أن خرافة اعتبار
الترجمة نشاطاً ثانوياً مع كل الإشارات التي توحي بأنه ذو قيمة أقل في
أثناء عمليات التقويم، يغدو كلاماً لا معنى له عندما نتفهم حدود العنصر
البراغماتي في الترجمة والعلاقة بين المؤلف والمترجم والقارئ. وتظهر هذه
العلاقة في أثناء عملية الترجمة عندما توضح أن المترجم هو مُستقبل ومرسل في
آن معاً، وهو بداية ونهاية عملية الاتصال. لقد تخطت دراسات الترجمة الآن
الكلام القديم الذي يحاول الحط من قيمة دراسة الترجمة وممارستها. والحق،
أنَّ نظرية الترجمة وممارستها مرتبطتان ارتباطاً لا تنفصم عراه، وتتم عملية
الإغناء بينهما على نحو متبادل ومستمر. إن فهم عمليات الترجمة يسهم في
إنتاج الترجمة وممارستها، لأن النتاج الترجمي هو ثمرة لعلاقات معقدة على
الصعيد الدلالي والنحوي والعملي، وهذه العلاقات يجب ألا ينظر إليها بأي حال
من الأحوال من خلال نظرة عتيقة تنظر إلى الترجمة على أنها عمل ثانوي.
ويلخص اوكتافيو باز على نحو موجز حالة الترجمة وممارستها في أحد أعماله،
بأن النصوص كلها هي جزء من نظام أدبي ينحدر أساساً من أنظمة أخرى ويتصل
بها، وهي ترجماتُ ترجماتِ ترجماتٍ. وفي هذا الصدد يقول:
كل نص فريد في حد ذاته، وهو في الوقت نفسه، ترجمة لنص آخر. ليس هناك نص
أصيل كلياً لأن اللغة ذاتها، من حيث الجوهر، هي ترجمة سابقة، أولاً: للعالم
غير الشفوي، وثانياً: لأن كل إشارة وكل فقرة هي ترجمة لإشارة أخرى وفقرة
أخرى. على أية حال، يمكن تدوير هذه النظرية دون أن تفقد صحتها: فالنصوص
كلها أصيلة لأن كل ترجمة متميزة. وكل ترجمة إلى حد ما، هي ابتكار وعلى هذا
النحو تشكل نصاً فريداً .(34)
احتفلت مدارس الترجمة العربية في 30 أيلول 1995 ومثيلاتها في العالم وكذلك
الهيئات والمنظمات والمحافل العربية والدولية باليوم العالمي للترجمة. فبعد
شعار
الترجمة جوهر التواصل لعام 1992، و الترجمة حضور نافذ لعام 1993،
و الأوجه المتعددة للترجمة لعام 1994، خلد اليوم العالمي للترجمة لعام
1996 في ذكراه الخامسة تحت شعار الترجمة أداة للتنمية (35). إن هذا
الشعار يكتسب أهمية خاصة في أيامنا هذه لا لاعتبارات ترجمية فحسب بل
لاعتبارات تنموية عامة، فإذا كان من شأن هذا الشعار أن يذكرنا بأننا في
منتصف عقد التنمية الذي دعت إليه اليونسكو، فإنه من ناحية ثانية يسلط الضوء
على أهمية الدور الذي يقوم به المترجمون والتراجمة والمصطلحيون في عملية
التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية واللغوية لدول العالم وشعوبه.
لقد أدت الترجمة دوراً علمياً وحضارياً فعالاً عبر التاريخ، كما أن الترجمة
تؤدي دوراً أساسياً مهماً من حيث ربط الماضي بالحاضر. فتراث الحضارات
الكبيرة تم تناقله على مر السنين بفضل ترجمته إلى لغات أمم مختلفة وعبوره
إلى ثقافاتها المتنوعة ليصل إلينا اليوم، فيكون إثراء لمختلف جوانب حياتنا
المعاصرة. فالترجمة قديمة، إذ وجدت في الرقم الطينية عند البابليين
والآشوريين والآكاديين للاستعانة بها لفهم الأمور الرسمية والجارية بين
أقطار العالم المعروفة، لأن الأكادية كانت لغة العالم كاللاتينية في العصور
الوسطى والفرنسية بعد ذلك والإنكليزية في العصر الحديث، واللغة العربية في
زهو الحضارة الإسلامية (36). فلقد قام اليونانيون بإرسال أبنائهم للدراسة
في مصر القديمة ونقل المعارف في الحساب والفلك والزراعة والطب والآداب إلى
اللغة الإغريقية، وأتى الرومان فنقلوا عن الإغريقية آدابها وفلسفتها
وعلومها، ثم أتى العرب فنقلوا عن الإغريقية واللاتينية والفارسية وغيرها،
وجاءت أوروبا خلال العصور الوسطى لتنقل عن العرب المسلمين مختلف العلوم مثل
الطب والفلك والنبات والجغرافيا والتاريخ والأدب، ثم وجد العرب أنفسهم
متخلفين عن الركب العلمي والحضاري مضطرين للترجمة عن أمم سبقتهم. وههنا
نلحظ أن الترجمة كانت تنشط وتقوى كلما التقت ثقافة بأخرى وكلما احتاجت
إليها، ونفهم الدور الذي تقوم به في التقريب بين ثقافات العالم وتسهم به
إسهاماً كبيراً في تعزيز التفاعل الحضاري الإنساني العام.
إن عملية قراءة سريعة لتاريخ الثقافة العربية كفيلة بأن تظهر أن الترجمة
كانت دائماً ظاهرة سابقة ومرافقة لمحاولات النهوض الحضاري. لقد استفاق
العرب في بداية القرن الماضي وأدركوا البون الشاسع الذي يفصلهم عن الركب
العلمي والحضاري الأوروبي فكان عصر النهضة الذي يعرفه البعض بأنه عصر
تكوين ثان للعقل العربي (37). وبدأت حركة الترجمة في بلاد الشام في مطلع
القرن التاسع عشر، ولكنها اقتصرت في البداية على الكتب الدينية والأدبية
(38). أما في مصر فقد اعتمد عليها محمد علي باشا وسيلةً من وسائل تحديث
الدولة المصرية الناشئة. فأسس مدرسة للألسن عام 1835،وتولى الشيخ رفاعة
الطهطاوي الإشراف عليها. ثم أنشأ قلماً للترجمة عام 1841. واهتم محمد علي
بترجمة الكتب العلمية والأدبية الهامة من اللغات الفرنسية والإيطالية
والتركية والفارسية. كما ساهم عدد من الكتاب والأدباء الذين وفدوا إلى مصر
من بلاد الشام بصورة فعالة في حركة الترجمة والنهضة العلمية والأدبية التي
عاشتها مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وتولت الصحف والمجلات
أمثال المقتطف و الهلال وغيرهما ترجمة البحوث والمقالات ونشرها على
صفحاتها. ولا يخفى أن حركة الترجمة هذه قد مكنت العرب من الإطلاع على
ثقافة الغرب وعلومه وما توصل إليه من آراء ومبادئ سياسية واقتصادية
واجتماعية. ويشير د. علي شلش إلى أهمية الترجمة في عملية النهوض فيقول:
... لم نستيقظ إلا في القرن 19. وعندئذٍ أدركنا بسرعة أننا مثل أهل الكهف
فشرعنا في تلك العملية النهضوية التي لم تنته بعد، للحاق بالذين أيقظونا من
نومنا الطويل. ومرة أخرى كانت الترجمة أداة من أدوات السباق مع الزمن.
وروى لنا المؤرخون كيف أن حاكماً أمياً مستبداً، مثل محمد علي في مصر، أشرف
بنفسه على إرسال البعثات، وتعلم اللغات وتحرير الصحيفة الوحيدة التي
أسسها، وتكليف كل مبعوث في الخارج بترجمة كتاب أو أكثر في العلم الذي تعلمه
(39). لم تعد الثقافة الآن محصورة داخل الحدود القومية، فقد جعلت الترجمة
المؤلفات في مختلف الحقول متوفرة بسهولة في كثير من اللغات، وأصبح في
مقدور شعوب العالم المختلفة التعرف على الحياة الثقافية والأدبية والفنية
للشعوب الأخرى المجاورة منها والبعيدة. وما ترجمة الروايات والقصص
والمسرحيات والقصائد عموماً والأشرطة التلفزيونية والأفلام السينمائية
خصوصاً إلا اختراقاتٌ لغويةٌ يقوم بها المترجمون من أجل تعزيز عملية
المثاقفة بين الأمم.
إن موضوع نقل التكنولوجيا موضوع يشغل البلدان المتقدمة والبلدان
النامية، والبلدان العربية منها، على حدٍ سواء، ولا يستطيع أحد أن ينكر
الدور الحيوي الذي يمكن أن يقوم به المترجمون الاختصاصيون في ميادين معينة
من نقل لأعمال علمية حديثة وهامة بهدف التأسيس لعملية نهوض تكنولوجية في
بلدانهم. وما يجدر ذكره هنا أن البلدان النامية، والبلدان العربية في
مقدمتها، معفاة لحسن حظها، واقعياً لا قانونياً، مما يسمى بحقوق المؤلفين،
وأن الترجمة والتعريب عملية مسموح بها للجميع،إن المرء ليستغرب الإحجام عن
ترجمة المؤلفات العلمية الحديثة على أساس مبرمج وفعال ؟ كما أن بروز
الخلافات والنزعات القومية والسياسية والدينية والجغرافية أدى إلى خلق
مترجمين، تحريريين وفوريين، يعملون على نحوٍ حثيثٍ ودؤوب في منظمات وهيئات
محلية ودولية من أجل تحقيق حوارات واتفاقات ومعاهدات بين الأطراف
المتنازعة، وقد غدا عصرنا الحالي عصراً للاتصال والتفاهم الدولي. ومن المهم
أن نضيف أنه مع تنامي التوجه إلى الاقتصاديات الشمولية أو التعاونية
المتمثلة في المنظمة العالمية للتجارة والوحدة الأوروبية واتفاقية التبادل
الحر لدول أمريكا الشمالية وغيرها من التكتلات الاقتصادية في منطقتنا
العربية والعالم، أصبح دور الترجمة في التنمية الاقتصادية والتجارية أكثر
جلاءً. وبالفعل كانت الترجمة دائماً عاملاً من عوامل التنمية، وإن اعتقد
البعض لفترةٍ طويلة أنها مجرد عامل وسيط في التبادل التجاري. فالترجمة تقوم
الآن بدور حيوي في نشاطات الاستثمار والتوفير وتدريب القوى العاملة
والاستهلاك وعمليات الاستيراد والتصدير وغير ذلك. وهي التي تتيح لنا دخول
أسواق رأس المال ونقل التقنيات الاقتصادية والبرامج التجارية بوصفها أداة
متخصصة في نقل المفاهيم والنظريات والخبرات الجديدة. إنها تسمح لنا
بالاستفادة من نتائج إحصائيات وبحوث في بلدان أخرى، وبدونها لم يكن
بالإمكان توحيد المواصفات الفنية والتجارية. كما أن الترجمة تقوم بدور
أساسي في التجارة الدولية من خلال الحفز على الإنتاج والاستهلاك المتبادل.
وفي معرض حديثه عن دور الترجمة في عملية الاتصال أو الاحتكاك بين الأمم
يشير د. شلش: وفي الحرب والقتال يظهر الاحتكاك المباشر، وإطلاع كل طرف
على ما عند الآخر من معارف وتكنولوجيا. فإذا ساد السلام صارت التجارة أو
التبادل التجاري، أداة الاحتكاك من جديد، وهكذا. (40)
وتقوم الترجمة بدورٍ هام في المجتمعات الثنائية اللغة أو المتعددة اللغات
يتنوع بتنوع الخدمات التي تقدمها. وتكتسب الترجمة، بنوعيها الكتابي
والشفهي، أهمية خاصة في المجتمعات التي تستقبل أعداداً كبيرةً من
المهاجرين. وتصبح الإدارات الحكومية مصدر إرباك لا يمكن تفاديه إذا كانت
تستخدم لغة غير لغة من تسعى لخدمتهم. فالمترجمون الاجتماعيون يمكنون
المهاجرين من التواصل مع المسؤولين في مختلف الإدارات ومن ثم يمكن الحصول
على تسهيلات في المدارس والمشافي والمحاكم ومختلف الدوائر الحكومية في
موطنهم الجديد. بالإضافة إلى أن الترجمة الفورية الإشارية تمنح الصم صوتاً
للتعبير عن احتياجاتهم في مواقف حياتية عديدة.
لقد أصبحت الترجمة عنصراً أساسياً في عملية التربية والتعليم، وذلك لأن
الكتب الدراسية ومناهج التربية والتعليم التي تعتمدها المدارس لا تأتي من
فراغ ولا تنشأ من العدم بل غالباً ما تتكون بصورة تدريجية معتمدةً في ذلك
اعتماداً واضحاً على الترجمة مع مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية لكل
أمة(41). ومما هو أهم من ذلك أن الترجمة قد سادت تاريخياً في طرائق تعليم
اللغات الأجنبية في أوروبا على نحو أساسي ما بين 1840 و 1940، وما زالت
مستمرة بأشكال مختلفة في مناهج تعليم اللغات في أصقاع مختلفة من العالم
(42). ويؤكد عدد من الاختصاصيين صلاحية طريقة القواعد - الترجمة Grammar -
Translation Method وإيجابيتها في تدريس اللغات الأجنبية ليس في أيامنا
وحسب يل إنَّ هذه الطريقة التي كانت تدعى بالطريقة التقليدية Classical
Method استخدمت منذ زمنٍ بعيد في تعليم اللاتينية والإغريقية(43). ومع تطور
علم اللغة وتطبيقاته المتعددة كثرت الآراء والأفكار منذ الستينات من هذا
القرن حول تعلم وتعليم اللغات الأجنبية، وبذلت جهود واسعة وحثيثة من أجل
إيجاد الطريقة الأمثل للحصول على نتائج أفضل في هذا الحقل. وقام بعض أصحاب
تلك الآراء بشن حملة قوية على الطرق التقليدية في حقل تعلم وتعليم اللغات
وخصوصاً طريقة القواعد - الترجمة. ويكاد يجمع أصحاب النظريات المختلفة من
بنيوية وتوليدية وتحويلية، واجتماعية ونفسية وغيرها، وأصحاب الطرائق
السمعية البصرية والسمعية الشفوية والتواصلية وغيرها على إقصاء اللغة
القومية تماماً كما لو أنهم قادرون على إعادة المتعلمين إلى طفولتهم
المبكرة ليتعلموا لغة قومية جديدة. وأصبحت الترجمة تخلق هلعاً يعرقل
سير العملية التعليمية وتحول دون تعليم أجيال جديدة ناطقة بلغتين قوميتين
. بيد أن النتائج البسيطة التي حققتها تلك الأفكار والطرائق، واستحالة
منع المتعلم من إجراء مقارنات لغوية بين لغته القومية واللغة الجديدة
وبالعكس، ووجود تداخل طبيعي بين اللغتين، دفع باللغويين إلى إعادة النظر في
برامجهم التعليمية ومناهجهم اللغوية، فأصبح الرجوع إلى اللغة القومية
أمراً ضرورياً ومشروعاً من الناحيتين العملية والعلمية. إذ إن التحليل
اللغوي المقارن بين جوانب من اللغة القومية وأخرى من اللغة الأجنبية يعين
في تثبيت المعلومات في ذهن المتعلم ويفضي إلى تمكن أفضل ليس فقط من اللغة
الجديدة بل من اللغة القومية أيضاً. لذلك توفر الترجمة، في هذا المجال،
ميادين واسعة للتدرب على استخدام اللغة الجديدة والتمكن من تراكيبها.
انطلاقاً من ذلك، كان لا بد من وجود أسس علمية منهجية جديدة لتدريب مُدرسي
ودارسي اللغات الأجنبية على هذه المهارة مستفيدين في ذلك من النتائج التي
توصل إليها علم اللغة الاجتماعي والنفسي في حقل تعلم اللغات الأجنبية
وتعليمها(44).
علاوة على ما ذكر فقد أسهمت الترجمة، بنوعيها الكتابي والشفهي، إلى جانب
المصطلحية، في عملية نمو اللغات وبقائها. فالترجمة والمصطلحية تساعدان على
تجديد الأساليب والمفردات العامة والمتخصصة لجميع اللغات بصرف النظر عن مدى
انتشارها. وذلك لأن الميادين الجديدة التي تخوضها الترجمة تقتضي منها
بالضرورة أن تبحث عن صيغ ومصطلحات حديثة تلائم الواقع المعيش وهذا يعد
وسيلة من وسائل تطوير اللغة وإغنائها(45). فعلى سبيل المثال، يؤدي التلفاز
والمذياع في أيامنا هذه دوراً فعالاً في تنمية المهارات اللغوية لدى
الناشئين الصغار. إن تنمية الحصيلة اللغوية لدى الناشئة يقتضي بالإضافة إلى
أمور أخرى متابعة ما يحصل للبرامج الأجنبية المترجمة من تطورات في الأصول،
والسعي لتطوير ما يترجم من هذه البرامج، والحرص على ربطها بالواقع الفعلي
للجمهور، واستيحاء الصور والمشاهد المشوقة والحركات أو الفعاليات المثيرة
التي تجسد الألفاظ ومعانيها في أذهان الناشئة، أو تقربها إليهم وتثبتها في
ذاكرة كل منهم، لا أن تترجم المشاهد والمناظر والشخصيات من الأصل الأجنبي
ترجمة حرفية بعيدة عن النظر إلى المحيط أو الوسط الاجتماعي الذي تعرض فيه.
لذلك كان من الواجب تجنب ترجمة مسلسلات الأطفال، كالقصص والمغامرات، ترجمة
حرفية لأن ذلك يؤدي إلى صعوبة فهم العبارات أو الألفاظ المستخدمة فيها على
النحو المطلوب (46). كما أن الترجمات الأدبية التي ازدهرت في الخمسينات
والستينات والسبعينات من القرن العشرين بالإضافة إلى الاحتكاك المباشر
بالغرب جعل الترجمة عاملاً أساسياً من عوامل إغناء المكتبة العربية، وإلى
إحداث تغييرات أساسية في أشكال الأدب العربي انعكست في شكل أجناس أدبية
جديدة كل الجدة أحياناً، وإلى تعديلات لأجناس أدبية أخرى موجودة من قبل
أحياناً أخرى، كل ذلك أدى إلى إغناء اللغة العربية من خلال تفاعل الأدب
العربي مع الأدب العالمي(47). بالإضافة إلى ذلك تعد الترجمة حقل اختبار في
شتى الميادين الأدبية والعلمية والحقوقية والاقتصادية وغيرها توفر مواد
خاماً أو مصادر لا ينضب معينها لدراسة المفردات والتراكيب والأساليب
وصياغتها. ولا بد في هذا الإطار أن نشير إلى المزية الخاصة التي تتمتع بها
اللغة العربية بوصفها لغة مضيافة تستقبل بمرونة لافتةً للنظر ألفاظاً
وصيغاً جديدةً تستخدم في لغات أخرى. فمن المعروف أن علوم اليونان وفارس
والهند بُدئ بنقلها إلى العربية في أواخر عهد الأمويين، ومنذ ذلك التاريخ
ظهرت بدايات جديدة لحركة تأليف وترجمة. وقد تقدمت هذه الحركة الثقافية
قليلاً في أيام المنصور وهارون الرشيد، ولم تبلغ أوجها إلا في أيام ابنه
المأمون. فعصر المأمون هو العصر الذهبي الذي نقلت فيه جملة كبيرة من علوم
القدماء. ومن الطبيعي أن تؤدي ترجمة هذه العلوم إلى خلق مصطلحاتٍ علمية
كثيرة دخلت اللغة العربية، واندمجت في جملة ألفاظها، وأدمج معظمها في
معجماتنا القديمة. ولقد كانت هذه المصطلحات صالحة للتعبير عن علوم القدماء
إجمالاً. وهي اليوم صالحة للتعبير عن بعض موضوعات العلوم الحديثة. ويتضح من
هذه الإشارة السريعة أن المصطلحات العلمية التي أدمجت في لساننا في تلك
الأيام هي آلاف مؤلفة من الألفاظ العربية ومئات من الألفاظ المعربة(48).
ومن الواضح أن العربية قد نمت بالترجمة والتعريب والاشتقاق والمجاز والنحت
واكتسبت بذلك كثيراً من المصطلحات والألفاظ. وفي هذا الإطار يتحدث د. يوسف
عز الدين عن المقالات الطبية التي كانت تصدر في مجلة يعسوب الطب في مصر
في القرن التاسع عشر: وقد تتبعت تلك الترجمات ودرست ما توافر لي من
أعداد يعسوب الطب ... فوجدت المترجم قد برهن على قدرة اللغة العربية
الكبيرة ومرونتها في احتواء علوم الغرب الجديدة وفهم مصطلحاتها المتعددة
واستيعاب علومها، وأحيا ثروة كبيرة من المفردات الموجودة في كتب الطب
العربية القديمة، إضافةً إلى الاشتقاق والنحت في وضع المصطلحات دون غموض أو
إبهام، وتمكنت المؤسسات العلمية من وضع أكثر من معجم، ثم وضعت قاموس
القواميس الطبية مترجماً من اللغات الفرنسية والإيطالية
والإنكليزية(49).
وما يهم هذا البحث هنا إثارة قضية الترجمة والتعريب بوصفها إحدى وسائل
المثاقفة والنهوض العلمي الحديث في الوطن الكبير بعامة والوطن الصغير
بخاصة. ولا بد من طرح بعض النقاط التي تتعلق بواقع الحال لدينا فيما يخص
هذا الموضوع. لقد حظي التعريب بمعنى استخدام العربية لغةً للتدريس الجامعي
باهتمام بالغ في سورية، بل إنها غدت خطوة لغوية علمية قومية رائدة. بيد أن
قضية الترجمة والتعريب لم تحظ في أوساط التعليم العالي والبحث العلمي
تحديداً بالعناية الكافية. ومع أن الأساتذة الجامعيين قد قاموا بتأليف
وتوفير الكتب الجامعية بلغة عربية مقبولة في مختلف الكليات، إلا أن
الإدارات الجامعية والجهات المعنية على علم أن أكثر هذه الكتب هو مترجم عن
لغات أجنبية وخصوصاً في المجالات العلمية والتكنولوجية والجميع يأبى التحدث
عن هذه الكتب أو أجزاء منها بوصفها ترجمات وكأن إطلاق كلمة ترجمة وتعريب
عليها يحط من شأنها. إضافةً إلى ذلك لم تقم الجامعات ولا وزارة التعليم
العالي أو أية جهة أخرى خلال سنوات عديدة بوضع برامج لنشر ترجمات لأطروحات
ماجستير أو دكتوراه جرت في جامعات أجنبية لباحثين عادوا مجدداً من الإيفاد.
ومع أن تقديم ترجمات بالعربية شرط من شروط التعيين للتدريس في الجامعات،
فإن تلك الترجمات تودع على الرفوف ولا تنشر ولا يتم الحصول على الفائدة
المرجوة منها. ويشخص في هذا المجال مثال محمد علي باشا كمثال تاريخي حيوي
جدير بالاهتمام. علاوة على ذلك لا توجد مجلة أو دورية متخصصة من أي نوع
تتولى أمور الترجمة والتعريب في الجامعات أو مؤسسات التعليم العالي.
والأَدهى من ذلك كله أن البحوث المترجمة لا تعد أعمالاً علمية تدخل في عداد
الأعمال الأصيلة التي يمكن أن ترقى بعضو هيئة التدريس ليُرَفَّع إلى
وظيفة أعلى. ونضع كلمة أصيلة ضمن فواصل صغيرة للدلالة على عدم الدقة في
الاستخدام لأنه لا يوجد هناك عمل علمي يمكن أن يعد أصيلاً على النحو الذي
تستخدم به الكلمة، فالأصالة في البحث هي ميزة نسبية وهي في أفضل أحوالها
ضئيلة. فالبحث يقوم أساساً على منهج علمي يعتمد الملاحظة والتجريب
والمقارنة والنقد والمراجعة والتدقيق بعيداً عن الوحي والإلهام، إذ إنه لا
يوجد اكتشاف أو اختراع أو سبق علمي ينتج عن لحظة إلهام، بل هو وليد تراكم
علمي سابق وسعي دؤوب باتجاه تحقيق فهم أفضل للمشكلة المعنية. ولو انتقلنا
إلى الأوساط الثقافية المحلية والعربية لوجدنا أن الترجمة تعاني من أزمة
مستفحلة، وهي لا تكمن في نقص المترجمين الأكفاء، وإنما تتجلى في أمرين
اثنين: أولهما، أجور الترجمة المتدنية في البلدان العربية على الصعيدين
الحكومي والخاص، إذ لم يطرأ عليها في معظم هذه البلدان تغيير منذ سنين
عديدة، لذا فإن البلدان العربية الغنية مطالبة بتنشيط حركة الترجمة
والتعريب وتشجيعها على نحو أوسع وأغنى؛ وثانيهما، أن عملية الترجمة ما زالت
لدينا عشوائية أو انتقائية وتقع المسؤولية فيها على المترجم وحسن اختياره
للعمل المترجم، وينجم عن ذلك عدد من المشكلات أكبرها تكرار ترجمة عمل لا
لزوم لترجمته أكثر من مرة، فلا بد من عملية تنسيق عربية في هذا الإطار
لتلافي ضياع الجهود والوقت والنفقات(50).
ويبدو أنه لا مفر من التأكيد على بدهيات غدت معروفة في أيامنا وهي أن
الترجمة عصب الحياة الحديثة وأداة اتصال دولي وحضاري وأننا بوصفنا عرباً
ننتمي إلى أمة متخلفة هي أشد ما تكون حاجة إلى عمليات ترجمية وتعريبية
واسعة وعميقة لكثير من العلوم التي قد لا يتوفر منها إلا القليل باللغة
العربية وأن العرب كانوا يوماً من الأيام يحترمون ترجمة العلوم احتراماً قل
نظيره. والحق أن هذا الكلام قد قيل كثيراً منذ بداية النهضة العربية
الحديثة. كما كان أحمد لطفي السيد وبعض تلامذته يعتقدون أن عصرنا عصر ترجمة
لا عصر تأليف. وكانوا يعنون بذلك أن الإبداع والتأليف حتى أواخر العشرينات
لم يصلا بعد إلى ما وصلت إليه الأمم واللغات التي تنقل آدابها وعلومها.
وعلى الرغم من المحاولات الترجمية المتقطعة، الجارية في مصر وسوريا والكويت
والمغرب ولبنان، ما زالت نسبة المترجم إلى المؤلف في هذه الأقطار لا
تتجاوز الواحد بالمائة، في حين تصل هذه النسبة في بلد مثل بريطانيا إلى 10 %
وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى 15 %. وإذا أخذنا هاتين
النسبتين في بريطانيا والولايات المتحدة كدليل على أهمية الترجمة في وجود
تقدم الإبداع والتأليف فهذا يعني بوضوح شديد أن الترجمة ليست عاراً، ولا
عجزاً عن التأليف، ولا إفلاساً في الإبداع (51)، وإنما هي مجال حيوي يتحرك
في أجوائه الإبداع فيغتني وينتج على نحو أفضل. وعندما ترتفع نسبة الترجمة
لدينا إلى نسبة تقارب النسبة البريطانية على الأقل، نكون قد بدأنا بالسير
علمياً وثقافياً في الطريق الصحيح. ويجب ألاَ يغيب هنا مثال اليابان عن
أذهاننا إذ قامت بترجمة علوم الغرب قبل وأثناء نهضتها العلمية الحديثة.
إن عملية الترجمة والتعريب ركن من أركان العمل العلمي الذي يمكن أن يسهم
فعلياً في تطوير المجتمع العربي وفي إغناء المعرفة الإنسانية لذلك لابد
لهذه العملية أن تتم في إطار مشروع بني على أساس وضوح الرؤية والارتباط
الوثيق بواقع واحتياجات الأمة، ومن أجل تحقيق هذا الوضوح والارتباط لا بد
من الإشارة إلى الشروط التالية:
أولاً: ضرورة ربط عمليتي الترجمة والتعريب بالبحث العلمي واستمالة
الفعاليات العلمية والثقافية باختلاف اهتماماتها وتوجهاتها للإسهام في هذا
المضمار، وذلك لأن الر
رد: الترجمة والبحث العلمي
شكرا على الموضووع استفدت منة كثير
وتقبل مروري
وتقبل مروري
ديمة- ربي زدني علما
عدد الرسائل : 12
العمر : 38
العمل : خريجة كلية
تاريخ التسجيل : 28/12/2010
مواضيع مماثلة
» حكومة الجنزورى والبحث عن المال
» قواعد الترجمة – Rules of Translation
» قراءة فى بحث تحديات العقل البشري إكسير الحياة والبحث عن الخلود
» افتراضي Portable Babylon Pro v8.0.6 - r5 عملاق الترجمة بين مختلف اللغات في اصدار جديد
» المخترع المصرى شحات أبو ذكرى يقول مازلت ارفع صوتى وانادى بالإصلاحات ومساعدة المخترعين والبحث العلمى فى مصر والوطن العربى
» قواعد الترجمة – Rules of Translation
» قراءة فى بحث تحديات العقل البشري إكسير الحياة والبحث عن الخلود
» افتراضي Portable Babylon Pro v8.0.6 - r5 عملاق الترجمة بين مختلف اللغات في اصدار جديد
» المخترع المصرى شحات أبو ذكرى يقول مازلت ارفع صوتى وانادى بالإصلاحات ومساعدة المخترعين والبحث العلمى فى مصر والوطن العربى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى