أسرار الأجور والمرتبات فى الحكومة
منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين .... :: المنتدي السياسي ( قضايا وطني مصر ) Political forum
صفحة 1 من اصل 1
أسرار الأجور والمرتبات فى الحكومة
أسرار الأجور والمرتبات فى الحكومة
بقلم / عبد الخال قاروق
الخبير فى الشئون الاقتصادية
تواجه الدارس غير المتخصص فى قضايا الأجور والمرتبات فى مصر بوجه عام وفى القطاع الحكومي بوجه خاص، مشكلات مركبة ومعضلات متشابكة، بعضها يعود إلى غياب القاعدة الإحصائية التفصيلية لشكل ونمط توزيع الأجور والمرتبات وغيرها من صور وأشكال التعويضات الأجرية consumptions مثل الحوافز والمكافآت والبدلات والأجور الإضافية والعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها مما بات يسمى فى الفقه الإداري المصري ” الأجور المتغيرة ” والتي يزيد عددها عن 30 شكل وبدل مختلف.
وبعضها الأخر يرجع الى كثرة القوانين واللوائح ( القرارات التنفيذية ) التى تتناول وتنظم قضايا تسويات العاملين وشئونهم الوظيفية والمالية .
ثم هناك أخيرا صعوبات تتعلق بغياب الشفافية المالية والمحاسبية التى تسهل على الدارس والمحلل الاقتصادي التعرف بدقة على هياكل الأجور والمرتبات الحقيقية بعد خصم الضرائب واستقطاعات التأمينات وغيرها.
كما يؤدى غياب الخلفية الإدارية والقانونية والمالية لدى بعض الباحثين والدارسين فى هذا الحقل المعرفي الى وقوعهم فى أخطاء فادحة ونتائج خاطئة ، كما حدث مثلا فى التقرير الاقتصادي الاستراتيجي لعام 2002 الذى صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، والذي تضمنت صفحاته الثلاثة عشر التى تعرضت لموضوع الأجور والمرتبات أثنتا عشرة خطأ معلوماتي ، علاوة على ثلاثة أخطاء منهجية قاتلة، وهو موضوع تعرضت إليه فى كتابي الجديد المزمع نشره فى الأسابيع القليلة القادمة.
المهم .. لا يستطيع الدارس الخبير فى دهاليز الإدارة الحكومية الأخطبوطية ، فهم الأسباب الخفية وراء هذا الرقم أو ذاك ، ولماذا تزيد الأجور والمرتبات فى هذه المصلحة الحكومية أو تلك عن غيرها من المصالح الحكومية الأخرى ، حتى لو كانت داخل نفس التقسيم التنظيمي للوزارة نفسها ؟
هنا ينبغي أن نشير إلىحقيقة خفية لا يعرفها من هم خارج العمل الحكومي المصري ، والتي نسميها دور “علاقات القوى والنفوذ” داخل بنية الجهاز الحكومي كله، حيث يقوم هذا التفاوت فى الأجور والمرتبات ليس على أساس قانون العاملين بالضرورة وإنما لسببين مختلفين هما:
-الأول: سبب شخصي يتمثل فى درجة نفوذ وقوة علاقات رئيس هذه الوحدة الإدارية أو تلك، سواء كان على درجة وزير أو رئيس مصلحة أو هيئة، وقوة النفوذ تلك ترتبط بمدى قربه أو بعده عن ثلاثة أشخاص داخل هرم السلطة الحكومية هم على الترتيب، رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
-الثاني: سبب موضوعي يقوم على مدى قوة وفاعلية ونفوذ هذه الوحدة الإدارية داخل النظام الإداري المصري، والتى تسمح بدورها بتعزيز مواردها المالية أو اعتماداتها السنوية بما يتجاوز فى أحيان كثيرة الاعتمادات المدرجة فى موازنة هذه الوحدة الإدارية فى بداية السنة المالية ( يوليه من كل عام ) ومن أبرز هذه الجهات ما أسميهم الجهات العشر الكبرى ومنها وزارة المالية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وهيئة الأبنية التعليمية والجهاز المركزي للمحاسبات وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والمخابرات العامة وبعض الجهات التى ينظمها قوانين الكادر الخاص.
الأجور المتغيرة وما نتج عنها:
ومن الصعوبات أيضا التي لا يدركها كثير من الدارسين والباحثين فى هذا المجال، التغير الهائل الذي طرأ على هياكل الأجور والمرتبات خلال العشرين عاما الأخيرة – وتحديدا منذ عام 1987 – فغيرت شكل ملامحها ومكوناتها بصورة كبيرة، ومن أبرز هذه التغيرات تعاظم دور ما يسمى “الأجور المتغيرة” فى فاتورة الأجور والمرتبات مقارنة بما يسمى “المرتب الأساسي” الذي ورد فى الجداول الملحقة بقوانين العاملين والذي لم يعد يمثل أي شيء حقيقي الآن (بداية مربوط الدرجة المالية ونهايتها) .
ومن أبرز هذه الأجور المتغيرة التى أصبحت جزءا أساسيا ومكملا للمرتب الأساسي للموظفين ما أستحدث فى يوليه من عام 1987 تحت مسمى “العلاوات الخاصة”، حيث أضيفت على مرتبات العاملين بنسب تراوحت بين 20% الى 10% سنويا (مقابل 300% للوزراء ولرئيس الجمهورية) وأستمر العمل بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا بحيث زاد الدخل الوظيفي للعاملين خلال السبعة عشر عاما الماضية بنحو 250% فى المتوسط.
وهذه الأجور المتغيرة (العلاوات الخاصة والحوافز والمكافآت شبه الشهرية والبدلات والعلاوات والأجور الإضافية ..الخ) قد أصبحت تشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المرتب الأساسي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة دون الغالبية الساحقة العاملين فى المحافظات . وهذا هو السر وراء هذا التفاوت الواسع بين العاملين بالحكومة حتى لو كانوا زملاء دراسة حصلوا على نفس المؤهل ونفس سنة التخرج ومدد الخدمة وغيرها من عناصر التساوي ، فإذا بنا الآن أمام سيرك للأجور والمرتبات يخالف الدستور (المادة 40 الخاصة بالمساواة بين المواطنين أصحاب نفس المراكز القانونية) علاوة عن كونه الرافعة الأساسية لكل مظاهر الفساد والإفساد المنتشر فى معظم المصالح الحكومية خاصة فى المحليات .
الأجور الحقيقية تقل عن المعلنة بنحو 25% إلى 30%
كما يتوه عن الكثيرين التمييز بين ثلاثة معاني مختلفة للأجور أو المرتبات بالقطاع الحكومي وهى:
1-ما تعلنه الحكومة سنويا عن اعتمادات الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة وهو رقم أجمالي أو يسمى إجمالي المستحقات.
2-وما يدخل جيب الموظف فعلا ، أي الأجور المستحقة بعد خصم ضرائب الدخل والتأمينات وغيرها من الخصومات التى لتتراوح حاليا بين 15% إلى 30% فى المتوسط ، بينما لم تكن هذه الخصومات تزيد عن 13% فى الأجور والمرتبات طوال عقدي الستينات والسبعينات.
3-ثم أخيرا هناك ما يسمى “الأجور والمرتبات الحقيقية ” بعد احتساب أثر التضخم وارتفاع الأسعار والتي أدت فعليا الى تآكل القيمة الشرائية لهذا الأجر أو المرتب .
لذا فأن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة أو رجال الأعمال من جهة وبين نقابات وممثلي العمال والموظفين فى الدول المتحضرة أو المتقدمة غالبا ما يدور النقاش والجدال فيها حول ماهية الرقم القياسي للأسعار الذي يجب أن يستخدم فى حساب التضخم وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية والأساسية للعاملين وأصحاب الأجور والدخول المحدودة ، حيث يميل ممثلي العمال الى استخدام ما يسمى رقم قياسي “لاسبيرز” بينما يصر رجال المال والأعمال على استخدام رقم قياسي أخر يظهر ارتفاع الأسعار بأقل من قيمته الحقيقية و يسمى ” باش “.
الحساب الختامي واعتمادات الموازنة فى قانون الربط
وهناك صعوبة أخرى فى دراسة الأجور والمرتبات بالقطاع الحكومي فى مصر، غالبا ما لا تحظى باهتمام وتدقيق الباحثين المصريين، إلا وهى الفارق بين ما يدرج من اعتمادات أو مخصصات فى مجلدات الموازنة العامة للدولة فى بداية السنة المالية (الذي يسمى قانون ربط الموازنة) وبين التصرفات المالية الحقيقية التى يظهرها “الحساب الختامى” للموازنة، حيث غالبا ما يأتي الحساب الختامي للميزانية ، مختلفا عما سبق إدراجه من مخصصات فى قانون ربط الموازنة العامة التي سبق وعرضت علـى مجلس الشعب ونالت موافقته. ودائما ما يكون الفارق بين الاثنين يدور حول 10% زيادة أو نقصانا فى بعض أبواب الإنفاق.
وبرغم أن الدستور المصري وقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 ينصان على ضرورة عرض الحساب الختامي على مجلس الشعب خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر الى ثمانية أشهر من السنة المالية المنتهية ، حتى يتمكن المجلس التشريعي من محاسبة ومراقبة الحكومة على أدائها المالي ، فان الجاري فعلا هو أن هذا الحساب الختامي لا يقدم إلا بعد مرور سنتين وأحيانا ثلاث سنوات من انتهاء السنة المالية ، مما أفقد المجلس أي قدرة على الرقابة والمحاسبة ، ومما زاد الطين بله منذ تولى الوزير السابق ” د. مدحت حسنين ” وبعض معاونيه هو تعمد إخفاء مجلدات الحساب الختامي عن الرأي العام المتخصص ، ولا يجرى عرض نسخ منها فى بعض المكتبات الحكومية مثل وزارة التخطيط أو معهد التخطيط القومي أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو غيرهم من المكتبات الحكومية ، بينما كان نفس الأشخاص قبل تولى المنصب الوزاري يستصرخون من المعاناة فى الحصول على المعلومات والبيانات !!
التأشيرات العامة ومخالفتها للدستور والقانون
كما درجت الحكومات المتعاقبة، خاصة منذ منتصف السبعينات وحتى سنوات قليلة ماضية على مخالفة الدستور والقانون، والتحايل على أعضاء المجلس التشريعي واعتمادا على جهلهم بالموازنة وأساليبها الفنية، وذلك بتضمين قانون الربط، بعض المواد فيما يسمى “التأشيرات العامة” التي تنص على أمكانية تعديل وزير المالية ورئيس الوزراء بعض الاعتمادات المدرجة فيها دون الرجوع الى مجلس الشعب والحصول على موافقتها مجدا على تلك التعديلات التى غالبا ما تمس هيكل وبنية الموازنة العامة كلها، وتحولها الى موازنة أخرى تماما غير تلك التى سبق ونالت موافقة المجلس، وهو ما يعد احتيالا قانونيا وتلاعبا بالمجلس وأعضائه، ولعنا نتذكر ما جرى فى أبريل من عام 2000 حينما عرض د. مدحت حسنين – وزير المالية فى ذلك الحين – الحساب الختامي للسنة المالية 98/1999 وتبين خلالها أن الهيئات الاقتصادية قد حصلت على دعم مالي من الموازنة يقدر بنحو 5 مليار جنية دون أن يكون ذلك مدرجا فى قانون الموازنة لذلك العام ودون الحصول على الموافقة المسبقة من المجلس التشريعي والرقابي الأول فى الدولة نظريا على الأقل.
هذه هي بعض أهم الصعوبات التي تواجه الدارس الجاد والمتعمق فى شئون الموازنة العامة للدولة المصرية ، وباب الأجور والمرتبات تحديدا ، علاوة بالطبع على المشكلات الفنية والمحاسبية التى سوف نتعرض لها فى مقال أخر عند مناقشة الموازنة الجديدة التي أعدها الوزير السليط يوسف بطرس غالى.
والخلاصة التي نود أن نقدمها هنا لبعض الباحثين فى مراكز الأبحاث ولدى السياسيين وأعضاء مجلس الشعب الذين يرغبون فى التصدي لمثل هذه التجاوزات الخطيرة هو البدء فى امتلاك ثلاثة خبرات نظرية وعملية هى المعرفة الاقتصادية الجيدة ، والخبرة الإدارية العملية ثم أخيرا الخلفية القانونية والمالية خاصة ما يتعلق منها بالقانون الإداري ، وأنا شخصيا على استعداد لتقديم دورات تدريبية مجانية لكل هؤلاء ، إذا ما تولى الحزب الناصري أو أى جمعية أهلية غير هادفة للربح تنظيم مثل هذه الدورات لأعضاء مجلس الشعب أو غيرهم من المهتمين ، والله والوطن من وراء القصد .
أسرار الأجور والمرتبات فى الحكومة*بقلم / عبد الخال قاروق الخبير فى الشئون الاقتصادية
تواجه الدارس غير المتخصص فى قضايا الأجور والمرتبات فى مصر بوجه عام وفى القطاع الحكومي بوجه خاص، مشكلات مركبة ومعضلات متشابكة، بعضها يعود إلى غياب القاعدة الإحصائية التفصيلية لشكل ونمط توزيع الأجور والمرتبات وغيرها من صور وأشكال التعويضات الأجرية consumptions مثل الحوافز والمكافآت والبدلات والأجور الإضافية والعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها مما بات يسمى فى الفقه الإداري المصري ” الأجور المتغيرة ” والتي يزيد عددها عن 30 شكل وبدل مختلف. وبعضها الأخر يرجع الى كثرة القوانين واللوائح ( القرارات التنفيذية ) التى تتناول وتنظم قضايا تسويات العاملين وشئونهم الوظيفية والمالية . ثم هناك أخيرا صعوبات تتعلق بغياب الشفافية المالية والمحاسبية التى تسهل على الدارس والمحلل الاقتصادي التعرف بدقة على هياكل الأجور والمرتبات الحقيقية بعد خصم الضرائب واستقطاعات التأمينات وغيرها. كما يؤدى غياب الخلفية الإدارية والقانونية والمالية لدى بعض الباحثين والدارسين فى هذا الحقل المعرفي الى وقوعهم فى أخطاء فادحة ونتائج خاطئة ، كما حدث مثلا فى التقرير الاقتصادي الاستراتيجي لعام 2002 الذى صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، والذي تضمنت صفحاته الثلاثة عشر التى تعرضت لموضوع الأجور والمرتبات أثنتا عشرة خطأ معلوماتي ، علاوة على ثلاثة أخطاء منهجية قاتلة، وهو موضوع تعرضت إليه فى كتابي الجديد المزمع نشره فى الأسابيع القليلة القادمة. المهم .. لا يستطيع الدارس الخبير فى دهاليز الإدارة الحكومية الأخطبوطية ، فهم الأسباب الخفية وراء هذا الرقم أو ذاك ، ولماذا تزيد الأجور والمرتبات فى هذه المصلحة الحكومية أو تلك عن غيرها من المصالح الحكومية الأخرى ، حتى لو كانت داخل نفس التقسيم التنظيمي للوزارة نفسها ؟ هنا ينبغي أن نشير إلى حقيقة خفية لا يعرفها من هم خارج العمل الحكومي المصري ، والتي نسميها دور “علاقات القوى والنفوذ” داخل بنية الجهاز الحكومي كله، حيث يقوم هذا التفاوت فى الأجور والمرتبات ليس على أساس قانون العاملين بالضرورة وإنما لسببين مختلفين هما: -الأول: سبب شخصي يتمثل فى درجة نفوذ وقوة علاقات رئيس هذه الوحدة الإدارية أو تلك، سواء كان على درجة وزير أو رئيس مصلحة أو هيئة، وقوة النفوذ تلك ترتبط بمدى قربه أو بعده عن ثلاثة أشخاص داخل هرم السلطة الحكومية هم على الترتيب، رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. -الثاني: سبب موضوعي يقوم على مدى قوة وفاعلية ونفوذ هذه الوحدة الإدارية داخل النظام الإداري المصري، والتى تسمح بدورها بتعزيز مواردها المالية أو اعتماداتها السنوية بما يتجاوز فى أحيان كثيرة الاعتمادات المدرجة فى موازنة هذه الوحدة الإدارية فى بداية السنة المالية ( يوليه من كل عام ) ومن أبرز هذه الجهات ما أسميهم الجهات العشر الكبرى ومنها وزارة المالية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وهيئة الأبنية التعليمية والجهاز المركزي للمحاسبات وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والمخابرات العامة وبعض الجهات التى ينظمها قوانين الكادر الخاص.
الأجور المتغيرة وما نتج عنها: ومن الصعوبات أيضا التي لا يدركها كثير من الدارسين والباحثين فى هذا المجال، التغير الهائل الذي طرأ على هياكل الأجور والمرتبات خلال العشرين عاما الأخيرة – وتحديدا منذ عام 1987 – فغيرت شكل ملامحها ومكوناتها بصورة كبيرة، ومن أبرز هذه التغيرات تعاظم دور ما يسمى “الأجور المتغيرة” فى فاتورة الأجور والمرتبات مقارنة بما يسمى “المرتب الأساسي” الذي ورد فى الجداول الملحقة بقوانين العاملين والذي لم يعد يمثل أي شيء حقيقي الآن (بداية مربوط الدرجة المالية ونهايتها) . ومن أبرز هذه الأجور المتغيرة التى أصبحت جزءا أساسيا ومكملا للمرتب الأساسي للموظفين ما أستحدث فى يوليه من عام 1987 تحت مسمى “العلاوات الخاصة”، حيث أضيفت على مرتبات العاملين بنسب تراوحت بين 20% الى 10% سنويا (مقابل 300% للوزراء ولرئيس الجمهورية) وأستمر العمل بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا بحيث زاد الدخل الوظيفي للعاملين خلال السبعة عشر عاما الماضية بنحو 250% فى المتوسط. وهذه الأجور المتغيرة (العلاوات الخاصة والحوافز والمكافآت شبه الشهرية والبدلات والعلاوات والأجور الإضافية ..الخ) قد أصبحت تشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المرتب الأساسي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة دون الغالبية الساحقة العاملين فى المحافظات . وهذا هو السر وراء هذا التفاوت الواسع بين العاملين بالحكومة حتى لو كانوا زملاء دراسة حصلوا على نفس المؤهل ونفس سنة التخرج ومدد الخدمة وغيرها من عناصر التساوي ، فإذا بنا الآن أمام سيرك للأجور والمرتبات يخالف الدستور (المادة 40 الخاصة بالمساواة بين المواطنين أصحاب نفس المراكز القانونية) علاوة عن كونه الرافعة الأساسية لكل مظاهر الفساد والإفساد المنتشر فى معظم المصالح الحكومية خاصة فى المحليات .
الأجور الحقيقية تقل عن المعلنة بنحو 25% إلى 30% كما يتوه عن الكثيرين التمييز بين ثلاثة معاني مختلفة للأجور أو المرتبات بالقطاع الحكومي وهى: 1-ما تعلنه الحكومة سنويا عن اعتمادات الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة وهو رقم أجمالي أو يسمى إجمالي المستحقات. 2-وما يدخل جيب الموظف فعلا ، أي الأجور المستحقة بعد خصم ضرائب الدخل والتأمينات وغيرها من الخصومات التى لتتراوح حاليا بين 15% إلى 30% فى المتوسط ، بينما لم تكن هذه الخصومات تزيد عن 13% فى الأجور والمرتبات طوال عقدي الستينات والسبعينات. 3-ثم أخيرا هناك ما يسمى “الأجور والمرتبات الحقيقية ” بعد احتساب أثر التضخم وارتفاع الأسعار والتي أدت فعليا الى تآكل القيمة الشرائية لهذا الأجر أو المرتب . لذا فأن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة أو رجال الأعمال من جهة وبين نقابات وممثلي العمال والموظفين فى الدول المتحضرة أو المتقدمة غالبا ما يدور النقاش والجدال فيها حول ماهية الرقم القياسي للأسعار الذي يجب أن يستخدم فى حساب التضخم وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية والأساسية للعاملين وأصحاب الأجور والدخول المحدودة ، حيث يميل ممثلي العمال الى استخدام ما يسمى رقم قياسي “لاسبيرز” بينما يصر رجال المال والأعمال على استخدام رقم قياسي أخر يظهر ارتفاع الأسعار بأقل من قيمته الحقيقية و يسمى ” باش “.
الحساب الختامي واعتمادات الموازنة فى قانون الربط وهناك صعوبة أخرى فى دراسة الأجور والمرتبات بالقطاع الحكومي فى مصر، غالبا ما لا تحظى باهتمام وتدقيق الباحثين المصريين، إلا وهى الفارق بين ما يدرج من اعتمادات أو مخصصات فى مجلدات الموازنة العامة للدولة فى بداية السنة المالية (الذي يسمى قانون ربط الموازنة) وبين التصرفات المالية الحقيقية التى يظهرها “الحساب الختامى” للموازنة، حيث غالبا ما يأتي الحساب الختامي للميزانية ، مختلفا عما سبق إدراجه من مخصصات فى قانون ربط الموازنة العامة التي سبق وعرضت علـى مجلس الشعب ونالت موافقته. ودائما ما يكون الفارق بين الاثنين يدور حول 10% زيادة أو نقصانا فى بعض أبواب الإنفاق. وبرغم أن الدستور المصري وقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 ينصان على ضرورة عرض الحساب الختامي على مجلس الشعب خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر الى ثمانية أشهر من السنة المالية المنتهية ، حتى يتمكن المجلس التشريعي من محاسبة ومراقبة الحكومة على أدائها المالي ، فان الجاري فعلا هو أن هذا الحساب الختامي لا يقدم إلا بعد مرور سنتين وأحيانا ثلاث سنوات من انتهاء السنة المالية ، مما أفقد المجلس أي قدرة على الرقابة والمحاسبة ، ومما زاد الطين بله منذ تولى الوزير السابق ” د. مدحت حسنين ” وبعض معاونيه هو تعمد إخفاء مجلدات الحساب الختامي عن الرأي العام المتخصص ، ولا يجرى عرض نسخ منها فى بعض المكتبات الحكومية مثل وزارة التخطيط أو معهد التخطيط القومي أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو غيرهم من المكتبات الحكومية ، بينما كان نفس الأشخاص قبل تولى المنصب الوزاري يستصرخون من المعاناة فى الحصول على المعلومات والبيانات !!
التأشيرات العامة ومخالفتها للدستور والقانون كما درجت الحكومات المتعاقبة، خاصة منذ منتصف السبعينات وحتى سنوات قليلة ماضية على مخالفة الدستور والقانون، والتحايل على أعضاء المجلس التشريعي واعتمادا على جهلهم بالموازنة وأساليبها الفنية، وذلك بتضمين قانون الربط، بعض المواد فيما يسمى “التأشيرات العامة” التي تنص على أمكانية تعديل وزير المالية ورئيس الوزراء بعض الاعتمادات المدرجة فيها دون الرجوع الى مجلس الشعب والحصول على موافقتها مجدا على تلك التعديلات التى غالبا ما تمس هيكل وبنية الموازنة العامة كلها، وتحولها الى موازنة أخرى تماما غير تلك التى سبق ونالت موافقة المجلس، وهو ما يعد احتيالا قانونيا وتلاعبا بالمجلس وأعضائه، ولعنا نتذكر ما جرى فى أبريل من عام 2000 حينما عرض د. مدحت حسنين – وزير المالية فى ذلك الحين – الحساب الختامي للسنة المالية 98/1999 وتبين خلالها أن الهيئات الاقتصادية قد حصلت على دعم مالي من الموازنة يقدر بنحو 5 مليار جنية دون أن يكون ذلك مدرجا فى قانون الموازنة لذلك العام ودون الحصول على الموافقة المسبقة من المجلس التشريعي والرقابي الأول فى الدولة نظريا على الأقل. هذه هي بعض أهم الصعوبات التي تواجه الدارس الجاد والمتعمق فى شئون الموازنة العامة للدولة المصرية ، وباب الأجور والمرتبات تحديدا ، علاوة بالطبع على المشكلات الفنية والمحاسبية التى سوف نتعرض لها فى مقال أخر عند مناقشة الموازنة الجديدة التي أعدها الوزير السليط يوسف بطرس غالى. والخلاصة التي نود أن نقدمها هنا لبعض الباحثين فى مراكز الأبحاث ولدى السياسيين وأعضاء مجلس الشعب الذين يرغبون فى التصدي لمثل هذه التجاوزات الخطيرة هو البدء فى امتلاك ثلاثة خبرات نظرية وعملية هى المعرفة الاقتصادية الجيدة ، والخبرة الإدارية العملية ثم أخيرا الخلفية القانونية والمالية خاصة ما يتعلق منها بالقانون الإداري ، وأنا شخصيا على استعداد لتقديم دورات تدريبية مجانية لكل هؤلاء ، إذا ما تولى الحزب الناصري أو أى جمعية أهلية غير هادفة للربح تنظيم مثل هذه الدورات لأعضاء مجلس الشعب أو غيرهم من المهتمين ، والله والوطن من وراء القصد .
بقلم / عبد الخال قاروق
الخبير فى الشئون الاقتصادية
تواجه الدارس غير المتخصص فى قضايا الأجور والمرتبات فى مصر بوجه عام وفى القطاع الحكومي بوجه خاص، مشكلات مركبة ومعضلات متشابكة، بعضها يعود إلى غياب القاعدة الإحصائية التفصيلية لشكل ونمط توزيع الأجور والمرتبات وغيرها من صور وأشكال التعويضات الأجرية consumptions مثل الحوافز والمكافآت والبدلات والأجور الإضافية والعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها مما بات يسمى فى الفقه الإداري المصري ” الأجور المتغيرة ” والتي يزيد عددها عن 30 شكل وبدل مختلف.
وبعضها الأخر يرجع الى كثرة القوانين واللوائح ( القرارات التنفيذية ) التى تتناول وتنظم قضايا تسويات العاملين وشئونهم الوظيفية والمالية .
ثم هناك أخيرا صعوبات تتعلق بغياب الشفافية المالية والمحاسبية التى تسهل على الدارس والمحلل الاقتصادي التعرف بدقة على هياكل الأجور والمرتبات الحقيقية بعد خصم الضرائب واستقطاعات التأمينات وغيرها.
كما يؤدى غياب الخلفية الإدارية والقانونية والمالية لدى بعض الباحثين والدارسين فى هذا الحقل المعرفي الى وقوعهم فى أخطاء فادحة ونتائج خاطئة ، كما حدث مثلا فى التقرير الاقتصادي الاستراتيجي لعام 2002 الذى صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، والذي تضمنت صفحاته الثلاثة عشر التى تعرضت لموضوع الأجور والمرتبات أثنتا عشرة خطأ معلوماتي ، علاوة على ثلاثة أخطاء منهجية قاتلة، وهو موضوع تعرضت إليه فى كتابي الجديد المزمع نشره فى الأسابيع القليلة القادمة.
المهم .. لا يستطيع الدارس الخبير فى دهاليز الإدارة الحكومية الأخطبوطية ، فهم الأسباب الخفية وراء هذا الرقم أو ذاك ، ولماذا تزيد الأجور والمرتبات فى هذه المصلحة الحكومية أو تلك عن غيرها من المصالح الحكومية الأخرى ، حتى لو كانت داخل نفس التقسيم التنظيمي للوزارة نفسها ؟
هنا ينبغي أن نشير إلىحقيقة خفية لا يعرفها من هم خارج العمل الحكومي المصري ، والتي نسميها دور “علاقات القوى والنفوذ” داخل بنية الجهاز الحكومي كله، حيث يقوم هذا التفاوت فى الأجور والمرتبات ليس على أساس قانون العاملين بالضرورة وإنما لسببين مختلفين هما:
-الأول: سبب شخصي يتمثل فى درجة نفوذ وقوة علاقات رئيس هذه الوحدة الإدارية أو تلك، سواء كان على درجة وزير أو رئيس مصلحة أو هيئة، وقوة النفوذ تلك ترتبط بمدى قربه أو بعده عن ثلاثة أشخاص داخل هرم السلطة الحكومية هم على الترتيب، رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
-الثاني: سبب موضوعي يقوم على مدى قوة وفاعلية ونفوذ هذه الوحدة الإدارية داخل النظام الإداري المصري، والتى تسمح بدورها بتعزيز مواردها المالية أو اعتماداتها السنوية بما يتجاوز فى أحيان كثيرة الاعتمادات المدرجة فى موازنة هذه الوحدة الإدارية فى بداية السنة المالية ( يوليه من كل عام ) ومن أبرز هذه الجهات ما أسميهم الجهات العشر الكبرى ومنها وزارة المالية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وهيئة الأبنية التعليمية والجهاز المركزي للمحاسبات وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والمخابرات العامة وبعض الجهات التى ينظمها قوانين الكادر الخاص.
الأجور المتغيرة وما نتج عنها:
ومن الصعوبات أيضا التي لا يدركها كثير من الدارسين والباحثين فى هذا المجال، التغير الهائل الذي طرأ على هياكل الأجور والمرتبات خلال العشرين عاما الأخيرة – وتحديدا منذ عام 1987 – فغيرت شكل ملامحها ومكوناتها بصورة كبيرة، ومن أبرز هذه التغيرات تعاظم دور ما يسمى “الأجور المتغيرة” فى فاتورة الأجور والمرتبات مقارنة بما يسمى “المرتب الأساسي” الذي ورد فى الجداول الملحقة بقوانين العاملين والذي لم يعد يمثل أي شيء حقيقي الآن (بداية مربوط الدرجة المالية ونهايتها) .
ومن أبرز هذه الأجور المتغيرة التى أصبحت جزءا أساسيا ومكملا للمرتب الأساسي للموظفين ما أستحدث فى يوليه من عام 1987 تحت مسمى “العلاوات الخاصة”، حيث أضيفت على مرتبات العاملين بنسب تراوحت بين 20% الى 10% سنويا (مقابل 300% للوزراء ولرئيس الجمهورية) وأستمر العمل بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا بحيث زاد الدخل الوظيفي للعاملين خلال السبعة عشر عاما الماضية بنحو 250% فى المتوسط.
وهذه الأجور المتغيرة (العلاوات الخاصة والحوافز والمكافآت شبه الشهرية والبدلات والعلاوات والأجور الإضافية ..الخ) قد أصبحت تشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المرتب الأساسي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة دون الغالبية الساحقة العاملين فى المحافظات . وهذا هو السر وراء هذا التفاوت الواسع بين العاملين بالحكومة حتى لو كانوا زملاء دراسة حصلوا على نفس المؤهل ونفس سنة التخرج ومدد الخدمة وغيرها من عناصر التساوي ، فإذا بنا الآن أمام سيرك للأجور والمرتبات يخالف الدستور (المادة 40 الخاصة بالمساواة بين المواطنين أصحاب نفس المراكز القانونية) علاوة عن كونه الرافعة الأساسية لكل مظاهر الفساد والإفساد المنتشر فى معظم المصالح الحكومية خاصة فى المحليات .
الأجور الحقيقية تقل عن المعلنة بنحو 25% إلى 30%
كما يتوه عن الكثيرين التمييز بين ثلاثة معاني مختلفة للأجور أو المرتبات بالقطاع الحكومي وهى:
1-ما تعلنه الحكومة سنويا عن اعتمادات الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة وهو رقم أجمالي أو يسمى إجمالي المستحقات.
2-وما يدخل جيب الموظف فعلا ، أي الأجور المستحقة بعد خصم ضرائب الدخل والتأمينات وغيرها من الخصومات التى لتتراوح حاليا بين 15% إلى 30% فى المتوسط ، بينما لم تكن هذه الخصومات تزيد عن 13% فى الأجور والمرتبات طوال عقدي الستينات والسبعينات.
3-ثم أخيرا هناك ما يسمى “الأجور والمرتبات الحقيقية ” بعد احتساب أثر التضخم وارتفاع الأسعار والتي أدت فعليا الى تآكل القيمة الشرائية لهذا الأجر أو المرتب .
لذا فأن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة أو رجال الأعمال من جهة وبين نقابات وممثلي العمال والموظفين فى الدول المتحضرة أو المتقدمة غالبا ما يدور النقاش والجدال فيها حول ماهية الرقم القياسي للأسعار الذي يجب أن يستخدم فى حساب التضخم وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية والأساسية للعاملين وأصحاب الأجور والدخول المحدودة ، حيث يميل ممثلي العمال الى استخدام ما يسمى رقم قياسي “لاسبيرز” بينما يصر رجال المال والأعمال على استخدام رقم قياسي أخر يظهر ارتفاع الأسعار بأقل من قيمته الحقيقية و يسمى ” باش “.
الحساب الختامي واعتمادات الموازنة فى قانون الربط
وهناك صعوبة أخرى فى دراسة الأجور والمرتبات بالقطاع الحكومي فى مصر، غالبا ما لا تحظى باهتمام وتدقيق الباحثين المصريين، إلا وهى الفارق بين ما يدرج من اعتمادات أو مخصصات فى مجلدات الموازنة العامة للدولة فى بداية السنة المالية (الذي يسمى قانون ربط الموازنة) وبين التصرفات المالية الحقيقية التى يظهرها “الحساب الختامى” للموازنة، حيث غالبا ما يأتي الحساب الختامي للميزانية ، مختلفا عما سبق إدراجه من مخصصات فى قانون ربط الموازنة العامة التي سبق وعرضت علـى مجلس الشعب ونالت موافقته. ودائما ما يكون الفارق بين الاثنين يدور حول 10% زيادة أو نقصانا فى بعض أبواب الإنفاق.
وبرغم أن الدستور المصري وقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 ينصان على ضرورة عرض الحساب الختامي على مجلس الشعب خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر الى ثمانية أشهر من السنة المالية المنتهية ، حتى يتمكن المجلس التشريعي من محاسبة ومراقبة الحكومة على أدائها المالي ، فان الجاري فعلا هو أن هذا الحساب الختامي لا يقدم إلا بعد مرور سنتين وأحيانا ثلاث سنوات من انتهاء السنة المالية ، مما أفقد المجلس أي قدرة على الرقابة والمحاسبة ، ومما زاد الطين بله منذ تولى الوزير السابق ” د. مدحت حسنين ” وبعض معاونيه هو تعمد إخفاء مجلدات الحساب الختامي عن الرأي العام المتخصص ، ولا يجرى عرض نسخ منها فى بعض المكتبات الحكومية مثل وزارة التخطيط أو معهد التخطيط القومي أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو غيرهم من المكتبات الحكومية ، بينما كان نفس الأشخاص قبل تولى المنصب الوزاري يستصرخون من المعاناة فى الحصول على المعلومات والبيانات !!
التأشيرات العامة ومخالفتها للدستور والقانون
كما درجت الحكومات المتعاقبة، خاصة منذ منتصف السبعينات وحتى سنوات قليلة ماضية على مخالفة الدستور والقانون، والتحايل على أعضاء المجلس التشريعي واعتمادا على جهلهم بالموازنة وأساليبها الفنية، وذلك بتضمين قانون الربط، بعض المواد فيما يسمى “التأشيرات العامة” التي تنص على أمكانية تعديل وزير المالية ورئيس الوزراء بعض الاعتمادات المدرجة فيها دون الرجوع الى مجلس الشعب والحصول على موافقتها مجدا على تلك التعديلات التى غالبا ما تمس هيكل وبنية الموازنة العامة كلها، وتحولها الى موازنة أخرى تماما غير تلك التى سبق ونالت موافقة المجلس، وهو ما يعد احتيالا قانونيا وتلاعبا بالمجلس وأعضائه، ولعنا نتذكر ما جرى فى أبريل من عام 2000 حينما عرض د. مدحت حسنين – وزير المالية فى ذلك الحين – الحساب الختامي للسنة المالية 98/1999 وتبين خلالها أن الهيئات الاقتصادية قد حصلت على دعم مالي من الموازنة يقدر بنحو 5 مليار جنية دون أن يكون ذلك مدرجا فى قانون الموازنة لذلك العام ودون الحصول على الموافقة المسبقة من المجلس التشريعي والرقابي الأول فى الدولة نظريا على الأقل.
هذه هي بعض أهم الصعوبات التي تواجه الدارس الجاد والمتعمق فى شئون الموازنة العامة للدولة المصرية ، وباب الأجور والمرتبات تحديدا ، علاوة بالطبع على المشكلات الفنية والمحاسبية التى سوف نتعرض لها فى مقال أخر عند مناقشة الموازنة الجديدة التي أعدها الوزير السليط يوسف بطرس غالى.
والخلاصة التي نود أن نقدمها هنا لبعض الباحثين فى مراكز الأبحاث ولدى السياسيين وأعضاء مجلس الشعب الذين يرغبون فى التصدي لمثل هذه التجاوزات الخطيرة هو البدء فى امتلاك ثلاثة خبرات نظرية وعملية هى المعرفة الاقتصادية الجيدة ، والخبرة الإدارية العملية ثم أخيرا الخلفية القانونية والمالية خاصة ما يتعلق منها بالقانون الإداري ، وأنا شخصيا على استعداد لتقديم دورات تدريبية مجانية لكل هؤلاء ، إذا ما تولى الحزب الناصري أو أى جمعية أهلية غير هادفة للربح تنظيم مثل هذه الدورات لأعضاء مجلس الشعب أو غيرهم من المهتمين ، والله والوطن من وراء القصد .
أسرار الأجور والمرتبات فى الحكومة*بقلم / عبد الخال قاروق الخبير فى الشئون الاقتصادية
تواجه الدارس غير المتخصص فى قضايا الأجور والمرتبات فى مصر بوجه عام وفى القطاع الحكومي بوجه خاص، مشكلات مركبة ومعضلات متشابكة، بعضها يعود إلى غياب القاعدة الإحصائية التفصيلية لشكل ونمط توزيع الأجور والمرتبات وغيرها من صور وأشكال التعويضات الأجرية consumptions مثل الحوافز والمكافآت والبدلات والأجور الإضافية والعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها مما بات يسمى فى الفقه الإداري المصري ” الأجور المتغيرة ” والتي يزيد عددها عن 30 شكل وبدل مختلف. وبعضها الأخر يرجع الى كثرة القوانين واللوائح ( القرارات التنفيذية ) التى تتناول وتنظم قضايا تسويات العاملين وشئونهم الوظيفية والمالية . ثم هناك أخيرا صعوبات تتعلق بغياب الشفافية المالية والمحاسبية التى تسهل على الدارس والمحلل الاقتصادي التعرف بدقة على هياكل الأجور والمرتبات الحقيقية بعد خصم الضرائب واستقطاعات التأمينات وغيرها. كما يؤدى غياب الخلفية الإدارية والقانونية والمالية لدى بعض الباحثين والدارسين فى هذا الحقل المعرفي الى وقوعهم فى أخطاء فادحة ونتائج خاطئة ، كما حدث مثلا فى التقرير الاقتصادي الاستراتيجي لعام 2002 الذى صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، والذي تضمنت صفحاته الثلاثة عشر التى تعرضت لموضوع الأجور والمرتبات أثنتا عشرة خطأ معلوماتي ، علاوة على ثلاثة أخطاء منهجية قاتلة، وهو موضوع تعرضت إليه فى كتابي الجديد المزمع نشره فى الأسابيع القليلة القادمة. المهم .. لا يستطيع الدارس الخبير فى دهاليز الإدارة الحكومية الأخطبوطية ، فهم الأسباب الخفية وراء هذا الرقم أو ذاك ، ولماذا تزيد الأجور والمرتبات فى هذه المصلحة الحكومية أو تلك عن غيرها من المصالح الحكومية الأخرى ، حتى لو كانت داخل نفس التقسيم التنظيمي للوزارة نفسها ؟ هنا ينبغي أن نشير إلى حقيقة خفية لا يعرفها من هم خارج العمل الحكومي المصري ، والتي نسميها دور “علاقات القوى والنفوذ” داخل بنية الجهاز الحكومي كله، حيث يقوم هذا التفاوت فى الأجور والمرتبات ليس على أساس قانون العاملين بالضرورة وإنما لسببين مختلفين هما: -الأول: سبب شخصي يتمثل فى درجة نفوذ وقوة علاقات رئيس هذه الوحدة الإدارية أو تلك، سواء كان على درجة وزير أو رئيس مصلحة أو هيئة، وقوة النفوذ تلك ترتبط بمدى قربه أو بعده عن ثلاثة أشخاص داخل هرم السلطة الحكومية هم على الترتيب، رئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. -الثاني: سبب موضوعي يقوم على مدى قوة وفاعلية ونفوذ هذه الوحدة الإدارية داخل النظام الإداري المصري، والتى تسمح بدورها بتعزيز مواردها المالية أو اعتماداتها السنوية بما يتجاوز فى أحيان كثيرة الاعتمادات المدرجة فى موازنة هذه الوحدة الإدارية فى بداية السنة المالية ( يوليه من كل عام ) ومن أبرز هذه الجهات ما أسميهم الجهات العشر الكبرى ومنها وزارة المالية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وهيئة الأبنية التعليمية والجهاز المركزي للمحاسبات وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والمخابرات العامة وبعض الجهات التى ينظمها قوانين الكادر الخاص.
الأجور المتغيرة وما نتج عنها: ومن الصعوبات أيضا التي لا يدركها كثير من الدارسين والباحثين فى هذا المجال، التغير الهائل الذي طرأ على هياكل الأجور والمرتبات خلال العشرين عاما الأخيرة – وتحديدا منذ عام 1987 – فغيرت شكل ملامحها ومكوناتها بصورة كبيرة، ومن أبرز هذه التغيرات تعاظم دور ما يسمى “الأجور المتغيرة” فى فاتورة الأجور والمرتبات مقارنة بما يسمى “المرتب الأساسي” الذي ورد فى الجداول الملحقة بقوانين العاملين والذي لم يعد يمثل أي شيء حقيقي الآن (بداية مربوط الدرجة المالية ونهايتها) . ومن أبرز هذه الأجور المتغيرة التى أصبحت جزءا أساسيا ومكملا للمرتب الأساسي للموظفين ما أستحدث فى يوليه من عام 1987 تحت مسمى “العلاوات الخاصة”، حيث أضيفت على مرتبات العاملين بنسب تراوحت بين 20% الى 10% سنويا (مقابل 300% للوزراء ولرئيس الجمهورية) وأستمر العمل بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا بحيث زاد الدخل الوظيفي للعاملين خلال السبعة عشر عاما الماضية بنحو 250% فى المتوسط. وهذه الأجور المتغيرة (العلاوات الخاصة والحوافز والمكافآت شبه الشهرية والبدلات والعلاوات والأجور الإضافية ..الخ) قد أصبحت تشكل أكثر من ثلاثة أضعاف المرتب الأساسي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة دون الغالبية الساحقة العاملين فى المحافظات . وهذا هو السر وراء هذا التفاوت الواسع بين العاملين بالحكومة حتى لو كانوا زملاء دراسة حصلوا على نفس المؤهل ونفس سنة التخرج ومدد الخدمة وغيرها من عناصر التساوي ، فإذا بنا الآن أمام سيرك للأجور والمرتبات يخالف الدستور (المادة 40 الخاصة بالمساواة بين المواطنين أصحاب نفس المراكز القانونية) علاوة عن كونه الرافعة الأساسية لكل مظاهر الفساد والإفساد المنتشر فى معظم المصالح الحكومية خاصة فى المحليات .
الأجور الحقيقية تقل عن المعلنة بنحو 25% إلى 30% كما يتوه عن الكثيرين التمييز بين ثلاثة معاني مختلفة للأجور أو المرتبات بالقطاع الحكومي وهى: 1-ما تعلنه الحكومة سنويا عن اعتمادات الأجور والمرتبات للعاملين بالحكومة وهو رقم أجمالي أو يسمى إجمالي المستحقات. 2-وما يدخل جيب الموظف فعلا ، أي الأجور المستحقة بعد خصم ضرائب الدخل والتأمينات وغيرها من الخصومات التى لتتراوح حاليا بين 15% إلى 30% فى المتوسط ، بينما لم تكن هذه الخصومات تزيد عن 13% فى الأجور والمرتبات طوال عقدي الستينات والسبعينات. 3-ثم أخيرا هناك ما يسمى “الأجور والمرتبات الحقيقية ” بعد احتساب أثر التضخم وارتفاع الأسعار والتي أدت فعليا الى تآكل القيمة الشرائية لهذا الأجر أو المرتب . لذا فأن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة أو رجال الأعمال من جهة وبين نقابات وممثلي العمال والموظفين فى الدول المتحضرة أو المتقدمة غالبا ما يدور النقاش والجدال فيها حول ماهية الرقم القياسي للأسعار الذي يجب أن يستخدم فى حساب التضخم وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية والأساسية للعاملين وأصحاب الأجور والدخول المحدودة ، حيث يميل ممثلي العمال الى استخدام ما يسمى رقم قياسي “لاسبيرز” بينما يصر رجال المال والأعمال على استخدام رقم قياسي أخر يظهر ارتفاع الأسعار بأقل من قيمته الحقيقية و يسمى ” باش “.
الحساب الختامي واعتمادات الموازنة فى قانون الربط وهناك صعوبة أخرى فى دراسة الأجور والمرتبات بالقطاع الحكومي فى مصر، غالبا ما لا تحظى باهتمام وتدقيق الباحثين المصريين، إلا وهى الفارق بين ما يدرج من اعتمادات أو مخصصات فى مجلدات الموازنة العامة للدولة فى بداية السنة المالية (الذي يسمى قانون ربط الموازنة) وبين التصرفات المالية الحقيقية التى يظهرها “الحساب الختامى” للموازنة، حيث غالبا ما يأتي الحساب الختامي للميزانية ، مختلفا عما سبق إدراجه من مخصصات فى قانون ربط الموازنة العامة التي سبق وعرضت علـى مجلس الشعب ونالت موافقته. ودائما ما يكون الفارق بين الاثنين يدور حول 10% زيادة أو نقصانا فى بعض أبواب الإنفاق. وبرغم أن الدستور المصري وقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته بالقانون رقم 11 لسنة 1979 ينصان على ضرورة عرض الحساب الختامي على مجلس الشعب خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر الى ثمانية أشهر من السنة المالية المنتهية ، حتى يتمكن المجلس التشريعي من محاسبة ومراقبة الحكومة على أدائها المالي ، فان الجاري فعلا هو أن هذا الحساب الختامي لا يقدم إلا بعد مرور سنتين وأحيانا ثلاث سنوات من انتهاء السنة المالية ، مما أفقد المجلس أي قدرة على الرقابة والمحاسبة ، ومما زاد الطين بله منذ تولى الوزير السابق ” د. مدحت حسنين ” وبعض معاونيه هو تعمد إخفاء مجلدات الحساب الختامي عن الرأي العام المتخصص ، ولا يجرى عرض نسخ منها فى بعض المكتبات الحكومية مثل وزارة التخطيط أو معهد التخطيط القومي أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو غيرهم من المكتبات الحكومية ، بينما كان نفس الأشخاص قبل تولى المنصب الوزاري يستصرخون من المعاناة فى الحصول على المعلومات والبيانات !!
التأشيرات العامة ومخالفتها للدستور والقانون كما درجت الحكومات المتعاقبة، خاصة منذ منتصف السبعينات وحتى سنوات قليلة ماضية على مخالفة الدستور والقانون، والتحايل على أعضاء المجلس التشريعي واعتمادا على جهلهم بالموازنة وأساليبها الفنية، وذلك بتضمين قانون الربط، بعض المواد فيما يسمى “التأشيرات العامة” التي تنص على أمكانية تعديل وزير المالية ورئيس الوزراء بعض الاعتمادات المدرجة فيها دون الرجوع الى مجلس الشعب والحصول على موافقتها مجدا على تلك التعديلات التى غالبا ما تمس هيكل وبنية الموازنة العامة كلها، وتحولها الى موازنة أخرى تماما غير تلك التى سبق ونالت موافقة المجلس، وهو ما يعد احتيالا قانونيا وتلاعبا بالمجلس وأعضائه، ولعنا نتذكر ما جرى فى أبريل من عام 2000 حينما عرض د. مدحت حسنين – وزير المالية فى ذلك الحين – الحساب الختامي للسنة المالية 98/1999 وتبين خلالها أن الهيئات الاقتصادية قد حصلت على دعم مالي من الموازنة يقدر بنحو 5 مليار جنية دون أن يكون ذلك مدرجا فى قانون الموازنة لذلك العام ودون الحصول على الموافقة المسبقة من المجلس التشريعي والرقابي الأول فى الدولة نظريا على الأقل. هذه هي بعض أهم الصعوبات التي تواجه الدارس الجاد والمتعمق فى شئون الموازنة العامة للدولة المصرية ، وباب الأجور والمرتبات تحديدا ، علاوة بالطبع على المشكلات الفنية والمحاسبية التى سوف نتعرض لها فى مقال أخر عند مناقشة الموازنة الجديدة التي أعدها الوزير السليط يوسف بطرس غالى. والخلاصة التي نود أن نقدمها هنا لبعض الباحثين فى مراكز الأبحاث ولدى السياسيين وأعضاء مجلس الشعب الذين يرغبون فى التصدي لمثل هذه التجاوزات الخطيرة هو البدء فى امتلاك ثلاثة خبرات نظرية وعملية هى المعرفة الاقتصادية الجيدة ، والخبرة الإدارية العملية ثم أخيرا الخلفية القانونية والمالية خاصة ما يتعلق منها بالقانون الإداري ، وأنا شخصيا على استعداد لتقديم دورات تدريبية مجانية لكل هؤلاء ، إذا ما تولى الحزب الناصري أو أى جمعية أهلية غير هادفة للربح تنظيم مثل هذه الدورات لأعضاء مجلس الشعب أو غيرهم من المهتمين ، والله والوطن من وراء القصد .
مواضيع مماثلة
» الحكومة المصرية القادمة
» الحكومة تسرق الشعب
» انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
» تعديل الأجور والمرتبات في مصر ...من أجل قانون أجور موحد
» شارك في تصويت هل توافق علي هذا المبدأ في تعديل هيكل الأجور ؟ في المنتدي السياسي .... رأيك يصنع فرقا ...
» الحكومة تسرق الشعب
» انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
» تعديل الأجور والمرتبات في مصر ...من أجل قانون أجور موحد
» شارك في تصويت هل توافق علي هذا المبدأ في تعديل هيكل الأجور ؟ في المنتدي السياسي .... رأيك يصنع فرقا ...
منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين .... :: المنتدي السياسي ( قضايا وطني مصر ) Political forum
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى