تطيب المحرم
تطيب المحرم
تطيب المحرم
( فصل ) : وأما الذي يرجع إلى الطيب ، وما يجري مجراه من إزالة الشعث وقضاء التفث أما الطيب فنقول : لا يتطيب المحرم لقول النبي : صلى الله عليه وسلم { المحرم الأشعث الأغبر } والطيب ينافي الشعث . وروي { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعان مضمخان بالخلوق فقال : ما أصنع في حجتي يا رسول الله ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه ، فلما سرى عنه قال : صلى الله عليه وسلم أين السائل ؟ فقال الرجل : أنا فقال : اغسل هذا الطيب عنك ، واصنع في حجتك ما كنت صانعا في عمرتك } وروينا { أن محرما وقصت به ناقته فقال النبي : صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ، ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } جعل كونه محرما علة حرمة تخمير الرأس ، والتطيب في حقه ، فإن طيب عضوا كاملا : كالرأس ، والفخذ ، والساق ونحو ذلك فعليه دم ، وإن طيب أقل من عضو فعليه صدقة . وقال محمد : يقوم ما يجب فيه الدم فيتصدق بذلك القدر ، حتى لو طيب ربع عضو ، فعليه من الصدقة قدر قيمة ربع شاة ، وإن طيب نصف عضو تصدق بقدر قيمة نصف شاة هكذا وذكر الحاكم في المنتقى في موضع إذا طيب مثل الشارب أو بقدره من اللحية ، فعليه صدقة ، وفي موضع إذا طيب مقدار ربع الرأس فعليه دم ، أعطى الربع حكم الكل كما في الحلق . وقال الشافعي : في قليل الطيب وكثيره دم لوجود الارتفاق ومحمد اعتبر البعض بالكل والصحيح ما ذكر في الأصل ؛ لأن تطييب عضو كامل ارتفاق كامل ، فكان جناية كاملة فيوجب كفارة كاملة ، وتطييب ما دونه ارتفاق قاصر فيوجب كفارة قاصرة ، إذ الحكم يثبت على قدر السبب فإن طيب مواضع متفرقة من كل عضو يجمع ذلك كله ، فإذا بلغ عضوا كاملا يجب عليه دم ، وإن لم يبلغ فعليه صدقة لما قلنا .
وإن طيب الأعضاء كلها ، فإن كان في مجلس واحد فعليه دم واحد ؛ لأن جنس الجناية واحد حظرها إحرام واحد من جهة غير متقومة فيكفيه دم واحد ، وإن كان في مجلسين مختلفين بأن طيب كل عضو في مجلس على حدة فعليه لكل واحد دم في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف سواء ذبح للأول أو لم يذبح كفر للأول أو لم يكفر وقال محمد : إن ذبح للأول فكذلك وإن لم يذبح فعليه دم واحد ، والاختلاف فيه كالاختلاف في الجماع بأن جامع قبل الوقوف بعرفة ثم جامع ، أنه إن كان ذلك في مجلس واحد يجب على كل واحد منهما دم واحد ، وإن كان في مجلسين مختلفين يجب على كل واحد منهما دمان في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف . وعند محمد إن ذبح للأول فعليه دم آخر ، وإن لم يذبح يكفي دم واحد قياسا على كفارة الإفطار في شهر رمضان ، وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى .
ولو ادهن بدهن فإن كان الدهن مطيبا كدهن : البنفسج ، والورد ، والزئبق ، والبان ، والحرى ، وسائر الأدهان التي فيها الطيب فعليه دم إذا بلغ عضوا كاملا . وحكي عن الشافعي أن البنفسج ليس بطيب ، وأنه غير سديد ؛ لأنه دهن مطيب فأشبه البان وغيره من الأدهان المطيبة ، وإن كان غير مطيب بأن ادهن بزيت أو بشيرج فعليه دم في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد عليه صدقة . وقال الشافعي : " إن استعمله في شعره فعليه دم ، وإن استعمله في بدنه فلا شيء عليه " احتجا بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت وهو محرم } ولو كان ذلك موجبا للدم لما فعل صلى الله عليه وسلم لأنه ما كان يفعل ما يوجب الدم ؛ ولأن غير المطيب من الأدهان يستعمل استعمال الغذاء فأشبه اللحم والشحم والسمن إلا أنه يوجب الصدقة ؛ لأنه يقتل الهوام لا لكونه طيبا ، ولأبي حنيفة ما روي عن أم حبيبة رضي الله عنها أنه لما نعي إليها وفاة أخيها قعدت ثلاثة أيام ، ثم استدعت بزنة زيت وقالت : " ما لي إلى الطيب من حاجة لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا } سمت الزيت طيبا ؛ ولأنه أصل الطيب بدليل أنه يطيب بإلقاء الطيب فيه ، فإذا استعمله على وجه الطيب كان كسائر الأدهان المطيبة ؛ ولأنه يزيل الشعث الذي هو علم الإحرام وشعاره على ما نطق به الحديث ، فصار جارحا إحرامه بإزالة علمه ، فتكاملت جنايته فيجب الدم . والحديث محمول على حال الضرورة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كما كان لا يفعل ما يوجب الدم كان لا يفعل ما يوجب الصدقة ، وعندهما تجب الصدقة فكان المراد منه حالة العذر والضرورة ، ثم إنه ليس فيه أنه لم يكفر فيحتمل أنه فعل وكفر ، فلا يكون حجة .[/center][/center]
مواضيع مماثلة
» حكم المحرم إذا منع عن المضي في الإحرام
» نقد كتاب رسالة فى أحكام شهر المحرم
» نقد كتاب الزواج المحرم أحكامه وأنواعه
» نقد كتاب رسالة فى أحكام شهر المحرم
» نقد كتاب الزواج المحرم أحكامه وأنواعه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى